أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - فن السياسة وحسن التدبير















المزيد.....

فن السياسة وحسن التدبير


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 3958 - 2012 / 12 / 31 - 03:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



" السياسة عبارة عن بناء...وهي المكان المفضل الذي يأوي الجميع على قدم المساواة"
من نافل القول أن غالبية السياسيين اليوم لا ينحدرون من نخب أكاديمية حاصلة على تكوين مميز وثقافة عالية ومعظم الذين ينتجون خطابا سياسيا لا يحوزون على زادا علميا كافيا في السياسة وإنما لهم خبرة في المناورة وافتكاك المواقع والهيمنة على مصادر القرار ويعتبرون أنفسهم غير محتاجين الى المطالعة وتثقيف أنفسهم لمخاطبة الجمهور. وقد ترتب عن ذلك تلويث الحياة السياسية بممارسات غير ثورية وتوجهات اصلاحية وتنفير الناس من التحزب السياسي وتزييف الحقائق والتفنن في اطلاق الوعود الكاذبة وفي التنصل من طموحات الجماهير وتغطية الواقع بمعسول الكلام وجمل انشائية رائعة وصور تخييلية مقرصنة من المدينة الفاضلة وجمهورية أفلاطون وغير قابلة للتحقيق. هكذا تعاني السياسة في هذا الزمن الانتقالي العصيب من مرضين أساسيين: الأول هو نفور السياسيين من الحكمة العملية والأخلاق والالتزام وجنوحهم الى البراغماتية والميكيافيلية واستعمال السفسطة والمغالطة والكذب والقوة والتحريض على العنف واستغفال الجماهير واستبلاه العقول. المرض الثاني هو ابتعاد الناس عن الفكرة الجديدة ونفورهم من التحليل الرصين والخطاب العقلاني والبحث العلمي واللغة الموضوعية والمشاريع غير المألوفة وتفضيلهم استهلاك البضاعة الصحفية المتداولة وتلقي الخطاب المألوف وايثار التحليل السهل الممتنع والتصور البسيط الساذج.
فماهي الأسباب التي أدت الى هذا التباعد بين سياسة الخطاب وخطاب السياسة؟ ومن هو المسؤول على ذلك ؟ هل المر راجع الى غياب المثقفين عن الشأن السياسي أم لعزوف السياسيين عن الثقافة والفكر؟ وكيف يمكن انقاذ السياسة من تدجين السياسيين؟ وما الفرق بين الحديث الفكري في السياسة والحديث السياسي في السياسة؟ وألا تتحدد السياسة بالتدبير والعناية؟ وهل الاحتماء بالتدبير والعناية كفيل بأن يشحن هذا المفهوم دلالة ثورية نابعة من روح الثقافة الوطنية ومتفقة مع عبقرية لغة الضاد؟
حري بنا في البداية أن نبين أن مفهوم السياسة مشبع بالالتباس والغموض ومليء بالدلالات والمعاني ويحتوي على عدة مفارقات وذلك لانتمائه الى عدة حقول وحضوره اللافت في مجموعة من المجالات وتأثيره على أحوال البشر ومصيرهم. وقد جاء في مختار الصحاح أن السياسة من ساس الرعية وأن ما يجاورها هو السوس وهو الدود الذي يقع في الطعام والأساس الذي يقوم عليه البيت، وفي لسان العرب ساس الأمر يسوسه سياسة اذا دبر الأمر فأحسن التدبير . ويفيد لفظ السياسة القيام بالأمر بما يصلح حال الناس ويدل كذلك على تدبير شؤون الحكم والدولة، فالسياسة عندنا تعني حسن التدبير، وهي من أجل الأعمال لأنها من عمل الأنبياء والأولياء والصالحين على الرغم من امكانية بلوغ المستبدين والفاسدين الى سدة الحكم وممارستهم الدهاء والمكر.
من هذا المنطلق تدل كلمة سياسة على تسيير أمور مجموعة معينة وتوجيهها نحو التنظيم والتعاون والتمدن والتفاعل وتحقيق الخير المشترك وذلك بمحاولة التوفيق بين التوجهات المختلفة والنزاعات المتباينة وفي نفس الوقت تتتبع جملة من الاجراءات والطرق من أجل المصلحة المشتركة وتتخذ تدابير وقرارات بغية توزيع القوة والنفوذ في المجتمع وتمنع التجاء كل فرد الى استعمال قدرته لفرض رغباته على فرد آخر. هكذا السياسة ليست فن جعل الحكم الديمقراطي التعددي ممكنا ولا التنظيم الدني للعيش المشترك بل هي العمل على التوحد حول رؤية سياسية متحررة من الهيمنة الثقافية والقانونية للدولة .
لكن ماذا كان يعني حكماء العرب بلفظ التدبير؟ وكيف ارتبط حقله الدلالي بالمجال السياسي؟
التدبير يكون بالعقل والمعرفة والتروي، والسياسة تقتضي اللين والرفق والتأني مع الشدهة في موضع الشدة وتضبط المصلحة وتحفظ الذات وتحرص على حسن القيام بأمور الناس وتقضي حاجاتهم بالكيس والذكاء وتصون الأعراض وتنقاد للعدل وتصبر على الأذى وتطرح الشهوات ويؤثر الحسن من اللذات الانصاف من الفضائل ويستعمل القوة لنجدة الضعيف ورفع الظلم ومقاومة الفساد ويقدم التربية على السيطرة والإنتاج على الاستهلاك . لكن كيف يضبط من تحت يده من قد عجز عن ضبط نفسه؟
التدبير هو أمر لازم من أجل خلق سياسة للجميع ويعالج معضلة التفاوت بين الناس في الصفات والترب ويعالج الأمراض التي تخلفها المفاضلة بينهم في الأملاك والثروات ويعقلن التنافس والتحاسد والتظالم.
" وأحق الناس وأولاهم بتأمل ما يجري عليه تدبير العالم من الحكمة وحسن واتقان السياسة واحكام التدبير الملوك الذين جعل الله تعالى ذكره بأيديهم أزمة البلاد وملكهم تدبير البلاد واسترعاهم أمر البرية وفوض اليهم سياسة الرعية" . لكن ألا يتختلف تدبير السياسي لشؤون خلقه عن تدبير الله لأمور خلقه؟ اليس ثمة فرق بين التدبير الالهي والتدبير الانساني؟ كيف السبيل الى القطع مع السياسة الدينية وبناء سياسة مدنية؟
ماهو هام في نص ابن سينا هو دعوته السياسي الى ضرورة التحلي بالأخلاق والتسلح بالتيقظ والتنبه وكثرة التفكير والتكشيف والفحص والتعديل والتقويم مع تجنب الركون والثقة والاشفاق والتفكير والتعنيف واستشعار الخوف وشدة الاحتراز والاستعداد عند تقلب الأقدار بغية بلوغ حسن السياسة والتدبير. غير أن تدبير المدينة يختلف من حيث الجوهر عن تدبير المرء نفسه ودخله وخرجه وبيته وأكبر بكثير من تدبير الأهل ويقتضي احداث قطيعة مع التدبير المنزلي والأحكام السلطانية والممثالة بين الله والملك الأرضي.
" وأشرف الأمور التي يقال عليها التدبير هو تدبير المدن وتدبير المنزل...وأما تدبير الاله للعالم فإنما هو تدبير بوجه آخرن بعيد النسبة عن أقرب المعاني تشبها به، وهذا هو التدبير المطلق، وأشرفها، لأنه إنما قيل له تدبير للشبه المظنون بينه وبين ايجاد الاله تعالى للعالم." ويستنتج ابن باجة من ذلك أن التدبير على الاطلاق هو العلم المدني والذي يعتني بالترتيب في الجسد والحرب والاقتصاد والإدارة والقضاء والمنزل.
علاوة على ذلك كان أبو نصر الفارابي قد عقد الصلة بين التدبير والرأي والمشورة وسياسة المرء لذاته ولغيره ودعا الى قيام علم مدني على العدل بقوله "ولابد للمرء من المشاورة مع غيره في آرائه وتدبيره فينبغي أن يستدوعها ذوي النبل وكبر الهمة وعزة النفس وذوي العقول والألباب فإن أمثالهم لا يذيعونها" .
فهل يقدر المدبر الانساني لسياسة الناس بالفكر والتعقل من أن يضاهي التدبير الالهي المطلق بالعلم والقدرة على ترتيب العالم وتنسيق ظواهر الكون ؟ ألا ينبغي أن يتخص الانسان بهذه الصفة من التدبير؟ وهل التدبير الالهي هو الكامل والتدبير الانساني هو الناقص؟ ومتى تصبح المدينة وجودا سياسيا كاملا؟
المراجع:
إبن سينا، في التدبير، ، نشر ميدياكوم ، تونس 1995.
ابن المنظور، لسان العرب، نسخة محملة.
أبو بكر ابن الصائغ ابن باجة، تدبير المتوحد، دار سيراس للنشر، سبتمبر2009.
أبو نصر الفارابي، رسالة في السياسة، علي محمد إسبر، دار التكوين، دمشق، 2006.
ألان باديو ، فشل اليسار، ترجمة عزيز لزرق ومنير الحجوجي، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، 2011،
محمد إبن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1994,
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الثورة الى التثوير، حول أطياف 17 ديسمبر والثورة الثقافية
- تشذر الخطاب الفلسفي
- شذرات ثورية في زمن مؤقت
- شذرات ثورية
- الإرادة والإختيار والعدل عند الفارابي
- منهج التربية: من الاستبداد الى الديمقراطية
- معركة الإعلام بين المعارضة والسلطة
- ما معنى أن يكون المرء على اليسار حسب جيل دولوز؟
- ورقة فلسفية عن الثورة العربية
- ثلاثة نماذج معيارية للديمقراطية عند هابرماس
- طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد في مرآة التراث والذات والآخ ...
- من التنمية الاقتصادية الى الترقي الاجتماعي
- وداعا أنور عبد الملك فارس الثقافة الوطنية
- التنوير العقلي بدل التعصب الايديولوجي
- الدين دعامة رئيسية للثورة
- في الفرق بين التمرد والثورة
- جداريات الثورة والكتابة البركانية
- الرأي المشترك والتفكير المنطقي
- فلسفة الصورة بين المنع والإباحة
- الفلسفة الشعبية والجهل المقدس


المزيد.....




- وزير خارجية إسرائيل: مصر هي من عليها إعادة فتح معبر رفح
- إحباط هجوم أوكراني جديد على بيلغورود
- ترامب ينتقد الرسوم الجمركية على واردات صينية ويصفها -بغير ال ...
- السعودية.. كمين أمني للقبض على مقيمين مصريين والكشف عن السبب ...
- فتاة أوبر: واقعة اعتداء جديدة في مصر ومطالبات لشركة أوبر بضم ...
- الجزائر: غرق 5 أطفال في متنزه الصابلات أثناء رحلة مدرسية وال ...
- تشات جي بي تي- 4 أو: برنامج الدردشة الآلي الجديد -ثرثار- ويح ...
- جدل حول أسباب وفاة -جوجو- العابرة جنسيا في سجن للرجال في الع ...
- قناة مغربية تدعي استخدام التلفزيون الجزائري الذكاء الاصطناعي ...
- الفاشر تحت الحصار -يمكنك أن تأكل الليلة، ولكن ليس غداً-


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - فن السياسة وحسن التدبير