أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليفة المنصوري - من السّياسيّ إلى الثّقافيّ في خطابات شكري بلعيد أو غرامشي الصّغير















المزيد.....

من السّياسيّ إلى الثّقافيّ في خطابات شكري بلعيد أو غرامشي الصّغير


خليفة المنصوري

الحوار المتمدن-العدد: 4033 - 2013 / 3 / 16 - 13:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"..إنّ معركتنا في بعدها الأساسي ثورة ثقافيّة، ولا يمكن الحديث عن ثورة وتغيير جدّي وثوري بدون إعادة انتاج هويّة شعبنا على أسس مقوّماته التّاريخيّة، وبدون النّظر العميق النّقدي في الموروث العربي الاسلامي في جوانبه المشرقة النّيّرة.. لأنّ تونس وثورة تونس أعطت دلالة واضحة على انتماء تونس وشعب تونس..تنخرط هويّة شعبنا كمشروع مفتوح تقدّمي في مسيرة الانسانيّة التّقدّميّة المنخرطة في العقل الحديث والمؤسّسة على الحداثة ومكتسباتها.. نحن جزء أصلي وأصيل في هويّتنا العربيّة الاسلاميّة المنفتحة النّيّرة والتّقدّميّة، وعنصر فاعل في الثّقافة والحضارة الانسانيّة ذات الأفق الأممي".(مقتطف من خطاب شكري بلعيد: 25 مارس 2011)

ونحن نحيي أربعينيّة الشّهيد شكري بلعيد، الذي لم تكشف بعدُ خيوط المؤامرة عليه في التّخطيط والتّنفيذ لاغتياله، ونحن على وقع الألم وخسارة أبرز قادة اليسار والجبهة الشّعبيّة لتصحيح مسار الانتقال الدّيمقراطي، نستحضره روحا وفكرا، ونستبطنه رمزا خالدًا في النّفوس والأذهان بأفكاره ومشروعه الثّقافي الذي تجاوز به السّياسيّ المباشر، على أهمّيته، إلى معانقة "الرّمزي" كفضاء للصّراع على هويّة شعب مهدّدة في كيانها، فضاء من خلاله يشكّل المثقّف/ المناضل"هيمنة بديلةً" (على حدّ تعبير أنطونيو غرامشي) عن هيمنة نظام ديكتاتوريّ في إطار التّشكّل أو النّشوء، خاصّة وأنّ "المثقّف العضويّ" وحده من يُؤتمن على التّغيير الحقيقي والدّفاع عن مكتسبات المجتمع الحضاريّة، وهو القادر على صنع المعجزات. فهذا المرور السّلس في فكر شكري بلعيد، من فضاء الصّراع السّياسيّ واستحقاقات الشّعب في الحريّة والتّنمية العادلة، إلى الفضاء الثّقافي الرّمزي، عندما يتعلّق الامر بتهديد هويّة الشّعب ومقوّماته الحضاريّة بثقافة غريبة عنه، يجعله قريبا من مشروع المناضل الماركسي الايطالي أنطونيو غرامشي، بل كثير التّشابه معه.
ولعلّ استحضار غرامشي، هنا، سيحيلنا على أوجه التّقارب والالتقاء بين الرّجلين في جمعهما بين الثّقافي والسّياسيّ كشرط من شروط التّغيير الاجتماعي، لاسيما في ظلّ نظام يتعدّى تهديده المجتمع، في الحريات الأساسيّة، إلى تهديد مكتسباته الحضاريّة وهويّته وتاريخه. فالهيمنة على المجتمع ثقافيّا وفكريّا تبدو في نظر الاثنين أخطر من الهيمنة الاقتصاديّة والسّياسيّة. فإذا كان غرامشي يخشى على المجتمع، كفضاء للصّراع الايديولوجي، من هيمنة الدّولة الفاشيّة على الاجهزة الثّقافيّة والايديولوجيّة المتمثّلة في الكنيسة والمدرسة والإعلام، فإنّ شكري بلعيد كان يخشى على المجتمع التّونسي من هيمنة دولة "الدّيكتاتوريّة النّاشئة" على الفضاء الرّمزي، من خلال السّيطرة على الاعلاميين والمبدعين والمفكّرين بتهديدهم ومحاولة تدجينهم، ومن خلال توظيف المساجد وشحن العقائد، والاعتداء على الطّفولة في تنشئتها الاجتماعيّة الأولى. لقد أضاف الشّهيد شكري بلعيد إلى "الصّراع الطّبقي"، في نضاله ضدّ خيارات النّظام الاقتصاديّة والسّياسيّة، بمناويلها التّنمويّة التّفقيريّة، الصّراع الرّمزي والايديولوجي على هويّة الشّعب بثقافته وتاريخه، في اطار "حرب المواقع" كما يقول غرامشي.
فغرامشي عندما كتب "دفاتر السّجن"، أحدث تحوّلا هائلاً في الفكر الماركسي، باخراجه عن دائرة "الصّراع الطّبقي" إلى منطقة "الصّراع الايديولوجيّ"، ومن الصّراع على "الجهاز السّياسيّ" إلى الصّراع داخل "المجتمع المدني"، والذي سيكون للمثقّف العضوي الدّور الأساسي والحاسم في مناهضة "الفاشيّة"، حينها، في حقول الايديولوجيا والاعلام والمدرسة والدّين، باعتبار أنّ كلّ الحقول الرّمزيّة هي مجال للهيمنة والصّراع الحقيقي وفضاء للمعركة على ثقافة الجماهير من أجل تحويلها إلى فعل سياسيّ ورافد للتّغيير يجابه تهديدات السّلطة. وهي الرّؤية الجديدة التي أسّس لها في التّعاطي مع صعود الدّيكتاتوريّات وتهديدها للمسار الديمقراطي في أبسط قواعده، خاصّة عندما تكون "القوى الثّوريّة" متراجعة وتعيش أزمة "بديل ثوري". وإذا كان غرامشي قد أضاف إلى الفكر الماركسي بعيدا عن قوالب النّظريّات الكلاسيكيّة الجامدة، وتوفّي وهو في ريعان الشّباب بعد خروجه من سجون الفاشيّة مباشرة، وفكره لازال ينبض حياةً، ويحمل مشروعا تجديديّا في الفكر السّياسي الماركسي الذي جمع فيه الثّقافي/ الرّمزي بالسّياسي، فإنّ الرّفيق الشّهيد جمع بين رهانه على توحيد اليسار في "كتلة تاريخيّة" واسعة تتجاوز الاختلاف المرجعي، وتلتقي على أرضيّة مناهضة سياسات حكومات الالتفاف على استحقاقات أكثر الفئات والشّرائح تضرّرا من منوال تنموي عقيم، وعلى مقاومة ما يهدّد المجتمع في هويّته ومكتسباته الحداثيّة والتّحرّريّة من زحف "وهّابي" وثقافةٍ للموت والكراهيّة واستعداء الآخر وتكفيره. إنّه يتجاوز السّياسي إلى أفق الفضاء الرّمزي والايديولوجي الرّحب، فضاء الصّراع على مفاهيم العقل والذّكاء وثقافة التّسامح والتّفتّح وإعادة تشكيل الهويّة على مقوّمات "المشروع التّقدّمي في مسيرة الانسانيّة التّقدّميّة المنخرطة في العقل الحديث والمؤسّسة على الحداثة ومكتسباتها "(خطاب).
ورغم أنّ الصّراع في تونس ما بعد "الثّورة" هو سياسيّ بامتياز، بين من ينتصر إلى خيارات الشّعب في الحريّة والكرامة والتّشغيل، وبين من يلتفّ على استحقاقات غالبيّة الشّرائح والفئات الأكثر تضرّرا من منوال تنموي تفقيري، ورغم أنّ الخطورة تتأتّى دائما من امكانيات انحراف السّلطة وميلها إلى الاستبداد، على مرّ الحكومات المتعاقبة إثر 14 جانفي، بنيّتها المبيّتة في التّأسيس لديكتاتوريّة ناشئة، فإنّ الشّهيد شكري بلعيد، كما غرامشي تماما، رغم تباعد الأزمنة والظّروف والسّياقات، كان يبحث عن ماركسيّة جديدة متصالحة مع الجماهير ومنحازة إلى ثقافة المجتمع بتاريخه ورموزه ومقوّماته الحضاريّة ووحدته الوطنيّة. فقد كان "المثقّف العضوي" الذي يحمل مشروعا مجتمعيّا مدافعا عن مقوّمات الشّعب الذي ينتمي إليه، منتصرا إلى عموم المفقّرين والمحرومين والمضطهدين. فهو الذي حمل هموم الشّعب وارتبط بمشاغله وقضاياه، وأثبت بنضاليته "أنّ المثقّف الذي لا يلامس آلام شعبه لا يستحقّ لقب المثقّف وإن كان يحمل أرقى الشّهادات"(غرامشي). وهكذا كان الرّفيق الشّهيد إنسانيًّا روحًا وفكرًا، ووطنيّا وشعبيًّا أقرب إلى الجميع. وكانت خطاباته تقاوم ثقافة غريبة عن هويّة الشّعب وحضارته، ثقافة وافدة عليه من شرق "الحنابلة الجدد"، ليؤكّد أنّ هذا الشّعب مهدّد في كيانه ووجوده قبل أن يكون مهدّدا في حرّياته الأساسيّة. لقد اعتبر أنّ ما يحدث في تونس ليس إلاّ مواصلة لصراع تاريخيّ لا يختلف عمّا تعرّض له أبو القاسم الشّابي أو طه حسين أو الطاهر الحدّاد أو الحلاّج او ابن المقفّع أو ما حدث مع محنة المعتزلة على أيادي الحنابلة، وأنّ الصّراع في تاريخنا هو بين توجّهين: "قوّة للجذب إلى الوراء مع ثقافة الموت والعنف وإلغاء الآخر واللّون الواحد والرّأي الواحد والحاكم الواحد والقراءة الواحدة للنّص المقدّس".. وتونس التي فيها حديقة بمائة وردة ومائة لون.. نختلف ونتعدّد داخل اطار مدني سلمي.."(مقتطف من مداخلة تلفزيّة).
هكذا كان يرى الشّهيد خطورة ما يتهدّد تونس من عنف ممنهج ومتعمّد من قبل "كهنة القرون الوسطى"، على حدّ تعبيره، على الاعلاميين والمبدعين والجامعيين، في اطار مشروعهم الذي يستهدف المنظومة الوضعيّة القانونية وحريّة الاعلام والفكر والتّعبير والضّمير والمعتقد والإبداع. لقد كان يخشى، حقيقة، على تونس ممّن يحملون غيظاً عليها، ومن تلك التّهديدات المتأتّية من استخدام المساجد وتوظيفها لفرض نمط حياتي جديد على التّونسيّين، ومن ثقافة "شيوخ الوهّابيّة" المحرّضين على العنف والكراهيّة وتكفير الآخرين. لكنّه في الآن نفسه كان يؤمن أنّ "ثقافة تورابورا" ليست إلاّ ثقافة دخيلة على مناخ لا يشجّع عليها، وأنّ تاريخ تونس أرقى ممّا تحمله سموم رياح الشّرق، عبر الدّعاة والفضائيّات واستثمار الاموال وتبييضها في العمل الخيري الجمعيّاتي، من خطورة على "نخب تونس وذكائها". لقد كان يؤمن بخصوصيّة هذه البلاد وصمودها في وجه كلّ الغزاة، بعراقتها وانتاجاتها النّيرة والعقلانيّة، وبتحرّرها وتعدّدها وتفتّحها على الحضارات. فهي البلاد التي "أنجبت محمد بن عرفة الورغمّي الذي حرّم العبوديّة منذ 500 سنة، قبل الأنجليز والامريكان.. وهي البلاد التي وضع فيها أوّل دستور وضعي في الوطن العربي..وهي البلاد التي أعطت أكبر حركة تحرير وتنوير دُوّنت في مدوّنة للإمام العلاّمة محمّد الطّاهر بن عاشور..وهي البلاد التي أهدتنا الشّيخ جعيّط الذي أسّس مجلّة الأحوال الشّخصيّة..وهي البلاد التي أهدتنا نصّا مؤسّسا في ثقافتنا المعاصرة هو" الخيال الشّعري عند العرب" الذي ضرب الكثير من السّواكن.."(مقتطف من مداخلة تلفزية).
لذلك فالمعركة، في نظره، تتعدّى الصّراع السّياسي على برنامج تنموي يراه معاديا للجماهير، إلى معركة على "الثّقافة الوطنيّة" وعلى الحقول الرّمزيّة لهويّة مهدّدة. إنّه يضيف إلى السّياسيّ معركةً على ثقافة الشّعب وهويّته المتأصّلة في التّاريخ والحضارة، والمتفتّحة على انتاجات الفكر البشري النيّر والإرث النّضالي الكوني للشّعوب. معركة تعيد تشكيل الهويّة على مكتسبات الحداثة وعلى ثقافة العقل والنّقد والتحرّر، في وجه تقسيم البلاد عقائديّا إلى "دار حرب ودار سلام". ومثلما استمرّت أفكار غرامشي متوهّجة تثير بحضورها تفاعلا وجدلا ينسج للفكر والثّقافة، ويؤسّس لملامح ومقوّمات مجتمع لا يقبل الانحراف أو الزّيوغ، فإنّ أفكار الشّهيد لا تزال حاضرة في الأذهان أدوات لفهم ما يجري حولنا وإن تبدّلت المتغيّرات وتغيّرت السّياقات.



#خليفة_المنصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى 26 جانفي 1978: لا تزال شروط إنتاج الاحتجاجات الاجتما ...
- الفعل الثّقافي بين التّأسيس لقيم الحداثة وتهديدات ذهنيّة الإ ...
- خطاب -النّهضة- بين الجليّ والخفيّ قراءة في مدلول وثيقة داخلي ...
- احتجاجات العالم وتشكيل الوعي السّياسي الجديد
- ماذا تحقّق للشّعب من ثورته عشيّة انتخابات التّأسيسي؟
- المشهد السّياسي التّونسي: من أجل ديمقراطيّة جديدة
- قراءة سوسيولوجية لواقع -الثورة- التونسية


المزيد.....




- إسرائيل ترد على -تحذير- أممي من مجاعة في غزة: -حماس- تسيطر ع ...
- الخارجية الأمريكية: نرحب بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة ونتطلع ...
- تظاهرات حاشدة بصنعاء تأييدا للفلسطينيين
- انتخابات السنغال.. ضربة جديدة لفرنسا
- بودولياك: نحن في وضع دفاعي والجيش الروسي يتقدم للأمام بقوة
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- اليمن: مقتل 3 جنود إثر هجوم جوي منسوب لـ -أنصار الله- في محا ...
- زيلينسكي: نحتاج إلى صواريخ ATACMS لضرب القرم
- طلب بولندي يتسبب بإحراج شديد لممثلي كييف في مفاوضات حول المن ...
- السعودية.. الأمن العام يضبط أكثر من مليون ونصف مليون قرص مخد ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليفة المنصوري - من السّياسيّ إلى الثّقافيّ في خطابات شكري بلعيد أو غرامشي الصّغير