زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 3708 - 2012 / 4 / 25 - 18:38
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
" إن الصراع ضد الدين هو بصورة غير مباشرة صراع ضد ذلك العالم الذي يمثل الدين أريجه الروحي، إن الشقاء الديني هو في الوقت نفسه تعبير عن الشقاء الواقعي واحتجاج ضده"
لعل فرادة الماركسية في كونها فلسفة ثورة خصوصا عند تبنيها لأطروحة 11 عند فيورباخ التي تعلن الأمر القطعي بالتوجه نحو البراكسيس:" ما فتئ الفلاسفة يؤولون العالم في حين أنه يجب تغييره" وتتوضح ضرورة الثورة في رغبة ماركس العارمة في قلب الأوضاع رأسا على عقب والشروع في صناعة الإنسان وفتح الآفاق أمام الكائن البشري من أجل انجاز ذاته وإعادة تأصيل علاقته بنفسه وبالطبيعة على نحو إنتاجي، في هذا السياق يقول جورج لابيكا:"لا يمكن للعالم في حالته الحالية أن يستمر. إن العالم الحالي وأشكال وجوده وتفكيره وإحساسه أو فعله هو العالم الآخر، عالم الدين والفلسفة وما شابههما الذي احتل مكان العالم الأرضي. إن فعل التغيير هو العودة إليه ومحاولة العثور عليه..."
إن ماركس ينقد الدين كإيديولوجيا وكأداة محافظة تبرر سيطرة طبقة على أخرى وانعكاس للاغتراب وآلة لانتاج الأوهام وتقديم العزاء وليس الدين في حد ذاته كتجربة روحية يقيم من خلالها الإنسان صلة بالمطلق ويوجد علاقة مع المجتمع ويعطي لحياته معنى. وفي نقده هذا يشير إلى الطابع المزدوج العملي والنظري للدين وعلاقة الوعي الديني بالصراع الاجتماعي والسياسي ويقر بأن الأديان تلعب دورا تاريخا حاسما في الانتقال من حقبة معينة إلى أخرى.إن الدين عند ماركس ليس مركب غيبي مثالي وخرافة تقيد الناس بنمط طفولي من التفكير والسلوك ويعبر عن علاقات بدائية بين الإنسان ونفسه والأخر والطبيعة بل هو احتجاج وتعبير عن اللحظة الفاعلة والرغبة الحثيثة في تخطي النظام القائم بصورة واقعية وفعلية ، وهو محفز تاريخي وواقعي يتحول إلى نهج للسلوك الفاعل والايجابي ودعامة أساسية للاحتجاج والرفض وقد قامت العديد من الثورات والانتفاضات تحت راية الدين مثل التمردات الفلاحية في العصور الوسطى وحركات التحرر الوطني في الأزمنة الحديثة.
لقد بين أنجلز أن المسيحية الأولى كإيمان ديني صافي قبل أن تأخذ شكل عقيدة ومؤسسة محافظة في يد السلطة منذ عهد قسطنتين وقبل أن تنقلب إلى حلم وهروب من الواقع التعيس وانتظار للوفاء بالوعد كانت احتجاجا وعنصرا ثوريا تعكس التوق العارم من قبل الطبقة الناشئة إلى التغيير وتأثيث عالم أفضل ولعل الثائر الألماني توماس مونزر هو خير مثال على ذلك الالتقاء بين الإيمان والثورة حيث لبس الدين ثوب النضال ضد الإقطاع والنبلاء .
" تحتل المسألة الدينية مكانة متصاعدة في كتابات أنجلز وأشكال المرور بالدين هي بالأحرى توصيفات وملاحظات. وقد كان أنجلز حساس بالتأثيرات الاجتماعية والسياسية للدين. لقد كان الدين بالنسبة إليه قبل كل شيء واقع اجتماعي وليس مسألة دينية. وقد بدأ باكرا تعاونه مع ماركس وأخرجا من عملهما المشترك ليس نقدا للدين بل علما بالتاريخ يأخذ بعين الاعتبار الظاهرة الدينية كانعكاس خيالي للعالم الخارجي أي كإيديولوجيا..." .
في هذا السياق يصفه أنجلز في كتابه حرب الفلاحين في ألمانيا:"كانت تعاليم مونزر السياسية وثيقة الصلة بتصوراته الدينية الثورية ومثلما كان لاهوته يتخطى التصورات الرئيسية في عصره كذلك كانت تعاليمه السياسية تمضي إلى أبعد من الشروط السياسية والاجتماعية السائدة مباشرة وكانت فلسفته الدينية تتاخم الإلحاد مثلما كان برنامجه السياسي يقارب الشيوعية...كان هذا البرنامج يطالب بإقامة مملكة الرب مباشرة على هذه الأرض...لقد رأى مونزر في مملكة الرب مجتمعا بلا فوارق طبقية ولا ملكية خاصة ولا سلطة دولة مستقلة أجنبية تفرض نفسها على أعضائها..."
لقد كان الفلاحون يطالبون بالعدالة والاعتراف بظروف المساواة التي شهدتها المسيحية الأولى فتصبح قواعد سائدة في المجتمع الذي يوجدون فيه وقد اعتمدوا على تساوي البشر أمام الله كحجة مقنعة في مطالبتهم بالمساواة على الأرض في الثروات وأمام القانون.، خاصة وأن شعار ثورتهم كان:" يا رب أيد عدالتك السماوية..."إن ازدهار الأديان مرتبط على نحو وثيق بتحول في المجتمعات ذات الامتيازات والمؤسسات الناظمة إلى مجتمعات طبقية وان الوعي الديني لتلك الطبقة الناشئة المتجهة نحو التمرد والثورة ينطوي في ظروف تاريخية واجتماعية معينة على معارف ومطالب مستمدة من قوانين الحياة اليومية." وفق هذا المنظور لم تتشكل الأديان من أجل أن تلغى بل من أجل أن تأخذ بعين الاعتبار الجهد الأرضي" .
من المعلوم أن ماركس ينقد الدين كإيديولوجيا وهمية مقيدة لسلوك الناس ولكنه مقابل ذلك يعترف بالبعد الإنساني المكنوز في العامل الديني بقوله:" كلما عمد الأفراد الفاعلون إلى الاحتجاج على ظروف وواقعهم قلت حاجتهم إلى الدين كوهم بديل عن الواقع يبرر تعاستهم وعجزهم وشرعوا باستدعاء القاع الإنساني العميق في الدين وتمثيله نظريا".إن العامل الديني هو منعطف قوي يمكن أن تتحول إلى طاقة رئيسية للايديولوجيا وتعمل على مخاطبة وحث الذوات الفاعلة تاريخيا من أجل حفز هممهم ودفعهم إلى البراكسيس وتلبي لديهم مستلزمات رغبتهم في الصراع والمقاومة وحاجتهم إلى الحماسة والإرادة.
على هذا النحو يقترح ماركس إخراج رجال الدين من دائرة الإيمان الخالص إلى دائرة الإيمان الفاعل وتحويلهم إلى قوة محركة للتاريخ. ومن هذا المنطلق اعتبر ميشيل هنري:" ماركس واحد من المفكرين المسيحيين الأوائل","إن الإيديولوجيا نفسها في حد ذاتها تفرض قوة جذب نوعية ويمكن أن تكون ناجعة بشكل فوري،إنها نصف دين ويمكن أن ترضي الحاجيات الدينية وأن تحدث تحولات في الإيمان وتحديدا من خلال المسيحية وفي كل الأحوال نقلل من عدم القدرة على تجاوز اللاانطباق بين الإلحاد والإيمان ( ربما هذا الأخير يصلح أيضا في الدول الإسلامية). يمكننا أن نعثر بمعنى ما في الإيديولوجيا والتطبيق الحسن للماركسيين بالكاد في غير موضعها على الإيمان والأمل والمحبة وحتى أبعاد الرؤية والأخروية والإنتظارية." " كتب بيير بيجو حول ماركس: إن تعبيره يقترب في بعض الأحيان وبشكل غريب من التعبيرات الدينية. وعندما يهب إلى البروليتاري "عيب في ذاته" عندما يرى فيه " الفقدان التام للإنسان" وينتظر من خلاصه "الاسترجاع الكامل للإنسان" ألا يجعل منه بطريقة ما إنسانا الهيا يكون في الآن نفسه ضحية ومخلصا؟
المراجع
Karl Marx, contribution à la critique de la philosophie du droit de Hegel, Editions Allia, 1998 -
Georges labica, Karl Marx, les Thèses sur Feuerbach, Ed PUF, 1987,p,12-
Nguyen Ngoc Vu, idéologie et religion, d’après Marx et Engels , édition Aubier Montaigne,1975 , p115
René de lacharrière ,la divagation de la pensée politique,Marx et la socialisation de dieu, PUF 1972,p191
Armand Guillaume, la séduction marxiste, un prêtre médite Marx, EMI, Bologne 1987, p219
كاتب فلسفي
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟