أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصدق الحبيب - ذاكرة اعتقال .. واعتقال الذاكرة















المزيد.....

ذاكرة اعتقال .. واعتقال الذاكرة


مصدق الحبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4032 - 2013 / 3 / 15 - 07:33
المحور: الادب والفن
    



حين انبش الماضي
اجد الذكريات الجميلة التي مرت سراعا ولم تدم
كما اجد الذكريات الاليمة التي ترابط في الراس ولاتجلب الا الاسى والاسف
فلا مهرب اذاً الا النسيان
"من اغنية امريكية"

اغلبنا يتذكر السيدة اعتقال الطائي، نجمة التلفزيون العراقي التي سطعت في سبعينيات القرن الماضي من خلال اطلالتها المسائية الاسبوعية على البيوت العراقية حيث كانت تقدم برنامج "السينما والناس". هذا البرنامج الذي كان واحدا من اهم البرامج التلفزيونية الثقافية واكثرها نجاحا وشعبية والتصاقا بذاكرة وضمير المشاهدين . ولعل شخصية اعتقال واسلوبها الشيق المتزن في التقديم وقابليتها على المحاورة الذكية الهادئة ومشاركتها في الاعداد واختيار المواد والضيوف اضافة الى قابلية وموهبة الاستاذ علي زين العابدين، معد البرنامج، شكلت العوامل الحاسمة في صعود البرنامج الى المستوى الاعلى من ثقة واحترام وولع الجمهور.
حين استفحل البعث في منهجه الفاشي لتسييس كل مرافق الحياة وتكبيل الفكر والابداع والتضييق على الحريات، تعرضت اعتقال الى مضايقات سياسية كثيرة طوال العقد السبعيني لم تنته الا بمغادرتها الى العاصمة الهنگارية بودابست عام 1979 لاكمال دراستها العليا في السينما والانهماك بحياتها العائلية مع زوجها وابنتها والتفرغ لانجاز الاعمال الابداعية في الكتابة والترجمة والاعداد الاذاعي والتلفزيوني. من اواخر اعمالها كتاب "ذاكرة الاشياء" الذي صدر مؤخرا عن دار شمس للنشر والتوزيع في القاهرة . وهو كتاب من الحجم المتوسط ويقع في 295 صفحة.
قرأت هذا الكتاب بشغف ومتعة ولم اضعه حتى انتهيت من قرائته كاملا. ورغم انني لااريد ان ازعم هنا بانني اكتب نقدا ادبيا، لكوني غير متخصص في هذا المجال، الا انني احببت ان اسجل ملاحظاتي الشخصية كانطباعات عن كتاب لصديقة عرفتها جيدا، واحداث عشتها ، وواقع عاصرته.
- احتوى الكتاب على 22 ذاكرة لاحداث واقعية من حياة الكاتبة التي اسمتها "فصولا من سيرتها الذاتية" كما مثبت على الغلاف كعنوان ثانوي . ولاادري ان كانت الكاتبة تحرص على عدم اعتبارها قصصا قصيرة لاسباب فنية خاصة بفهم اعتقال لفن القصة القصيرة، ولكنني شخصيا رأيتها وتعاملت معها كمجموعة قصصية.
- غطت الاحداث اماكن مختلفة وازمنة متداخلة، فمن الحلة وبغداد والنجف ونقرة السلمان الى دمشق ولينينغراد وموسكو واوكرانيا وبودابست. ومن زمن الطفولة في البيت الحلاوي التقليدي والعائلة الكبيرة الى ايام الشباب والدراسة في اكاديمية الفنون الجميلة واشكاليات العمل في تلفزيون بغداد الى ايام الدراسة العليا والحياة العائلية في بودابست. من الجدير بالذكر هنا هو ان الكاتبة لم تتردد في ذكر الاسماء الحقيقية لشخوص الاحداث سواء كانوا من الاهل والاصدقاء والمعارف او من العاملين والمسؤولين، وقد رأيت في ذلك عنصرا من العناصر التي اضافت الى اصالة المواضيع وواقعيتها وارتباطها الوثيق . فلم تتردد اعتقال في سرد ماجرى لها كموظفة مع زملاء العمل ومديريها محمد سعيد الصحاف ولطيف نصيف جاسم ومقابلتها لصدام حسين في زمن تصاعد المضايقات التي كانت تتلقاها في مجال عملها الوظيفي .
- كُـتبت تلك الذكريات بلغة سلسة بسيطة بعيدة عن التكلف الادبي ، وقد تخللتها حوارات باللغة العامية العراقية رسّخت مناخ الاحداث المحلي واكدت اصالتها. ومن اهم ماميز هذه الذكريات عن غيرها هو اسلوبها الشيق الممتع المتميز بالعفوية والذي ليس فقط يضع القارئ في وسط الحدث انما يشركه عاطفيا وينتزع تجاوبه الايجابي. ولربما ادى وضع سردية السيرة الذاتية في قالب القصة القصيرة الى خلق مزيج ادبي موفق انقذ النص من ان يكون منعزلا عن القارئ كما تعودنا ان نراه في معظم كتب السيرة الذاتية التي تجعل من القارئ محض مراقب او شاهد خارجي لما يرويه الكاتب عن نفسه.
- بدا لي وكأن الكاتبة تقصدت الابتعاد عن تكنيكات كتابة القصة الحديثة ولغتها ومستلزمات حبكتها السائدة حاليا بين مجتمع القصاصين والمميزة لثقافة كتابة القصة العربية. ولربما ارادت الكاتبة ان تتجنب في ذلك حشر ماقد يصبح دخيلا فظا قد يعكر من سلاسة سردها للموضوع ويربك تعاملها مع شخوص الاحداث، وهو العامل الذي جسد تلقائية الاسلوب وزاد من رصانته.
- اتاحت الكاتبة مجالا عريضا لروح الدعابة والنكتة ان تكون حاضرة في كل ذاكرة وكل حدث ترويه حتى في تلك المواقف المؤلمة والحزينة ، حيث اجادت في الحفاظ على جدية المشاعر بحس فكاهي لطيف وخفيف لم يتطور الى تسفيه المواقف او افراغها من محتواها. وهذه في الحقيقة موهبة تستحق الذكر والمديح.
- كان من اهم مااثار انتباهي واعجابي هو قابلية الكاتبة على ربط ومتابعة الاحداث وحياكة امتداداتها بطريقة سينمائية برعت الكاتبة في تقديمها وكأنها انتقالات عبر تكنيك المونتاج السينمائي بنوعيه "الفلاش باك" و"الفلاش فورورد". ولربما اتذكر ماقالته اعتقال يوما بان ما حملها بالاصل على كتابة هذه الذاكرات هو لذة او مرارة التداعي من حدث قد يكون بسيطا وعابرا الى احداث اكبر واعمق في ذاكرة وضمير الكاتبة كأن يأخذها حدث عابر وتافه كدخول حشرة طائرة عبر الشباك المفتوح الى غرفتها في بودابست الى استذكار قصة لقاءها وصداقتها الاخوية النقية مع الفنان والاديب المقعد يحيى جواد في بغداد. وقد تكرر استخدام هذا التكنيك عدة مرات حتى كاد يصبح الصفة المميزة لهذه الذاكرات مما منحها خصوصية عالية لم ارها انا من قبل خلال متابعاتي المتواضعة. وهذا مايسجل للكاتبة في رأيي تميزا محمودا.
- لابد من الاشادة بجرأة وشجاعة الكاتبة في البوح بصراعها المرير مع مرض السرطان لعدة سنوات والذي لم يفلت هو الاخر من دعابتها فقد اسمته "ابو الجنّيب" الاسم الشعبي لحيوان السرطان النهري.. هذا المرض الذي دخل عنوة الى حياتها واصر على منازلتها فقبلت النزال حتى النصر الاخير. لقد خاضت الكاتبة في تفاصيل قصتها مع المرض واجراءات العلاج بروح عالية وقلب مفتوح وضمير طافح بالامل والتفاول واصرار واقعي على الصراع مع المرض وعدم الاستسلام لجبروته، الامر الذي كان بالتأكيد العامل الاول في تغلبها على المرض والتمتع بالحياة من جديد بعيدا عن مخالبه الوحشية.
- واخيرا، وليس آخرا فقد سيطر على ذاكرات اعتقال قطبان متنافران، قطب الذكريات الجميلة مع الاهل والاصدقاء والوطن الام وناسه الاطياب ونهرالفرات وشموع الخضر وبساتين الحلة وتاريخ بابل وتألق بغداد وجميعها في عداد الماضي الذي تأسف على انطواءه وغيابه بلا عودة. والقطب الثاني هو الزمن المر، زمن الرعب والارهاب، والتهديد والاستلاب والاغتراب، زمن الضياع وامتهان الانسانية واسترخاص الارواح . زمن الشقاوات وقطاع الطرق، الرعاع الاقزام الذين حولوا جوهرة العراق المتلألئة الى حصاة كالحة متصدعة تنخر فيها الديدان، وهو جزء الذكريات الجدير بالاعتقال والمحاكمة والتجريم.



#مصدق_الحبيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مالعمل بعد التظاهرة الكبرى الاولى؟
- عن الامانة الاكاديمية والالتزام العلمي
- كلمتان، لاغير !!
- إبراهيم كبّة: كلمة وفاء في ذمة الخلود
- لمحة تأريخية عن نشأة وتطورالخط العربي
- الخط العربي: موقف فلسفي وعملي
- وداعا حسني
- الفن والحرية والابداع: كتاب جديد لمصدق الحبيب
- الخط العربي:منبع السحر اللامتناهي والحلم الفنطازي
- تنبيه الى القارئ وعتاب للسيد محسن ظافر غريب
- جوهر الديمقراطية
- الحريّة الأكاديميّة ونظام التعليم الحر المستقل
- معرض مصدق الحبيب: ‏احتفال بصري في الشكل واللون والضوء
- هذه هي مسؤولية الجنرال سلطان هاشم
- في مفهوم الحريّة
- حول شرعية الفن الاخلاقية
- حول ماهية الفن
- التكعيبيّة واستحقاق الريادة في الفن التشكيلي المعاصر
- آهٍ ، لو يتقاتل المتطرفون مع بعضهم
- اغتيال الزهاوي: انتكاسة اخرى للثقافة العراقية


المزيد.....




- التحديات التي تواجه التعليم والثقافة في القدس تحت الاحتلال
- كيف تحمي مؤسسات المجتمع المدني قطاعَي التعليم والثقافة بالقد ...
- فيلم -أوسكار: عودة الماموث-.. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم ...
- أنغام في حضن الأهرامات والعرض الأول لفيلم -الست- يحظى بأصداء ...
- لعبة التماثيل
- لماذا يا سيدي تجعل النور ظلاماً؟
- نشطاء يريدون حماية -خشب البرازيل-.. لماذا يشعر الموسيقيون با ...
- -ماء ونار-.. ذاكرة الحرب اللبنانية في مواجهة اللغة وأدوات ال ...
- أردوغان يستقبل المخرج الفلسطيني باسل عدرا الفائز بأوسكار
- توقيع اتفاق للتعاون السينمائي بين إيران وتركيا


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصدق الحبيب - ذاكرة اعتقال .. واعتقال الذاكرة