أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدر الدين شنن - المنشار والشجرة














المزيد.....

المنشار والشجرة


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 3986 - 2013 / 1 / 28 - 15:48
المحور: الادب والفن
    


بعد أن اجتاز السياج المحيط بالحديقة .. وقف مرتعشاً وبيده المنشار أمام إحدى الأشجار . وكان كلما هم بالشروع لإنجاز ما صمم عليه .. يتراجع .. ويتردد .. ويخاف .. كمن يقدم على ارتكاب إثم كبير . وينظر إلى الشجرة " التي وضع عينه عليها " كما يقول الحلبيون " .. فيراها مثل الصبية الشابة .. تزهو بقامتها وبتفرعاتها التي تمتد .. وتتوجها .. وتزينها . ويتذكرها لما كانت " شتلة " صغيرة زرعها عامل من البلدية في حديقة الحي قبل عشر سنوات . ويتذكر كيف كان يراها عبر النافذة .. تكبر .. وتكبر . مثل الكائن الحي ، وسط عدد من الشجيرات . وكلما كبرت قليلاً ، كان يحدث والدته وأطفاله عنها بفرح ، لنموها ، ولزهوها المفعم بالنضرة والجمال ، وخاصة في بداية كل ربيع ، حين تستعيد كسوتها من الأوراق الخضراء ، ومن ثم تزهر أجراساً من وريقات بيضاء تتوسطها تفرعات صغيرة صفراء تنتهي بنقط حمراء . كان كنز من مشاعر الحنو والاعجاب تربطه بها أكثر مما تربطه ببقية الشجيرات الأكبر منها . وكان مرتاحاً ، لأنه يجاور الحديقة .

ولما مضى أكثر من شهر على البرد القارس ، والبيت خال من وسائل الطبخ والتدفئة ، والأطفال ووالدته لم يذوقوا ، طوال هذه المدة ، شيئاً دافئاً ، وزوجه وقعت طريحة الفراش مع ابنها الرضيع ، بدأ يفكر كيف يجب عليه أن يؤمن ما يشيع الدفء والغذاء الناضج في البيت .. ليس معه ما يكفي من المال ليشتري أي نوع من المحروقات أو الحطب ، فالأسعار أعلى بكثير من طاقته .. ولايعرف إلى متى تستمر الاشتباكات وإطلاق الرصاص في الشوارع .. ليذهب إلى صديق او قريب ، ليستدين منه مبلغاً يغطي حاجته . فكل من يتجاوز منزله بأمتار يتعرض للقتل من قناص ، أو برصاصة طائشة .

وفجأة رأى عبر النافذة أحدهم يقطع شجرة بمنشار . غضب وصرخ متألماً . لكن بعد لحظات صمت ، وراح يمسح الدموع عن خديه ، وأدار ظهره للنافذة .. حتى لايرى عملية الذبح هذه .. هكذا أجاب والدته عندما سألته لماذا يبكي .
ورغم الأسى الذي بدا على الأم .. قالت له .. أعذره .. لعله فقير مثلنا .. ولم يجد حلاً آخر .
وبعد أن صمتت العجوز قليلاً قالت له .. لماذا لاتقطع شجرة مثله وتؤمن لنا الدفء واللقمة .. ألا يؤلمك رجفان الصغار من البرد ومن الحرمان .. هيا خذ المنشار .
نظر إلى والدته مندهشاً وقال .. أنا أذهب .. أنا أقطع .. أنا أقتل شجرة ..
الناس تقتل بعضها .. ألا ترى الجثث في الشوارع .. أجابته والدته .
رد متشنجاً .. ما تقولينه أمر آخر . أنا عندي قطع شجرة مثل قطع روح .. أنا لست جلاداً .. ولا طالب ثأر يعميه الحقد . أنا رعيت أشجار الحديقة بعيوني .. وروحي .. أعرفها شجرة .. شجرة .

وبحركة آلية .. وهو يتصور حرمانات أسرته التي لاتطاق .. وضع المنشار على أسفل جذع الشجرة ، وأخذ يحركه ذهاباً وإياباً ، ومع حركة المنشار ، كان قلبه يعتصراً ألماً ، وعيناه تدمع دماً . وقبل أن يسقط المنشار الشجرة ، صرخ رجل يقوم بقطع شجرة أخرى .. صرخ بصوت عال .. تعالوا شوفوا .. هنا شخص مدفون . فأجابه أحدهم كان قريباً منه .. هنا مدفون أكثر من شخص .. الله يحمينا .

وخلال حركة المنشار هنا .. والمنشار هناك .. لم يكن أحد يعرف مصدر صوت الأنين الذي يعم المكان .. هل هو صوت المنشار .. أم صوت تمزق وتقطع مكونات الحياة الخضراء .. أم هو صوت نشيج ضمير الإنسان الذي يقتل الحياة ليعيش .
ومن كان يعرف الحديقة من قبل ، بأشجارها الفارعة ، وأزهارها النضرة ، ويراها بعد أن احتطبت معظم أشجارها .. وبعد أن دفن في أحواض ورودها حصاد الاشتباكات .. يصيبه الرعب والحزن الأليم ، لأنه يرى أن معالم الحياة الخضراء في الحديقة قد اقتلعت ، وأن أزهارها قد دفنت بدمائها دون أكفان .



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوافذ حلبية
- أتصبح حلب إمارة إسلامية ؟ ..
- - جنة - الشعب المفقودة
- يوم تركنا البلد
- مقومات - الربيع العربي - ومعوقاته 2 / 2
- مقومات - الربيع العربي - ومعوقاته 1 / 2
- اليتيم - إلى رمضان حسين -
- غزة العظمى .. تقاتل ..
- ما بعد تجاوز سقوف الأزمة إلى الحرب
- سوريا من التغيير إلى التدمير .. لماذا ؟ ..
- حبيتي حاب
- بصمات عثمانية على الجدران السورية
- السؤال الحاسم في الأزمة السورية ( 2 /2 )
- السؤال الحاسم في الأزمة السورية 1 / 2
- حتى تتوقف كرة الدم
- أول أيار وسؤال البؤس والثورة
- الهروب إلى الحرية
- لماذا السلاح .. وضد من ؟ ..
- بين غربتين
- حتى لاتكون سوريا سورستان


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدر الدين شنن - المنشار والشجرة