أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس التاسع: الأصفر















المزيد.....


القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس التاسع: الأصفر


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3964 - 2013 / 1 / 6 - 14:52
المحور: الادب والفن
    


القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس التاسع: الأصفر

التقت الزوجات الثلاث لأقوى الرجال في الصين، رئيس اللجنة التنفيذية غانغ (متانة) ونائبيه كانغ (بأس) وجيان (بأس كذلك)، من أجل البحث في أمر خيانة هؤلاء الأخيرين لهن. أنا لم أعد أحتمل، قالت آي (حب) زوجة رئيس اللجنة التنفيذية، أن أتظاهر بعدم معرفتي للعلاقات الناعمة التي يقيمها غانغ من وراء ظهري. تدعوين علاقات ناعمة، يا عزيزتي، قالت باو (كنز) زوجة نائب رئيس اللجنة التنفيذية الأول، تلك التي تقام في شارع غِيو (أمة)، شارع المومسات؟ زوجات مخدوعات نحن، قالت هِيا (زهرة) زوجة نائب رئيس اللجنة التنفيذية الثاني، مُهانات، هذا ما يعود علينا من علاقات أزواجنا الناعمة، هؤلاء الظمأى لكل شيء، للسلطة وللجنس وللمال. لم أشأ جرح مشاعركن، همهمت آي. مشاعرنا مجروحة، همهمت باو. مسفوحة، همهمت هِيا. رشفت كل منهن رشفة من فنجان شايها الأبيض، ورحن يتأملن لوحة قاتمة لنساء عاريات تكاد تغطي الحائط. وماذا سنفعل؟ سألت آي. لم نزل حلوات في أكثر عمرنا مَلاحة، قالت باو، وهي تذرف دمعة. لا تبكي، باو، قالت هِيا، وهي تبكي. لا تبكيا، باو، هِيا، رجاء، قالت آي، وهي تبكي. أنهين شرب فناجين الشاي، وقالت الواحدة للأخرى: لنرسم خطة. اقتربت كل واحدة برأسها من رأس صديقتيها، وثلاثتهن رحن يهمسن، وهن يحركن رؤوسهن تارة بالموافقة وتارة بعدمها.

* * *

كان لا بد من الزوجات الثلاث أن يعددن أنفسهن على أكمل وجه ليكون باستطاعتهن التغلب على أزواجهن، فبدأن بإصلاح بعض العيوب في أجسادهن: آي، التجاعيد التي تغزو طرفي فمها وعينيها، باو، ترهُّلُ ثدييها، هِيا، ترهُّلُ ردفيها. اخترن أحسن مستوصف تجميل في بكين، مستوصف شان (جميلة)، واستسلمن لأيدي الأطباء المهرة، وفي أقل من أسبوعين، عدن إلى شبابهن: آي، وجهها كالقمر، باو، ثدياها ثديا فتاة في العشرين، هِيا، ردفاها ردفا ممثلة من ممثلات البورنو. وجه جميل، وثديان جميلان، وردفان جميلان. تمنت كل واحدة أن يكون لها ما للأخرى، لكنهن كن راضيات بما لهن تمام الرضاء.
بعد مستوصف التجميل، ذهبن إلى أكبر صالون للتدليك في بكين، صالون فانغ (معطَّرة)، وتركن أجسادهن لأصابع المدلكات الحاذقات، وفي أقل من أسبوعين، عدن إلى رشاقتهن: آي، جسد البان، باو، جسد النعام، هِيا، جسد الثعبان. وهن يسرن في الشارع، عاد الصفير يشنف الآذان، وطنت كلمات الغزل في الأجواء، وركض الشبان الذين لا يكلون من الركض. كل هذا أسعدهن، وجعلهن يشعرن بكسب المعركة سلفًا مع الخونة أزواجهن.
قضت الزوجات نهارًا كاملاً في دكاكين السيكس شوب الواقعة خلف ساحة تيانانمن، فاشترين كل الثياب التحتية والفوقية الخليعة، واشترين كل الدهون والحبوب المثيرة. اشترين أفلام ومجلات البورنو، واشترين البواطن النسائية والرجالية الماشية ببطارية. اشترين الروايات والقصص الجنسية، واشترين الموديلات الحية والبلاستيكية. كن يشترين، وفي الوقت ذاته، يكركرن، وهن يكتشفن ما لم يخطر على بالهن، وهن يلمسن ما كان محرمًا في عرفهن: فخذ هذا الشاب، أو إلية تلك الشابة، ولكن خاصة عندما رحن يأخذن دروسًا في التقبيل، وفي الترجيم، وفي التنجيم.

* * *

صارت الزوجات الثلاث على استعداد لبدء الحرب ضد أزواجهن الخونة، ورحن ينتظرن منهم التذرع بقضاء الليل خارج البيت الزوجي لاجتماع طارئ تعقده اللجنة التنفيذية، لكن شيئًا من هذا لم يقع. كان الأزواج الثلاثة يعودون إلى المنزل في المساء، وهم منهكون، يأكلون، ويذهبون إلى السرير ليناموا حتى صباح اليوم التالي. غانغ، يا حبيبي، ماذا جرى؟ تطلب آي، وهي تغنج، تحت نظرة زوجها المستغربة، ليس هناك من اجتماع طارئ للجنة التنفيذية؟ لا! يجيب غانغ بجفاف. اشرح لي، يا حبيبي، تطلب آي من جديد، وهي تلتصق بزوجها، فيدفعها، ويتجه إلى السرير، وهو يقول: لم أحصل بعد على عمولتي. أية عمولة؟ تسأل آي مصدومة، عمولاتك كثيرة. عمولتي مقابل بناء عشرة مفاعلات نووية، يكشف الرجل القوي. بناء عشرة مفاعلات نووية! عمولتي! عمولتك؟ نعم، عمولتي، عمولتي، يردد غانغ بجفاف قبل أن يضيف: مليار. تكلفة بناء العشرة المفاعلات النووية؟ عمولتي، يا دين تاو! يقذف الزوج، ويلقي بجسده على السرير، ولا يلبث أن يبدأ بالهلوسة. وأنتَ، يا حبيبي؟ تطلب باو، وهي تغنج. وأنا ماذا؟ يرد كانغ بجفاف. اجتماعاتك الطارئة للجنة التنفيذية؟ اجتماعاتي الطارئة للجنة التنفيذية على قفاي، يقول الزوج بجفاف. هذا لأنك تحبني كثيرًا، يا حبيبي، تقول باو، وهي تلتصق بزوجها، أكثر من اجتماعاتك الطارئة للجنة التنفيذية. أحبك كثيرًا، يا دين تاو، أكثر من نصف مليار عمولة لبناء عشر غواصات نووية. عشر غواصات نووية... عمولة... نصف مليار؟ تسأل باو مصدومة. وماذا عن ليلة هادئة بعيدًا عنكِ، يا دين تاو! يقذف الزوج، ويلقي بجسده على السرير، وفي الحال يأخذ بعمل كوابيس لا تنتهي. وبدورها، تسأل هِيا: عمولة لاجتياح البط أسواق الصين من أقصاها إلى أقصاها! نصف مليار، يطن جيان، أيتها المغناج العظمى من بين مغناجات حريم ماو! نصف مليار... المغناج العظمى... حريم ماو! تعيد هِيا دون أن تخفي خيبتها. يعني الأسوأ من بين كل حريم ماو، يا دين تاو! يقذف الزوج، ويلقي بجسده على الأرض، فهو يوجعه ظهره، والنوم على الأرض، حسب أساطين الطب الصيني التقليدي، خير من ألف علاج.

* * *

أصاب الزوجات الثلاث اليأس، وليس في الأجواء أقل ما يوحي بأن علاقات أزواجهم الناعمة عادت إلى سابق عهدها، فغرقن في تناول الكحول والأفيون، وانشغلن بممارسة الاستمناء والسحاق. كن يهرقن طاقتهن الشبقية بطريقة من الطرق في سبيل احتمال ما لا يحتمل: أن ينأى أزواجهن عن خيانتهن سعيًا وراء المال. لم يكن المال السعادة التي ينشدنها من وراء مغامرة أعددن لها، كان المال آخر ما يهمهن. الجنس كان أول ما يهمهن، أما مليارات أزواجهن، فلم يكنّ يحلمن بها. كانت لهن ككل الصينيات أحلام متواضعة، ولكن جسورة، غيورة، غير بريئة، غير سرية، غريبة، عجيبة، إغرابية، إعجابية، فيتعرفن على أجسادهن، ويكتشفن ما هو خفي في التاوية. السلطة ربما كانت أهم من المال، أهم من الجنس، شرط أن تكون في خدمة الجنس، لهذا اشترين الأثواب الجلدية، والسياط الجلدية، لهذا أردن أن يمارسن سلطة الجنس، سلطة الثياب التحتية، لا سلطة المال، سلطة الثياب الفوقية. طال ابتهالهن لتاو، إلا أن المفاجأة كانت كاملة عندما قال الأزواج الثلاثة لزوجاتهم إن لديهم اجتماعًا طارئًا للجنة التنفيذية هذا المساء سيدوم حتى الصباح.
حال مغادرة الرجال الأقوياء الثلاثة، ارتدت نساؤهن ما يفجر مفاتنهن، وبالغن في تزويق وجوههن. وضعن على رؤوسهن شعرًا مستعارًا أزرق وأحمر وأصفر، فلم يعد يعرفهن أحد، حتى أن أفراد الغونغانبو (مخابرات وزارة الأمن العام) المكلفين بالسهر على الزوجات المهمات لم يفرقن بينهن وبين مومسات خلف ساحة تيانانمن: جياو (جميلة)، لا تذهبي أبعد، لدي كل ما تشتهين، همسوا في آذان سيداتهم. ركبت كل منهن تاكسي، وأمرن السائق بالإسراع إلى زقاق دان (أحمر) المتفرع عن شارع غِيو (أمة)، شارع المومسات، هناك حيث كانت تقف بائعات الهوى الأجمل. مع سائق تاكسي مثلي بين فخذيك، لا داعي إلى الإسراع، همهم سائق التاكسي، وهو يلقي نظره على المفاتن المغرقة المصعقة المسحقة عبر المرآة الارتدادية. ضربته آي بحقيبتها البلاستيكية على ظهره، وهي تنبر: قليل من الأدب! فانفجر السائق يقهقه. جذبته بسلسة حقيبتها من عنقه، وهددت: ستكون نهايتك على يدي! راح سائق التاكسي يزكزك، واصطدم ببعض عربات الطباخين الجوالين. امتثل الجبان لأمر المرأة القوية، المتخفية تحت المساحيق المدنسة وزيها الشيطاني، وفي أقل من لا شيء، أوصل آي إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه.
وجدت آي صديقتيها باو وهِيا بين المنتظرات في زقاق الهوى، تكلمت معهما بلغة الإشارات، وفهمت أن أزواجهن لم يصلوا بعد. كن يعرفنهم جيدًا، أزواجهم الخونة، فهم لا بد أن يكونوا في إحدى الخمارات أمام كأس نينغكسيا، أو في أحد صالونات التكييف يدخنون الماريجوانا. كانت الليلة ليلتهن، فلزبائن الجسد كن محور اختيارهم، مما أثار حنق "زميلاتهن". تضاربت إحداهن مع باو، فهبت هِيا وآي للدفاع عنها. أين قوادكن؟ راحت المومس تصرخ مغلوبة على أمرها. لمحت ثلاثتهن سيارة ليموزين سوداء، وهي تقترب متهادية، فتركن المومس تصرخ من جديد: أين قوادكن؟ ونزلن إلى وسط الطريق، وهن يعرضن مفاتنهن. لم يكن يعرفن زوج من كان، فذهبت النساء الثلاث على إشارة من إصبع مثقلة بالماس تبين بالكاد من وراء الزجاج الخلفي. كان غانغ، زوج آي. أرادت الصعود في الليموزين، لكنه أشار إلى هِيا، ذات الشعر المستعار الأصفر، فصعدت آي على الرغم من كل شيء، وضربت الباب بعنف آمرة السائق: كلب! بمعنى امش.
وما أن مشت الليموزين حتى وصلت سيارة فيراري حمراء يسوقها كانغ بنفسه، فلم تعرفه باو، زوجته. كان في آخر أناقته، مزيت الشعر، مكحل العينين، مفتوح القميص، وكان يبتسم ابتسامة أشبه بابتسامة إلفيس بريسلي. أراد، هو أيضًا، هِيا، ذات الشعر الأصفر، وهذه قبلت بكل سرور، وهي تغنج، وتبتسم لبليه بوي بيكين، فقرصتها باو بغضب الثعابين التي تنتظر من يلتهمها في المطاعم الشعبية، وأبعدتها، وركبت هي إلى جانب زوجها. احتار كانغ، وبكل لطف، طلب من هِيا المجيء مع "زميلتها"، لكن باو ضربت الباب في وجهها، مما اضطر النائب الأول لرجل الصين القوي إلى حمل صاحبة الشعر الأزرق، والانطلاق بها تحت أنغام الموسيقى السوداء.
تفاجأت هِيا على إصبع تنقر كتفها، فالتفتت، ووجدت نفسها أمام زوجها. كان يضع على رأسه قبعة من القش، ويبتسم ابتسامة بلهاء. صاحت به، وطردته. نسيت أنها هنا لخطة رسمتها مع صديقتيها، وأرادت الذهاب مع شاب أقذر من قمر منغوليا، كانت تفوح منه رائحة الغائط، وفراشات الليل ترفرف فوق رأسه. أمر جيان بعينيه رجاله المتخفين في الهواء بإرسال هذا الكائن البشري إلى الجحيم. وفي لمح البصر، اختفى الشاب الدنس من حي الساقطات، من بكين، من الصين، من الكرة الأرضية. أشار النائب الثاني لرجل الصين القوي إلى تاكسي، فتوقف التاكسي عدة لحظات قبل أن ينطلق بالتنين ذي الابتسامة البلهاء وصاحبة الشعر الأصفر، وعشرات الرجال المتخفين في السيارات من ورائه ومن أمامه ومن حوله.
توقفت سيارة الليموزين عند عتبة غِيلو (برج الطبل)، العمارة الشهيرة، وكذلك سيارة الفيراري والتاكسي، وسارع كل واحد من التنينات الثلاثة إلى الاختفاء في طابق طوابقها، ثم في شقة من شققها، غانغ مع آي، زوجته، المومس في ظنه. وكانغ مع باو، زوجته، المومس في ظنه. وجيان مع هِيا، زوجته، المومس في ظنه. طلبت آي من رجل الصين القوي ألا يشعل القوي من الضوء تحت ذريعة أن الضوء الخافت أكثر رومنسية، بينما في الواقع كيلا يُفتضح أمرها. استجاب الزوج المغرر به، ولم يتأخر أحدهم عن قرع الباب. كان شابًا يحمل أكياسًا شتى من الطعام، وضعها على أقرب طاولة، وهو يهمس: أطيب أطباق لحم الكلاب، يا سيدتي. نسيت آي ما تلعبه من دور: لحم الكلاب! قالت بصوت عال، ثم بصوت واطئ: لحم الكلاب! كان رد فعلها العفوي، فزوجها لم يكن يحب لحم الكلاب. أخرجت من حقيبتها ورقة نقدية بخمسين يوان أعطته إياها، ففتح الشاب عينيه واسعًا على رؤية الورقة النقدية الكبيرة، وغادر المكان، وهو يبتسم للمرأة الإلهة. فتحت آي أحد الأطباق الكلبية، باللوز والزنبق، ورمت قطعة لحم في فمها وجدتها لذيذة. ناداها الزوج المغرر به بصوت ناعم لم تعهده من قبل: مومس، هلا أتيت، من فضلك؟ بصوت ناعم، وبكل لطف. دخلت غرفة النوم، فوجدته عاريًا يستلقي على بطنه. هلا تفضلت بتدليكي؟ عاد يطلب بصوت ناعم، وبكل لطف. وهذا أيضًا كان شيئًا جديدًا عليها. خلعت ثيابها، وصعدت على إليتيه لتدلك ظهره حسبما اعتقدت، فهمهم: مومس، يبدو أنك جديدة، قبل أن يضيف: تدليك بروستاتي. كادت المفاجأة تدفعها إلى إطلاق صرخة كبيرة، لكنها اكتفت بقنبلة نووية راحت تتفجر دون صوت في عينيها. تجدين في طاولة الليل كل ما يلزم، همهم أقوى رجل في الصين. تناولت آي أنبوب كريم فرنسي، وجلست بين ساقي زوجها، وهي تنفخ مترددة. مومس، اذهبي بهدوء، همهم غانغ، بكل هدوء. بعصبية، سكبت آي نصف الأنبوب، وأدخلت إصبعها بعنف، فصاح: مومس، بهدوء، ثم بأرقّ صوت: بهدوء، بهدوء، بهدوء، وراح يتأوه لَذَّةً واستمتاعًا.
بعد أن شبع استمتاعًا ولَذَّةً، طلب من زوجته، المومس في ظنه، أن تقوم على الأربع، فقالت آي لنفسها: هذا كوضع كنت أجهله. ظنت أنه سيأخذها، فابتسمت لأن ذلك لا بد أن يكون شيئًا طريفًا ومبتكرًا أن يأخذها. وعلى عكس كل التوقعات، زحف برأسه تحتها، وتناول بفمه حلمتها هذه، فحلمتها هذه، حتى أهلك نفسه، وأهلكها. انقلبت على ظهرها كي يأخذها، ويفجر فيها النجوم، لكنه تمدد إلى جانبها، وانفجر يبكي. راعها أن ترى زوجها، لأول مرة في حياتها، يبكي، فراحت تقبله، من فمه، ومن صدره، ومن بطنه، ومن كله، من كله، من كله، حتى تفجر العالم. تراخى، فهزته، كان ينام نومًا عميقًا. ولحم الكلابِ الشهيّ، لماذا إذن؟ قامت لتأكل بشراهة الكلاب. بعد ذلك، ارتدت ثيابها، وعادت إلى بيتها.
خلال ذلك، كان كانغ يجلس على حافة السرير عاريًا لا يتحرك كالأشياء التي من حوله، وكان لا ينتظر من باو، زوجته، المومس في ظنه، أن تفعل شيئًا من أجله. وكلما جاءته، طلب منها الابتعاد، فتبتعد، وكلما جاءته، طلب منها الابتعاد، فتبتعد، وكلما جاءته، طلب منها الابتعاد، فتضرب قبضتها في الهواء. أخرجت من حقيبة يدها علبة فياغرا، وقدمت له حبة مع كأس ماء، فشرب كأس الماء دون الحبة. جننها، قذفت الحبة في فمها، وهو يجلس على حافة السرير عاريًا لا يتحرك كالأشياء من حوله، وهو يبتسم ابتسامة صفراء طفيفة تشبه قفا الحكماء الكونفوشيوسيين. بدأت حبة الفياغرا تفعل مفعولها على باو، فعادت تحاول مع الزوج البارد برودة جبال سونغ التي قطعها ماو في الشتاء. ظلت الثورة تختنق بأنفاسها، فراحت تتلوى على السرير وحدها، حتى انهارت الأسس التي قام عليها السور العظيم منذ آلاف السنين.
ماذا تريدين أن أفعل من أجلك، يا حبيبتي؟ همهم جيان في أذن هِيا، زوجته، المومس في ظنه. أن تتوقف عن الابتسام، نبرت المرأة التي تستفزها الابتسامة البلهاء. لماذا؟ لأنها لا تعجبني. لماذا؟ لأنني لم أعتد عليها. لم تعتادين عليها! تلعثمت: لأنني لا أحب الرجال الذين يبتسمون. آه، لهذا. لهذا ماذا؟ لم تعتادي عليها. والآن، ماذا سنفعل؟ لا شيء. لا شيء! لا شيء. سنتفرج على بعضنا؟ نعم. هكذا تفعل مع كل مومساتك؟ ليس مع كلهن. ليس مع كلهن؟ ليس مع كلهن. وأنا، لماذا؟ لأنني أحبك. تفعل مع اللواتي لا تحبهن؟ نعم. انفجرت تبكي، فهو بوصفه زوجها، لا يكتفي بالتفرج عليها. القذر! من؟ الآخر. نشق جيان من المخدرات ما رماه أرضًا، فسحبت هِيا شعرها الأصفر بيد مرتعشة، وهي تتأمل زوجها، وتبكي.

* * *

تكرر الأمر مع الأزواج الأقوياء الثلاثة، حصل الشيء نفسه كل مساء. لكنهم في الليلِ كانوا غيرَ ما هم عليه في النهار، كانوا في النهار يضعون حدًا لكل تحركٍ شعبيّ بالحديدِ والنار، لكل مطلبٍ شعبيّ: رفع الأجور، تحسين شروط العمل، حرية الرأي، حرية التعبير، حرية التنفس، حرية التغوط، حرية الاستمناء، حرية الأوضاع، حرية الاستيهام، حرية الرياح، حرية الحبل، حرية الولادة، حرية الإرادة، حرية الموت، حرية الحياة. الحياة. الحياة. حرية الحياة. ملأ الموت ساحة تيانانمن، والأرواح الطيبة السجون. هذا المساء، عودي من حيث أتيتِ، همهم غانغ بكل لطفه ونعومة صوته عندما فتحت آي الباب، ودخلت. اغتاظت آي، وهي ترى مومسًا ثانية كيف حلت محلها، واهتاجت. هدئي روعك، عاد غانغ يهمهم بصوت ناعم وبكل اللطف. لم تهدئ روعها، كان في حقيبتها ما لا يهدئ روعها. ارتدت ثوبها الجلديّ، ورفعت سوطها الجلديّ، وتقدمت والموت من تباريح الهوى لتقضي عليها. لكن الزوج غير الزوج سارع إلى هاتفه المحمول، وطلب رجاله الذين جاءوا، وحالوا دون عرسٍ للجِلد. وكذلك فعلوا مع باو عندما أحضر زوجها غير زوجها فتى بدمامة القمر، أكثر دمامة من كل أقمار منغوليا، ومع هِيا عندما وجدت زوجها غير زوجها يمارس "الكره" مع ذكر وأنثى.
اجتمعت الزوجات الثلاث المخدوعات، من جديد، لينظرن في علاقاتهن الزوجية التي تتفاقم يومًا عن يوم. بَكَيْنَ، ولطمن، وعذبن أنفسهن بملاقط عضت حلماتهن. إنها توجع بالفعل، لهثت باو، وهي تتلوى من الألم، ولكن لا بأس، أريد أن أتوجع لأعرف. لتعرفي ماذا؟ سألتها آي، وهي تتلوى كباو من الألم. لأعرف، أعادت باو، وهي تواصل التلوي من الألم. لتعرف، همهمت هِيا، وهي تتلوى كالأخريين من الألم. تخلصن من الملاقط، وسقين حلماتهن من الماء البارد ما يروي كل أثدائهن. كانت كل منهن أجمل من الأخرى، وكلهن أجمل من شنغهاي. سننتظر كثيرًا، قالت آي. المجلس الوطني الشعبي القادم لم يزل بعيدًا، قالت هِيا. من هم في بكين لا يفكرون بشنغهاي، قالت باو. أعرف مطعمًا يقدم الأفضل مما يؤكل في شنغهاي، قالت باو من جديد بعد عدة لحظات من الصمت، رائحة الأكل أكثر ما أحب. أحب رائحة البحر في شنغهاي، قالت آي. أنا، أحب رائحة الخراء في شنغهاي، قالت هِيا. رائحة الخراء! تعجبت آي وباو، وانفجرتا ضاحكتين. رائحة الخراء! همهمت الصديقتان، وهما تواصلان لعبة القذارة، قذارة الضحك، ومعهما انفجرت هِيا ضاحكة، وهي تحلف: أقسم لكما أنني أقول الصدق. رائحة الخراء! أعادت آي وباو، وهما تكادان تختنقان من كثرة اللعب في مخرأة العالم.
حضرت الصديقات الثلاث، في اليوم المشهود، بشعرهن المستعار، وبزيهن الخليع، مما زلزل الأرض تحت أقدام الأزواج الأقوياء الثلاثة. وعلى العكس، دفع جمالهن، جمال المرأة المنحطة، إلى التفاف أعضاء وعضوات المجلس الوطني الشعبي حولهن، ولأول مرة في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني كانت الثورة ثورية، وكانت القرارات ثورية. نحن نندد بالفساد، طنت آي من قلب المجلس، فترنح زوجها. نحن نطالب بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، كل السجناء المجانين والمثليين، كل السجناء الحالمين، طنت بوا في وجه أعضاء اللجنة المركزية، فترنح زوجها. نحن نوجب حرية الرأي، حرية التعبير، حرية الشَّخِ، حرية الشم، حرية البحر، حرية البر، طنت هِيا في وجه أعضاء اللجنة التنفيذية، فترنح زوجها. خرجت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية على ما لم يعتد عليه الرأي العام، عندما طالبت بعض الأقلام باعتقال الثلاثي القوي ومحاكمته. الثلاثي القوي، التنين ذو الرأس الثلاثي، القاذف للجحيم، للجحيمِ وللجحيم، المرتكب للمعاصي، داو العصيّ، الملتاث، الممسوس، الهِستيريّ، إمبراطور المدينة المحرمة، الماخور العسكريّ، الماخور الإيديولوجيّ، الماخور البروستاتيّ. نعم، الاعتقال، المحاكمة، الكابوس الأفظع لمن على معاصمهم الساعات. لمن أقدامهم في الأحذية. ماذا سنفعل؟ همهم غانغ، الرجل الصيني الأقوى. كما فعلنا في كل مرة، قال كانغ وجيان، نائباه. مثل كل مرة، عاد غانغ إلى الهمهمة. مثل كل مرة، أكد كانغ وجيان. مثل كل مرة، همهم غانغ من جديد. مثل كل مرة، عاد كانغ وجيان يؤكدان. كانت الاعتقالات على يد سمك أعماق المياه، اليد الخفية للغونغانبو، بالعشرات، بالمئات، بالآلاف، بعشرات الآلاف، بمئات الآلاف، بالملايين، بعشرات الملايين، بمئات الملايين، بالمليارات. هذا عقاب من لا يحب رائحة الخراء، لفظت آي وباو، وانفجرتا مع هِيا باكيتين. حشا رجال الغونغانبو الأفواه بالورق، وفتكوا بالطيور. الطيور تحب الحرية، لهذا فتك رجال الغونغانبو بالطيور. بِكّين دون طيور لم تعد بِكّين. لم تعد السنين. لم تعد القناديل. الملونة.

* * *

توقفت العاهرات في شارع غِيو (أمة) وفي الأزقة المتفرعة عَنْهُ عَنِ الصعودِ في السيارات الليموزين السوداء، كانت طريقتهن في الرد بحدة وبسرعة على ما يجري. التحقت بهن آي وباو وهِيا، وهن يضعن شعرهن المستعار الأزرق والأحمر والأصفر، ويرتدين قطعهن المعرية لهن أكثر العراء. كلما مضت سيارة ليموزين سوداء بهن، وبانت من زجاجها الخلفي إصبع مثقلة بالماس، كلما ازددن إصرارًا على عدم الامتثال لها. سنلقنهم درسًا لن ينسوه، قالت آي لباو وهِيا. سنعلمهم كيف يطيعوننا، قالت باو لهِيا وآي. سنقضي على بطشهم الخشن ببطشنا الناعم، قالت هِيا لآي وباو. جاء شاب تبدو على وجهه سذاجة الطلاب الجالدي العميرة، وقال لثلاثتهن بحياء دون أن يتوجه إلى واحدة منهن: مومس، هل تصعدين معي؟ سأصعد معه، قالت باو، في الوقت الذي نادتها فيه إصبع مثقلة بالماس. اعملي على إسعاده، سارعت هِيا إلى القول، وباو تتعلق بذراع الشاب، وتذهب معه. هذا كل ما أسعى إليه، قالت باو. لا، بجد، اعملي على إسعاده، أعادت هِيا، وباو تطبع على خد الشاب قبلة. مومس، يا دين تاو، جاء صوت أبح من وراء هِيا وآي. التفتتا، فرأتا متسولاً قذرًا. أنتِ أو أنتِ، يا دين تاو، أريد من إحداكما أن تذلني، فقهقهت المرأتان، والرجل القذر يبتسم ببلاهة. أن تذلني، يا دين تاو، عاد المتسول إلى القول بصوته الأبح، وهو يواصل الابتسام ببلاهة. هذا لكِ، آي، قالت هِيا. بل لكِ، قالت آي، وهي تدفعها مع الرجل القذر، ومن ورائهما تقول: دعيه يأخذ حمامًا، ولكن، آه! كدت أنسى، أنت تحبين رائحة الخراء، وانفجرت ضاحكة. كان أحدهم يجلس على حافة الرصيف، وهو ينظر إليها. لماذا تنظر إليّ هكذا؟ نبرت آي. وبعد قليل، نادته: تعالَ، فجاء. لماذا تنظر إليّ كالنذل؟ تردد الشاب قبل أن يهمهم: مومس، لأنك تشبهين أمي. أمك، أشبه أمك! قالت آي، وانفجرت ضاحكة. لأنك تشبهين أمي، عاد الشاب إلى الهمهمة. وما رأيك في النكاح مع أمك؟ سألت آي، وهي تسعى إلى استفزازه. مومس، هذا أحب ما عليّ في الوجود، قال الشاب، وهو يبتسم كالطفل. أنت عامل؟ أنا عامل. عامل كيف؟ عامل كل شيء. عامل كل شيء؟ عامل كل شيء. يا لحظ معلمك! قالت آي، وهي تسحبه من ذراعه. وبعد عدة خطوات، سأل الشاب: مومس، لماذا؟ حظُّ معلمِكَ؟ حظُّ معلمي. لأن لا حظ لك. مومس، لماذا؟ لأنك المال الذي له، أنت المال، أنت كل شيء بالنسبة له، أما الأداة، فشيء قديم الزي. مومس، لماذا؟ احتارت، ماذا تقول له؟ لأنك مثلي، همهمت آي بثقة. مومس، مثلك، أنا؟ مثلي... أنا. وابتلعهما شارع غِيو (أمة)، شارع العاهرات.
تمكنت العاهرات من النجاح في قمعِهِنَّ الجنسيّ، فزلزلن الأرض تحت أقدام تنينات السياسة، وكانت النتيجة: غانغ، رئيس اللجنة التنفيذية، رمى بنفسه من برج الطبل، كانغ، نائبه الأول، أطلق في فمه طلقة واحدة، طلقة واحدة فقط، فقط واحدة، جيان، نائبه الثاني، شنق نفسه.



الكابوس القادم: الأحمر



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس الثامن: الأسود
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس السابع: الدولة
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس السادس: النفق
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس الخامس: القَرض
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس الرابع: المسجد
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس الثالث: القطب
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس الثاني: الطوابق
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس الأول: الرصيف
- أفنان القاسم - اديب ومفكر - في حوار مفتوح مع القارئات والقرا ...
- موسم الهجرة إلى الشمال أو وهم العلاقة شرق-غرب
- موسم الهجرة إلى الشمال دور مصطفى سعيد
- موسم الهجرة إلى الشمال الراوي كيف يرى العالم؟
- موسم الهجرة إلى الشمال المفهوم عن الشرق
- موسم الهجرة إلى الشمال المفهوم عن الغرب
- موسم الهجرة إلى الشمال المفهوم عن الذات
- ضد الدين وليس ضد الإسلام
- تأملات في واقع الثورات العربية
- رسالة إلى العفيف الأخضر
- الحل الوحيد للمسألة السورية
- هنا العالم رواية الثورة الإعلامية


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس التاسع: الأصفر