أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عمران المعموري - قصة قصيرة الجمجمة















المزيد.....

قصة قصيرة الجمجمة


طالب عمران المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 3987 - 2013 / 1 / 29 - 13:57
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة الجمجمة ... لم تكن رأساً فارغاً

أمطار تشرين المتساقط بغزارة ليس كالسنين الماضية وسيول الماء المنحدرة من أعالي القرية إلى نهايتها حيث شواطئ نهر الحلة الذي يحدها من الجنوب ، بيوت متراصة على طول القرية بخطين متوازين يفصلهما شارع ضيق لمرور سيارة واحدة ، وان كأس من الماء قد يغرقها لافتقارها لمجاري الماء النظامية ، يتطوع بعض شباب القرية ومختار المنطقة لإزاحتها بمكانس كبيرة ، يتعالى أصوات النساء في الأزقة حيث يتجمع الماء عند عتبات البيوت المنخفضة عن مستوى الشارع لان كما يقال المثل ( الماي يدهده عل النصه) وهو مثل يضرب على الفقير توقف المطر قليلا .. تعالى أصواتهن من جديد وهذا الصخب كأنه مظاهرة ، عاد الهدوء من جديد وخرج الناس كل على شاكلته .
الجمجمة ... لم تكن رأسا فارغة بل هي قرية مليئة بالحياة ، مزيج من فئات مختلفة فيها الطبيب والمهندس والمدرس والمحامي والفلاح وكل المستويات .. لها تقاليدها وعاداتها ، لم تبعد عن مركز المدينة إلا بضع فراسخ ، لا اعرف لم سميت بهذا الاسم لكني سمعت ذات مره من كبار السن يقولون إن الإمام علي (ع) قد مرّ من هذا المكان حين عودته من النهروان ودفن ابنه متوجها إلى مشهد الشمس فوجد جمجمة فحدثها هكذا الرواية والعهدة على الراوي والله اعلم .
مدخل القرية يسمى باب السور، حين كنت صغيرا رأيت آثارا لهذا السور ، قيل انه سور يحيط بالقرية وله بوابة ، يحميها حراس من أهل القرية يسمونه ب (الوحاشه) شيد في بداية القرن العشرين .، وعلى جانبي القرية بساتين النخيل والجنينيات(الميوات) فمن جهة اليسار ( الرهيمية) ومن اليمين بساتين (المومنين) العنب والرمان والأجاص،وخضار وان أهاليها يبيعونها في داخل القرية يشكل لهم موردا مع ما يحصلون عليه من مواشيهم من حليب وجبن ، ثمة تلال صغيرة ممتدة تنتهي إلى آثار بابل والقرية المجاورة والتي تسمى قرية (كويرش ) وموقعها الجميل على الشاطئ الذي هجرّ أهلها الطاغية وبني قصره الكبير إرضاء لنزواته وفرض سلطانه في كل بقعة من ارض العراق غير مبالي بهدر المال العام وحرم أهلها من موطنهم الذي عاشوا فيه سنينا طويلة .
على مشارف القرية مدرسة قد شيدت في الخمسينيات يديرونها أناس تربيون منهم من نفس القرية عباس هوبي حسن الحسناوي وحسين علوان وخليل إسماعيل ومن أفاضل الناس الذين لهم مكانتهم وشرفهم ومهابتهم، حينما كنا صغارا إذا احدنا رأى المعلم في الشارع وعن بعد نركض هاربين خائفين ، بعكس ما يحصل الآن يلعب المعلم مع الطالب في المقاهي ( الدومينو والورق )..
ثمة مستوصف صغير بمحاذاة المدرسة فيها المعاون الطبي أبو عامر لم يكن من أهل القرية لكنه استطاع أن ينفذ إلى قلوب أهل القرية بتفانيه وصدق تعامله متواصلا معهم بأفراحهم وأحزانهم وعلاقاتهم الاجتماعية ، كان محبوبا ، خدوما ، بتلك الحبات الطباشيرية وعلاجه البسيط يشفى المريض ، هكذا اعتاد عليه أهل القرية .
حسين كاظم إسماعيل قد اخرج محلا صغيرا من بيته والذي بترت ساقه في حرب الثمانية السنوات اللعينة ، كان أول جريح في القرية ،بينما ستار نعمة كان أول شهيد، أتذكر جيدا حين أصيب ساقيه، عدته إلى بيته وجلبت له معي بعض الكتب والقصص مطبوعات دار التقدم وقصص مختارة من الأدب الروسي ، أفراد عائلته كان لهم ميول للشيوعية ، كان وسط المثقفين في ذلك الوقت هم الشيوعيون الذين يلتقون سرا يتبادلون أفكارهم ، ولم يسلم احد من السلطة واستدعائهم. ميثم جهاد يأخذونه مشيا ويرجعونه ليلا محمولا ( ببطانية )، ومن بيوت المثقفين في القرية بيت علي شهاب ذلك الأب التربوي الكبير الذي أتذكره جيدا في أيامه الأخيرة حين يجلس على كرسي في رأس الزقاق بهدوئه ورزانته وكأنه معلما روحيا وأولاده ناجح واحمد منير إلا إن خروج ناجح إلى روسيا فتبعه وائل علي عمران وهو أيضا من العوائل الشيوعية المثقفة أخوته نائل ،صادق،صائل ،هائل، نشأت،وأبوهم خيرا منهم معلما تربويا هادئا ومسالما ، ازدادت عيون أصحاب الملابس الزيتوني وكثرت تقاريرهم إلى الشعبة الحزبية فلم تنفك مراقبتهم وطلبهم والتحقيق معهم حتى سقوط النظام ، لم يسلم منهم احد لا الشيوعيين ولا الإسلاميين ولا حتى بسطاء الناس الذين يدخلون الجامع لغرض الصلاة فهذا حسين علي كان أنسانا بسيطا تردد إلى الجامع أكثر من مرة كتبوا عليه، اقتادوه من بيته والى اليوم لا يعرفون أين هو بأي حفرة أو مقبرة جماعية .
لم اسمع بإعدام عمران محمد عمران قبل ذلك اليوم ولكن حين عدت من المدرسة سمعت ميثم يتمتم ويقول ( الحكومة إلي تخاف عمران وتعدمه شنو من حكومة) لسان ميثم السليط لم يتخلى من رمي كلماته كالحجر غير مبالي بالرغم ما واجه من تعذيب وسجون ، عمران كان شابا بسيطا فقيرا قد تخلف عن الخدمة العسكرية كان يركب فرسا وغالبا يكون في البساتين بعيدا عن الناس لم يؤذي أحدا إلا انه لم يسلم من التقارير المخبر السري ،أعدم رميا بالرصاص أقيم له مأتما بالسر ودفعوا أهله ثمن الطلقات الذي اعدم بها غرامة على أهله لأنه في نظرهم لا يساوي ثمن الطلقات هكذا كانت حرمة الإنسان .
أما ممدوح بن حجي كريم أبو النفط كان هاربا من تلك الحرب اللعينة التي ابتدأت وانتهت ب( يا محلا النصر بعون الله) وأولاد ( الخايبات ) بين الأسر، الموت والسجون والعاهات المستديمة ..
كان ممدوح لم يعرف إن هناك كبسة على الهاربين ، دخل إلى البيت خلسة من عيون (الجلاوزة )يأكل شيأ ويرجع مع مجموعة الهاربين الذين رفضوا الالتحاق بالحرب والذي كانوا يختبئون بالقرب من البساتين المحاذية للشاطئ حتى إذا ما دوهموا فأنهم لا يبالون ان يعبروا النهر حتى لو كان الماء باردا، انقضّ عليه (الر..ق) حاول الهرب من الزقاق إلا إن قاتله كان اقرب إليه بطلقاته الغادرة أودته صريعا عند باب البيت .. وكالعادة دفعوا أهله ثمن الطلقات كما كانوا يفعلون مع أهالي المعدومين وإقامة المأتم سرا .

2
كان هو العصر حين خرجت من بيتنا العتيق وهو احد أقدم البيوت في القرية بيت من جذوع النخل وبناء ذا الاسيجة العريضة بشبابيكه وأبوابه المقوسة ، غرفتان ومضيف كبير و(طارمة ) وحوش الدار مع تخاريجه ، متوجها باتجاه الضريح عمران بن علي بن أبي طالب ع الذي شيده على احد التلال الذي يواجه قصر الطاغية مرورا بساحة كرة القدم التي تسمى بساحة عمران ، الساحة فارغة حيث أقامه الفريق حدادا على المرحوم قتيبة كريم الذي استشهد في احد معارك شرق البصرة .. فريق الجمجمة يضم مجموعة من الشباب ، منير عباس ، صائب كريم ،راجح ظاهر ، ميثم جهاد ،عباس علوان، كريم كنوش، رياض كاظم وآخرون، اقتربت من بستان الحاج محمود التي تبعد عن القرية حوالي فرسخين مجتازا مقبرة الأطفال، كان المكان هادئا تماما إلا من صوت خشخشة سعف النخيل المكتظة، حينها تذكرت جدتي نجيبة ونحن صغارا نلتف حولها وهي تذكي النار في الصفيحة النحاسية تحكي لنا عن هذه المقبرة ، من يمر من خلال هذا المكان عليه أن يتوخى الحذر من رمي الحجارة أو العظام من الجن الذي يسكن المقبرة ، ونحن فاغرين أفواهنا نستمع إليها بنهم شديد .. ثمة جلبة من الحمام تطير من تلك البستان أفزعتني ، حاولت اجتياز هذه الغابة بسرعة ارتقيت التل حذاء النهر ، كان المنظر جميلا جدا حيث النهر الملتوي وهو يشق غابات النخيل شمس المغيب وحمرتها القانية تترك أذيالها على شواطئ النهر، ثمة قارب للشرطة النهرية يسير بعكس التيار من الجهة المقابلة يحدث دوائر تتسع باتجاه ضفة النهر حيث يجلس كاظم غلوه القرفصاء بيديه سنارة صيد يلعن صاحب القارب لم يسعفه الحظ في الصيد هذا اليوم بالرغم من انه معروف بحسن حظه في صيد الأسماك ، واصلت السير باتجاه القرية من الجهة الثانية حيث صبايا القرية يحملنّ قِرب الماء لان القرية طالما عانت من شحه الماء لسنين طويلة ، ثمة نساء يضعنّ الشموع في ماء النهر يطلبنّ (المراد) أو ينتظرنّ غائبا يعود فكلما سمعنّ معركة جديدة نشبت على الحدود هرعنّ إلى الشاطئ أو إلى ضريح الإمام يتوسلنّ وينذرنّ النذور ، وعادات أخرى شاهدتها كانت النساء يعتقدنّ بها هي ( حجارة الدرب) وهي إن المرأة التي تنتظر غائبا زوجا كان أو أخا أو ابنا ، تخرج من بعد العشاء تجلس القرفصاء وتلتف بعباءتها في رأس الزقاق ترمي الحجارة على قارعة الطريق وتستمع إلى كلام الذاهبين والعائدين في داخل القرية ، تتفاءل حين تسمع بعض المفردات التي تعبر عن بشارة أو عودة أو الرجوع السريع تأول ذلك الكلام إن الغائب هو بخير وانه سيعود قريبا من الجبهة هكذا الناس على نياتهم .
صوت الأذان المتعالي بصوت الحاج مالك، الجهوري عاد بي إلى البيت
طالب عمران المعموري
الحلة



#طالب_عمران_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة السنين تمضي سريعة
- قصة قصيرة رزايا
- قصة قصيرة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عمران المعموري - قصة قصيرة الجمجمة