أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عمران المعموري - قصة قصيرة المطحنة الحجرية














المزيد.....

قصة قصيرة المطحنة الحجرية


طالب عمران المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 3998 - 2013 / 2 / 9 - 14:48
المحور: الادب والفن
    


ما ان انتهيت من شكواي إليه ذكرني بالأيام القاسية :
- احمد الله نسيت انك خرجت من فم الموت الحقيقي..
- نعم أتذكرها جيدا ولم تفارق مخيلتي أبدا ..
كان يوم التحاقي الى وحدتي العسكرية بسبب الفوضى وانتهاء العاصفة ، عاصفة الدمار الهرج والمرج الذي عم البلاد ، نشبت انتفاضة الجياع وتوجه الناس إلى مخازن الحبوب كبركان هائج أو كسيل عارم .. الجوع الكافر الذي لا يرحم، لم يكن الجوع وحده سببا للانتفاضة بل سياسة الضغط والتهميش والتميز الطائفي والاعتقال وأسباب أخرى ، أتذكر جيدا كيف كانت أمي تطحن الذرة عوضا عن القمح بمطحنتها الحجرية، تلك المطحنة التي لم تتوقف من الدوران وتنقلها من جار إلى جار ، وكيف كانت الأطفال تتلوى من الجوع .. سرعان ما تحول الأمر إلى السلطة حتى صارت أكثر بطشا من ذي قبل سياسة الحديد والنار،نعم سياسة الحديد والنار.استلمت واجبي في مشجب الأسلحة وما إن هبط الليل حضر آمر دورية حظيرة الأمن، الذي ما من احد يراه إلا ويرى في وجهه الشر ، طلب استدعاء احد الحرس واخبرني برجوعه بعد قليل وما إن لبث قليلا حتى طلب الحرس الأخر وكررها ثالثا ورابعا حتى وصل إلي الدور، وما إن عبرنا ألنقطه، باتجاه الظلام امسك بيدي ووضع (الكلبجات) وقال لا تخف انه مجرد استفسار وانه شيء روتيني ، قادني إلى السلالم المؤدية لحظيرة الأمن والأروقة المظلمة ، وصلنا إلى احد الغرف فتح القيود وأدخلني كانت مظلمة تماما .. تعثرت بإقدام الجنود الراقدين على أرضية الغرفة الباردة جدا، تعرفت عليهم من خلال الصوت الخافت، استلقيت على الأرض همس بإذني وقد تعرفت عليه من خلال صوته :
- سألني المحقق عنك وأخبرته باني لا اعرف عنه شيء، سوى انه كان معي في نفس الفوج وانه إنسان عادي طيب ومسالم .. كان الوقت يمر ثقيلا ولم يستدعيني احد ولم اعرف ما هي الجناية التي ارتكبتها، فالجميع تم التحقيق معهم إلا أنا ،أصوات التعذيب وصراخ الجنود يتعالى.. كانت ليلة ثقيلة ومخيفه ،استلقيت على ظهري وعادت بي الأفكار، تلك المطحنة الحجرية ودورانها والقلق الذي ساورني على أهلي وما جرى على الناس من قتل وتشريد واعتقالات ، استيقظنا صباحا على أصوات الحرس والسب والشتائم وكلماتهم البذيئة .. أولاد .. ألكذا.. تريدون أن تسقطوا النظام .. ها.. ها..كانوا يضحكون بصوت عال ، أوثقوا أيدينا وساروا بنا نحو حافلة نقل ركاب عسكرية ،وقبل أن نصعد كان ضابط برتبه نقيب يقف قرب الباب كان يتفرس في الوجوه ويتمتم بصوت أجش .. خونه كلكم خونه ..
تحرك احد الحرس نحونا، فوضع العصابة على أعيننا ،كنا أكثر من أربعة عشر جندي من جميع الأفواج ،سارت الحافلة، أمر الحرس أن نخفض رؤوسنا ، وضعت راسي المثقل بالتعب والسهر والمصير المجهول على الكرسي .. أفكار كثيرة تجول في رأسي، من يخبر أهلي ، وهل سيطلبون إخوتي أيضا وما حال أمي ووالدي الكبير لو سمعوا بالخبر.. أفكار سوداوية تجول في رأسي، ربما لا ارجع ، وكيف لا و أنا بين أيدي اشد الطغاة و أعتاهم في المنطقة العربية ،عصابة العين كانت ضيقة وبدأت تؤلمني كثيرا، كان احدهم قريب مني ترجيته أن يرخي العصابة ، زجرني بقوه وشتمني، تحملت كل ذلك وعدت ثانية إلى عالمي ، رجعت بذاكرتي الى الوراء من دون أن ادري، تذكرت إحدى الليالي الشتاء الباردة حين انطلقت صفارات الإنذار، التي نفهم منها دخول الطائرات الأمريكية ..نركض جميعنا نحو حفره كبيرة خارج البيت، كان معنا عمي رجل كبير يريد أن يخفي خوفه وقلقه الشديد كونه لم يخدم في الجيش ولو ليوم واحد، بيده الفانوس الذي يتراقص ضوءه الخافت ، كانت أخواتي الصغيرات يلتفنّ حول أمي خائفات ، حيث أمي تواصل دعائها ، وما إن ينتهي القصف نعود إلى الغرفة المظلمة نشعل الفانوس من جديد .. مسكين هذا الشعب متى يرى النور ومتى يستريح ينطبق علينا المثل (جبر من الفقر للقبر)، صوت الفرامل المفاجئ عادني من جديد إلى أصوات الحرس.. لا ترفع راسك وإلا هشمت راسك بأخمص البندقية ، خونه ..
ترجلنا من الحافلة قادونا إلى ممرات ضيقة وأمرونا أن لا نرفع رؤوسنا ،كتب علينا أن لا نرفع رؤوسنا هكذا أرادوا.. كان زاهر يستمع إلي وقد فغرفاه لأنه لا يعرف تلك التفاصيل .



#طالب_عمران_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة الجمجمة
- قصة قصيرة السنين تمضي سريعة
- قصة قصيرة رزايا
- قصة قصيرة


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عمران المعموري - قصة قصيرة المطحنة الحجرية