بن بله:رائد قانون التبني

العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 3696 - 2012 / 4 / 12 - 21:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

نسخة مصححة

أخبرني هذا الصباح الكاتب العصامي أشرف عبد القادر بنبأ حزين: رحيل صديقي وأول ـ وأنبل ـ رئيس للجزائر المستقلة أحمد بن بله"سي أحمد"كما كنت أدعوه.
عندما كان في باريس"1981 ـ 1982"كنا نلتقي تقريباً يومياً.وعندما انتقل إلى سويسرا كان يدعوني باستمرار لنقضي أياماً معاً.ذات يوم في 1983،عندما نزعت زوجته الرائعة،زهرة،جاكتتي فسقط منها جوازي.فتحته فلاحظت أني مولود في ذلك اليوم،6 فبراير.دون علم مني اتفقت مع سي أحمد على الاحتفال بعيد ميلادي ـ الذي لم أحتفل به قط ـ أثناء العشاء فاجأني سي أحمد سائلاً:لنحلم:أنا أصبحت رئيس الجزائر وفي اليوم التالي اختار الجيش التونسي العفيف الأخضر رئيساً لتونس،فما هو أول قرار ستتخذه؟ أجبته :أول قرار هو الفرار ...لأن الرغبة في قيادة الناس ليست مبرمجة في شخصيتي النفسية.فقال،كالمنكسف،كنت أتوقع أن تقول:أول قرار هو الوحدة التونسية الجزائرية.فقلت:لو اتخذ هذا القرار المجنون غيري لكنت ضده.لأنه لا يوجد اليوم بلد عربي واحد مؤهل للوحدة مع بلد جار وعددت الأسباب ...
خلال لقاءاتنا المتكررة على مدى 11 عاماً كنت كثيراً ما أسأله عن كيفية صناعة قادة العالم الذين تعرف عليهم للقرار.ذكرت مراراً ما قاله لي عن صدام حسين الذي كان يتوقع في حرب الخليج:"أن يقتل جيشه 20 ألف جندي أمريكي، في الحد الأدنى،و100 ألف في الحد الأقصى ... ويأتون ويتفاوضون معي على شروطي ويعطونني جزءا من نفط السعودية ..."(انظر العفيف الأخضر رسالة مفتوجة إلى صدام،"الحياة"ابريل 1998).طلب منى سي أحمد أن لا أذكر اسمه مكتفيا بـ"زعيم مغاربي معروف".ومع ذلك عاتبه صدام على إفشاء سره لي في أول لقاء به بعد نشر الرسالة.كان الرئيس ميتران يوسّطه مع صدام لإخراجه من الكويت لإنسحاب فرنسا من التحالف ... كان سي أحمد يقول لي عشية كل سفر إلى العراق : ابني لن أعود من بغداد إلا بعد أن يأمر صدام أمامي جيشه بالإنسحاب من الكويت ..." لكن عندما أخابره بعد عودته كان يقول لي،مستسلماً،:"عنده معطيات ليست عندنا ...مبرراً عدم انسحابه من الكويت.
اثناء عودته إلى الجزائر، في الباخرة التي عادت به من برشلونة، حللّت أمامه طويلا الاحتمالية العالية للحرب ومخاطرها على العراق والشرق الأوسط كله.كان يستمع صامتاً وفي لحظة ما قال لي:اسمع جيداً قد يكون تحليلك صحيحاً 100 في المائة ولكن يا ابني:"الغرب خصانا وصدام نجح فيما فشلت فيه أنا وعبد الناصر:لقد امتلك السلاح السحري،السلاح النووي ..." عندئذ غيرت مجرى الحديث، فعقدة الخصاء وصدمتها العاطفية تهزأ بكل التحاليل العقلانية في العالم و كل الحجج المنطقية لا جدوى منها معها.
فسألته،وبيدي كأس ويسكي معتقة، ـ بن بله لم يشرب الخمر قط ولكنه لا يعترض على من يشربها أمامه كما يفعل متعصبوا أقصى اليمين الإسلامي ـ أتعلم يا سي أحمد أن الويسكي كان معروفاً في بغداد الرشيد وأبو نواس؟قال متعجباً: كيف؟قلت:لقد قال فيها أبو نواس:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها / لو مسّها حجر مسّته سراء
فضحك.
في السنوات 1980 زاره الزعيم المغربي عبد الرحمن اليوسفي حاملاً إليه رسالة شفوية من الحسن الثاني مفادها أنه مستعد لإعطاء الجزائر:"منفذاً على الأطلسي"لتصدير نفطها للعالم عبر الصحراء المغربية إذا تخلت عن البوليساريو أراد بن بله أن يعرف من عبد العزيز بوتفليقة،الذي كان آنذاك وزير خارجية الجزائر،سبب اتخاذ بومدين قرار معارضة ضم المغرب للصحراء المغربية بعد جلاء أسبانيا عنها.فقد كان في قطيعة مع بوتفليقة الذي كان سبب انقلاب 19 يونيو 1965،فاقترح علي أن ألتقي به في شقة وزير الخارجية التونسي ،محمد المصمودي، في مون برناس(باريس)لمعرفة السبب الذي دفع الجزائر إلى تبني قضية فصل الصحراء ضد مصلحتها الوطنية في التعاون مع المغرب..
قال عبد العزير بوتفليقة:"قال لي بومدين،لتبرير قراره،أول حكومة صحراوية مستقلة ستعادي الجزائر عملاً بالحديث الشريف:"اتق شر من أحسنت إليه"،لكن لابد من إضعاف المغرب بحرمانها من فسطاط الصحراء"! قرار هاذ بإمتياز!.
بالمناسبة الرئيس عبد العزيز بو تفليقة لم يتصالح مع سلفه الرئيس أحمد بن بله وحسب بل وأحاطه بكل مظاهر التكريم ،كما يفعل أصحاب الشخصيات النفسية غير المعطوبة،.فقد ألغى عيد تأسيس نظام بومدين،19 يونيو،كيوم إجازة كما قرر هذا الأخير ...واليوم أعلن الحداد الوطني 8 أيام على رحيله. كما عقد الرئيس بو تفليقة،رغم المعارضة العلمانية الصاخبة وبفضل بعد نظره السياسي،عقد مصالحة وطنية شاملة وفورية مع الاسلاميين الذين أسالوا نهرا من دماء الجزائريين:جيشا وشرطة ومدنيين أبرياء.
ذكرت في السنوات الماضية تقريباً كل ما سمعته من بن بله عن سؤ صناعة القرار ...لم أذكر فقط واقعتين:عندما سافر بدعوة من كاسترو إلى كوبا مر على واشنطن للإجتماع بالرئيس كيندي ،سأل هذا الأخير:لماذا تحاصرون كوبا لخنقها اقتصادياً؟لماذا لا تفعلون ما فعله الجنرال ديجول معنا؟ فقد قدم لنا المساعدات بدل الحصار أجابه كيندي:الوضع مختلف:أنتم لا تشكلون خطراً على المصلحة الوطنية الفرنسية بل بالعكس تخدمونها فمصالحة فرنسا لكم هي مدخلها للمصالحة مع الأمة العربية.أما كاسترو فيهدد المصلحة الوطنية الأمريكية باستقدامة للإتحاد السوفيتي إلى حدودنا ...وهكذا فتعريف المصلحة الوطنية هو لب صناعة القرار الواقعي العقلاني بالعلم.والواقعة الثانية كانت مع خرتشوف.فقد دعاه هذا الأخير سنة 1964 لزيارة موسكو لمدة أسبوعين قضى أحدهما مع خرشوف في بيته الريفي،ذات ليلة طرق خروتشوف بابه في الهزيع الأخير من اليل وكان يترنح من شدة السكر قائلاً له: يا أحمد أنا الآن أحتقر نفسي لأن بإمكاني أن أضغط على زر فأحرق الكوكب الأرضي كله فأتحول إلى أكبر مجرم حرب في تاريخ البشرية...في دينكم أشياء جيدة مثل تحريم الخمر وأشياء سخيفة مثل العقوبات الشرعية واحتقار المرأة ... ثم سأله هل تعلم أن روسيا كان يمكن أن تكون دولة اسلامية؟ أجابه:لا.فقال خرتشوف:قرر أمير موسكو أن ينقل شعبه من الوثنية إلى التوحيد لأن الديانات الوثنية لا تساعد على تكوين دولة مركزية... فأرسل وفداً إلى الشرق الأوسط ليقدم له تقريراً عن الأديان التوحيدية الثلاث.التقرير الأخير الذي قرأه كان عن الإسلام،وقرر بينه وبين نفسه أن يعتنق الإسلام إلى أن وصل إلى آخر التقرير فوجد أن الإسلام يحرم الخمر فوضع التقرير جانباً وقال:رعيتي تشرب قبل أن تصلي!وهكذا أعاد قراءة التقرير عن المسيحية فقرر اعتناق الأرثوزكسية.
كان أحمد بن بله مؤمناً صادق الإيمان وبالرغم من ذلك ـ وريما بسبب ذلك ـ كان منفتحاً إلى أبعد الحدود فقد تبنى بنتين وولداً كانوا على وشك الموت في دار الأيتام لما أنقذتهم زوجته زهرة. عندما زاره أول وفد من جبهة الإنقاذ الإسلامية بقيادة رئيسها عباسي مدني.سأله هذا الأخير مستنكرا:كيف تتبنى بنتين والتبني محرم في الإسلام؟أجابه:إذا عدت للحكم في الجزائر فسأصدر قانوناً يحث الجزائريين على التبني لأنه اليوم أم الحسنات، فهو يقدم خدمة إنسانية للأطفال اليتامى واللقطاء:"وأراهن على أنه لو عاد سيدنا محمد لنسخ آية النهي عن التبني[فبن بله يرى أن الأمر في التبني هو للنهي وليس للتحريم] بآية أخرى تحث على التبني كما كان يفعل (ص)دائما لأن التبني هو اليوم خيرا وبركة على أطفال المسلمين وغير المسلمين".
وكعادة الإسلاميين المرضى باللغة المزدوجة وتغيير المواقف،نفاقاً،من النقيض إلى النقيض،هتف عباسي مدني:"والله العظيم سأقف إلى جانبك عندما تأمر بالتبني فكل ما قلته صحيح".فرد عليه بن بله:لن أحتاج إليك ! المهم أرجوكم لا تختزلوا القرآن إلى قانون جنائي !.
أنحني بخشوع أمام جثمانك وذكراك يا عزيزي سي أحمد.

#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات