اسماعيل علوان التميمي
الحوار المتمدن-العدد: 3959 - 2013 / 1 / 1 - 02:24
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
مناقشة دستورية لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 221لسنة 2001المتضمن حرمان مواطن بالذات من ارث والدته عقابا لعقوقه لها
إسماعيل علوان عبود
[email protected]
بتاريخ 14/10/2001 اصدر مجلس قيادة الثورة المنحل قراره برقم 221 ينص في فقرته الثالثة على ( يحرم نادر جهاد شهاب ابن المنصوص عليها في البند ثانيا من هذا القرار من ورائتها بعد وفاتها عقابنا له على عقوقه لها وتوزع حصته على بقية ورئائها كل حسب استحقاقه الشرعي ) كما ألغى القرارات الصادرة من محكمة التمييز المكتسبة درجته القطعية المرقمات 27/ موسعة أولى/1999 والمؤرخ في 12/1/2000 و85/ موسعة أولى/2000والمؤرخ في 20/1/2001 وقرار محكمة استئناف بغداد الرصافة المرقم 3389/س3/988 في 12/4م2000
إن المناقشة الدستورية لمدى صحة هذا القرار تقتضي منا أن نستعرض في فقرة أولى اختصاصات مجلس قيادة الثورة المنحل ورئيس الجمهورية وكذلك تركز السلطات في يد رئيس الجمهورية من الناحية الواقعية ومن ثم نتناول في فقرة ثانية تعارض القرار موضوع مناقشتنا مع أسس التشريع ونصوص الدستور .
1- الاختصاصات الدستورية لمجلس قيادة الثورة ورئيس الجمهورية وتركز السلطات بيد رئيس الجمهورية من الناحية الواقعية
أولا_ اختصاصات مجلس قيادة الثورة المنحل ورئيس الجمهورية من الناحية الدستورية
أ- _ اختصاصات مجلس قيادة الثورة المنحل من الناحية الدستورية . يمكن القول إن دستور 1970المؤقت أودع السلطة المطلقة بيد حزب البعث منذ نفاذه ولغاية التعديل العشرون للدستور الصادر في 1/10/1991وذلك عندما نص على أن يكون بحكم الدستور كل عضو في القيادة القطرية لحزب البعث عضوا في مجلس قيادة الثورة أما بعد التعديل العشرين للدستور فقد أودع الدستور السلطة المطلقة بيد ثمانية أشخاص حددهم بأسمائهم وليس بأوصافهم (وهم في الحقيقة من كبار قادة البعث عدا شخص واحد من القومية الكردية تم إضافته لإيهام غير الأكراد بان الأكراد ممثلين في مجلس قيادة الثورة) على خلاف كل المبادي الدستورية المتعارف عليها في توزيع السلطات في العالم ، فالسلطة حتى في الأنظمة الدكتاتورية عادة تودع بيد هيئات دون أن يتم تعيين أعضاء هذه الهيئات بالاسم وهذه إحدى الخصائص التي انفرد بها دستور 1970 عن جميع الدساتير الجمهورية في العالم بما فيها دساتير الأنظمة الأشد دكتاتورية في العالم . وهم 1- صدام حسين رئيسا 2. عزة إبراهيم نائبا للرئيس 3- طه ياسين رمضان 4- طارق عزيز عيسى 5- طه محي الدين معروف 6-علي حسن المجيد 7- محمد حمزة الزبيدي 8-مزبان خضر هادي .
أما اختصاصات مجلس قيادة الثورة فإنها اختصاصات مطلقة وشاملة ليس للسلطة التشريعية فحسب وانما تتعداها الى السلطة التأسيسية ( السلطة المسئولة عن وضع الدستور )حيث أناط الدستور صلاحية تعديله إلى مجلس قيادة الثورة نفسه بأغلبية الثلثين وهي النسبة نفسها التي يتطلبها إعفاء احد أعضاء مجلس قيادة الثورة ، بمعنى إن آلية تعديل الدستور هي بنفس أهمية إعفاء عضو في مجلس قيادة الثورة . كما جاء في المادة الثالثة والستون: ب من الدستور المؤقت التي نصت على ـ لا يعدل هذا الدستور إلا من قبل مجلس قيادة الثورة وبأغلبية ثلثي عدد أعضائه.
من هنا يتضح ان مجلس قيادة الثورة هو سلطة أعلى من الدستور طالما يمتلك صلاحية تعديل الدستور متى شاء وبقرار لا يحتاج أية إجراءات تمهيدية تذكر ولا إلى أي فترة زمنية تسبق تعديله . اضافة الى عدم وجود محكمة دستورية ، في ظل غياب تام لاي نوع اخر من انواع الرقابة على الدستور .
ويستمد مجلس قيادة الثورة اختصاصه التشريعي في المادة الثانية والأربعين من الدستور بفقرتيها أ و ب .
التي نصت على : يمارس مجلس قيادة الثورة الصلاحيات التالية:
أ ـ إصدار القوانين والقرارات التي لها قوة القانون.
ب ـ إصدار القرارات في كل ما تستلزمه ضرورات تطبيق أحكام القوانين النافذة.
من هنا نجد إن الدستور منح مجلس قيادة الثورة إصدار التشريعات - قوانين وقرارات لها قوة القانون - وكذلك إصدار القرارات في كل ما تستلزمه ضرورات تطبيق القوانين دون اي قيد يذكر
ب- اختصاصات رئيس الجمهورية من الناحية الدستورية ان رئيس الجمهورية دستوريا يهيمن على السلطتين التنفيذية والقضائية كما انه ووفقا للتعديل الدستوري المرقم 15 في 28/1/1993اصبح لرئيس الجمهورية صلاحية اصدار قرارات لها قوة القانون وبذلك هيمن رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية ايضا . وهو بذات الوقت رئيس مجلس قيادة الثورة بمعنى انه رئيس السلطة التشريعية ورئيس السلطة التنفيذية بلا منازع ويتولاها مباشرة او بواسطة مجلس الوزراء وهو القائد العام للقوات المسلحة والمسئول الأعلى لحزب البعث في آن واحد .
ثانيا- تركز السلطات في يد رئيس الجمهورية من الناحية الواقعية. بعد ان بحثنا تركز السلطات كافة من الناحية الدستورية في يد رئيس الجمهورية نجد ان هناك تركزا اكبر في يد رئيس الجمهورية من الناحية الواقعية للأسباب التالية .
أ- تركز السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بيد شخص واحد هو نفسه رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والمسئول الأعلى لحزب البعث بدون اي اعتراض يذكر من قبل اي عضو من أعضاء مجلس قيادة الثورة بدليل ان قرارات مجلس قيادة الثورة منذ نفاذ دستور 1970 ولغاية سقوط عهد الاستبداد قد صدرت جميعها بالإجماع ، لا بل إن مزبان خضر هادي احد أعضاء مجلس قيادة الثورة ذكر أثناء دفاعه عن نفسه كمتهم في المحكمة الجنائية إن قرارات مجلس قيادة الثورة كانت تصدر وتوقع من قبل رئيس المجلس دون أن تعرض على أعضاء المجلس .
ب-غياب تام لحرية الرأي والتعبير وحضور دائم لسياسة القمع المفرط بالرأي الآخر ولا يقتصر ذلك على المواطنين فحسب وإنما يتعداه إلى أعضاء مجلس قيادة الثورة المثبتين بنص الدستور أنفسهم .
ج-عدم وجود محكمة دستورية تراقب مدى دستورية القوانين والقرارات والإجراءات التي تتخذها السلطة الحاكمة .
د.عدم وجود قضاء مستقل يجرؤ على النظر بعدم دستورية القوانين التي يطبقها .
من هنا فان صدور قرار مجلس قيادة الثورة موضوع نقاشنا الذي جاء مخالفا للدستور يعد أمرا طبيعيا بالنسبة لحاكم دكتاتوري يعتبر نفسه اعلى من الدستور ولم يظهر اي تصرف يشير الى احترامه للدستور طيلة فترة حكمه مع انه كان بامكانه ان يعدله بجرة قلم على حد وصفه , زد على ذلك كانت تصدر نوعين من التشريعات ، تشريعات علنية وتشريعات سرية ، مما اضطره إلى إصدار نوعين من الجريدة الرسمية (لوقائع العراقية ) جريدة علنية تنشر فيها القوانين العادية وأخرى تنشر فيها القرارات التي تصدر لصالح أو ضد شخص او جهة معينة بالذات وهذه تعد سابقة في أساليب نشر التشريعات وغالبا لا تراعي التشريعات السرية أسس التشريع .
2-تعارض القرار مع الدستور وأسس التشريع للأسباب التالية
أولا- تعارض القرار مع الدستور
أ- إخلال القرار بمبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور المؤقت في مادته التاسعة عشرة أ (المواطنون سواسية أمام القانون...) حيث عاقب شخصا معينا بالذات بحجة عقوقه لوالدته في حين إن مبدأ العدالة والمساواة يقتضي معاقبة كل شخص يكون عاقا مع والدته .
ب- إن القرار يتعارض مع المادة السابعة عشرة من الدستور ( الارث حق مكفول ينظمه القانون )
ج- إن القرار تجاوز على اختصاص القضاء باعتباره الجهة المختصة باصدار الاحكام الخاصة بالأحوال الشخصية وخاصة أحكام الميراث فقرر اعتبار شخص معين بالذات عاقا لوالديه دون صدور حكم بذلك من القضاء خلافا لنص المادة الثالثة والستون الفقرة أ .
د- إن القرار ألغى قرارين لمحكمة التمييز وقرار محكمة استئناف بغداد الرصافة وهذا تجاوز صريح على أحكام قضائية مدنية وليست جزائية بمعنى ان القرار اعتداء صريح على حقوق مدنية لمواطن بالذات ، خلافا لأحكام المادة الثالثة والستون الفقرة أ من الدستور التي أكدت على استقلال القضاء
ه- إن القرار تضمن عقوبة ( يحرم نادر جهاد شهاب ابن المنصوص عليها في البند ثانيا من هذا القرار من وراثتها بعد وفاتها عقابنا له على عقوقه لها ...) وطالما ان العقوبة لا تفرض إلا بنص سابق على وقوعها فان القرار جاء مخالفا لنص المادة الحادية والستون ب من الدستور المؤقت ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون )
6- إن القرار جاء مخالفا لإحكام الشريعة الاسلامية كما جاء في تسبيب المحكمة الاتحادية لقرارها بإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة موضوع نقاشنا .
ثانيا- إن القرار يفتقر إلى احد أهم أسس التشريع وهو عدم اشتماله على اهم خصائص القاعدة القانونية وهي العمومية والتجريد لحرمانه شخص معين بالذات من حق ارث والدته عقابا على عقوقه لها في حين ان تجرد القاعدة القانونية تقتضي أن تتجه بخطابها إلى الوصف المجرد عن ذات الموصوف ، اما عمومية القاعدة القانونية فتقتضي أن يوجه الخطاب إلى الأشخاص عامة. وهو هنا معاقبة كل من يثبت عقوقه لوالدته بحرمانه من ارثها .
صفوة القول ان القرار مخالف صراحة للشرع وللدستور ولاهم اسس التشريع
#اسماعيل_علوان_التميمي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟