أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصدق الحبيب - كلمتان، لاغير !!














المزيد.....

كلمتان، لاغير !!


مصدق الحبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3159 - 2010 / 10 / 19 - 00:51
المحور: الادب والفن
    


جلست ازاء شاهدة قبر انيقة لتضع باقة من الزهور اليانعة في ذكرى رحيل والد تها. انها امرأة شابة فاتنة في السابع والعشرين من عمرها. ضربت شمس المساء خصلات شعرها المائل الى الحمرة فجعلتها تبدو وكأنها اشرطة من النحاس المتوهج. تأملت شاهدة القبر وحدقت في حروفها بعينين مضيئتين كالكهرب الاصفر وقد اغرورقتا بالحزن والاحباط. ومن خلال رؤيتها المضببة بالدموع سرحت مخيلتها تستعرض كشريط سينمائي قصة كفاح امها الحنون التي غمرتها بالرعاية والاهتمام وكرست حياتها القصيرة لتربيتها وتنشأتها وارسالها لكلية القانون لتصبح محامية ناجحة. تلك الام التي لم تتزوج ثانية ولم ترتبط باي رجل بعد ان هجرها زوجها الاول والاخير دون سابق انذار، وعلى حين غرة، وطفلتهما ماتزال في المهد. عملت الام ليل نهار تنوء منفردة بعبء العائلة فارتحلت عبر المدن الكبيرة والصغيرة وطرقت ابواب المتاجر والمستشفيات والمصانع الملوثة البيئة التي تسببت اخيرا في تلف رئاتها بالسرطان الذي انهى مشوارها مبكرا. استعادت البنت في ذاكرتها جمال ورشاقة وسحر امها كما رأتها تطفح بالشباب وتتفجر بالحيوية في البوم صور الحب والغرام مع ابيها الذي لم تره ولم تعرف عنه اي شئ قط سوى ذلك الشاب الوسيم الذي تأبط ذراع امها في تلك اللقطات السعيدة. قررت حينذاك ان تبدأ رحلة البحث عن الاب الهارب المطلوب لعدالة ضميرها النقي وكبريائها الجريح، ليس لشئ سوى ان تقول له كلمتين، اذا كان مايزال حي يرزق!!
****
اصطحبها الموظف المكلف بالبحث الى مدينة نائية مغبرة حيث كان قد نسق اللقاء بوالدها في احدى البنايات الرسمية، وأشار لها ان تدخل احدى الغرف التي كان ينتظر فيها الوالد. سحبت شهيقا عميقا وامسكت مقبض الباب الموصود بارتجاف واضح وتسمرت تسأل نفسها: لماذا كل هذا العناء؟ لقد امضيت سنتين من البحث الشاق. سافرت الى مدن وقرى بعيدة، ركبت السيارات والقطارات والطائرات. انفذت اجازاتي وانفقت مدخراتي وافرغت جيوبي وضيعت وقتي وازعجت احبابي واصدقائي وكلفت زملائي!! فمالذي ساجنيه من هذا الشقاء؟ وكيف دب وسواس هاتين الكلمتين في رأسي؟ ومالفائدة من قولهما ...ترددت وهمت بالرجوع الى ادراجها ، لكنها وبلمحة بصر ادارت مقبض الباب.
****
جلست في زاوية من الغرفة وجلس الرجل الكهل وهو في اواسط الخمسين في الزاوية الاخرى رثا أشعثا مكتئبا يبعث على الرثاء. بعد صمت مريب لبضع دقائق وهي تتهيأ لاطلاق كلمتيها، أطرق الرجل واجهش ببكاء مبحوح. فلم يكن منها الا ان تغص بعواطفها هي الاخرى وتجيبه بنحيب يقطع اوتار القلب. ثم رفعت رأسها وقد سال الكحل سيولا على خديها المتلألئين اللذين بدا وكأنهما قد غسلا بماء الفضة. نظرت اليه وهو يمسح عينيه وانفه بمنديل متسخ. قالت:
لماذا تركتنا؟
صمت الرجل لدقائق وهي مازالت تنتظر الجواب بوجه ابتل بالدمع الاسود.. قال بصوت كسرته العبرة وأرجفه الذنب:
كنت شابا طائشا متهورا.. رأيت المسؤولية تجثو على صدري وتضيق على خناقي ولم اكن اهلا لتحملها... فهمت على وجهي في هذه البلاد المترامية الاطراف وتمنيت ان يخفيني زحام المدن ويبتلعني ضجيجها. وعندما كبرت لم اجد في نفسي الرجولة الكافية لمواجهة اخطائي وتصحيحها. أوهمت نفسي بان الاخطاء تمحو نفسها، والخطايا تطهر ذواتها، والذنوب تكفر عن بعضها، والزمن كفيل بجبر الخواطر!! ثم اطرق ينتحب ثانية.
نهضت البنت وهي لاتزال تكفكف دمعها وتركت الغرفة بصمت. تبعها الوالد الى خارج البناية. تواجه الاثنان ثانية عند باب البناية الخارجي وساد بينهما صمت محرج آخر. مدت يدها مرتجفة لتصافحه توديعا. تقدم نحوها محاولا ان يضمها اليه، لكنها انسحبت الى الوراء ثم استدارت.. ومضى كل في سبيله يجرجر اذيال الهزيمة محاولا ان يخفيها بدموع الحد الادنى المهين من الرضا والقناعة.



#مصدق_الحبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبراهيم كبّة: كلمة وفاء في ذمة الخلود
- لمحة تأريخية عن نشأة وتطورالخط العربي
- الخط العربي: موقف فلسفي وعملي
- وداعا حسني
- الفن والحرية والابداع: كتاب جديد لمصدق الحبيب
- الخط العربي:منبع السحر اللامتناهي والحلم الفنطازي
- تنبيه الى القارئ وعتاب للسيد محسن ظافر غريب
- جوهر الديمقراطية
- الحريّة الأكاديميّة ونظام التعليم الحر المستقل
- معرض مصدق الحبيب: ‏احتفال بصري في الشكل واللون والضوء
- هذه هي مسؤولية الجنرال سلطان هاشم
- في مفهوم الحريّة
- حول شرعية الفن الاخلاقية
- حول ماهية الفن
- التكعيبيّة واستحقاق الريادة في الفن التشكيلي المعاصر
- آهٍ ، لو يتقاتل المتطرفون مع بعضهم
- اغتيال الزهاوي: انتكاسة اخرى للثقافة العراقية
- لا تضيّعوا الفنان محمود صبري
- لاتضيّعوا الفنان محمود صبري
- المصالحة الوطنية:تساؤلات في التجربة العراقية وتأملات في تجار ...


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصدق الحبيب - كلمتان، لاغير !!