سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 4032 - 2013 / 3 / 15 - 07:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العملية السياسية التي انتهت منذ زمن, وبالتحديد منذ الولاية الثانية للسيد المالكي, منذ ان سحبوا البساط من تحت أقدام القائمة العراقية, وتم إعفائهم من تشكيل الكابينة الوزارية.... منذ ذلك الحين والعملية السياسية تتنفس انفاسها في غرفة العناية المركزة. "الشراكة الوطنية" كانت الركيزة الرئيسة لبناء العراق الطائفي - القومي بقيادة امريكا وكانت باني وراعي لهذه العملية. بخروجها انفجرت الاوضاع كما كان متوقعاً ليس لدينا فحسب بل لدى القوى السياسية الحاكمة وكثير من المحللين السياسيين.
الولاية الثانية للماكي كانت بداية لتغيرات وتحولات كبيرة على صعيد العالم العربي, عبر ثورتي تونسي ومصر والحركات الرجعية الاخرى التي روجت وصعدت عنوانها بإسم "الثورة" في ليبيا وسوريا وبلدان اخرى. هذه التحولات اثرت على التركيبة السياسية وتوازن القوى في العراق حيث ضربت الدعم والمساندة القومية العربية التي مثلتها انذاك القائمة العراقية بعرض الحائط اثر سقوط الحكومات التي تمثل القومية العربية, الحزب الوطني الحاكم في مصر ورئيسه مبارك وزين العابدين في تونس ومعمر القذافي في ليبيا.... والتحولات الكبيرة التي شهدتها سوريا وهي مستمرة, ولها تأثير اهم على مجريات الامور في العراق. الحركات الرجعية هذه, أعادوا خريطة التقاليد السياسية الى القرون الوسطى وفق المشروع الامريكي حيث تفشي الطائفية والقبلية والمذهبية بكافة انواعها الفجة. في ظل هذه الاوضاع قصت "الشراكة الوطنية" وهي في الحقيقة الشراكة الطائفية والقومية اي الشراكة بين "المكونات" حسب قولهم. في البداية تم تحجيم القائمة العراقية بالكامل حيث ان رؤساء هذه القائمة كلها "هاربون" من الخدمة, ومتهمون بتهمة مختلفة منها الارهاب والفساد... ليس هذا فحسب بل القائمة العراقية اصبحت قائمة للحزب الاسلامي ولا اقصد "الحزب الاسلامي العراقي" بل اقصد تحولت من القومية العربية الى الاسلامي السني الطائفي لم تبقى من القائمة العراقية على مشروعها غير الحوار الوطني والمطلك... واليوم رؤساء هذه القائمة من النجيفي الى العيساوي يدعون ويتفخارون بكونهم طائفيين.
اكدنا على هذه الاوضاع منذ بداية الولاية الثانية للماكي وقلنا إن "الشراكة الوطنية" هي وهم, والقوى البراجوازية الحاكمة كافة تحاول بعد خروح الاحتلال ان تعدل توازن القوى لصالحها. "الشراكة الوطنية" انهارت منذ زمن, ولكن في هذه الايام وبعد الاقرار على الموازنة بدون التوافق بين الاحزاب القومية الكردية والأتثلاف الوطني الشيعي اي الاقرار وفق قرار الاغلبية وليس وفق ديمقراطية الشراكة او التوافق, وكان هذا القرار بمثابة طلقة الرحمة على الشراكة هذه. حيث التحالف الوطني بالكامل وقف وقفة موحدة ولاول مرة في فترة الولاية الثانية للمالكي بوجه كافة الكتل والقوى الاخرى وضربت بضرب الحائط كل الادعاءات والخزعبلات التي روجوا لها تحت اسماء عدة ومنها التحالف: "الكردي الشيعي" حيث كان اخر حلقة لبقاء الشراكة, حيث انهارت على اثر الاقرار على الموازنة... وبالتالي تم مسح تاريخ "المظلومية المشتركة" التي تروج لها كلتا الحركتين الاسلام السياسي الشيعي والقومية الكردية.
البقاء للاقوى, وفق نظرية داروين حيث تفعل فعلها في الصراعات الاجتماعية ايضا. والاقوى ليس وفق النسبة العددية "للشيعة" بل وفق توازن القوى الدولي الذي يترجم في ساحة السياسية العراقية. لم تبقى في هرم السلطة سواء التحالف الوطني العراقي اي الاسلام السياسي الشيعي وهذا ادى ليس الى تغير جلد القائمة العراقية فقط مثل الثعبان او ما يسمى بعملية الانسلاخ, بل ادى بالعكس الى بقاء الجلد وانسلاخ المحتوى... حيث اقروا قادتها او اكثريتهم بالطائفية كملاذ أمن لتحريرهم من المالكي وحزبه وكتلته, وهكذا بدأت عملية تحشيد القوى في المحافظات الغربية في الانبار وديالى وصلاح الدين.... ويهدف القادة الجدد "وفق تغير نهجهم" للعراقية الى بناء إقليم وصرحوا بهذا بشكل علني وصريح, إقليم طائفي بدون اي شوائب... هذه هي الطريقة التي تتبناها هذه الحركة الرجعية حتى النخاع, كرد فعل لتحجيمهم وتصغيرهم من قبل المالكي... ولكن بحجة معاناة "الاهل" بحجة يافطة "المظلومية" على أبناء "السنة" با لها من روعة الاطروحات الحقيرة. من الطبيعي ان هذه السياسة لا تمت بصلة بمعاناة اهل الوسط والشمال.
الحركة القومية الكردية واحزابها الرئيسة وبعد الاقرار على الموازنة بالاكثرية... وليس وفق الشراكة او ما شابه ذلك, بل وفق الاكثرية وربما هذه الاكثرية تتجه نحو الاقرار على قانون النفط والغاز, على رغم الوساطة الايرانية بين الحركتين للملمت الشمل بين الجانبين, عبر إعطاء الرشوة الى الحزبين الحاكمين في كردستان وعن طريق الوسيط قاسم السليماني.. على اية حال ان التحالف الاسلام الشيعي ضرب ضربته وبقوة على اقرب شركائه سواء كان على صعيد الحكم او على الصعيد التأريخي في مرحلة المعارضة... اذن فما بالك بالتحالف الكردستاني عن مادة 140؟! بطبيعة الحال اصبح تحقيق هذه المادة وهم لا تضاهيه اية اوهام. رد فعل الحركة القومية الكردية واحزابها الرئيسة وبالتحديد الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه البارزاني لحد الان هي ادعاءات فارغة.... ادعاءات عتيقة مثل الخروج من الحكومة, او تهديدات بانفصال كردستان... ولكن هذه القضايا كلها لحد الان إدعاءات بدون محتوى, تهديدات اعلامية ليس إلا... مثل القائمة العراقية لا قوة لهم.
الحصيلة النهائية لسياسية المالكي خلال السنوات الثلاثة الماضية ادت الى تقسيم العراق بصورة فعلية وواقعية وفق خطة بايدن. عراق المكونات وليس عراق المواطنة, العراق الطائفي – القومي وليس عراق يعرف مواطنيه وفق هوية عراقية او هوية واحدة, العراق اصبح ملاذ لكل الهويات الخرافية والقبلية, حتى اصبحت عنوان السلطة والجمهورية, جمهورية العشائر والوجهاء, جمهورية العمائم والمراجع والملالي... بهذا يستدل الستار على عملية "الشراكة الوطنية" وبداء مرحلة جديدة من عراق جديد, المرحلة الجديدة تستلهم دروسها وتجاربها من المرحلة السابقة وهي اخطر منها من كل النواحي السياسية والامنية والعسكرية... ليس قوة ما في الارض ان تحرر العراق من براثن الرجعية هذه إلا وفقط إلا الطبقة العاملة في العراق... والطبقة العاملة وحركتها المناضلة تنقصها قضايا كثيرة لعل اولها ضعف تحزبها وضعف حزبها... ضعف تجربتها النضالية ومراكزها التنظيمية, وضعف رؤيتها السياسية... من يريد او من يهدف الى تحرير العراق من هذه العصابات والميليشيات عليه ان يركن الى فصل حركته ونضاله من كل تلك الحركات السياسية الاسلام السياسي الشيعي والسني والقومية الكردية والعربية... فصل السياسية والرؤية... والنضال والتكاتف والتصاعد من الطبقة العاملة والاقرار بدور ريادي لهذه الطبقة... انها الامل الاخير والوحيد.. في سبيل عراق متمدن, عراق ينفصل فيه الدين والقومية عن الدولة, عراق خال من الفساد... وفي النهاية عراق لكل ابنائه وثرواته لجميع مواطنيه "من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله "وهذا لا يمكن ان يتم الا عبر الثورة العمالية وبقيادة الطبقة العاملة وقادتها...
#سامان_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟