أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لحسن وزين - النساء والشريعة















المزيد.....

النساء والشريعة


لحسن وزين

الحوار المتمدن-العدد: 3987 - 2013 / 1 / 29 - 12:02
المحور: الادب والفن
    


صوت قطار القاهرة السريع، الملقب حديثا بدستور الإخوان لطبخته السريعة، مر بشكل جنوني كعادته محدثا اهتزازا و رعبا وخوفا داخل المنازل القريبة من سكته. التلفزيون وحده يصرخ في الغرفة الوحيدة التي تشكل ما يسمى منزل الحاج حمزة "أبو البنات"، كما يلقبه سرا أهل الحارة بالمدينة القديمة، حيث المنازل الواطئة نفسيا رغم علوهاعذابا تبدو في تقاربها الاجتماعي أقرب إلى أزقة المقبرة. زوجة الحاج حمزة لم تستطع أن تنجب له ولدا يزين فحولته وسط الرجال. صراخ قناة الجزيرة لا يهدأ " آلاف المصريين المؤيدين للشريعة والرئيس يتقاطرون على الشوارع المؤدية إلى مسجد رابعة العدوية ". أم سعاد زوجة الحاج حمزة تجد صعوبة في إسكات صغيرتها التي لا تكف عن البكاء جوعا. تتأمل الأم بانعكاس شرطي ثديها المترهل الناشف من قطرة الحليب. جوع وحشي يمزق أحشاء الرضيعة ويدمي قلوب ستة أخوات هادئات بلعنة القهر في زاوية الغرفة اليتيمة. صراخ الشريعة من قناة جزيرة النفط يؤجج رغبة الحاج حمزة، فيتنمر هذيان هوامه المحموم محلقا في خيالات الشهوة العمياء قائلا في نفسه وهو الفقير المعدم " لو عندي ولد ". فقر كافر يزين قامته بقميص من نار، و يسخر جنون الفقر ضاحكا بشماتة من حلم تفكير الأم في حليب الأطفال. صراخ التلفزيون يزداد هيجانا منبئا بخراب الوطن. يرتطم هدير أمواج بشرية تؤججها وفرة نفط صورة الجزيرة بصراخ جوع وحشي في الأمعاء، فتشتعل حرائق أرواح أشباح بشرية تئن ما بين أم وأب . التلفزيون يشارك ويصرخ وهو ينقل سطح الصورة مباشرة من ساحة المسجد " الشعب يريد الشرعية و الشريعة...". سعاد البنت الكبيرة للحاج حمزة ترد باستهزاء في أعماقها، على صراخ الصورة المباشرة للجزيرة، وكأنها تكشف المستور في فهلوة تظاهرة الصورة " يسقط يسقط حكم الشعب ...الشريعة تريد إسقاط الشعب".
تذكرت سعاد كيف خرج الشعب بحثا عن الحرية و الكرامة والعدل ولقمة العيش، وهي تنظر الآن إلى شريط عاجل أسفل الصورة المباشرة لتظاهرة الشريعة عن موافقة صندوق النقد الدولي لمنح قرض لمصر. تساءلت باستهزاء في نفسها عن قرض لشريعة الإخوان من "دار الحرب والكفار"، وابتسمت بألم عندما فكرت "ربا" فوائده التي سيجمعها أثرياء الشريعة من فقراء الوطن للبنوك الإسلامية المحلية. بصقت في خاطرها وهي تهمس في أذن قلبها قائلة: ما أعهر دولة الشريعة. و بصق الحاج حمزة أيضا بغضب أرعن بما تبقى من ماء وضوئه في وجه زوجته التي لم تعرف كيف تسكت صغيرتها. اختلط في لحيته الكثيفة الماء بمخاط البصقة اللزجة. مرر يسراه على فم وجهه العبوس المتشنج القسمات، ثم مسح تلك القذارة على طرف سنة جلبابه القصير. زمجر قائلا وهو يغادر المنزل " ما فيش في الدنيا ذي أحلى من شرع الله في تطبيق الشريعة ". في طريقه اشمأز الحاج حمزة من رؤية مؤخرة مطلية بالخراء لطفل صغير يصرخ باكيا مرعوبا من قط أزعجه في قضاء حاجته. صب جام غضبه ولعناته على العري، و على الشيطان الذي ينصب الفخاخ للمسلم التقي. لم يفكر إطلاقا في سفور هذا الفقر الفاجر في السكن واللباس والعيش، بل تذكر بلذة لاواعية “عري” الهام شاهين حين مرت على شريط ذاكرته قناة الحافظ الفضائية، وهي تنقل كلمات السب والقذف للشيخ عبد الله بدر في حق الهام شاهين" الفاجرة، العارية، الفاسقة، الزانية والكافرة". في مثل هذه المواقف الحرجة يردد بحكم العادة النفسية "إن ابتليتم أو أكرهتم فاستتروا". مؤخرة الخراء ما تزال تملأ مجاله البصري، وتستفز أعماقه بتفجير السؤال المقموع: وكيف لطفل انعكس الفقر في جسده ونمط حياته من ستر مؤخرته ؟ التلفزيون يصهل بعنف أقرب إلى انفجار العدوانية المكبوتة، ومراسل الجزيرة يتكلم بحماس جذبة حرب، الجهاد على الإخوة الكفار، بعيدة عن لغة السياسة " آلاف المتظاهرين في مليونية الشرعية و تطبيق الشريعة". أخذت أم سعاد ثوبا مبللا عفنا ومسحت بصقة الحاج حمزة اللامعة تقززا. رجت أعماقها واكتسح الغثيان وعيها وانسابت الدموع على خديها بصمت جارح. خردة من سواد الشريعة البشري لستة بنات يراقبن المشهد المقرف من داخل ثوب الشريعة التي تقسم الأرزاق بالتفضيل.
عنف فقر فاجر يتمايل بوقاحة في فضاء الغرفة اليتيمة. صمت قهر عار، معتم يكتم الأنفاس. نهيق القناة يمزق أحشاء أم سعاد ويحطم ما تبقى من فرحة البنات بوعود شعار ثورة الشباب " الشعب يريد إسقاط النظام ". حلم الحرية والخبز والعيش كأيها الناس بكرامة ولى هاربا تحت وقع ضربات الصورة المباشرة لقناة الجزيرة " الشعب يريد تطبيق الشريعة ". يزداد صراخ الرضيعة، وتشتعل النيران الملتهبة في جوف الأم، فتنفث كلاما حارقا على جدران الغرفة المتهالكة بما فضلنا بعضكم على بعض في شريعة الرزق. تلعن القدر والمكتوب. تبصق نفسيا هي الأخرى على عبارة " الحياة قسمة ونصيب" التي اعتلت منصة ذاكرتها، واقتحمت بنزق طرف لسانها، وكادت تخرج، لكن بسرعة يقظة عضت بالنواجذ على عنق العبارة، تذوقت بفرح عارم دمها وهو يسيل على سطح اللسان. طحنتها بالأضراس بغضب جنوني رفضا لهذه الأفكار المندسة كرها في الصمائم الأولية لتنشئة الدماغ بالحشو العفن. شيء ما في أعماقها يتوتر، يسري في الجسد كالحريق المرهب والمؤلم، وهي تنظر بعذاب قاس إلى جزئها الحي، أي بناتها المكدسات داخل ثوب الشريعة. تختنق رغبة البكاء في دواخلها، و تنتحر شنقا دموعها على حافة جفونها المتسمرة. شعرت بنات خردة السواد المكدسات في ثوب الشريعة برغبة عاطفية جامحة في عناق الأم . تحركت كتلة الضباب الدامس لست بنات بعيون تلمع كومض برق فجره إعصار جن في أجواء الغرفة. تحت وطأة العذاب الجارف لأعماقها تندفع أم سعاد إلى الخارج لترتطم دواخلها بعشرات الوجوه، لأمهات هاربات، من صراخ سوط جزيرة تطبيق الشريعة المنبعث من جهاز التلفزيون، وهن يرددن دفعة واحدة ودون سابق اتفاق" ما أرى ربك إلا يسارع فى هواك".
مراسل القناة يطفو فوق الحشد صارخا " هاهي مليونية تطبيق الشريعة التي يشارك في جمعها المبارك الرجال والنساء والأطفال، الفقراء والأغنياء ". تبتسم أم سعاد وهي تتذكر أخبار الملايين المهربة للرئيس المخلوع . عندها كان الشعب الفقير يحلم بثروته تعود إليه، كبساط سندباد تمتطيه أم سعاد لتنتقل من قدر الفقر المحتوم إلى مسكن خبز الكرامة لحرية " الشعب يريد إسقاط النظام". في هذه اللحظات العنيفة تصاب ذاكرتها بتشنج حاد فهي لا ترى في مليونية الشريعة غير ثلاث نساء تهددن بيتها الصغير . لاشيء غير شريعة ثلاث نساء تتربعن فوق زبيبة كل الرجال. قالت في نفسها بألم لا يخلو من حسرة و حقد وهي تتخيل دماء تسيل وأرواحا تزهق "رحل محمد حسني مبارك وجاء محمد مرسي مبارك". فجأة صعد اختيارها الصعب من منافي الخوف الذي تحايلت عليه كثيرا بتبريرات نفسية مخادعة . الآن حسمت أمرها وشجعها على ذلك غياب بنتها الكبيرة سعاد، أسرعت وهي تسمع صوت قطار القاهرة السريع قادما من بعيد، فجرت وراءها ضبابها الدامس لستة بنات مختبئات في ثوب الشريعة، وعند سكة القطار أجلستهن بثقة عمياء للصغيرات في الأم الحنونة. كالبرق مر قطار دستور الإخوان السريع فتناثرت مواده أشلاء بشرية.



#لحسن_وزين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستثقال الديمقراطي
- القحبة والخرقة البالية
- انهيار سد الفم..من تداعيات قطع لسان حكاية الراس المقطوع
- العذراء ترش قليلا من افيون الساعة على الخبز الحافي
- القديس محمد شكري
- مجنون الحياة
- حفلة التلقي قراءة في رواية عبد الرحمان منيف الان ..هنا ج1
- حفلة التلقي ج2
- رن الهاتف..انا قادم
- استراتيجية الاسئلة
- الشيخ والمريد


المزيد.....




- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لحسن وزين - النساء والشريعة