أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البوعيادي - أسئلة في الحب (حوار)















المزيد.....



أسئلة في الحب (حوار)


محمد البوعيادي

الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12 - 09:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


[ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ]
قـرآن كـــريـــم
ــــــــــــــــ

أحيانا ، بل في غالب الأوقات و نحن نحتفل بالأشياء و الأشخاص و التواريخ و الذكريات ، يقودنا انغمارنا في اللحظة إلى توقيف المناطق الدماغية المسؤولة عن التفكير و النقد و التدبر، نتغاضى عن طرح الأسئلة كي لا ننغص لحظة الاستمتاع بسعاداتنا الصغيرة التي نسرقها في زمن التعاسة التي صارت رأسمالا بشريا يتضخم في كل آن على شاشات التلفاز، واجهات الحواسيب، الجرائد، محطات الراديو، وفي الشوارع المكتضة بالموتى و المعطوبين و المتسولين، الجوعى، و عابري السبيل نحو نهايات تعيسة أكثر من تعاسات الحياة، إننا نحتفل كتعويض رمزي عن فقدان الجنة الأرضية التي كانت هنا يوما فخربناها و جعلناها سعيرا وقوده نحن، وجعلنا مواضيع لاحتفالاتنا قيما جميلة بفعل ندرتها صارت مسائل شبه مثالية، أشياء و قيم ضاعت في زحمة الواقع فصارت مُثلا لا تصلح إلا للاحتفال كذكرى أحيانا، وكأننا كلما احتفلنا بقيمة كبرى من القيم التي تميزنا - كجنس بشري - نشيع تلك القيم نحو نهاياتها، فلا شيء في واقع الحياة ينبئ بالعكس.
مما نحتفل به يوما في السنة و يستحق احتفالا في كل ثانية من عمرنا هناك الحب، و هي كلمة رائجة في أيامنا هذه مع اقتراب 14 من شهر فبراير، عيد الحب المبجل، أو جلالة الحب كما أسماه كاتب ما، كلمة خفيفة في اللسان ثقيلة في الميزان، لما لها من حمولات متداخلة منها ما هو سيكولوجي ذاتي، ماهو اجتماعي ، ماهو ثقافي: ديني- فلسفي- أدبي - أسطوري...إلخ.
الحب دافعية نفسية و شعور يتوجه نحو موضوع، هكذا تعريف لا أظن أحدا سيختلف فيه، دافع يتميز بتعدد مواضيعه و هو ما يميزه أيضا في تصانيفه، إنه في أشكال حضورة و تجليه متعدد المواضيع: حب الله تعالى، حب الوطن، حب شخص، حب قيمة، حب شيء..إلخ، غير أننا في هذا الحيز الصغير لا نطمح للتصنيف العلمي لأشكال و أنواع الحب ، كما أننا لا نطمح إلى تعريف الحب تعريفا علميا و لا أدبيا و لا حتى أن نطرح تأملا خاصا عن الحب و مشاكله و أطواره و أشكاله و مراتبه ، فقد كفى في ذلك ما رسخه التقليد الأدبي و الفقه الإسلامي في هذا الباب، في طوق الحمامة، و روضة العاشقين و غيرها من المصنفات الأثيلة التي يعج بها التراث الإسلامي الفسيح ، و لا نحن نزعم تأملا جديدا و طريفا في أشكال الحب من زاوية وجودية، بل نطمح فقط - مستعينين بالمعرفة السيكولوجية و"التجربة" - إلى إعادة التفكر في ماهية الحب و "مصداقيته" إن صح أن للحب مصداقية ما، و هو سؤال كما ينبئ عن نفسه، يكاد يكون ضربا من الخرافة و أبعد ما يكون عن نُشدان المعرفة المؤسسة الواعية، إذ كيف لنا أن نضع مقياسا ما لنحدد إن كان حب فلان (ة) صادقا أم لا؟ الأمر يكاد يشبه صناعة جهاز مشابه لجهاز مقياس الكذب الذي يصدق الكثيرون أنه مجرد إشاعة . لكنه في الحقيقة موجود و ينبني عمله على ارتباط بمنطقة معينة في الدماغ تفرز إشارات عصبية محددة كلما كذب المرء، فالحب مثله مثل الكذب فعل له حضوره العلمي في الخريطة الدماغية و لا يعرف بذاته بل بأعراضه و ما يترتب عنه فقط، كالشبح، الكل يتحدث عنه و يخافه و يريد رؤيته لكن لا أحد يعرف له مكانا و لا زمانا معينين، موجود و غير موجود، غير أن الحب مثله مثل الكذب ينحو إلى تجاوز المعطى الجسدي نحو الثقافي و السيكولوجي و الاجتماعي ، الذي لا ينفك عن البيولوجي لكن لا يتبعه و يخضع له كما سيتبين من خلال بعض الآراء و التحليلات، ولعل هذا الواقع هو ما يخول لنا الحق في القول في الحب، فلسنا متخصصين بيولوجيين و لا علماء فيزيولوجيا، لكن لنا أن نسأل عن الجوانب النفسية كما وضحها التحليل النفسي-الجديد.
كيف يكون حبنا صادقا؟ و كيف نعرف أننا نحب فعلا أو أن أحدا ما يحبنا فعلا و لا يوهمنا؟ و ما هي أشكال الإيهام التي تشكل خطرا على جوهر الحب و تسطيع أن تمارس نوعا من أنواع التعمية عليه؟ ثم هل هناك أصلا شيء اسمه حب؟، أليس مجرد تسمية لدوافع أخرى و ظواهر لها تفسيراتها في المعرفة السيكولوجية؟ و هل للحب تفسير أصلا؟ .
و أنا أكتب هذه الأسئلة أتذكر آخر حوار مع صديقة عزيزة حول موضوع الحب و تمظهراته، ظلت سؤالاتها راسخة في التفكير فأخذت على نفسي أن أفهم الظاهرة انطلاقا من الإشكالات التي واجهتها صديقتي كي أوسعها معرفيا ثم أرد عليها لربما أقنع نفسي قبل أن أقنعها، خِلتُ أن الانطلاق من واقع معين خير من تجريد الكلام و الغوص في التنظير الذي لا قبل لي به، و أنا متأكد أن بينكن و بينكم كثير ممن يشبهون صديقتي العزيزة (ب) و منكم من طرح أسئلة أعمق و أصعب، لكن المراد الآن هو أن نطور هذه الأسئلة و نفكر فيها سويا كل انطلاقا من تجربته الذاتية و باستعانة بالمعرفة طبعا، فوحدها المعرفة تصبغ المعنى على التجربة و تعطيها بعد العمق، لأن كل تجربة فهي عقيمة بالنسة للوعي إن لم تقترن بمعرفة ، فيكون بين العمق و العقم أن نفكر معا في هذه السؤالات أو نكتفي بعيش الظاهرة غير آبهين بالمسافة التي تتطلبها المعرفة النقدية بين الذات و الموضوع، لنفكر قليلا دون أن يشغل ذلك بالنا عن الاحتفال بعيد الحب الذي هو في الأصل احتفال بسعاداتنا الواقعة أو المنشودة أو حتى الضائعة ( لا تقولوا إلى الأبد، أرجوكم انتظروا قليلا).
بعد أن سردت فاجعتها الشخصية و هي تنظر إلي في تحد كأنني عدو يمثل الذكور جميعا، أمسكت كوب القهوة بين يديها ثم ألقت سؤالها في هدوء ودون تردد:

(ب) : سأسألك الآن انطلاقا من تجربتك و ما اطلعت عنه من معرفة يا صديقي ، كيغ تعرف أن الحب حب في المرة المقبلة و ليس مجرد انجداب أو رغبة جنسية مضمرة، وهل هناك فعلا ما يميز الحب عن هذه الرغبة؟، إني أرى أن هنا فقط يكمن سر الصدق في الحب.

- العلاقات التي ننسجها مع الأشخاص داخل الأطر الاجتماعية المتوفرة علاقات منتقاة بشكل مائز و حذق صديقتي، إننا لا نرتبط إلا بمن نظن لأنفسنا مصلحة خاصة معه أو فيه، أو مصالح متبادلة، كذلك علاقات الحب، إنها ناتجة عن بحثنا عن السعادة (مصلحة شخصية في مراتب)، لكن و كما أشرت في السؤال أو الأسئلة هناك تداخلات كبيرة و صعوبات في تمييز الماهية أولا، ماهية الحب الذي ينشد السعادة و المصلحة (الراحة النفسية و الجسدية)، و هو سؤال لا تمكن الإجابة عنه مفصولا و بشكل تأملي، إذ غالبا سينتهي بنا الأمر إلى شكل من أشكال التأمل الفلسفية كما في كتابات الرومانسين العرب، و هو أمر ليس منشودا بالنسبة لحوارنا الآن، في هذا المستوى يميز التحليل النفسي بين دوافع سيكولوجية متداخلة و متراكبة بشكل كبير، بها و من خلالها يمكننا تمييز الحب و تعريف ماهيته: دافع الأنا - الحب- دافع الإشباع الجنسي .
معروف أن الحب شعور في ماهيته الأولية، لكن أي شعور؟،إنه شعور بالتوق الشديد إلى شخص آخر، الرغبة في بذل الحنان و العطاء الذاتيين نحو شخص آخر يكون موضوعا لهذا البذل، لكن و بالمقابل ننتظر أن يبادلنا هذا المحبوب مشاعرنا بشكل لائق و إلا يكون حبا غير مكتمل، إن الحب شعور مرتبط بدافع الأنا، إشباع النرجسية الذاتية المترتب عن الشعور بأن الآخر يرغب فينا أيضا كما نحن نرغب فيه،لذلك يكون هذا أول أشكال التركيب في موضوع الدوافع الثلاثة، الأنا و غريزة الأنانية التي في كل واحد فينا تريد أن تُشبع، أن تأخذ قسطها من حب الآخر، نعطي و نريد أن نأخذ كي لا يكون الحب معطوبا ، لذلك يجعل التداخل هذا بين الحب (كشعور مستقل) و الأنا (كفاعل متفاعل في عملية الحب) ، يجعل الحب شبيها بعملة ورقية لها وجهان، لا يصح وجه إلا بالوجه الثاني، إن حبنا الذاتي لا يكتمل إلا إذا تبادلنا الآخر و بذل لنا في مقابل ما نبذل، و هنا أشير إلى استحالة كمال حالة الحب السليم في حالة ما يسمى الحب من طرف واحد، إذ لا يوجد حب من طرف واحد أبدا، إن الحب حالة مركبة من أطراف، الحب من حالة واحدة يكون شعورا سيكولوجيا له تسمية أخرى، و إن كان حبا فهو لا يدخل في نطاق حالة قابلة للتفكر و الدراية في المقام الذي نحن فيه، هذا إذا هو التداخل الأول، أي بين الأنا الراغبة في إشباع نرجسيتها و بين الحب كموضوع نريده أن يكون مستقلا محددا بجوهره.

(ب): انتظر قليلا أرجوك قبل أن تكمل، ماذا تقصد بأنه لا يوجد حب من طرف واحد؟ و ماذا عن النساء و الرجال الذين يظلون متعلقين بشخص آخر لا يأبه لهم و قد يمضون الحياة كلها في انتظاره رغم أنه لن يأتي؟

- أولا دعيني أعلق على مسألة "الحياة كلها"، ليس هناك شخص يستطيع أن ينتظر الحياة كلها من أجل شخص آخر يعيش حياته مع شركائه بشكل طبيعي، وذلك لا علاقة له بمسألة الوفاء للحب أو الإخلاص للمشاعر، و إنما هي قضية جبرية مرتبطة بالتكوين الجسدي و النفسي و العاطفي للإنسان، يتبث التحليل النفسي أن حاجتنا للحب كبيرة جدا كحاجتنا للماء و الهواء، بل و يذهب الدكتور ج.أميلر إلى أن مدار تحليل النفس البشرية يتوقف على موضوعة الحب كمعطى سيكولوجي و معطى معرفي، إننا حين نقول : "نحن نحب "، لا نقصد من ذلك أننا نبذل فقط دون مقابل، إننا حين نحب نأخذ أيضا، أو نعطي نقائصنا للمحبوب بتعبير جاك ديريدا، و من هنا تحضر مسألة المصلحة في الحب، المصلحة الذاتية ليس بالمعنى السلبي لكلمة مصلحة طبعا.
فالشخص الذي يحب و لا يلاقي شعورا بالسعادة من حبه ، أتحدث عن الشخص السليم، يتوجه مع الزمن بموضوع عاطفته نحو شخص آخر مهما تأخر الوقت، شخص قادر على مبادلته توقه و حنانه و إخلاصه، لأننا و ببساطة نحب و ننتظر المقابل العاطفي، ينتظر المحب أن ترتد إليه عاطفته من قبل موضوع حبه فيشعر بأن لمشاعره تجاوبا و أنها تكتسي قيمة في ذاتها، إنه إشباع يتأتي عن كوننا موضوعا لعاطفة الآخر ، و هذا له أهمية كبرى لصورتنا أمام ذواتنا أولا، ثم أمام الحبيب و المجتمع ثانيا, إننا حين نحب نكون في خضم صرف طاقة نفسية تدفعنا للاهتمام بالآخر يسميها ثيودور رايك ب"الرغبة في بذل الحنان" في مقابل إرضاء مرتقب لغرور الأنا و نزعتها الذاتية، فالحب سيتضح لنا أنه عكس الجنس يحفز عنصرين مهمين:
1- الشخصية: تضخيم الشخصية و إشعارها بالأهمية.
2- مكاسب الذات: التخلص من العنف و الرغبة في السيطرة .
و يتحدث ثيودور رايك شارحا النقطة الثانية، قائلا أن الحب ينبني على علاقة عنيفة و عدوانية في البدء، لكن تتم بَسْترَتُها و إضمارها في الممارسة العاطفية، ذلك أن المحب ينزع نحو اعتبار محبوبه ملكا له في بعض الأحيان و ليس فقط مجرد شريك و العكس بالعكس، لكن ذلك في إطار تذويب النزوع نحو التملك في أشكال ثقافية و شعورية سلسة، بغطاء الحب طبعا .
من هذا المنطلق فقط يكون أي حب سليم مبنيا على ثنائية الأخذ- العطاء، أما العلاقة المنبنية على تعلق من جهة واحدة فهي أبعد ما تكون عن أن تدخل تحت تسمية الحب، هي نوع من التعلق المازوشي بموضوع معين تتحدد فيه خصائص فيزيولوجية خاصة و قد يكون لاستيهامات الشخص المازوشي علاقة باستمرار هذا التعلق، إذ يصبح الأمر أشبه بتثبيت عصبي، غالبا يمكن أن يتخفف أو ينتهي بالوصول إلى تحقيق الاستيهامات، وإن لم تتحقق يظل التعلق و الإيهام بالحب مستمرا، و هنا ينحسر الفعل في الجانب الجسدي فقط، حادثا أو مؤجلا، لذلك قلت أنه لا يدخل في الحقل الدلالي للحب كما سنميزه بعد قليل، فللحب امتدادات ثقافية و نفسية أعمق من التعلق المازوشي المشروط بالاستيهامات.

(ب) : إذا فكل شعور قوي من جهة واحدة سينتهي إلى أن يندثر ؟

- أكيد، كل شعور لا يُلاقى ببذل من الجهة الأخرى ينتهي بالموت أمام قوة الدافع الغريزي للأنا بأن تكون محط حنان واهتمام الآخر، لذلك نحن نرى الكثير من علاقات الزواج فاشلة ، تتحول لشكل من أشكال العذاب والجحيم بمجرد أن تمر السنوات الأولى، ذلك أن ذلك التعلق كان مرتبطا باستيهامات لم تصل مستوى الحب، فلما تحققت بشكل مستمر أدت إلى خفوت اللذة الجسدية أو إشباعها بشكل كامل، و بالتالي لم يعد من دافع للارتباط سوى المسؤولية الاجتماعية، إنه خفوت الوهج في حياة الزوجين التي تتحول إلى شبه واجب إلزامي.

(ب): حسنا هذا عن التداخل الأول بين الحب و دافع الأنا المتضخمة، ماذا عن الإشكال الثاني المتعلق بتمييز الحب عن الدافع الجنسي و هل يمكن فعلا تمييزه؟ تشغلني كثيرا هذه القضية.

التداخل الثاني هو الأصعب صديقتي ، هو التداخل بين الحب و الدافع الجنسي، و هنا طرح التحليل النفسي الكلاسيكي مع فرويد مجموعة من الأسئلة لعل أبرزها: هل يوجد حب خارج الإشباع الجسدي؟.
نحا الفهم الفرويدي إلى اعتبار الحب شعورا نابعا عن كبح الرغبة الجنسية، أي رغبة تعرضت للكبت فخرجت هكذا شكلا من أشكال التسامي على شكل عاطفة، و يحيل المسألة في العمق إلى محاولة لتلطيف القوة الغريزية من خلال شكل ثقافي أسميناه الحب، إذ هو في العمق (البنية اللاشعورية) دافعية قوية لا يمكن كبحها تماما و إلا اختل بناء الشخصية، لذلك يجد له متنفسا في مقاربة العاطفة.
و بعد رحيل فرويد بعقود، تطور البحث الفيزيولوجي في الجنسانية البشرية، ثم تحليل العملية الجنسية بالتفصيل، و ربطت العاطفة المتولدة بين اثنين بإفراز هرمون الحب ( الأكستيوسين)، بل إن هناك من يبني علاقة الحب بكل مراحلها انطلاقا من مراحل الإفرازات الهرمونية، فيأتي الحب هنا على ثلاثة مراحل:
1) مرحلة الرغبة: و هي رغبة جسدية محضة مدفوعة بإفراز هرموني الأستروجين و التستوستيرون.
2) مرحلة الانجذاب: و ترتبط بارتفاع مستوى الأدرينالين و الدوبامين مع ظهور أعراض معينة، كقلة النوم، حاجة أقل للطعام، الشرود...إلخ.
3) مرحلة التعلق: و هي مرتبطة بالممارسة الجسدية و إفراز هرمونات الحب ، أي الفاسوبرايسين و الأكستيوسين. و هذه الهرمونات يعزى لها تقوية روابط الألفة و المشاركة بين الحبيبين.
لكن هذين التفسيرين بالرغم من ذلك يغفلان عنصر الشخصية و تأثرها بالعلاقة، ذلك أن الحب بعيدا عن تمظره الجسدي ( الضروري طبعا) يجب أن يمنحنا ثقة بأنسفنا و أن يعزز الدوافع غير الجسدية كدافع الأنا إلى السيطرة والشعور بالثقة، لذلك وجدنا البروفيسور ج.أميلر يقول عن فعل الحب:
"أن تحب شخصا، أن تؤمن أنك من خلال علاقتك به ستصل إلى حقيقة ذاتك، سيجيبك من أنت و يعرف كل شيء عنك، إننا لا نحب شخصا لا ينفذ إلى أعماقنا و يكشف كل خباياها".
يتضح هنا البعد السيكولوجي مفصولا عن الفعل الجسدي، و هذا هو الذي أريد أن أفسره لي و لك صديقتي، إنه يتعلق بأشياء خارج-جسدية، هي الشخصية، أو تنمية الروح و تطويرها، إننا نحب الآخر أيضا لأنا نشعر معه بالأمان و الثقة و ليس فقط لأنه يشبع حاجتنا الغريزية، نحن لن نحب شخصا لا ينفذ إلى نواقصنا فيتقبلها و يعترف -بالمقابل- بكل مزايانا العقلية و الجسدية و العاطفية فيثمنّها و يعطيها حق قدرها.

(ب): أنت لحد الآن بينت الفكرة و الفرق بين الدافع الجسدي الغريزي و بين المعطى الشعوري الشخصي الذي قلت أنه هو جوهر الحب، لكن أخبرني عن الفروق بينهما كي تتوضح الرؤية أكثر، مع العلم أنني لم أقتنع بمسألة تجاوز التحليل الفرويدي، فهو يجد في حياتنا تفسيرا له، خصوصا ما تعلق بطبيعة الذكور و طريقة استغلالهم للأنثى، أكاد أرجح تفسير فرويد بالنسبة للرجل ( تبتسم).

- حسنا يا صيدقتي، لاشك أنك اطلعت على بعض الآراء التي تميز مفهوم الحب عند الأنثى عنه عند الذكر، لكني كي لا أنزلق إلى ما تريدين جرنا إليه سأركز في إجابتي على المعطى في كليته، لأن المجتمع الآن صارت له تركيبة مختلطة من الناحية الجنسانية و صرنا نلاحظ نزوعا نحو اقتحام عوالم الجنسين لبعضهما البعض من الناحية الشعورية، فامرأة اليوم - لا تنسي - ليست هي امرأة العصر الفكتوري، و هو أمر شدد عليه الدكتور أميلر، إذ صار التمييز بين العاطفة و الجسد في عملية الحب غير مختص بالذكور، بل بالنساء أيضا، خصوصا في المجتمعات الغربية الآن، يمكن للمرأة الآن كما الذكر أن تحب شخصا و تمارس الجنس مع شخص آخر بكل متعة دون أن يشكل ذلك فارقا بالنسبة لها، ولو أن الفرق بين الممارستين سيكون كبيرا طبعا.
و لا شك أيضا أن التحليل الفرويدي كان مهما في مرحلة اجتماعية ما، لكن الآن صار اعتبار الحب رغبة جنسية ثم كبتها اعتبارا متجاوزا، بل إن ألمع تلاميذ فرويد ذاتهم تجاوزا هذا التحليل، فوجدنا إيريك فروم في عمله "فن الحب" يربط الحب بالشخصية البشرية في كليتها معتبرا أنه صار عامل إجابة عن سؤال الوجود البشري حتى، فهو مرتبط من ناحية بالتناسل و البقاء و مرتبط بتفسير العالم و الشخصية البشرية من جهة أعمق، و قد اتجه التحليل النفسي -الجديد نحو نبذ الرؤية الليبيدية للعالم و الإنسان و دافعيته في السلوك ، فأكد ثيودور رايك (تلميذ فرويد أيضا) أن الشبق الذكوري و الغُلمَة الأنثوية بما هما رغبتان قاهرتان ليستا ظاهرتين جنسيتين صرفتين.
إن الجزء الذي يستطيع تفسير جوهر الحب لنا، ليس هو عنصر التفريغ و الإطراح الجسدي، هو مهم طبعا و ضروري، إذ يشكل الإطراح في الجنس عنصر ارتياح بعد التخلص من التوتر الجسدي، لكن عنصر الشعور بالحب العاطفي وبأن الشريك مهم لدرجة كبيرة يلعب دورا أهم عند الإنسان، و كمثال على ذلك، تشعر المرأة بالإهانة إذا انتهى الرجل من الإفراغ الجسدي و استدار لينام دون أن يحضنها و يتسمر في الحديث معها، و ثيودور رايك يؤكد ذلك مباشرة في عمله " سيكولوجيا العلاقات الجنسية" :
" كل بحث في تطور الحياة الجنسية إذا ما جرى من دون أفكار مسبقة، سيتوصل إلى حقيقة مدهشة مفادها أنه عند نقطة معينة يقتحم المشهد (مشهد الممارسة الجنسية) عامل جديد و يكتسي بالدلالة، إنني هنا أشير إلى استجابة الشريك، فكثير من النساء و الرجال يشعرون أن الجزء الأشد أهمية في ممارسة الحب هو إيقاظ الحب".
إننا لو كنا نهتم فقط لعملية التخلص من التوتر الجسدي لما انفصلنا في ذلك عن الحيوانات، فالإنسان باعتباره إنسانا يملك من الخبرة الحياتية تراكمات عديدة تسهم في تطوير ذاته و أشكال ممارسته لوجوده، كذلك ممارسته للحب، فقد صار الحب اليوم غير ما كانه عند إنسان الكهوف، فربما كان في تلك الفترة - كأي فصيل حيواني- يكتفي إنسان الكهوف بالإفرازات الهرمونية كمحدد للحب، و يهتم بالإطراح و التخلص من التوتر الجسدي فقط، لكن الآن بفعل التعقيد و التراكم الثقافي و الذوقي ، صارت المرأة تستجيب و تتماطل وتتلاعب ثم تنغمس في الحب.

(ب) : الفروق إذا ؟

- الفروق إذا واضحة و بينة :
أ) - الجنس عبارة عن احتياج و دافع خام ، في المقابل الحب عبارة عن رغبة في موضوع محدد، أي الحاجة إلى شخص بعينه دون غيره.
إن الحب في معنى ما غير خال من الرغبة الجنسية لكنها ليست أي رغبة، و لكنها رغبة مقيدة بموضوع، شخص ما، ثم إنها ليست رغبة غريزية صرفة بقدر ما هي مرتبطة بإعجاب قبلي عنها، إنها رغبة كنتيجة لتعلق بأشياء أخرى و ليست مسببا للإعجاب كما يعتقد البعض. ومن هذه الرغبة المخصصة ينبع شعور الوفاء و الإخلاص للشريك.
ب) - الجنس حافز بيولوجي مرتبط بالعضوية الجسدية، في حين أن الحب عنصر انفعالي مرتبط بالخيال و ما له من أهمية ضمن عناصر الشخصية.
ت) الجنس تحرر من ضغط جسدي، الحب رغبة في سد نقص عاطفي و ملء فراغ شعوري .
و لعل ثيودور رايك يلخص هذه الفروق بشكل أدق و أكثر اختصارا:
" الجنس مقيد إلى الجسد، والحب إلى شيء غامض ندعوه الروح. و يهدف الجنس إلى الإرضائ الجسدي، أما الحب فإلى إثراء الشخصية و تضخيمها، و تهدف دوافع الأنا إلى تحقيق الانتزاع و السيطرة.الجنس حاجة بيولوجية، أما الحب وحوافز الأنا فتبدو كمكابدات لها طابع شخصي أكثر مما للدافع الجنسي".

(ب): حسنا هكذا يكون التمييز بين الدافع الجنسي و الحب الرومانسي واضحا و بينه و بين شعور الأنا ، لكن كيف يمكنني أنا أن أحدد صدق الآخر في حبه لي؟

- لاشك أن المعرفة عن الحب و تمييزه عن باقي الدوافع السيكولوجية هي معرفة ذاتية و تقتصر على الفهم الفردي، إننا حين نميز الحب انطلاقا من السمات المحددة سلفا، و نميزه عن الفعل الجسدي و نفهم جوهره فإننا نفهم - وفقط - حبنا نحن للآخرين : هل هو حب حقيقي أم أننا واهمون في شعورنا اتجاههم؟ ، إذ تعطينا المعرفة إمكانية وزن مشاعرنا اتجاه الآخرين و اختبارها كي لا نؤذي أحدا أو نؤذي أنفسنا، أما أن نقيم حب الآخرين لنا فذلك يكون أمرا أكثر تعقيدا وصعوبة، لكنه يقاس طبعا بمقياس ما يقدمه لنا من شواهد تتعلق بالإخلاص أو الخيانة مثلا، و هي مقاييس ضبابية أيضا ، لأنها نسبية في كل الحالات، إن إشكال الإحساس بالآخر ينحو هنا نحوا فلسفيا صرفا، باعتماد الحدس لا غير، إذ لا يمكن لعلم النفس أو التحليل النفسي أن ينظر إلى علاقة الحب من هذه الزاوية ابتعادا عن السقوط في تكهنات و افتراضات, حب الآخر لنا لا يظهر لشخصنا إلا من خلال ما يقدمه هذا الآخر من سلوكات و من خلال ما ينتجه من مشاعر في الخطاب الذي ينتجه لنا، لذلك تجدين تعبيرا شائعا يقول: "الحب أفعال و ليس أقوال"، وهو تعبير صحيح إلى مدى بعيد.

(ب): حسنا أظنك هنا لمست عنصرا مهما في العلاقات الغرامية و هو ضد الحب و قاتله، الخيانة أو الوفاء، عنصر الخيانة يبدو فعلا قهريا و فهمه ضروري أليس كذلك صديقي؟

- أكيد، أول شيء يطرحه موضوع الخيانة إلى الذهن هي تلك المفارقة المنطقية بخصوص انتفاء الإخلاص، إذ من بين إشراطات بداية علاقة حب نجد الإخلاص على رأس القائمة، إننا لا نرتبط إلا بشخص نتوسم فيه أن يكون مخلصا لنا في حبه، كي نرتاح نفسيا ، لكن انتفاء الإخلاص يطرحنا أمام مفارقة بتفسيرين:
1) التفسير الأول : هو أنه لم يكن هناك حب أصلا، وإنما شكل من أشكال الانجذاب الجنسي أو الفكري المفرغ من دلالة الحب كما أسلفنا تمييزه عن باقي الدوافع.
2) التفسير الثاني: أن الشخص الخائن أحب يوما ثم توقف عن ذلك في لحظة معينة أو بشكل تدريجي، لأسباب واردة.
و ينزع البحث السيكولوجي إلى قصر ظاهرة الخيانة على الحب وحده، بدء باعتبار احتمال توقف القلب عن حب شخص ما أمرا حاصلا بشكل كبير وممكنا جدا، فما الذي يمنع الإنسان من تغيير مشاعره اتجاه شخص ما إن كان قادرا أن يغيرها اتجاه عقيدة أو ديانة؟
يحدد ثيودور رايك فعل الخيانة في ثلاثة عناصر:
- تبدل عاطفة المرء من موضوع إلى آخر أو إلى مواضيع متعددة في بعض الحالات المرضية.
- الانجذاب الجنسي الجسدي إلى شخص آخر.
- اجتماع الانجذاب الجنسي بتبدل العاطفة ( كلا العنصرين معا).
و يكون تغير الحالة العاطفية أو تحولها اتجاه موضوع آخر أمرا مطروحا في حالات الفتور التي تصيب العلاقات، أحيانا يكون التحول راجعا إلى حالات مرضية وغالبا يكون نتاجا طبيعيا لعناصر أخرى، كتغير عنصر من عناصر العلاقة في حالة البدء (الانطلاق) التي نشأ فيها الحب و ترعرع: تغير جسدي ، عقلي، سلوكي..في أحد الطرفين أو في كليهما.
في حين يكون الانجذاب الجسدي نحو شخص آخر مستتبعا لهذه الحالة، غير أن ثيودور رايك يميز هنا بين الاستيهامات التي تحصل عند المرأة حول رجل أو عدة رجال غير حبيبها و بين استيهامات الرجل، فالمرأة تكون أميل للتسامح مع الاستيهامات الجنسية لرجلها لأنها استيهامات غريزية لا تهدد موقعها في حياته، لكنها تغار و تخاف أكثر من إعجاب رجلها بشخصية امرأة أخرى وتقديره لها بعبارات الثناء و إبداء الإعجاب سلوكا، و الأمر ذاته ينسحب على الرجل، غير أنه لابد هنا من النظر إلى الخصوصيات الثقافية للمجتمعات، فالخيانة الجسدية للمرأة تعني أكثر من الخيانة الفكرية في مجتمعنا مثلا، إن المجتمعات التقليدية تطرح فهما معاقا جملة و تفصيلا لعلاقة الحب، يستتبع ذلك فهم خطأ لمسألة الوفاء و الخيانة، فأين هو الإخلاص إذا كانت حبيبتك مخلصة لك جسديا فقط و لكن تفكيرها و كيانها العاطفي متعلق برجل أو برجال آخرين؟ هكذا يعلق رايك ساخرا على العلاقات التي تنبني على وفاء سريري فقط متجاهلة الجانب التخييلي في العلاقة الغرامية، إن الخيانة الحقيقة و الأصلية هي خيانة المشاعر و غالبا ما تستتبعها خيانة الجسد كنتيجة و ليس كمسبب، لأنها الأسهل خصوصا في مجتمع به عطش كبير إلى الحب و الجسد معا، لكن الفهم الشعبوي المرتبط بالشرف و الرجولة الزائفة يقبل بالخيانة الفكرية و العاطفية في حين يقتل بسسب الخيانة الجسدية غير واع بأن المرأة جسد تحركه عاطفة قبل أن تحركه غريزة. و لهذه الأسباب يكون الصدق مع الذات في تقييم الحب ضروريا، الصدق الذي تحدثنا عنه قبلا ضرورة ملحة لاجتناب الخيانة، التي يجرمها القانون المدني و يصنفها التحليل النفسي ضمن خانة الحالات المرضية و التي ينهى عنها الدين أيضا، يقول تعالى :
([ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ] (الأنفال:58

(ب): الخيانة واردة إذا بقوة، و الإنسان كائن متغير الطباع، أيعني ذلك أن خوفنا من الحب له تفسيره المنطقي؟ أوليس صحيا لنا ألا نؤمن بالحب و نظل بعيدين عنه؟، و إن أحببنا مرة وخدعنا أليس الأفضل ألا نحب مرة أخرى ونظل على ذكرى حبنا الأول، الذي يُقالُ أنه الأول و الأخير؟
حسنا صديقتي.

لابد هنا من التمييز بين حالتين:
1) حالة الخوف المبدئي من الحب .
2) حالة الخوف الناتج عن مخلفات تجربة عاطفية.
في الحالة الأولى، لابد أن نفهم التخوف من الحب على أنه ميكانيزم دفاعي للذات ضد الآخر، يقول جاك ديريدا أن الحب حالة تسليم بالحاجة إلى الآخر، حالة نقص و توق إلى الامتلاء بالآخر، لذلك تتخذ الذات حالات دفاعية خوفا من هذا التسليم و الاعتراف، تجد شابة أو شابا يحبان بعضهما، و في الآن ذاته يظهران نوعا غريبا من العداونية اتجاه بعضهما، لكنه في الحقيقة ليس أمرا غريبا كما يبدو، إنه اشتغال الميكانيزم العاطفي الدفاعي في اللاوعي، الخوف من أن يتوغل فينا الآخر لدرجة يصير جزء منا، يدرك نواقصنا الجسدية و العقلية و الفكرية و الروحية فيصير بعض من مفاتيح شخصيتنا بيده هو، ثم الخوف من أن يغادر حياتنا (يغادرنا) في وقت لا نتوقع فيه ذلك، إنه خوف لاشعوري مفهوم وواضح في حالات الارتكاس المبدئي عن الحب، لكن الأكيد هو أن تصنيفه ضمن الحالات الطبيعية غير وارد ، إنه خوف مرضي من الحياة و من الحب و اللذة، فلا وجود لحياة دون تجارب شخصية، الذي يخاف من الحب و هو لم يخضه يوما شبيه جدا بشخوص قصة الكهف في جمهورية أفلاطون، إنه لا يرى إلا ظلال الحب من خلال تجارب أصدقائه و المحيطين به و على تلك الظلال الزائفة يبني موقفه غير السليم طبعا.
أما في الحالة الثانية فسأبدو مغامرا قليلا في الكلام، لكن كلا العنصرين الواردين في السؤال ( الخوف من الخيانة - الحب الأول) نتاج لثقافة شعبوية تسطيحية جدا، أولا لا يمكن لحالة اللاحب أن تكون أصلا في النزوع البشري مهما تعددت الأسباب، مهما بلغت قوة الرجة السيكولوجية التي تعرض لها الإنسان، المسألة معقدة جدا و يستتبعها رد فعل متسلسل، فما أن نحب شخصا و يخذلنا بشكل أو بآخر حتى يرتد الحب القوي إلى شحنات نفسية تذمر الذات ما لم نعي حق الوعي أنها حالات سيكولوجية طبيعية لفترة ما بعد الصدمة، حين نحب شخصا ما يحدث لنا تثبيث عصبي عليه بشكل يتقوَّى أو يضعف بحسب قوة التعلق والحب، و بمجرد أن ينسحب من حياتنا يظل التثبيت متحفزا لكنه لا يجد موضوعا لحافزيته، هنا فقط تحصل المكابدات الشخصية مع الحب، بعد الرحيل، و يُستدعى حديث النسيان أوعدمه، لكني انطلاقا من خلفية قد لا تكون علمية (تجربة) سأقول أن تحول تجربة التعرض للخيانة إلى حالة سيكولوجية متبّثة خطر كبير على حياة الشخص ذاته، خطر قد يصبح مرضيا و قد تكون ردة فعله مختلفة ومغايرة، لكنها تنحو نحو خيارين في الأغلب الأعم:
-الارتكاس: و هو حالة إحجام نفسية عن خوض أي تجربة عاطفية أخرى، تعليلا بما يُعتقد أنه حب شخص واحد كان يوما في حياتنا.
- الانتشار: حالة انتشار عاطفي ، غالبا ما تحدث على شكل انتقام لا واعي من جنس الخائن، كأن نجد فتى ينتقم من كل الفتيات و يتلاعب بمشاعرهن بعد تعرضه للخيانة من قبل فتاة ما في تاريخ معين من حياته، و الأمر ذاته قد ينطبق على الأنثى أيضا، أي نجد عندها موضوع الحب متعددا، وقد يتجاوز الأمر أشخاصا كثرا في الآن ذاته أو في أزمنة متفرقة.
هذه الحالة المرضية طبعا، تحتاج إلى وعي ذاتي أو معالجة طبية، لأنها غالبا ما ترتبط بحالة اكتئاب تختلف درجاته، لكن الأكيد هو أن تحقق وعي ذاتي عن الحالة سيساعد الكثيرين على تجاوزها، فللثقافة دور شفائي أيضا، و تشخيص الداء كما يقال نصف علاجه، ذلك أن إمكانيات الحياة تتجاوز تجاربنا الشخصية في كثير من الأحيان، الحبيب الأول الذي يخوننا أو ينسحب من حياتنا ليس آخر شخص سنحبه، ببساطة لأن الحاجة الخام إلى الحب و إرضاء تضخم الأنا أكبر بكثير من حالة مخصصة تعرضت للفشل، أو بلغة علم النفس: [ إن الاحتياج أقوى من الرغبة ]، له الدوام حتى و إن زالت هي، وهذا الميكانيزم متجذر في التركيب العاطفي للذات، فإن حصلت معاندته تحت تأثير وهمي باستمرار عاطفة بائدة فهناك ندخل في طور خاص من الحالات التشخيصية التي تتطلب المعالجة.
كل إنسان يولد مرة أخرى عند شروق كل شمس، و كل رجل و امرأة يلتقيان مرة فهما يلتقيان بدون مسبق تخطيط ودون توجيه من تاريخهما ، أمامهما المستقبل فسيحا فقط، ويعبر البروفسور أميلر عن هذا المعنى قائلا:
"بين الرجل و المرأة ما من شيء مكتوب مسبقا، فلا توجد بوصلة و لا توجد علاقة مبنية من قبل، إن اللقاء بينهما غير مبرمج كما هو الحال ما بين الحيوان المنوي و البويضة".
إن وهم كون الحبيب الأول هو الحبيب الأبدي يتكسر على حواف القاعدة السيكولوجية التي تقول : "كل تجربة في الحب فهي أولى" ، إذ كل حالة عاطفية لها خصائصها و مميزاتها و ظروفها السيكولوجية والبيئية، وهذا أمر يمنحها خصوصيتها و يميزها عن أي تجربة سابقة، ماعدا في حالة كانت التجربة كما أشرنا قبل قليل مجرد حالة تعويضية عن فشل التجربة الأولى، ففي هذه الحالة ينطبق الوصف الأول الذي يصنف العلاقة في إطار شيء آخر غير الحب الصادق الذي بحثنا عنه في التمييزات السالفة، إن الذين يرددون شعر أبي تمام الشهير:
نقّل فؤاذك حيث شئت من الهوى..ما الحُبُّ إلاّ للحبيب الأوّلِ
كم منزل في الأرض يألفه الفتى..و حنينهُ أَبداً لأوّل منزِل.
هؤلاء و في أغلب الظن لم يقرؤوا أبيات الشاعر البغدادي الجميل ديك الجن و هو يردد أبياته الرائعة منتشيا:
إشربْ على وجهِ الحبيبِ المقبلِ.... وعلى الفمِ المتبسِّمِ المُتقَبلِ
شُرْباً يُذكِّرُ كُلَّ حُبٍّ آخِرِ.... غَضٍّ ويُنسي كُلَّ حُبٍّ أَوَّلِ
نقِّلْ فؤادَكَ حيثُ شئتَ فلن ترى... كهوى ً جديدٍ أو كوصلٍ مُقبلِ
ما إنْ أَحِنُّ إلى خرابٍ مُقْفِرٍ... دَرَسَتْ معالِمُهُ كأَنْ لَمْ يُؤهَلِ
مِقَتي لِمنْزليَ الذي اسْتحدثته... أَمَّا الذي وَلَّى فليسَ بمنزلي.

(ب): حسنا ، عيد حب سعيد صديقي.

- عيد حب سعيد صديقتي .



#محمد_البوعيادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أريد وطنا بعرض أحلامِي
- رَمادُ مُعتقَلْ...
- فالسُ الرّحيلْ...
- ڨالسُ الرّحيلْ (اللقاء الأخيرْ)
- طعنة الخيانة...
- عُتمة الزوايا (2) - لعبة الذكريات
- سعيد...رفيقي
- عُتمة الزوايا (1)
- كورنيشُ الأحزانْ...
- .أَرقٌ وَ شكْ.
- خرف
- المثقف المغربي والخذلان.
- زَطْلَةٌ نَازِيّةٌ
- بُصاقُ اللامعنى
- سَفَالةٌ
- رَشْمٌ خائِف
- الّليْلُ و الكَأْسُ
- شفرة قديمة
- شهقة جسد
- جمرتانِ


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البوعيادي - أسئلة في الحب (حوار)