أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - زهير الخويلدي - ورقة فلسفية عن الثورة العربية















المزيد.....


ورقة فلسفية عن الثورة العربية


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 3818 - 2012 / 8 / 13 - 09:06
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


" البناء الثوري هو من صنع حشد من الناس البسطاء. ومهمتنا هي أن نطور ما لدى كل واحد فيهم من خير ونبل، وأن نجعل من كل انسان ثوريا." - تشي غيفارا-
الكتابات النقدية المعاصرة تحاول أن تملأ الفراغ وتفهم لغة الشباب الثائر وتنصت الى الرأي العام وأن تتحدث على نوع من الثقافة الثورية وترى في المثقف العربي هو الضامن لحماية الثورة العربية من الدهاء السياسي وتعتقد أن العرب مازالوا يكررون ما قاله الغزالي و ابن رشد من جهة التراث وما قاله ماركس وسارتر من جهة الحداثة وبالتالي تقر بأننا في انتظار فلسفة عربية تواكب هذا الزمن الثورى العربي وتؤرخ له مفهوميا. لعل المرحلة الأخرى من العمل الفكري والتأصيلي للثورة تحتاج الى مقاربة لمسالة الهوية من منظور مركب وكوكبي وفيه ردّ على مسألة التحديات العولمية التي تعيشها المنطقة العربية زمن الربيع العربي وتثمين لمسألة السيادة الوطنية. كما تحتاج الثورة العربية الى تأصيل نظري والى تأسيس لجملة من المفاهيم والأفكار الفلسفية خاصة وان هناك من يعتبر هذا الحراك العربي خاليا من أي فكر ولم تكن وراءه نظرية ولذلك تأتي هذه الكتابات النقدية لملأ الفراغ والحديث على أن هناك نوع من الثقافة الثورية التي رافقت هذا الحراك الاجتماعي وهي لذلك خطوة في الطريق نحو تأصيل لمفاهيم الحرية والكرامة ومسالة العدالة من زاوية فلسفة الضاد ومن منظور قرآني ويؤكد فيه الفكر على أن الاسلام يكفل حقوق الانسان وأنه يشير الى التقدم وليس الى الركود والمحافظة ويدفع الى التمدين والتحضر.
من جهة ثانية إن مفهوم الإرادة هو مفهوم مركزي في الثورة العربية لأنه ارتبط بإرادة الشعب ونضجه وعبقريته وقدرته العجيبة على التحفز والنهوض بشكل جماعي ضد التهميش والازدراء وكذلك ارتطبت ارادة الانسان الثائر بكسر حاجز الخوف وتفكيك قلاع الاستبداد. من البديهي القول بأن الشعب هو الذي انجز الثورة وليس النخبة ،لأن النخبة العربية في جزء كبير منها أصيبت بفعل الجرثومة الشمولية وتتالي الهزائم والنكسات بنوع من العجز السياسي والفراغ الروحي وكانت تعيش على فتات السلطة والتبعية للغرب ولم تكن في معظمها أو على الأقل في القسم الأغلب منها نخبة ثورية وإنما افتك الشعب وخاصة فئاته الشابة منها زمام المبادرة بنفسه وعبر عن إرادته وحركته وتصميمه على الذهاب بالمعركة بعيدا وتوجه نحو نقد جذري للحاضر وذلك بالقطع مع الماضي والتحفز نحو صنع المستقبل. علاوة على ذلك إن مسألة إرادة الحياة التي صاغها شاعر الثورة الشهير أبو القاسم الشابي هي قلب الرحى في صيرورة الأحداث الاجتماعية ولذلك وجدت الشبيبة في هذه المسألة نوع من الصورة الشعرية التي ترسم وتحكي عن مسألة إرادة الحياة والتوق نحو الانتصار على العدم والتغلب على ثقافة الموت. لذلك كان الهتاف بقصائد من أغاني الحياة يعني ترديد فصول من الربيع العربي والملحمة الكبرى في كنس رموز الفساد. وبالتالي كان الشاعر الشابي وخاصة بيته الشهير " إذا الشعب يوما أردا الحياة فلابد أن يستجيب القدر " نقطة اللاعودة مع الاستسلام والامتثال للحتميات وقرارا وجوديا جماعيا من أجل إخضاع مشيئة التاريخ لإرادة الإنسان وكان نوعا من حسن التعامل مع وظيفة الشاعر لا كمادح للسلطان ولا كساخر من معارضيه إنما كشاعر ثورة قام مع الناس ضد الظلم وقام المثقف بتدخله في ما لا يعنيه بواجبه الاجتماعي ودوره الطليعي ووظيفته الرسالية وعبر عن ضمير المجتمع وعن إرادة الناس وعن روح الثقافة التائقة نحو الحرية والتخلص من براثن الظلم والاستبداد.
لقد كان الشابي ولا يزال أيقونة الثورة العربية ولسان الحراك الاجتماعي الفصيح ولعل صورته التي انتشرت عبر العالم وقصائده التي ترجمت الى العديد من اللغات هو دليل على مكانته المرموقة ورمزيته المكثفة في اللاشعور الجماعي ويمكن اعتباره بلا مجاملة مرآة عاكسة للروح الثورية للشعوب العربية ضد الاستعمار. لم تكن رؤية الشباب للربيع العربي تختلف عن أي مثقف عادي في الوطن العربي بل كانوا جميعا قريبين جدا من الحراك الثوري وجزء من الأغلبية التي حرضت عليها شعريا وذلك من خلال الانخراط في الفعل السياسي المعارض وممارسة العمل النقابي وأيضا عن طريق النشاط الثقافي والحقوقي. ولذلك لم تكن رؤية المثقف العضوي مسقطة ولم يكن يطل من الشرفة أو من زاوية البرج العاجي الذي دأب الفلاسفة على السكن فيه والنظر منه وإنما كانت مقاربته تنبع من عمق الشارع الذي تحرك فيه ومن زاوية الشباب الذين تعاطف معهم نفسيا وخاض معهم المعارك وشاركهم المسيرات والمظاهرات وتنفس معهم غازات وغبار الميدان.
من هذا المنطلق ينبغي أن تكون الفلسفة الثورية ملحمة شعبية ونظرية اجتماعية وفكرا عينيا يعكس الروح الثائرة لدى الناس البسطاء ويعبر عن التلاحم الاجتماعي وعن الارادة الشعبية التي تتوق الى التحرر من سلطة الماضي وإنجاز وخلق مفاهيم أصيلة تعبر عن المرحلة الجديدة .
هذا المخاض العسير الذي عرفه المجتمع العربي في تونس ومصر وتعاطف معه في بقية الأقطار ومكنه من افتكاك السلطة من القصر وتحويلها الى الشارع وجعل الرأي العام هو الذي يفرض قراراته ويدلي بمشيئته على الارادة السياسية للأحزاب المعارضة الفاشلة والأنظمة المتسلطة، وبالتالي أصبح الثائر بما يقترحه ويطمح اليه هو الذي يتحكم في مصير الشعب بأسره ،فنحن نعيش زمن سلطة الشارع بعد زوال سلطة القصر ولا بد أن تكون الفلسفة الثورية مواكبة لهذا الانقلاب الحقيقي في الموازين بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني ولروح المبادرة لدى الشارع العربي وقدرته الفجئية على التمرد. لذلك لا يمكن تنزيل المقاربة الفلسفية النقدية في مستوى البنية الفوقية بقدر ما يمكن ادراجها في البنية التحتية وذلك لشدة ارتباطها مع هذه الثقافة العضوية وفي هذا الاندماج الاجتماعي وهذا التجذّر في الهوية الكوكبية وفي الكرامة الوطنية ولسعيها الشديد نحو التعبير عن هذه الثقافة التي تجعل المفكر مرتبطا بالأرض وبالشعب وموليا وجهه شطر العروبة الجديدة والإسلام المستنير دون الولاء لأي ثقافة أخرى غازية أو مستبدة وإنما ثقافة الناس البسطاء التي تطالب بتبني سياسة عادلة للحياة وتعبر عن طموحهم في التحول من مجرد رعايا الى مواطنين أحرار وربما يكون شعار المواطن الحر هو الحل هو بيت القصيد في أنشودة الثورة العربية التي كررتها الجماهير امتثالا لنداء العقل الجمهوري العربي.
لا ينتظر الثائر جوائز من أحد ولا اعترافا من أي جهة ولكنه يقوم بالواجب ويؤدي رسالته فحسب والمسألة عنده تتعلق بتحمل المسؤولية وتفعيل نموذج المواطن المطلوبة في المجتمعات التي تتوق نحو الديمقراطية ، إضافة الى أن العقل الجمهوري يشير الى أن يكون الانسان في مستوى وعي الشعب بنفسه في لحظة تاريخية معينة ، وأن يعبر عن إرادة الشباب وعزمهم على التحرر من نير الاستبداد ولذلك أن يكتب الانسان في زمن الثورة هو أن يسجل ملحمة شعب وأن يرد الدين ويفي بالوعد ويكون في مستوى الحدث الاستثنائي الذي تعيشه المجتمعات العربية ويتكلم بلسان الأحداث مع الحرص على الأمانة والموضوعية.
زد على ذلك أن ينقل المثقف الى الناس صورة تقريبية عن الواقع الثوري بنوع من التشكيل السردي هو نوع من التأثيث الفلسفي الضروري واستجابة الى نداء وجودي وشهادة على العصر دون انتظار اعتراف أو جزاء أو شكرا ، وفي الحقيقة يحاول الكاتب أن يعكس ولو بشكل نسبي هذا الحراك السياسي والاجتماعي والفكري وأن يعلق على نوع من الثقافة السامية التي أبداها بعض الناشطون وممارسة الفعل من خلال استراتيجيات النقد الموضوعي والتفكيك والتأويل للطبقات السلطوية العميقة التي تقبع في اللاشعور السياسي للإنسان العربي.
عندئذ يحاول المثقف المعاصر للصيرورة الثورية أن يخط رسالة فلسفية الى الشعوب العربية الأخرى من أجل بناء المدينة الانسية العربية والانتفاضة على الطغاة والغزاة وتحرير فلسطين والتوحد الحضاري وإرساء الأمن الثقافي وصيانة مبدأ السيادة الوطنية والندية الحضارية.
لعل أكبر اعتراف لتونس الكرامة التي اندلعت فيها الشعلة الثورية التي أنارت المشهد العربي وأخرجته من عنق الزجاجة هو أنها حققت السبق على مستوى اللحاق بركب الأمم وردمت هذه النقيصة- الثورة التي كانت غائبة عنا والتي نأمل جميعنا أن تدخلنا بشكل نهائي الى عصر الحداثة السياسية وتزرع نبتة الديمقراطية داخل الوطن العربي وداخل الثقافة العربية حتى تخرج من النفق المظلم الذي كانت نتخبط فيه وتقطع مع ذهنية احتكار المشهد السياسي من طرف اقلية وتحتكم الى رأي الأغلبية للمرة الأولى بصورة سوية وديمقراطية وليس بالاكراه والقمع .
من جهة أخرى لا يمكن الفصل بين الفلسفة والثقافة باعتبار أن الثقافة تجمع بين الفنون والأدب والعلوم والفلسفة وتعرف بأنها المضاف من الانسان في الوضع الطبيعي الذي وجد فيه، كما يمكن اعتبار الفلسفة نفسها ضرب من الإنسانيات وتدرج ضمن الثقافة النقدية خاصة مع أهمية وظيفة التنوير الذي يمارسه الفيلسوف في حواره مع الأدباء والعلماء والباحثين ورؤيته الموسوعية وتدخله الرشيق في المشهد الاعلامي وموقفه الجريء من القضايا الساخنة.
نحن نعلم أن الفلسفة تشجع على استعمال العاقل وتحث على تنوير الجمهور وتدعو الفيلسوف الملتزم الى الذود على قيم المواطنة والانتصار الى حقوق الانسان دون المساس طبعا بالقيم الدينية الأصيلة،ومع احترام المقدسات والرموز الحضارية واستعمال الحجج العقلية في البرهنة على وجود الله واثبات النبوات ولكن تنادي أيضا الفلسفة الشعبية بإخراج الجمهور من وضع الحشود والارتقاء بهم الى حالة الانسان الذي يتمتع بمجموعة من الحقوق وترد على الخطاب الاعلامي الذي تصنعه الفضائيات العربية والتي يجعل من بعض المنشطين فلاسفة للثورات وتتعامل مع مواقفهم الموالية لبعض الدوائر والجهات المالية والسياسية على أنها تحاليل علمية ورؤى استشرافية للأمة بينما هي في حقيقة الأمر مجرد أقاويل مغشوشة وآراء مبتسرة.
إن أهم ما يوجد في عملية التنوير التي قد تنتج عن الربيع العربي هو أن يخرج التنوير من صورته الغربية التي أرتبطت بالفرد البورجوازي الأناني وجعلت الحداثة الغربية تفضي الى تطور لامتكافىء والعقلانية العلمية والتقنية تترك أصقاعا كبيرة من المعمورة تسبح في الظلام وتصدر لها الاستعمار والفقر والبؤس والمرض. ان ما تنادي به الثورة العربية هو ارساء تنوير جديد وأصيل يشرف الانسان العربي المسلم ويجعله في وضعية استخلاف وائتمان على الكوكب على جهة الحقيقة لا على جهة المجاز،انها وضعية ثورية تدعوه الى تنمية مهاراته وتقوية ملكاته الطبيعية والاستحواذ على جملة من القدرات العقلية والجسدية التي تأهله ليكون معمرا للأرض بالمعنى القراني ومتجها نحو تحالف مع آدميته ومحققا لنوع من المصالحة بينه وبين ذاته والله والطبيعة ويكون خليفة الله في الارض. لكن متى يرتقي العقل العربي الى درجة الفاعلية النقدية التنويرية ويعيش ثورته الثقافية من الداخل وفي صراعه مع ذاته؟
ما هو مطلوب اليوم من المثقفين العرب هو النهوض بالثقافة العربية ومقاومة التصحر الثقافي الحالي ولعل دور الفلاسفة والمثقفين العرب هو كبير جدا ومسؤوليتهم ثقيلة خاصة في زمن الربيع العربي وذلك لأن المطلوب منهم اليوم هو المحافظة على الثورة وتحقيق أهدافها والوفاء للشهداء وحفر خنادق لمقاومة الردة ومنع ظهور بوادر الفتن داخل جسد الأمة وذلك بنبذ روح التعصب والابتعاد عن منطق التمذهب وتحريك السواكن وطرح الاشكاليات وبرمجة البدائل.
غاية المراد أن الثورة إذا لم تجد ثقافة تحتضنها وتفعلها في الواقع الاجتماعي وتنقلها من الشارع الى الادارة ومن الوجدان الى العقل ومن الشعور الى الوعي فأنه يمكنها أن تنقلب على نفسها وتأكل أبنائها ويمكن أن تضيع هدرا وتتحول الى ثورة مضادة تأتي على ما تبقى من الحياة على هذه الأرض الطيبة وهناك العديد من الثورات الشعبية التي ظلت مجرد خطوات منقوصة وأسست لاستبداد اشد ضراوة. هكذا تبدو الآمال معلقة على المثقف النقاد والكاتب الحر والشاعر الملتزم والفيلسوف الساخر وتبدو المهمة المنوطة بعهدته هي المحافظة على هذه الثورة وترجمتها في الواقع في حركة ابداعية جماعية وذلك بضرب هذا الاحتكار الممنهج لاستعمال العقل واعادة الاعتبار للإنسان العربي وللثقافة العربية والدخول في عصر الاستعمال العمومي للعقل والاحتكام الى آراء العقل الجمهوري ومقررات النقد التجريبي.
على هذا النحو يكون دور المثقف العربي هو المثقف النقدي الانشقاقي المترحل ويمثل الضامن الأبرز والملتزم الأمين الذي هو مطالب بأن يحمي الثورة العربية من الدهاء السياسي ومن متاجرة رجال الاقتصاد بنفسه ومن تسلط بعض المتقنصين للفرص والذين يصطادون في المياه العكرة، خاصة في ظل وجود العديد من القوى المتربصة بالثورة والباحثة بكل الطرق على تضييع الفرصة على العرب والمسلمين حتى لا يستفيدون منها ويحاولون توظيفها والركوب عليها من أجل خدمة أجندتهم وتحقيق أغراضهم ومصالحهم بعدوا فشلوا في ذلك بطرق أخرى. فما العمل حتى لا تتحول الثورة العربية الى مطية تواصل فيها العولمة المتوحشة سياستها التوسعية بطرق ديمقراطية وتحت رايات نشر ثقافة حقوق الانسان والمواطن وحتى لا يكون الثمن هو الاعتداء على سيادة الشعوب وتدنيس مقدسات المجتمعات وتفكيك الأوطان؟
والحق أن المثقف العضوي هو الضمير الحي للمجتمع وصمام أمان للثورة العربية لأنه يغرد خارج السرب ويعلو على كل نفعية وبإمكانه التدرب على الحرية ومقارعة كل سلطة تعترضه في كدحه نحو الحق، وهو قادر على أداء هذه الأمانة بانتباهه الى واقعه و بجرأته النقدية أثناء التشخيص والتوصيف وبتحمله للمسؤولية أثناء الفعل الثوري. بيد أن الخصال التي يجب أن يتحلى بها هي خصال عديدة وأهمها هو أن يترجم الطاقة الثورية في الخلق والإبداع وأن يدخل في حوار مع الآخر ويعارض المألوف ويقاوم الرداءة والعار ويعطي صورة ناصعة عن هذه الهبة الاجتماعية ويجعل منها جسر عبور بين الشرق والغرب وبين الماضي والمستقبل ودرب يصعد بنا جميعا نحو مستوى الثقافات الاخرى،وكذلك حري به أن يقطع مع استيراد البدائل الجاهزة من الغرب في مقابل جعل الثقافة العربية تواكب المخزون العلمي وتستوعب روح الثورة الرقمية حتى نتمكن من القبض على مفاتيح الخروج من الدائرة الضيقة للتبعية نحو افق أرحب،وتؤسس نوع من الاستقرار المطلوب الذي بإمكانه ان يهضم المبادئ التوجيهية الكبرى التي نادى بها الشباب الثائر على أمل بناء أمة عصرية. فهل يفهم العرب مثل هذا الدرس؟
ان إنتاجنا الفلسفي العربي لم يرتقي بعد الى مرحلة الابداع الخالص بل هو مجرد إعادة صياغة وعلى المستوى الفلسفي العرب لا يزال بادىء الرأي في موقع متعاند مع كل تجدد وانبعاث وبقي الناس لا يقدرون على الاستئناف الحضاري الثاني وبعيدون كل البعد على الاقل عن لحظة الابداع الفكري وافادة الشعوب الأخرى وانتاج الحضارة الكونية كما كانوا يفعلون في عصور الازدهار الأولى والأسباب هي حالة التبعية والتشذرم والماضوية والتقليد واستنساخ التجارب الغربية الفاشلة والانخراط في العولمة الاستهلاكية ونمط الحياة المرفهة دون تدبر واختيار متبصر وقدرة على التأقلم مع التحولات والمستجدات الطارئة. إذ صحيح أن بعض مراكز الدراسات والمجامع قد وجهت الريع النفطي نحو الترجمة والعمل الموسوعي ولكن لحظة الترجمة التي نعيشها اليوم قاصرة عن مغادرة لحظة الانبهار بالغرب ولحظة التبعية للتراث الفلسفي القديم خاصة الاغريقي وحتى ما كتبه أجدادنا في المدونة الفلسفية الوسيطة هم مجرد اتباع وصهر لنفس الموازنة العلمية والمنهجية الشرقية التي توافدت عليهم من الحضارات المجاورة وأضافوا اليها بعض المبتكرات والاجتهادات في علوم أصيلة لم يكتب لها التاريخ الفكري والعلمي أن تكتمل وتتطور ويستفيد منها العرب والمسلمون. فإذا كان ابن خلدون قد أسس لعلوم التاريخ والاقتصاد والسياسة والاجتماع فأين هو هذا الفيض المعرفي الذي أحدثه في الثقافة العربية وكيف انتبه اليه الغرب واستفادوا منه في حين تركه بني قومه وأهملوه، وإذا كان التيار الاسمي مع ابن تيمية قد كسر المنطق الأرسطي بالفعل ونقد المذهب الواقعي وحاول ايجاد منطق اسلامي فأين هي هذه الثورة الابستيمولوجية التي فجرها في العلوم الاسلامية وتحدث عنها بعض المتاجرين بالتراث في السوق السياسية ومن حقيقة قد تسبب في تخلف العرب والمسلمين غير هؤلاء الذين يزعمون وجود ما ليس لنا ولا يعترفون بالخطأ ومتى يقر هؤلاء بالتناهي البشري والنسبية المعرفية ويحققون الاستفاقة والمبادأة.
في الواقع مازال العرب يكررون ما قاله الغزالي وما قاله ابن رشد ولم يحسموا أمرهم بعد حول هذه الاختلافات وحول أمهات المشاكل وكبريات القضايا التي لا ان تأخرنا في معالجتها نسقط في دوامة الهدر الحضاري وتتعمق الفجوة الرقمية ويعسر علينا اللحاق بقاطرة التقدم. والحق أننا مازلنا الى الآن إما ننقسم الى تيار التقليد وإما نكون مجددين على الطريقة الغربية ويوجد طرف ثالث لم يقدر على الرد على شبهة التلفيق والخلط وينشب بين الاتجاهات الثلاثة صراع معطل ويزيد من تعكير الأجواء، وهذا خطأ كبير وضياع للبوصلة . لقد الآن الأوان في عصر الثورة العربية لكي تنقلب الأمور رأسا على عقب ولكي يتغير الكثير من الأشياء وتتوحد الصفوف وتتظافر المجهودات وتتعاضد المرجعيات من أجل الدخول الى زمن اليقظة المنتظرة، خاصة وأننا في حاجة الى إنتاج فلسفة الثورة العربية وأن هذه الفلسفة الجديدة هي التي بإمكانها أن تتحرر العقل العربي من سلطة الماضي ومن سطوة الحاضر،سلطة الماضي في علاقة بالمدونة القديمة وسلطة الحاضر في علاقة بالفلسفة الغربية خاصة، وتسمح له بالدخول لحظة ما بعد الحداثة من الباب الكبير وتجعل الفرد العربي متحررا من جميع أشكال الوصاية والقصور ومن حالة الفصام وسوء النية وازدواجية اللغة والشخصية. ولعل تحطيم حاجز السلطة السياسية بالمعنى المعرفي للكلمة يجعل العقل العربي يتمتع بالحرية الكاملة ويتسلح بالجرأة والشجاعة وإرادة الحياة ويشتغل على النقد والإبداع وتقديم البدائل التي تنتظرها الشبيبة الثائرة بفارغ الصبر. اذ من غير المعقول أن ينجز الشعب ثورة اجتماعية ولا تجد هذه الانتفاضة صداها على الصعيد الثقافي ولا يقدم العقل للمجتمع نظرية ثورية مختلفة تعكس هذه الانتفاضة وقد يكون هذا المجهود التأملي المبذول في هذا الاتجاه التأصيلي ولكن ينبغي أن نعترف كذلك أن كل ما كتب الى حد الآن على المستوى الفلسفي في علاقة بالربيع العربي وإذا ما قارناه بالثورات الكبرى التي عرفتها الشعوب الأخرى في العالم هو لا يلبي المطلوب وأن الأحزاب السياسية التي انتصبت بعد الحدث الجلل بشكل فوضوي قامت على أساس ايديولوجي كلاسيكي وتجتر نفس البضاعة السياسية المفلسة وبالتالي لا يمكنها أن تمثل الأمل بالنسبة الى الجيل الجديد لأنه ثار ضدها ورماها عرض الحائط ،لذلك نحن بانتظار فلسفة عربية تواكب الزمن الثورى العربي وتكتب ملحمة المجتمعات العربية في افتكاك زمام المبادرة والصعود على الركح وصنع مصيرها بنفسها... ألم يقول الثائر الأممي تشي غيفارا:" يحتاج المرء في جميع المهام الثورية أساسا للفرد. لا تسعى الثورة، كما يدعي البعض، الى تعميم الارادة الجماعة وروح المبادرة الجماعية، على العكس تحرر القدرات الفردية للإنسان."؟ كم من ثورة يحتاج العرب لكي يتقدموا ويحطموا الجهل والتخلف والخوف والفقر والمرض ولكي يعيشوا تحت الشمس؟ هل تحتاج ثورة العربية الى عدة فصول ومراحل وحلقات؟ وأليس الأمر يتطلب انجاز الثوار في ذات الوقت التحرر السياسي والإنعتاق الاجتماعي والاستنارة العقلية؟ وهل المطلوب هو استكمال المسار الثوري أم العمل على نقل الثورة الى العقول؟
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة نماذج معيارية للديمقراطية عند هابرماس
- طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد في مرآة التراث والذات والآخ ...
- من التنمية الاقتصادية الى الترقي الاجتماعي
- وداعا أنور عبد الملك فارس الثقافة الوطنية
- التنوير العقلي بدل التعصب الايديولوجي
- الدين دعامة رئيسية للثورة
- في الفرق بين التمرد والثورة
- جداريات الثورة والكتابة البركانية
- الرأي المشترك والتفكير المنطقي
- فلسفة الصورة بين المنع والإباحة
- الفلسفة الشعبية والجهل المقدس
- الأسرة والمجتمع والدولة
- إرادة الحياة والفرح المؤجل
- عام ثوري يمضي ومستقبل واعد يُطل!
- الديمقراطية الاندماجية ورهانات الثورة
- مصير الثورة العربية بعد عام من تفجرها
- الاسلام الشعبي في مواجهة الامبريالية
- المثقف التونسي والسياسة
- الفلسفة بين الأدلجة والتسييس
- الأنظمة العربية بين الصعود والهبوط


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - زهير الخويلدي - ورقة فلسفية عن الثورة العربية