ميسون نعيم الرومي
الحوار المتمدن-العدد: 3982 - 2013 / 1 / 24 - 16:20
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ـ (وراء كــــلّ رجـل عـظـيـم إمـرأة) ـ
ميسون نعيم الرومي
مرت على العراق مآسي ، وويلات ، ومحن منذ فجر التأريخ والى يومنا هذا ، مما أَثر سلباً على ملامح الشخصية العراقية ، فاصبح سلوكه ومن خلالهـا ، غير مستقر ومتناقض ، فتراه احيانا شجاعاً مقداماً يركب المصاعب والأهوال ، وأحياناً أخرى قلقا ، نرجسيا ، مهيمناً ، متسلطًا ، دموياً ، قمعياً ، قاسياً ، يمارس عنجهيته وجبروته وعدائيته ، حتى على أقرب الناس اليه ، وان كان الأقـرب إليـه زوجـه واولاده ...! تـراه خائفاً ، خانعاً ، متخاذلا ، سلبياً مـرّة ، وأُخرى عطوفاً تهزه وتبكيه لقطة حزينة في مشهد تمثيلي .
إن هذه الشخصية لم تتكون من العدم ، وإنما جـاءت كنتيجة حتمية لما قاساه الفرد العراقي من تقلبات متضاربة ، سياسة ، واقتصادية ، واجتماعية ، أفـرزت تداعيات كثيرة داخل المجتمع ، أَصبحت للأسف ملازمة له ، لا بل هي السماة المميزة لكثير من الأفراد ، ومنها على سبيل المثال ، النيل من إبن مجتمعـه من خلال السب ، والتشهير، والقدح ، والذم لـه ، والتسقيط إليه ، والصاق التهم الجاهزة فيـه ، ، وقد تصل به الحال الى تصفيته جسديـاً ، لأسباب تافهه احياناً ، منها الشعور بالحسد والغيرة ، او لغاية شخصية نابعة من نفس مريضة ، تبث سمومها باستهتار ملحوظ ، وبحقد دفين وكراهية مقيتـة ، من دون رادع انساني ، او أخلاقي ، تجعل المرء يقف عند سماعها مذهولا .
ومما يؤسف له حقا ، هو موقف الآخرين تجاه هذه الثقافة الجديدة المتدنية ، والتي تأخذ اشكالا .. منها ، السكوت والتغاضي ، او التبرير السمج المقرف ، أو المجامـلة على حساب الحق ، أو التوفيقيـة ، مما يـُعتبر كضوء أخضر لأصحاب النفوس الضعيفة ، فيزداد غيضهم ، وحقدهم ، وغيهم ، وجبروتهم ، عندها يشتد لديهم المرض ، وتتسرب العدوى إلى غيرهم من ذوي النفوس المريضة والضمائر الميتة .
وبدلا من السعي الى وئد الشـّر في هذه النفوس المشوهة ، ومحاولة إصلاح ما في دواخلها ، بغية انقاذها من التدني ، والأنحطاط الأخلاقي ، نراها تأخـذ من السـكوت مبدأ لها ، دون أن تعـي من أن عجـزها عن التصدي لهـا ، يؤدي الى المساهمة بانتشار الأمراض الأجتماعية بشكل وبائي خطير ، لذلك فإن استفحـالها يـُنتج ُعـرفاً يزيل الثـوابـت الأخلاقية المتداولة في ذلك المجتمـع ، ليتربع على اطلالها ، وهذه هي الطامة الكبرى ، التي يصعب علاجها ، لا بل هي الخراب بعينه ، مما يؤدي بالتالي ، الى ظهور امراض اجتماعية خطيرة ، تـنخر ، وتهدم ، وتفتك بالمجتمع ، ليكون متعثراً ، متخلفاً ، بعيداً عن الركب الحضاري المتطور .
إن تطور العرف بشكل سلبي داخل مجتمع ما يفرز ثقافة جديدة ، بمـُثـِلٍ عرجاء ، كمحاولة للتسترعلى ذلك الأنحراف الأخلاقي ، ساعية لتبريره ، وابقاء الحال على ما عليه ، باساليب واهية ، مما يؤدي الى خلق ركن مناسب ، تــُرمى فيـه كل الأخطاء والسلبيات ( كبش فداء ) ، لتبييض الصفحات السوداء ، وصب كل التهم والتداعيات فيها ، فأختيرت المرأة لهذه المهمة الغير منصفة ، لأنها الركن الأضعف في المجتمع ، من الناحية الفيزيولوجيـة والسايكولوجية (نتيجة حرصها على حماية عائلتها واطفالها) ، لذلك سعت القوى الشريرة وبما تملك من اسلحة خبيثة لأضعافها تدريجياً ، وتشويه صورتها الجميلة المتمثلة ، بالحب ، والحنان ، والنقاء ، والعطاء ، واستمرار الحياة الحرة الكريمة ، لتكوين اسرة متماسكة ، محصنة في الوعي والعلم ، والمعرفة ، والأخلاق ، لكي تكون النواة الصالحة ، لخلق أَجيال ، متطورة ، تــُبشـّـر بمستقبل مشرق ، وتسعى جاهدة لكي يـَعم الخير، ورفاه البشرية جمعاء.
لقد سعت تلك القوى ، بنشر ثقافة النظرة الدونية للمراة ، كما شجعت على احتقارها ، والأستخفاف بقدراتها الخلاقة ، في مختـلـف الميادين ، إن لم نقـل جميعهـا ، وذلك من خلال تهميش دورها الريادي ، ومحاولة الحط من مكانتها القيادية ، وطعن كرامتها ، ومسخ افكارها ، باعتبارها انساناً ناقص الأهلية ، لا تصلح الا للمطبخ والطهي ، والسهرعلى خدمة الرجل وابنائها ، لسلب حريتها ، و تشوية كيانها كأنسان ، ومصادرة حقوقها الحياتية في التعبيرعن نفسها ، واسماع صوتها ، وقتل ابداعاتها ، متغاضين بل متناسين ، كونها عنصـر فـاعِـل ، وكيان فعال ، وركن اساسي من اركان المجتمع ، لها حقوقاَ مقدسة ، وواجباتاً سامية ، تستحق الأنحناء لها تقديرا واحتراما .
لقد عـمـدت هذه القوى (المصادرة لدور المرأة) ، لتحطيم المجتمع عن طريق تهديم أهم ركن من أركانـه ، والمتمثـل بالمـرأة ، من خلال تفاصيل مهمة كثيرة ، أهمها محاربتها ، والأصرار على قـتل طموح تطورهـا ، والإبقـاء على تخلفها .
رُبط مفهوم الشرف في المجتمع الشرقي ، بـ (عورة المرأة ) كما يدعون ، والمتجـسـد بتفاصيل جسدها ، فبدلا من ترفعهم عن المحرمات التي خلقوها ، أُجبرت المراة على تقبل قانونهم الجديد ، والأمتثال للسير عليه ، بمختلف الوسائل اللاأخلاقية ، ترهيباً ، او ترغيباً ، مما يؤدي حتماً إلى زرع الرعب في روحها ، والخوف في كينونتها ، وعدم الثقة بالنفس ، والأنزواء ، والتراجع الى الصفوف الخلفية ، وعدم مواكبة الركب الحضاري المتطور، سـعيـاً لقيادتها بعـد ترويضها من قبل الرجل ، وبالتالي ارغامها على تقبل احكامهم الجائرة بحقها ، والتي خُطـْطَ لها ، وأُعـدت اعداداً محكماَ ومدروساً سلفاً ،
وبما أَن المرأة هي نصف المجتمع ، وهي التي تربي النصف الآخر، فتخلفها يعني .. تدني كافة القيم الحضارية ، وتفشي الأمية بأنـواعـها ، والجهل بأشـكاله ، وانتعاش الفساد بأثاره ، وظهور الأنحطاط الأخلاقي بكافة تشعباته وطرائـقـه ، والتي تقود البلاد الى منزلق خطير ، يصعب تجاوزه ، والخروج من عجلته الهدامة ، وبراثنه الفتاكة ، مادامت المرأة قد ارتضت العبودية ، واختارت الصمت ، وامتثـلـت ، بل خنـعـت واستـسلمـت إلى التقاليد العشائرية البالية ، المتهرئة ، التي أَكل الدهرعليها وشرب ، بعـد أن تنازلت عن حقوقها المشروعة ، التي سبق لهـا أَن حصلت عليها بعد نضال مرير سـَفـَكَ المناضلون ، نساءً ورجالاً دمائهم قربانا لأنتزاعها من الأنظمة البائدة .
( الناس سواسِـية كأسنان المـِـشط ) ، ولا يستعبد انسان انسانا آخر ، قال الخليفة الثاني عمر بن الخـطـاب :ـ
ـ (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا )) ـ .
كما قيل (( إن الحقوق لاتمنح ولا تعطى وإنما تـُنتزع انتزاعاً )) ـ
كما أن الناس ايضاً بمختلف أجناسهم ، وأديانهم ، وقومياتهم ، متساوين في الحقوق التي لهم ، والواجبات التي عليهم ، أمام الشرع والقانون ، ومن حق المرأة ، أَن تـُحترم كأنسان ، وأن تعيش بكرامة ، وتتمتع بحياة حرة كريمة ضمن هذا الشرع والقانون .
سوف تنهض ( الـمرأة) حتما إذا لم يـكن اليـوم فـغـداً ، ((وإن غـداً لـنـاظـره قـريب)) ، لتخلع الثوب الذي فـُرض لبسه قـسـراً عليها ، ستنتزع يـومـاُ حقوقها المسروقة ، لتعود شامخة ، أبية ، قوية ، مرفوعة الرأس ، وليراجع أَعداء المرأة سلوكياتهم هذه .
ـ فـوراء كـل رجـل عـظـيـم إمـرأة ـ
ستوكهولم
2013 / كانون الثاني
#ميسون_نعيم_الرومي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟