|
الديمقراطية الاندماجية ورهانات الثورة
زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 3584 - 2011 / 12 / 22 - 11:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" يحدد اعتراف الخاضعين للنفوذ مدى أثر الاجلال الشخصي لديهم" ماكس فيبر لا يمكن فهم الديمقراطيات التي تشكلت بعد الثورة العربية وادراك قيمها وتوجهاتها الا بعد فهم الظاهرة المضادة لها أي الشمولية فقد تؤدي الثورة الى انتاج استبداد جديد يأتي هذه المرة عن طريق صناديق الاقتراع ويحمل لواء الهوية والأصالة والتحدث باسم الشعب وباسم المنطق الثوري ذاته. ان الشمولية التي خيمت على الوطن العربي ومازال البعض منها يكبح النفوس ويضيق على الصدور الى حد الآن هي نمط وجود ومشروع حياة وليست مجرد نظام سياسي فوقي وتسلطي وانها تتدخل في كل متطلبات الحياة العامة وتقحم نفسها في أدق تفاصيل الحياة الخاصة بحيث تجعل الناس رهائن لدى الدولة ومجرد رعايا وأتباع لحكامها ولا يقدرون التصرف بمفردهم في قضاء حوائجهم وتدبير معاشهم خارج فلك السلطة الحاكمة ودون العودة الى شبكاتها وأجهزتها السيادية ومصالحها العمومية. ان الشمولية العربية تشكلت وفق مرجعيات مختلفة وتستند الى عدة تبريرات ايديولوجية منها اللاهوتي الديني ومنها القبلي العشائري ومنها الوطني القطري ومنها القومي الوحدوي ولكنها تشترك في خاصية واحدة وهي أنها ظاهرة معادية للإنسانية وتشكل تهديدا للحياة والكرامة وتمنع من التقدم والتحضر وتوزع القهر والاضطهاد بالتساوي وتنشر الفساد والاهانة بالعدل على الأهالي ولكنها تحرمهم من مقومات الحياة الكريمة وحقهم في الثروة الوطنية وتمنع عنهم نصيبهم من الاقتصاد الوطني. فهل أنهت التجارب الثورية التي عرفتها بعض البلدان العربية هذه الظاهرة؟ وهل أن تنظيم الانتخابات النزيهة يضمن القضاء عليها وصعود القوى الثورية؟ والى أي مدى يمثل انتصار الحركات الاسلامية نقطة اللاعودة مع نمط الحكم الشمولي ومنظومة الاقصاء؟ في الواقع يجب التمييز بين الديمقراطية والانتخابات ، فالديمقراطية لا تعني بالضرورة الاكتفاء بتنظيم انتخابات والانتخابات لا تفضي بالضرورة الى صعود الديمقراطية ولا تترجم بلوغ الوعي السياسي درجة من التحضر المدني والتشبع بالقيم الديمقراطية وهي التسامح والسلم وحق الاختلاف واحترام الرأي المغاير وحرية التعبير وتداول الحكم. ان ما ينقص العرب اليوم ليس تنظيم محطات انتخابية متتالية ومنتظمة في جميع الدوائر والمؤسسات واعتماد قاعدة الاقتراع السري والاختيار الحر كقاعدة لتنظيم المؤسسات وانما الذهنية الديمقراطية نفسها وثقافة حقوق الانسان والتعددية والمرور باللحظة التنويرية والتشبع بالروح الحداثية وحسم معركتهم مع الآراء القروسطية والاحتكار وروح الاقطاع. ان المطلوب هو محاربة الأنظمة الشمولية باسم الديمقراطية وحقوق الانسان ونشر قيم المواطنة والتحررية والثورة على السائد والتمرد على ثقافة المسايرة والخطية والتقليد. وان القضاء على الشمولية لا يتوقف عند المشاركة في الانتخابات والادلاء بالأصوات لفائدة من عانى من نير الظلم والتعسف وانما الحرص على بناء مؤسسات عصرية تفرق بين السلطات وغرس عقلية التسيير الشعبي والتداول وتقوية حس النقد والمراقبة والمحاسبة. كما يجب التفريق بين المنظومة الديمقراطية كثقافة متكاملة تنعكس في فلسفة الحياة وتصور منفتح للمجتمع ونظرة ابداعية وخلاقة للوجود البشري والممارسة الديمقراطية كآلية شكلانية ومجرد اقتراع وتصويت وصراع بين أحزاب تحمل لواء القبائل والجهويات. لقد حققت الثورة النوع الثاني من الممارسة وساعدت على اجراء الديمقراطية كآلية اقتراع وانتخاب للمثلين في المجالس التأسيسية وأوصلت لأول مرة رؤساء منتخبين الى سدة الحكم ولكنها لم تنجز النمط الأول أي الديمقراطية المشبعة بالفلسفة السياسية والحداثة والعلمانية والتي تقطع مع الاستسلام الخارق للعادة للقداسة ولقوة الأبطال والى الخصال الفذة لشخص. ألا يجب أن ينتهي النمط التقليدي في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين على أساس الولاء والعطاء ويحل محله النمط القانوني على أساس خدمة الوطن والوفاء للأمة؟ وأليس من المنطقي أن ينتهي التنظيم الهرمي التراتبي للمجتمع والعلاقة العامودية وتحل محلها علاقة أفقية وتنظيم وظيفي وتكاملي يؤسس للديمقراطية الاندماجية؟ وألم يمل العرب من الانتخابات الشكلية والمفرغة من كل محتوى ومن ديمقراطية الواجهات والممارسات المشوهة للمعايير السياسية الراقية والنبيلة؟ متى ينهي حكم الأقلية سيطرته على الأغلبية من الشعب الكريم؟ وكيف نمنع هيمنة حكم الأكثرية على حقوق الأقليات باسم الدين أو العرق؟ وهل يفهم الاسلاميون الجدد الدرس ويبتعدون عن الديمقراطية الشكلية المفرغة من قيم ومعايير الفكر السياسي المعاصر ويرسون في الفضاء العمومي ديمقراطية اندماجية مشبعة بروح التضحية والاعتراف بين المجموعات وتؤسس لقيم الانفتاح والتسامح والايثار وذلك بتقليص أكبر قدر من الضرر لأكبر عدد من الناس وجلب أكبر قدر من المنفعة لأكبر عدد من المواطنين؟ ألا يجب ان يختفي النفوذ الفردي وتقديس الشخصيات من الحياة السياسية؟ كاتب فلسفي
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصير الثورة العربية بعد عام من تفجرها
-
الاسلام الشعبي في مواجهة الامبريالية
-
المثقف التونسي والسياسة
-
الفلسفة بين الأدلجة والتسييس
-
الأنظمة العربية بين الصعود والهبوط
-
متابعة كتاب -الثورة العربية وارادة الحياة، قراءة فلسفية-
-
السيادة بين المطلق والنسبي
-
مفارقة السلطة والعنف
-
الثورة الرقمية والفعل الافتراضي
-
تعاقب النظام والفوضى على المشهد العربي
-
طبيعة التحولات المعاصرة
-
الحذر الفلسفي من سطوة الخطاب القانوني
-
الاسلام المستنير وأهمية العمل السياسي
-
فهم الظاهرة الشمولية
-
فصل المقال بين السياسة والدين
-
المد الثوري العربي واستحقاقات المرحلة
-
الارادة الشعبية سر انتصار الثورات العربية
-
سيكولوجيا الشعوب والعقل الجمهوري
-
الحرية للأفراد والسيادة للشعوب
-
فلسفة الثورة التونسية
المزيد.....
-
ماكرون يؤكد أعلى أهمية -المصير الأوروبي- لصربيا رغم تقاربها
...
-
واشنطن تدين مقتل أميركي من أصل فلسطيني على يد مستوطنين بالضف
...
-
معارك بين حركة الشباب والقوات الإفريقية في مدينة صومالية إست
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 4 جنود إثر حادث سير عملياتي بقطا
...
-
شاهد.. قراءة فنية في تفوق المنتخب المغربي على أنغولا
-
مدعٍ سابق بالجنائية الدولية: أدلة الإبادة الجماعية في غزة كث
...
-
يوميات اللبنانيين مع المسيّرات الإسرائيلية بين التعود والإنك
...
-
هل بدأت إسرائيل علنا تقسيم -الأقصى- مكانيا؟ وكيف يمكن ردعها؟
...
-
إدارة ترامب توقف خطط تطوير مشاريع طاقة الرياح البحرية
-
تفاصيل لعبة واشنطن وإسرائيل مع حزب الله
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|