الثورة الرقمية والفعل الافتراضي

زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 3332 - 2011 / 4 / 10 - 17:59
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

" ان الفعل من وجهة نظر فلسفية يمثل اجابة الانسان عن حقيقة أن يولد"

اذا حاولنا فهم الأحداث الثورية ومجريات الأمور يتبين لنا تشكل نوع من التحالف الجدلي بين الافتراضي والواقعي وبين التخييلي الحالم والتجريبي المعيش وبروز نوع من العقل الجمهوري أفرز هو بدوره قدرة على التحرك الأفقي والانتشار الميداني وذلك بالتسلح بنوع من الذكاء الاجتماعي والقدرة على الفعل المدني حيث تتحول مطالب الحريات الفردية والحقوق الأساسية والمشاعر الوطنية الصادقة الى مجال حقوقي تتجمع فيه الارادة الشعبية وتتكثف رغبة جماعية من أجل انتزاع الاعتراف وتنتصر الى قيم الكرامة واثبات الذات.
لقد لعب الفضاء الافتراضي وثقافة الصورة ووسائل الاتصال دورا مركزيا في اندلاع الثورة وتصاعدها والمساهمة في تغذيته وترشيدها من أجل أن تحقق مقاصدها وذلك عبر نقل المعلومة وتبادل الخبر والاحتكام الى الفعل المشترك واعتماد الصورة الحية لفضح الممارسات اللاانسانية التي تعمد اليها الأنظمة الشمولية لطمس الحقائق وتأبيد الوضع.
ماهو بديهي أن الوضعيات الحياتية والمستلزمات الأساسية للوجود هي نفسها بالنسبة الى جميع الناس الذي تحولوا في ما بعد الى منتفضين ومحركين للثورة: فهم قد تعلموا منذ لحظة الميلاد وفوق مسطح المحايثة الخاص بهم كيف يمشون ويتحركون والتوجه منظوريا داخل المكان وذهنيا ووجدانيا داخل الزمان وأولوا عنايتهم بالمواد والتقنيات وجعلوا من الجسد بوابة العبور نحو العالم وتدربوا على اقامة علاقات بيذاتية ترتكز على معطيات بيولوجية ثابتة.
غير أن الأمر الحاسم هو أن الثوار قد شكلوا في لحظة حاسمة موقفا وجوديا موحدا انبثق عنه منعطف تاريخي واستند الى نفس الرؤية الى الكون. ان المقولات الأساسية التي أرفدت رؤيتهم للعالم هي متطابقة عند جميع الفئات العمرية وتم تعميمها بشكل سريع وتبادل المعلومات والمعطيات حولها والاقتناع بها والعزم على ممارستها وتنفيذها في الواقع الحي.
لقد كان سلاح الثوار غير حربي ومتحضر ولذلك أثبت تفوقه على الحلول الأمنية والخيارات العسكرية والحروب العنيفة والمدمرة ويتمثل في العصيان المدني والاحتجاج السلمي والاعتصام المتحضر والامضاء على العرائض وتجنيد الناس عن طريق الفضاءات والمنتديات الافتراضية والضغط عن طريق الرأي العام ونبض الشارع وسلطة الاجماع.
لقد قيل عن وسائل الاتصال أنها تعيق التواصل وعن الصورة بأنها تعمي وتنتقي وتحولت الى صنم جديد ولكن الثورة العربية بينت عكس ذلك ورأينا كيف تنقل الصورة الحقيقة وتؤثر ايجابيا في الواقع وتتحول الى بؤرة ثورية ورأينا وسائل الاتصال ذات وظيفة ايجابية وتؤمن سرعة التواصل بين الشباب وتعمل على التعبئة والاستنفار وتحولت الى قوة ثورية هائلة.
هكذا كانت النتائج السياسية للثورة تتمحور حول انجاز مصالحة بين السياسة والأخلاق وتأسيس السياسة على الحق والابتعاد على قدر الامكان عن استخدام القوة والعمل على اختيار الوسائل الشرعية التي تتطابق مع الغايات الانسانية مثل اللاعنف والصفح والفعل المدني. لكن ماهي القيم التي جادت بها قريحة الثوار؟ وكيف كانت الثورة تفكيكا للديمقراطية الجوفاء وترسيخا للديمقراطية الصارمة والجذرية؟
المرجع:

Hannah Arendt, Condition de l’homme moderne , éditions Calmann- lévy , 1983, p.163.

كاتب فلسفي

#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات