أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - 7 من أجل انتصار دين العقل















المزيد.....



7 من أجل انتصار دين العقل


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 08:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إصلاح الإسلام: بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان
حديث مع العفيف الأخضر

7 ـ من أجل انتصار دين العقل
فاعلوا هذا الانتصار المأمول هم:3 التعليم، والخطاب الديني المستنير وإعلام المعقول الديني.تقديم هذا الإعلام المنشود مسلسلات وأفلام وأبحاث من وجهة نظر إسلام التاريخ،أي وقائع التاريخ كما وقعت فعلا أو ترجيحا. التاريخ الذي صنعه أسلاف يخطئون ويصيبون، ويختلفون، ويتحاربون على الولاية لا على الدين،و تمزقهم، كجميع الناس، صراعات غريزية،وأمراض نفسية هاذية أحياناً، ورغبات متناقضة، ومطامح دنيوية لا رائحة للدين فيها. كما فعل ابن عباس، عندما كان واليا لعلي على البصرة، فقد استولى على أموال بيت مال المسلمين وفر بها إلى مكة. وعندما كتب إليه الإمام علي، مطالبا إياه برد الأموال المنهوبة إلى بيت المال قائلا له : "كيف ستلقى الله بأموال المسلمين؟" أجابه ابن عباس "حَبر هذه الأمة" قائلا : "لأن ألقى الله بأموالهم خير لي من أن ألقاه بدمائهم مثلك". إستلهاما لعبادة الأسلاف، المنزهين عن الخطأ والخطيئة، قرر الفقهاء السنة، بمذاهبهم الأربعة، أن سرقة أموال بيت مال المسلمين لا حد فيها. لأن في جمعها شبهة ظلم. بينما قرروا قطع يد السارق، من غير الأسلاف، في ربع دينار وقيل في ربع درهم! مسلسلات وأفلام تلفزيونية عن مثل هذه الوقائع وهي كثيرة، وعن صراع الصحابة على جمع القرآن، وحرق المصاحف المنافسة لمصحف عثمان المتداول الآن، تقدم للمشاهد بعض الوقائع التاريخية، مثل مشهد ابن مسعود وهو يقول عن مصحف عثمان :"لو كنت أنا الخليفة لأحرقت مصحفه وأبقيت مصحفي" أو مشهد والي المدينة الأموي، وهو يحرق "ألواح" أم المؤمنين حفصة التي قدمها له أخوها، الشهير عبد الله ابن عمر، في يوم دفنها، بعد أن أبت على عثمان حرقها مع المصاحف الأخرى.أو مشهد الخليفة القادر،وسط الفقهاء السنة،وهم يكفرون من يقرأ مصحف ابن مسعود،الذي ظل متدوالاً طوال 5 قرون،سراً طبعاً. والخلاف على المصاحف لم يكن هّينا. إذ أن رسالة عثمان إلى الأمصار كفّرت من يحتفظ بالمصاحف المحروقة. مسلسلات وأفلام أخرى أيضا عن الفتنة الكبرى، إنطلاقا من كتاب طه حسين وهشام جعيط، و مسلسل أو فيلم آخر عن "الفتنة" الدائمة في أرض الإسلام ،إنطلاقا من كتاب" الفتنة"، للمستعرب الفرنسي، جيل كيبيل: الإسلام الإمبراطوري محكوم بجدلية الجهاد الخارجي أو الفتنة الداخلية؛ ومسلسلات و/أو أفلام عن شهداء الإسلام الصوفي مثل الحلاج والسهروردي،وعن أقطاب الصوفية مثل ابن عربي،الجيلي أو البسطامي.
عرض هذه المسلسلات والأفلام،سيدشن انطلاق مسار إصلاح الإسلام بقوة، بفضل تحرير الوعي الإسلامي الجمعي من رق عبادة الأسلاف النفسي. فعلى ذلك يتوقف نجاح الإصلاح الديني، وتاليا انتصار المعقول على اللامعقول، وغرائز الحياة على غريزة الموت، حتى لا نغرغر بعد اليوم مع السيد حسن نصر الله ":نحن نحب الموت بقدر ما هم يحبون الحياة". هم، هم اليهود!.

 ما هو تعريفك للمعقول الديني؟
 هو دين العقل: يجب أن تتقدّم علوم الأديان الدين، حاملة المشعل الذي يُنير له الطريق، لإنتاج ما أسماه كانط "دين العقل":دين المجتمع المفتوح النوافذ والأبواب على جميع التيارات الدينية والزمنية، بلا وصاية الرقيب الديني على المؤمنين،ولا على المواطنين:دين"نبوة العقل"عند المعري،دين الاعتراف بحقوق الإنسان واحترامها؛وباختصار،دين العقلانية الدينية التي تقبل،بلا ُعقد ولا شعور بالذنب،مؤسسات،علوم، وقيم، وقوانين، وحقائق العالم الذي نعيش فيه.
دين العقل، هو الدين الذي سيسود بفضل إصلاح الإسلام ودراسته وتدريسه بعلوم الأديان،على أنقاض دين التعصب والهذيان الديني؛الدين المنفلت من عقال العقل يتحول إلى خرافة وإرهاب.وهذا ما نعيشه الآن في أرض الإسلام، بين أشياء أخرى، في الهذيان الفصامي عن اقتراب نهاية العالم: بعودة الإمام الغائب في إيران، وبالمعركة الفاصلة بين المسيح والمسيح الدجّال، في فلسطين عند السنة.دين العقل هو الذي أخذ اسم تأويل النص، لصالح العقل عند المعتزلة والفلاسفة، لتكييف النصوص الدينية مع متطلبات الحقبة؛كما سينتشر شيئاً فشيئاً مفهوم أكثر عقلانية عن الله،استلهمه كانط من سبنيوزا،واستبق به فرويد:"الله هو نحن وقد أسقطنا أنفسنا على ما لا نهاية له"؛وهو ما صاغه علم نفس الأعماق بدقة منذ فرويد:الله هو اسقاط الطفل لصورة أبيه الفاني على أب لا يفنى، يحميه في الشدائد والمحن؛من هنا جاء التدخل الرباني في التاريخ في اليهودية والإسلام؛مصداقاً لهذا الوهم يكتب أطباء الإخوان المسلمين في مصر على عياداتهم:"نحن نعالجلك والله يشفيك".
 كيف سيجعل الإصلاح الديني، بتدريس ودراسة الإسلام بعلوم الأديان، والفلسفة وحقوق الإنسان من المسلم فردًا منفتحا على الآخر؟
 بفضل تعميم علوم الأديان على المدرسة والجامعة. في أوروبا وفرنسا أظهر استطلاع أخير أن 52 في المائة من الفرنسيين يعتقدون أنّهم : "يجدون حقائق أساسية في كثير من الأديان"، وفقط 6 بالمائة يعتقدون بأنهم : "لا يجدون الحقيقة إلاّ في دين واحد"، وهؤلاء هم المتعصّبون.
قارن هذا بما يجري في أرض الإسلام. أراهن على أن 9 من 10 على الأقل من المؤمنين السنّة والشّيعة سيعتبرون أن دينهم هو الدين الحق، وأن الثاني في ضلال مبين. لن نخرج من النرجسية الدينية، التي مازالت راسخة في 6 بالمائة من الفرنسيين، إلى التسامح الديني الذي انتشر بين 52 بالمائة من الفرنسيين، إلا بتعميم تدريس علوم الأديان والفلسفة وحقوق الإنسان على المدرسة والجامعة وعلى تلك الجامعة الأخرى التي لا جدران لها أعني الإعلام.
في دين العقل،علاقة المقدس بالدين رمزية؛ 70 % من الروس يقدمون أنفسهم كأرثودكس،لكن 9% فقط يمارسون شعائر دينهم؛ 80 % من الفرنسيين يقولون أنهم كاثوليك،لكن أقل من 10 % فقط يمارسون الشعائر.ما دلالة ذلك السيكولوجية؟ ذلك يعني أن التدين الحديث هو علاقة نفسية،علاقة تاريخية ـ ثقافية،لغة رمزية تُنسخ إذا تُرجمت إلى شعائر حرفية.ممارسة الشعائر عرض لمرض الإضطرابات الوسواسية العصابية.عندما يشعر المسلم أنه مضطر نفسياً وقهرياً إلى قطع عمله أو درسه للصلاة 5 مرات في اليوم؛عندئذ على محيطه أن ينبهه إلى أنه في قطيعة مع متطلبات واقعه. إذن حالته الوسواسية تستوجب العلاج.
الإصلاح الديني، كفيل بنقلنا من التعلق بالحرف إلى التعلق بالرمز،من الجمود الديني إلى التجديد الديني، و بتعليم المسلمين في أرض الإسلام الانفتاح على جميع الثقافات، واحترام الآخر.بالمثل، يعلم المسلمين في مهاجرهم التأقلم مع التهجين الثقافي، أي امتزاج وتساكن عدة ثقافات في رأس شخص واحد. كما قد يحررهم من الخطاب التضحوي الصبياني:"نحن ضحايا بريئة للقرية الظالم أهلها"[الجابري]،بما هو خطاب هذيان اضطهاد،يُصبينهم، ويحصّنهم لا شعورياً ضد استقبال النقد بصدر رحب، ويعفيهم لا شعوريا، أيضا من ممارسة النفد الذاتي بشجاعة:علامتي النضج النفسي والفكري؛ويحررهم ومن ثقافة "التمس لأخيك سبعين عذرا"؛ وقد يعلمهم عدم التخلي عن ملكة الحكم، وعن التفكير بأنفسهم دونما حاجة للفتاوى... وقد يُدخل العرب والمسلمين، الذين تتفشى فيهم الأمية، والجهل، والتعليم الرديء، إلى مجتمع المعرفة الذي دخلته البلدان المتقدمة. إسرائيل تأتي فيه الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يقف العالم العربي والإسلامي منه على سنوات ضوئية.
وهكذا يمكن، بالإصلاح الديني، نقل المسلم النرجسي الحالي من الهذيان الديني إلى العقلانية الدينية، وإلى الواقعية والتواضع. وقد يحرره الإصلاح من الرؤية المانوية، من ثنائية: الخير هنا والشر هناك، نحن الضحايا وهم الجلادون، إلى آخر مسلسل إسقاط كراهيتنا ووساوسنا على الآخرين. وهو السلوك الذي جعل منا كارهين للبشرية ومكروهين منها. وهذا هو الينبوع الأول للإسلاموفوبيا. فعسى أن ينقلنا الإصلاح من هذه الرؤية التبسيطية حتى الكاريكاتور، للأنا والآخر، إلى مفهوم التشعب عند ادغار موران، حيث يتساكن الخير والشر تحت سقف واحد؛ التشعب شبيه بإلاه جانوس،ذي الوجهين المتعارضين. بالإصلاح الديني يمكننا، بمدرسة العقلانية الدينية، انتاج المسلم المؤمن والعصري، في نفس الوقت،وهو اليوم عملة نادرة. تشخيص المعري لمسلم عصره ينطبق على مسلم عصرنا : "اثنان أهل الأرض : ذو عقل بلا دين، وآخر ديّن لا عقل له". بإمكاننا بمدرسة العقلانية الدينية تجاوز هذا المؤمن، كما تجاوزته بها الديانات الأخرى المعاصرة، لنصل إلى مسلم ذي دين وذي عقل معا... وتخرّج كلياتنا الدينية باحثين ذوي فكر نقدي يمكّنهم من التمييز بين الحقيقة والمعتقد: الحقيقة العلمية تخضع للبرهان، إذن عامة. أما المعتقد، فلا حاجة له للبرهان، إذن خاص بكل مؤمن. ولا يجعلهم يضحون بالحقيقة الموضوعية من أجل قناعاتهم الذاتية، أي معتقداتهم...، ويميزون بين التاريخ والأسطورة في دينهم ذاته، وبين الواقع والرغبة، ويبحثون في اللامعقول بالمعقول لتفكيكه. أمثال هؤلاء الباحثين ضروريون لنعرف من نحن، وكيف تكوّن الإسلام تاريخيا، وما هي المصادر التي استقى منها، وما هي عوائقه، التي أعاقته عن دخول الحداثة، وما زالت؟ وهكذا سيسقون الفكر الديني بنَسْغ تحليلي جديد،بحيوية تحليلية جديدة، قلّما عرفها في تاريخه الحديث، بينما تشبَع بها الفكر الديني في العالم حتى التخمة. هذا رهان كبير إذا خسره العالم العربي والإسلامي خسر نفسه.
الإصلاح الديني علاج ذهني جماعي من القمع المستبطَن، من الأغلال غير المرئية، التي تكبّل عقل المسلم وتسترقّه نفسيا، وتشده بألف حبل وحبل إلى عبادة الأسلاف، ليعيش في القرن الحادي والعشرين، كما عاشوا هم في القرن السابع؛ وأن يجاهد كما جاهدوا ليعيد خلافتهم من "الأندلس إلى حدود الصين"،كما قال قائد الجيش الإسلامي في العراق لصحافيين فرنسيين اخططفهما...

 ناصر بن رجب : مفتاح إصلاح الإسلام في نظرك هو الإنتقال من إعلام وتعليم اللامعقول الديني، إلى إعلام وتعليم المعقول الديني، بتدريس علوم الأديان والفلسفة وحقوق الإنسان. فكيف يمكن تحقيق هذا الهدف في إصلاح الإسلام الفرنسي والأوروبي؟
 الإسلام الفرنسي – الأوروبي محظوظ. فليس مطالبا بالإنتقال من اللامعقول السائد إلى المعقول المنشود، كما في حالة غالبية البلدان العربية والإسلامية. بل مطلوب منه فقط أن يتصالح مع الدساتير والقوانين الوضعية، والنظم التربوية والقيم المشتركة، العابرة للثقافات، المطبقة في الإتحاد الأوروبي الذي هو مواطن أو مقيم فيه. حسبه أن يعيد تعريف نفسه بالحرية،و بالعلمانية، والديموقراطية وحقوق الإنسان. وهكذا يستطيع الإسلام الأوروبي أن يقطع مع الجمود الديني، السائد في معظم بلدان المنشأ. سرني عندما قرأت لمحمد الموسوي، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، "وهو مغربي"، قوله : "الإسلام الفرنسي ليس الإسلام المغربي ولا الإسلام السعودي". مما يدل على فهم دقيق للمعادلة الدينية المعاصرة: كل دين هو ابن ظروف الزمان والمكان. وليس وصفة سحرية عابرة للتاريخ، كما يتوهم فقهاء الإسلام التقليدي والسياسي. على الإسلام الأوروبي أن يأخذ الدرس من كيفية اندماج الأقلية اليهودية في الأمة الفرنسية. فقد قبلت التخلي عن الشريعة اليهودية، مقابل دمج نابليون لها في الأمة الفرنسية العلمانية الوليدة سنة 1807؛ وأن يأخذ أيضا الدرس من تركيا المسلمة وحكومتها الإسلامية التي أعلنت، على لسان رئيسها أردوغان، أنها تقبل الإنضمام للإتحاد الأوروبي مقابل تخليها عن الشريعة الإسلامية،و بقبول جميع القيم المشتركة في الإتحاد الأوروبي، وقرنت القول بالفعل، فعدّلت الدستور منذ سنة 2004 إلى 2006 ،بتطهيره من بقايا الشريعة، مثل عقوبة الزنا والإعدام ومنع المسلم من تغيير دينه. فأصبح لا يختلف في شيء عن أي دستور علماني أوروبي.
فكيف لا يقبل المهاجرون والمسلمون الأوروبيون الإندماج في هذه الثقافة العلمانية التي اندمج فيها اليهود والأتراك، مقابل تقريباً لا شيء:أن يقولوا للشريعة،التي غدت متقادمة، باي باي؟.

 كيف يمكن تحقيق ذلك؟
 أساسا بتكوين الأئمة تكوينا دينيا حديثا، يستلهم برنامج المعهد الأعلى لأصول الدين، التابع للجامعة الزيتونية، والدساتير والقوانين الأوروبية، ووثائق حقوق الإنسان، كالإتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة، التي يحسن بهم إستلهامها في خطب الجمعة ودروس المساجد، والإتفاقية الدولية لحماية الأقليات، التي ينبغي أن تكون الإطار القانوني لمطالب مسلمي أوروبا، وأن يحتكموا للقضاء الأوروبي، وعند الإقتضاء، إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ، بدلا من الإحتكام إلى الإنتفاضات والحرائق العدمية ،التي تجعلهم مكروهين ومخيفين أكثر، وبلا مستقبل أكثر.
في الواقع توجد ثغرات فادحة أحيانا في تكوين الأئمة. يوم وفاة ملك بلجيكا في التسعينات، قال إمام باريسي في خطبة الجمعة : "اليوم نقص منهم واحد" أي من الكفار. وبالرغم من أن إمام الجمعة في جامع باريس، معتدل عادة في خطبته، إلا أنه ركز مؤخرا خطبته على تفسير الآية السجالية : "وقالت اليهود عُزير ابن الله" ... وهذا لا يساعد على حوار الأديان في فرنسا، الذي يمارسه بكل شجاعة واقتدار مدير جامع باريس، د. دليل أبو بكر. في القرآن، كما يقول أبو حامد الغزالي"آيات مفضولة وآيات فاضلة". ويليق بالأئمة استخدام الآيات الفاضلة، وهي لا تقل عن 75 آية، توصي بالتسامح واحترام جميع الأديان بما فيها الوثنية، مثل "لا إكراه في الدين"، و "إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئون، من آمن بالله وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون." سلوك مدير جامع باريس، دليل أبو بكر ومفتي مرسيليا الشيخ صهيب بن الشيخ، قدوة حسنة في هذا المجال لأئمة فرنسا وأوروبا وحتى للعالم الإسلامي. لنحت إسلام مسالم كيّف تقاليده مع الواقع المعاصر، وفي أوروبا مع واقع المجتمعات الأوروبية.

 ينظر الأوروبيون إلى الإسلام كتهديد، فما العمل لتغيير هذه النظرة؟
 لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. المسلمون الأوروبيون مدعوون للتخلي عن عاداتهم الميتة والمميتة، مثل ختان البنات، وذبح الأضاحي في المنازل، وارتداء الحجاب والنقاب والبرقع، وتعدد الزوجات، الذي هو أحد أهم الأسباب لمتاعب المسلمين الأوروبيين، مثلا في فرنسا، 30 ألف عائلة متعددة الزوجات أنجبت 600 ألف طفل بمعدل 14.5 لكل عائلة؛ معظمهم فشلوا في المدرسة، وهم الذين جعلوا نسبة المسلمين في السجون الفرنسية تكاد تعادل نسبة المساجين الفرنسيين:49,6% .
من مهام الأئمة، توعية المؤمنين بخطر تعدد الزوجات، والإكثار من الأطفال للحصول على المنح العائلية، محولين فلذات أكبادهم إلى سلعة:ثمن الطفل 200 يورو شهرياً إلى سن 18 عاما.وبعدها يصبح نزيل السجون بالفعل أو بالقوة!.
على الحكومات الأوروبية أن لا تغضّ الطرف عن تعدد الزوجات. لا يستطيع التونسي في تونس، التي منعت تعدد الزوجات في 1956، أن يمارس التعدد، ويستطيع أن يمارسه في فرنسا وأوروبا، التي لم تعرف تعدد الزوجات في تاريخها. تعدد الزوجات جاءت به اليهودية، وعنها أخذه الإسلام. لكن تعدد الزوجات لا وجود له لا في يهود إسرائيل ولا في يهود الشتات.
كما على الحكومات الأوروبية أن تكافح كل مظاهر العنصرية ضد المسلمين، وأن تتبنّى جميعا الطريقة الأمريكية في التمييز الإيجابي لصالح أبناء المهاجرين.مثلاً، يشارك مترشحان، أبيض وأسود، في منافسة علمية ويتعادلان في العلامات،فيتم اختيار الأسود. وعلى المؤسسات الثلاث المؤطرة لمسلمي فرنسا: جامع باريس، والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والفدرالية المغربية لمسلمي فرنسا، أن تتعاون فيما بينها لتوعية مسلمي فرنسا بواجباتهم كمواطنين فرنسيين، أو مهاجرين ضيوف وأن تدافع عنهم ضد التجاوزات.

* الشباب المسلم الفرنسي والأوربي هو الأخير في النجاح المدرسي،والأول في ارتياد السجون، فكيف يمكن أن تشارك النخب المسلمة الأوربية في علاج هذا المشكل؟
ـ نعرف من تاريخ الأقليات، أنها نجحت اجتماعياً واندمجت في المجتمعات المضيفة بفضل التعليم. لماذا؟ لأنها تحكمّت في معدلات نموها الديمغرافي.بالمقابل،فشلت الأقلية الإسلامية حتى الآن في نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني،التي تشكل العائق الأول لنجاحها المدرسي والمهني واندماجها.
الإسلام الأوربي مدعو إذن لوعي ضرورة ترشيد ديمغرافيته، ووعي ارتباط هذا الترشيد برهان التعليم والتكوين المهني:بلا تعليم،بلا تكوين يؤهل الشباب المسلم للعمل في مهن المستقبل،سيبقى السجن هو مستقبلهم المضمون كجانحين،والحال أنهم بنجاحهم في الترشيد الديمغرافي، وتالياً بنجاحهم في الاندماج،يمكنهم لعب دور طليعي في مدّ جسور الحوار والتضامن والعمل المشترك، بين أوربا وبُعدها المتوسطي،والعربي الإسلامي،لإنجاز ما أسماه جيل كيبل:"الشراكة التكاملية بين ضفتي البحر المتوسط"،من أجل إقليم أوربي ـ متوسطي مسالم،متضامن،متنوع ومتحد.يجمع بين تنوع الثقافات وكونية قيم حقوق الإنسان.
مسلمو أوروبا يعيشون في مجتمع حضارة المعرفة، أي حضارة الكمبيوتر. الإسلام، الذي يمر بإعادة التأسيس، لا يمكن له أن يكون في حالة اشتباك أو تناقض مع هذه الحضارة، بل عليه أن يكون معها في حالة وئام . لذلك على نخب الإسلام الأوروبي أن تعيد إختراع إسلامها على مقاس القيم المشتركة والمعايير الأوروبية الجماعية...
إصلاح الإسلام الأوروبي، يعني أن يصبح في نهاية المسار إسلاما آخر غير الذي كانه. مختلفا في شعائره، وممارساته، وطبيعة علاقته مع الآخر، الذي لم يعد ساكن "دار الحرب"، بل أصبح المواطن الذي يشاركه في حقوق المواطنة، في بلد غدا بلده هو أيضا. هذه ستكون روح الإسلام الأوروبي الذي أعيد تأسيسه أي إصلاحه.

 هل لك أن تلخص للقراء في كلمات معدودة الخطوط الكبرى للإصلاح الديني؟
 للقرّاء ولصنّاع القرار، أقول في بداية القرن العشرين كان الخيار: إصلاح أم ثورة؟. وفي بداية القرن الحادي والعشرين غدا الخيار إصلاح أم فوضى دامية على الطريقة الصومالية مثلا؟. إختارت أوروبا الغربية الإصلاح، فقطعت الطريق على الثورة. فهل سيختار العالم العربي والإسلامي الإصلاح لقطع الطريق على الفوضى؟.
الفوضى اليوم تعني أن يصبح العالم، وكل بلد فيه، غير قابل للحكم. فاختاروا إذن الإصلاح الديني، كمدخل للإصلاح الشامل السياسي، والإقتصادي، والعلمي، واللغوي والتربوي. الإصلاح الديني هو اليوم المدخل لقطع الطريق على هجوم الجنون في التاريخ، على تحويل المؤسسات التعليمية والإعلامية إلى منابر للتكفير والفتاوى، المضحكة حينا والمبكية حينا، وعلى تحويل المستشفيات إلى مسالخ لقطع الأيدي، وتحويل الساحات العامة إلى أمكنة يتبارى فيها المصابون بالطاعون العاطفي على رجم المحبين، وشنق المفكرين الأحرار، وتحويل عواصم أرض الإسلام إلى أكثر من طهران، يصطاد فيها "حراس الثورة" الشباب الجامعي كما يصطادون الأرانب. المدخل إلى الإصلاح يكون :
1 - بالإنتقال السريع من إعلام اللامعقول الديني إلى إعلام المعقول الديني، ومن مدرسة اللامعقول الديني ، التي تُفبرك جموعا من المتعصّبين، كلّ واحد منهم مشروع شهيد، أي قاتل وقتيل ، إلى مدرسة المعقول الديني والدنيوي، الكفيلة بوضع حد للقراءة الحرفية للنّص، وبتدريس الإسلام بعلوم الأديان، الكفيلة بإخراجنا من الرؤية الجامدة للإسلام،و بتفكيك الرواية الخيالية، حتى الكاريكاتور، لنصوصه ولرموزه المؤسِّسة، بتكوين نُخب قادرة على التفكير النقدي في تراثها، وخاصة على إعادة التفكير في مشروعها العقلاني المستقبلي.
2- كما يكون باقتباس التعديلات، التي أدخلتها حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي على دستور سنة 2006 مثل إلغاء عقوبة الإعدام والزنا والإعتراف،في دساتير البلدان الإسلامية، للمسلم بالحق في تغيير دينه طبقا للمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
3- كما يكون بالمبادرة إلى إصدار قوانين أحوال شخصية، تستلهم مجلة الأحوال الشخصية التونسية، التي دشنت ورشة إصلاح الإسلام التونسي المفتوحة منذ 54 عاما، كما فعل المغرب، الذي يحكمه ملك مُصلح يحمل لقب أمير المؤمنين، لوضع نهاية لإقصاء فقهاء الجمود الديني للمرأة من الفضاء العام، أي من الشارع والمدرسة وأماكن العمل، جاعلين المسلمة المثالية هي تلك التي لا تخرج إلا مرتين: مرة من بيت أبيها إلى بيت زوجها ومرة من بيت زوجها إلى القبر. والحال أن نساء النبي خرجن في حياته وبعد مماته، وعائشة خرجت لقتال علي في معركة الجمل، وكانت تُلهب جيشها حماسا، حتى قال علي:" أعقروا الجمل وإلاّ فنيت العرب اليوم". وهكذا لم تطبّق أمهّات المؤمنين، لا في حياة النبي ولا بعد وفاته آية: «وقَرْنَ في بيوتكنّ». فبأي منطق يُطلب من نساء اليوم تطبيقها؟
هذه التدابير الضرورية كفيلة بتدشين مسار الإصلاح الديني، لإخراج الإسلام من سكة الندامة التي أدخلته فيها عصور الإنحطاط إلى سكة السلامة : سكة الإصلاح، وحوار الأديان ومصالحة الإسلام مع الحداثة، أي مع العالم الذي نعيش فيه.
لكن ذلك غير مضمون،إلا إذا استطاعت النخب تحرير عقول،القطاع التقليدي من المسلمين،نخباً وجمهوراً،من شلل عبادة الأسلاف؛المسؤول عن تمردهم على جديد عصرهم ،بدعوى انه مخالف لما قاله وصنعه السلف الصالح، الذي حصرته الأسطورة الدينية في خرافة حديث:"خير الأجيال،جيلي فالذي يليه، فالذي يليه".
اليكم مثلاً عن الشلل الذي تسببه عبادة الأسلاف لدى القبائل البدائية التي بقيت منذ آلاف السنين بدائية.يذكر مرسيا إلياد،في كتابه"مظاهر الأسطورة":"أن الإنثروبولوجي، ستريهلو،كان عندما يسأل قبيلة ارنثأ الاسترالية عن سبب ممارسة بعض الشعائر يجيبونه:"لأن أسلافنا أمروا بذلك"؛في غينيا الجديدة،كان أعضاء قبيلة، الكلاي،"يرفضون تغيير طريقة حياتهم قائلين: هكذا كان يفعل أسلافنا [وهكذا علينا أن نفعل].وإنّا على آثارهم لمقتدون"(...):"كما روى ذلك أسلافنا، منذ ُخلقت الأرض، هكذا علينا أن نذبح،وكما تصرف أسلافنا في سابق الزمان،علينا أن نتصرف نحن مثلهم اليوم"،الدعاء نفسه نلتقي به عند الهندوس: "علينا أن نفعل ما فعلته الآلهة في البداية"،"وهكذا فعلت الآلهة وهكذا يجب أن يفعل الإنسان". (مرسيا إلياد "مظاهر الأسطورة" ص 7).
هذا الشلل النفسي للأسلاف،هو الذي نلتقي به نحن اليوم عند جميع فرق أقصى اليمين الإسلامي ذي الذهنية السحرية،البدائية والفصامية.مما جعلهم يعيشون في عصرهم بذهنية ونفسية وتقاليد عصور خلت!.
أريد أن أُلحّ على قطيعتين مركزيتين ضروريتين لتحقيق الانتقال إلى دين العقل:القطيعة مع النرجسية الدينية والقطيعة مع الإعتقاد الذهاني في التدخل الرباني في التاريخ،الذي تخلصت منه النخب اليهودية ومعها الجمهور اليهودي العريض،لكنه مازال معششاً في زورايا وخبايا الوعي الجمعي الإسلامي معيقاً له عن الاعتماد على النفس وقاتلاً فيه لإرادة صنع القرار بالعلم:يشعر المسلم لا شعورياً بأن الله هو بديل العلم الحديث في صنع قراره لأن كل شيء"مكتوب".

عائقان أساسيان لتقدم الأمم:تذويب الفرد في الجماعة وتذويب الشك في اليقين الأعمى،أي الذي لا يترك مكاناً للإحتمالات الأخرى وللنقاش المتعارض.هاذان العائقان جسدهما في الإسلام هذيانان لم يعالجا حتى الآن هما:النرجسية الدينية والتدخل الرباني في التاريخ.
النرجسية الدينية،من الزاوية السسيولوجية،هي ربيبة الإثنية المركزية:"نحن شعب الله المختار"، ونحن:"خير أمة أخرجت للناس".وهي ملازمة للقبائل البدائية أو ذات الذهنية البدائية الذهانية. هذا الفانتازم النرجسي الجماعي يوهم كل جماعة،كل قبيلة،بأنها خير من الجميع وفوق الجميع،لغتها خير اللغات،ودينها خير الأديان وحتى مطبخها فهو سيد المطابخ.هذا الإستثمار المفرط في الذات الجمعية،هذا التعلق النرجسي الجارف بالقبيلة يُعيق الإنفتاح على الآخر،على المختلف.إذن يُعيق قانون التطور،أي التهجين والتلاقح بما هما تخصيب الأصيل بالدخيل والمحلي بالكوني،لتجديده وحفز ديناميكه.زواج القرابة،الزواج داخل العشيرة،هو مصدر لأمراض التخلف الذهني مثل المونجوليزم. النرجسية الدينية تعيق التهجين الثقافي،تعيق التلاقح الثقافي بما هو"تلويث"للأنا النرجسي النقي من الشوائب الخارجية؛صرح راشد الغنوشي،غداة عودته إلى تونس في 2011 ،بأن الفرنسية"تلوث" نقاء العربية مطالباً بوضع حداً لهذا التلويث؛التعلق بنقاء العرق،ونقاء اللغة،ونقاء الدين ... هو هذيان نرجسي ذهاني بما هو دفاع ضد الروافد الخارجية اللغوية كالمصطلحات العلمية والتكنولوجية التي مازالت تدق على أبواب العربية،المصابة بمرض فقر الدم في المصطلحات،والحال أن العبرية أعطت بسخاء جنسيتها للمعجم المصطلحي الغربي المنشأ والعالمي الإستخدام؛تحريم زواج المسلمة من غير المسلم،وأيضاً تحريم زواج المسلم من المشركة،هو دفاع ضد الإنفتاح على التخصيب الجيني؛اشترط الغنوشي،في كتابه"الحريات العامة في الدولة الإسلامية"جواز زواج المسلم من الكتابية [=اليهودية والمسيحية]شرط أن يكون هذا الزواج سبباً لدخول أهلها في الإسلام،مضيفاً بأن هذا اليوم غير ممكن،فلا يجوز إذن الزواج من الكتابية.
تحريم الزواج من خارج الجماعة الدينية،هو ترجمة لا شعورية للرغبة في زواج المحارم،المترسب من الطور الأوديبي حيث رغب الإبن في الزواج من الأم.
وهكذا،انسياقاُ مع هذا الفانتازم المرضي،على المسلمة والمسلم أن يتزوجا فقط من بنت أو ابن العم والخال والخالة ...إلخ، لتفريخ المونجوليزم الجينية والذهنية.
أراهن على أن دراسة علمية للمتعصبين،قد تثبت أن نسبة مهمة منهم على الأقل هي ثمرة زواج الأقارب،فضلاً عن التعليم والإعلام الدينيين الغبيين والمغبئين.
ما العمل لتجاوز هذه النرجسية الدينية؟
تدريس الإسلام ودراسته بعلوم الأديان؛مثلاً تاريخ الأديان سيعلم المسلم الصغير أن دينه ليس نقياً
"من الشوائب الدخيلة"،بل هو خليط من عديد الأديان التي سبقته:من البابلية والمصرية،عبر اليهودية والمسيحية،ومن المزدكية التي لقنه سلمان الفارسي أساطير الجنة والنار منها.الخلاصة علينا أيضاً وخصوصاً تطعيم الإسلام بقيم الدين العلماني العالمي:دين حقوق الإنسان،لإخراجه من شرنقته النرجسية،التي أعاقت تطوره إلى دين مفتوح على استقبال مؤسسات وعلوم وقيم وحقائق العالم الذي يعيش فيه.
التدخل الرباني في التاريخ؛نحن هنا أمام هذيان ذهاني حاد،أمام إصابة ذهنية سببت لمرضاها تلفاً خطيراً في الشخصية النفسية وفي الوظائف العقلية إلى درجة أنهم لم يعودوا قادرين على وعي مرضهم.إذن على الشعور بالحاجة الماسة للعلاج؛الله هو رغبة ذاتية إخترعها خيال الإنسان لحمايته في الدنيا وتأمين حياة ثانية بعد الموت،لينتصر أخيرا على الغول المخيف:على الموت.وبما هو مجرد رغبة،مجرد أمنية غير واعية،وفي أرقى الحالات،الله هو مجرد رهان واع بهشاشته.فمن الجنون أن نعتقد انه لن يضمن لنا السعادة في عالم آخر وحسب،بل وفي هذا العالم أيضاً،وهذا ما سماه الفقهاء:"الفوز بالسعادة في الدارين"،شرط أن يطبق المسلم حرفياً أوامره ونواهيه؛وهي،في معظمها،محرمات عصابية وذهانية حسب الإنسان أن يقيد بها عقله وجسده ليموت قبل أن يموت. شاب متصوف خدمني عندما كانت يدي اليمنى مشلولة،كان كلما شرع في علاجي ينطق البسملة بالنيابة عني،اعتقاداً جازماً منه بأن العلاج ليس هو الذي يشفي،الشافي هو الله؛عبد الناصر برر هزيمة 67 في أول خطاب غداتها:"لا يُغني حذر من قدر"،هو "المكتوب"على الجبين تراه العين.هذا "المكتوب"هو أحد أخطر أمراض الإسلام ،خاصة المعاصر،المنتشر بين الجمهور والنخب أيضاً.هذا الإعتقاد الهاذي منع ومازال المسلم من صنع قرار واقعي في حياته اليومية،ومنع"مرشده"الديني والسياسي من صنع قرار واقعي لإدارة الشأن العام.10/9 من المؤمنين يقولون في سرهم أو علانيتهم كلما هموا بالشروع في عمل متعب:"خليها على الله ويا الله"كما تقول الأغنية الشهيرة.
ما العمل للتحرر من رق وهم التدخل الرباني في التاريخ؟
تطهير الإعلام والتعليم والخطاب الديني من آيات وأحاديث التسيير مثل:"وماتشاؤون إلا أن يشاء الله"،أو:"لو إتقيتم الله حقّ تُقاته،لكنتم كالطير تغدو خماصا [=جائعة]وتعود شباعا"...إلخ.
وبالتوازي مع ذلك،الشروع في إعادة تأسيس الذهنية الإسلامية،عبر التعليم والإعلام والخطاب الديني المستنير، بثقافة انتقال البشرية من الإسترشاد بالعقل الإلهي،بالأحكام والفتاوى الدينية،إلى الإسترشاد بالعقل البشري،أي بالعلم والتكنولوجيا والقيم الإنسانية التي جسدتها مواثيق حقوق الإنسان.
الانتقال من النرجسية الدينية المنغلقة على نفسها إلى حوار الأديان،والانتقال من التدخل الرباني في التاريخ إلى صناعة القرار بالكمبيوتر،سيساعد بقوة على فتح نقاشات متعارضة،خاصة في وسائل الإعلام الجماهيرية،حول:هل المطلوب هو جمع وإجماع المسلمين على ما يجب أن يعتقدوه أم جمعهم ـ ناقص إجماعهم ـ عما يجب أن يفكروا فيه ويعيدون التفكير فيه من مشاكل حقيقية تتحداهم يومياً مثل:نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني،وقنبلة الأمية والجهل والفقر وسوء التعليم وسوء إدارة الاقتصاد، وأخيراً لا آخراً ،سوء صناعة القرار الملازمة لوجود هذه القنابل المتفجرة،بل هو في التحليل الأخير سببها؟؛وهل المطلوب محاربة الحداثة حفاظاً على نقاء الهوية،أم المطلوب،هو بالعكس، معاصرة العصر،أي الدخول بقدم راسخة إلى الحداثة بما هي علمانية وديمقراطية وعلم وتكنولوجيا وقيم إنسانية تعترف بالحق في المواطنة الكاملة للرجل والمرأة،وللمسلم وغير المسلم والعربي وغير العربي؟هل المطلوب هو بعث الخلافة الراشدة من قبرها لجعلها معياراً نقيس به،في القرن الحادي والعشرين،شرعية الحكم الرشيد في أرض الإسلام،كما يطالب بذلك راشد الغنوشي، أم المطلوب هو إعتبار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق المكملة له،وبرامج اليونسكو للتعليم والتنمية المستدامة،التي تحفظ حق الأجيال، التي لم تولد بعد ،في موارد وفيرة وبيئة نظيفة؟وهل المطلوب هو عبادة أسلافنا وتراثهم،واعتبار كل نقد لهم وله"نيلاً من المقدس"،أم المطلوب،هو بالعكس،فتح جميع ملفات الأسلاف وملفات تراثهم،من نبي الإسلام إلى القرآن والحديث،للبحث العلمي بلا رقابة أو رقابة ذاتية لنجعل علاقتنا بهم وبتراثهم شفافة؟هل المطلوب هو "تجنيدالأطفال منذ سن الـ 15 عاماً للجهاد"،كما يطالب مشروع دستور الإخوان المسلمين لسنة 2011 ،في الغرب
"الصليبي"،أم المطلوب هو الدخول مع هذا الغرب في شراكات اقتصادية وعلمية وتكنولولجية وثقافية تعود بالفائدة علينا وعليه؟هل المطلوب هو تذويب الفرد في الأمة لتحويلها إلى كتلة مُصمّطة وصماء عن سماع كلمة"خلاف أو إختلاف"،أم المطلوب هو تنشيط ظهور الفرد بغرس ثقافة المبادرة والشجاعة الفكرية فيه منذ نعومة أظفاره؟.
لقد برهنت دراسة مجتمعات ما قبل التاريخ،أن الشعوب التي انتقلت من العيش على الصيد وجني الثمار إلى الثورة الزراعية،هي الشعوب التي خففت من سطوة القيود الجماعية القبلية على الفرد تاركة له هامشاً للمبادرة والتجديد في حياته اليومية.
الفرد المعزول في برج فرديته العاجي لم يعد سائداً في المجتمعات الغربية،بل عوضه شيئاً فشيئاً الفرد،الذي يختار دائماً قيمه ونمط حياته بنفسه،لكن التكنولوجيا الجديدة،من المحمول إلى الإنترنت، جعلته في اتصال ووصال دائمين مع الآخرين،مع المجتمع؛وهكذا غدا أكثر من أي وقت مضى حساساً لنداء التضامن والكرم الضروريين للعيش معاً،للعيش في مجتمع مضياف.لكنه مجتمع أشخاص أحرار لا مجتمع أرقام قابلة للإستبدال؛كما في مجتمعاتنا شبه الهمجية التي لا تقيم لحياة الفرد وزناً!.
الفرد المعاصر قطع حبل سرته مع العائلة،فلم يعد امتداداً لتقاليدها الميتة والمميتة،لكنه ارتبط،بفضل التكنولوجيا الجديدة،بعائلة أخرى لا تقوم على رابطة الدم،بل على رابطة الألفة العاطفية والتضامن والكرم.
هذا الفرد هو مفتاح المجتمع المفتوح،هو مفتاح الدخول إلى حضارة القرن الحادي والعشرين،هو ترياق المجتمع الديني المغلق،الذي يسعى أقصى اليمين الإسلامي إلى تدشينه،في عالم فتحت العولمة فيه جميع النوافذ والأبواب على بعضها بعضاً!محاولة انتحارية ولا شك!.



#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداء إلى انتهاك الشعائر الغبية
- اصلاح الإسلام ضروري وممكن
- لماذا إدخال -التدافع-في الدستور؟
- الدولة الدينية طوعاً أو كرهاً
- :-على هامش -فتنة السؤال لماذا الشاعر دائماً حزين؟
- رسائل تونسية نداء الى الجيش
- لماذا التحريض على «ثورة ثانية إسلامية»؟
- إقطعوا الطريق على حمام دم في تونس
- هل الغنوشي إرهابي؟
- رئاسة الغنوشي خطر على - النهضة- وتونس معا
- على هامش : -فتنة السؤال- لقاسم حداد:أزمة الإبداع:الأسباب وال ...
- بن بله:رائد قانون التبني
- ماذا عن رواية خلق الكون و نظرية تكوّن الكون في الدين و العلم ...
- ما الفرق بين إلاه الأديان و إلاه العلماء؟
- خيبة الحب في - كيد المشاعر-
- المصالحة الوطنية أو الانتحار الجماعي !
- !افتحوا الجامعات للمنقبات
- قُدْ حزب إنقاذ تونس - رسالة إلى قائد السبسي
- ما مصير حقوق الإنسان في تونس الإسلامية؟
- لماذا ارتعبت -النهضة- من انتصارها؟


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - 7 من أجل انتصار دين العقل