أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حذام الودغيري - حبٌّ لا يسكن نفساً حرّة، لا يُعَوّل عليه... قراءة في - ظل الأفعى- للدكتور يوسف زيدان















المزيد.....

حبٌّ لا يسكن نفساً حرّة، لا يُعَوّل عليه... قراءة في - ظل الأفعى- للدكتور يوسف زيدان


حذام الودغيري

الحوار المتمدن-العدد: 3971 - 2013 / 1 / 13 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


أطلّ علينا يوسف زيدان بأولى بنات قلبه الروائية عام 2006. كان الأمر مرتقبا. فالرجل رغم أستاذيته في الفلسفة والتصوف الإسلاميين، وتخصصه في فهرسة المخطوطات العربية وتاريخ العلوم العربية (بخاصة الطب) وفي النقد الأدبي...فإن عشقَه للحرف العربي، وجمالَ لغته، وروحَه الشعرية وطريقتَه في الحكي كانت دائما عناصر ملفتة ومبهجة في أعماله.
فجاءت "ظل الأفعـى"، وكانت المفاجأة بتقمّصه دور الأم. الولادة من تخصص الأنثى، لكن المبدع يلد عبر الروح، أمام الجمال، هكذا حدّث سقراط. سيدخلنا إذاَ إلى عوالم الأنثى النفسية والاجتماعية والميثولوجية، وينقلنا في رحلة مثيرة عبر تاريخ الشعوب السامية، لنلتقي مع الألهة والبشر، ونتقفى خطوات المرأة، ونتأمل تطور مفهومها بين الواقع والمخيّلة.
مع هذا العمل سنبدأ تقليد تساؤلنا أمام عناوين روايات يوسف زيدان : ( عزازيل، بوكر 2009، النبطي، محال، چونتانامو ـ عما قريب ـ ،...) كلمة أو كلمتان تفتح أمامنا آفاقا من الأسئلة والتكهنات. لماذا الأفعى؟ ولماذا الظل؟ وهل للأفعى ظل؟
معروف لدينا أن الأفعى ترادف الغواية والشيطان وتستعمل كناية عن السم والغدر...ولكن قديما، كان الأمر غير ذلك! الأفعى كانت مقدسة، تستحق العبادة. جعلتها ملكات وملوك الأزمنة الغابرة شعارا لهم، ورُفِعَ لها أكبر معبد في فلسطين ...إ لى أن جاءت اليهودية ودنّست الأفعى...ودنّست المرأة. أما الظل، فلا وجود له عند الأفعى إلا في حال انتصابها محذّرة.. وهجومها إنذارُ لا غدرُ...(مثل المرأة؟) ... فالأفعى هي الأنثى المقدسة!

يطيب لي أن أقرأ هذه الرواية ، على شكل "مأساة " حسب تعريف المعلم الأول أرسطو، فهي تؤدى إلى التطهير، "تطهير النفوس" من أدران انفعالاتها". و تشتمل على "تحوّل"، يعني انتقالا من السعادة إلى التعاسة والعكس، وعلى "تعرّف" أي انتقال من الجهل إلى المعرفة، مما ينقل الشخصية من المحبة إلى الكراهية أو العكس. كما أن لغتها تشتمل على الإيقاع والأناشيد وتتنوع بتنوع أجزاء المأساة.
وهكذا نجد لغة الرواية تنتقل من شاعرية مطلقة تجلّت في ترانيم لإلهات بابل وسومر ومصر القديمة، أعاد يوسف زيدان صياغتها بشكل بديع مهيب، إلى مقاطع بالدارجة المصرية كي تربطنا بواقع الزمان والمكان، وتذكرنا بحالة ازدواجية اللغة التي يعاني منها الإنسان العربي. هذا المتأرجح بين لغته الأم، العربية، ذات الوجهين: وجه للعُلوي وآخر للأرضي، وجه للفكر وآخر للعيش... كما أن "ظلّ الأفعى" ترفل بوصف فاتن للعلاقة الحسية بين الزوجين وحالات تأجج الرغبة بينهما، بأسلوب زيدانيّ يتميز بأناقة وفنّية عالية لا تسقطانه أبدا في الابتذال ـ إذ المراد منه السمو بهذه العلاقة المقدسة ـ سرّ الخلق والخليقة ـ التي يتحقق من خلالها اكتمال الأنثى بالذكر وفناء الذكر في الأنثى. ثم تأتي في محل أخير، رسائل الوالدة عارمة بالمشاعر وهي تستعيد الذكريات ، ومحمّلةً بكنوز من المعلومات التاريخية والنفسية والأسئلة حول مفهوم المرأة. أحيانا تتخذ شكلا أكاديميا ـ يكاد يبدو ثقيلا ـ لكن سرعان ما نفهم أننا أمام باحثة في الأنثروبولوجيا، متحمسة لمادتها. وهي ترجو بتفصيلها أن توصل عصارة فكرها وتجاربها لابنةٍ أضناها فراقها، لعلها تُحرِّرها في أسرع وقت... فهاهي ذي تعتذر: "لقد أطلت عليك...ولعلني أطلت، لأني اشتقت للحديث إليك، شفاهة. اشتقت حتى ما عاد في، غير اشتياقي إليك."

أما القوانين التي وضعها أرسطو للمسرح الكلاسيكي في كتابه "الشعر" فتبدو لنا جليّا في هذه الرواية أيضا، حيث تتبلور عناصر الوحدات الثلاث :

1ـ وحدة الزمان: (في "دورة شمسية " ويعني بها نهاراً وليلة أو أكثر قليلاً). فأحداث الرواية تجري خلال ليلة واحدة، يوم 30 حزيران 2020، أما تلك التي دارت في الماضي، القريب أو البعيد فتروى على ألسنة الشخصيات، ونجدها في رسائل الأم.

2 ـ وحدة المكان: في بيت قديم، بائس، صارت أرض الحديقة المحيطة به "جرداء قاحلة كالحقيقة" . سنشهد أيضا خروج "عبده" وذهابه عند صديقه "نايل" ، ولكن، هذا أيضا يدخل في إطار وحدة المكان التي يمكن أن تشمل المدينة بأسرها، حسب المذهب الكلاسيكي الحديث.

3ـ وحدة الموضوع والفعل، حتى لا يتشتت الانتباه ويتم التركيز على البطل الأساسي : حدث تغير مفاجئ في سلوك نواعم، وهي زوجة ممتازة وبنت أكابر، مترجمة في الهيئة الدولية المشتركة، تجاه زوجها، تقنيّ في مجال الجرافيك، بسبب رسائل وصلتها من عند أمها الغائبة البعيدة... حاول، بمختلف الوسائل، استرضاءها بعد 47 يوما من الإقصاء من جنتها لعلها ترجع عن نشوزها...دون جدوى.

تبدأ الرواية بآهة الزوج: " آخرتها إيه يا عبده، يا غلبان؟ قالها في نفسه هامسا ، ساعة الغروب..." إحساس بالقهر واليأس، وإيذان بالنهاية !
لننظر إلى الشخصيات الرئيسية عن كثب، وباختصار، التقت نواعم :"لأن كل ما فيكِ ناعم، وأنتِ مجمع النعومة، وهذا اسمك عندي للأبد" بـعبده :"عبدُ من؟ أنت عبدي أنا...عبدي الصغير...عبّودي." فجمعهما اشتهاء جسدي جارف، وحب عادي. منذ البداية، نرى وَهَن هذه العلاقة، فنتساءل: أي بناء هذا الذي يؤسس على "النعومة" والعبودية؟ إلا أن الزواج استمر بينهما سبع سنوات، وكانت تسعد باستمالته من أول ولوجه عتبة البيت طوال هذه المدة... إلى أن أصبحت نعومتها " قاسية، قاصية، نائية عنه...موغلة في النأي." حدث إذن "التحوّل" و"التعرّف" اللذين سلف ذكرهما ! فبدأت تنظر نواعم إلى نفسها وإلى زوجها بعين جديدة. إنها "العين الثالثة" التي تفتّحت عندها بعدما بدأت تتواصل مع أمها عبر الرسائل وأصبحت تريد أن تصبح:
محيطا بلا نهاية..
"وحدي، أنا..
سأبقى، وأصير..
أفعى عصيّة.. " (ومن صفات الأفعى النعومة أيضا)
فكأنها أزاحت الغبار عما اختزنته لا شعوريا طوال عشرتهما من أحاسيس الاحتقار والحقد والغضب التى يكنها كلاهما للآخر... فتمكنت من سبر أغوار نفسها واكتشاف ذاتها الأنثوية، وقيمتها كامرأة. وأدركت ضيق آفاق زوجها وعدم قدرته على التطور، بل استخفافه منها وهي تنشد ترانيمها. بينما يفتخر بكونه "نسيب الباشا" ويتحدث إليه بخنوع "وقد شع منه أدب معجون بتذلل لم تر مثيلا له من قبل" . فقد نشأ وبقي وفيا لقوانين:" بلاد الإجابات...، الإجابات المعلّبة التي اختزنت منذ مئات السنين الأجوبة الجاهزة لكل شيء، وعن كل شيء...فالإجابة إيمان، والسؤال من عمل الشيطان."
أما هو فـ"يحبها" ويشتهيها لكنه مع نفسه، عند الغضب، يناديها بالكلبة ويشمئز من ثيابها الداخلية الخليعة ومن فتنتها المائعة. وقدأصبح الآن يرى نفسه ضحية، وكئيب الليل والنهار:" لا أحد يهتم بك، يا مسكين، مع أنك لم تقصّر في شيء..." ويكتشف بمرارة أنه لا يعرف المرأة التي تزوجها. ويود أن يعرف فحوى الرسائل "..ما الذي كانت تقوله فيها لابنتها، هذه المرأة الكافرة؟""
يظهر لنا أن المحرّك الأساسي للرواية بدون شك، هي الأم الغائبة ـ الحاضرة، البعيدة ـالقريبة، التي كان يسميها حموها الضابط العتيد" الـ "مسكين في جبروته الموروث والـ"جبار بمسكنته التي لا يدركها. " أفعىً وشيطاناً . وهكذا سلب منها ابنتها قبل ثلاثة وعشرين عاما، مباشرة بعد موت مفجع مفاجئ لزوجها الحبيب، "الآسر بتحنانه"، فآلت على نفسها ألا تتصل بابنتها إلا عند سن الثلاثين، وإن كانت تتابع بطريقة شخصية أو لا أهم محطّات حياتها... فمنذ الولادة تهبها : " أول ارتباط بالأفعى المنبثقة من ذاتها، من جلدها القديم، من وجودها السابق (وجودي أنا) منبعثة إلي وجودها المتجدد...الدائم...المرتبط بالخلود: وجودك أنت". وتهديها يوم عرسها خاتما أصيلا كُتب عليه بخط سومري: "اجعلني وحدي كخاتم على قلبك لأن المحبة قوية كالموت". أهو نذير بفشل الزواج...وأن الحب الحقيقي سيجمع بين قلبيهما هما الاثنتين ؟! ومن خلال الرسائل، كانت تحرض ابنتها على السؤال والتساؤل: " اسأليني يا ابنتي، لأن السؤال هو الإنسان. السؤال جرأة على الحاضر... وتمرّدُ المحاصَر علي المُحاصر...فلا تحاصرك يا ابنتي الإجابات، فتذهلك عنك، وتسلبك هويّتك"... ومن رسالة لأخرى كانت تبين لها الظلم والإجحاف الذى لحق بالأنثى من خلال الميثولوجيا والدين والتاريخ والأدب واللغة،...وهي بكل هذا التنوير والكشف تستعجل اللقاء بابنتها "...ما أشد لهفتي إلى هذا اليوم. غير أنه لا بد أولا، من إشارة تأتي مبشرة بإمكان التقائنا ...إشارة تدل على خروجك من السرب المظلم...إشارة إلى أنك تأهلت لأن تكوني حقا :أنثى مقدسة"" . ولما شعرت ابنتها بنِيّتها في" هجر الدور الغابرة"، وعدتها بمنحها "بعض الأجنحة القوية، المعينة على التحليق".
ورجوعا إلى عبده، وبعد أن باءت كل محاولاته بالفشل في رد زوجته عن غيها ، قرر انتهاكها جنسيا بعد طقس بخور الحشيش الذي نصحه به صديقه الخبير في شؤون النساء. حدث يماثلُ ماجرى للإلهة إنّانا التي كانت منهكة بعد تنقلها عدة مرات بين السماوات والأرض، فأخذها النوم... لكن صاحب البستان شوكاليتودا(الأرضي) اغتصبها ـ دون عقاب ـ.
إلا أنه بالنسبة لنواعم ، سيكون الحدث الفصل، لتحررها واسترجاعها نفسها: ." وباشمئزاز عارم، وبكل الاحتقار الذي هاج بقلبها تجاهه، والحقد المرير الذي لن ينمحي أبدا، بصقت ناحيته...ورحلت.
آخر جملة من الرواية: " آه يا ابنتي ...قلبي يحدثني باقتراب لقائنا، فيتأجج اشتياقي ويجرفني إليك...فما بال اشتياقك ساكن! "...لكن اشتياق ابنتها هاج...وعجّل باللقاء.

تبقى تساؤلات، ووقفات على عدة مستويات، لغوية وتاريخية ودينية وأدبية وأسطورية ونفسية تستدعينا في هذا الكتاب الثري...إنه من نوع الكتب التي لا تقرأ مرة واحدة !



#حذام_الودغيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظريات الحب من خلال - مأدبة - أفلاطون
- قصيدة -جُمَلٌ سَلْبِيّة لِبذْرَةِ عُبّادِ شمس- للشاعر الصيني ...
- لمحة عن تطوّرات الشعر الإيطالي الحديث
- الصرخة ( II ) ألان جينسبيرغ ( ترجمة عن الإنجليزية)
- الأصدقاء ل دينو بوزاتي ( ترجمة عن الإيطالية)
- امرأة ككل النساء ورجل يقدّس الحياة قراءة في النبطي للدكتور ي ...


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حذام الودغيري - حبٌّ لا يسكن نفساً حرّة، لا يُعَوّل عليه... قراءة في - ظل الأفعى- للدكتور يوسف زيدان