أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - تحالفات الإخوان المسلمين وأوهام الديمقراطية















المزيد.....


تحالفات الإخوان المسلمين وأوهام الديمقراطية


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3955 - 2012 / 12 / 28 - 20:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تحالفات الإخوان المسلمين
وأوهام الديمقراطية
1: بعد أن قطع أمام الشعب عهدا بأنه لن يستخدم سلطة التشريع (التى آلت إليه عندما ألغى أو سُمِح له بأن يُلْغى فى 12 سپتمبر 2012 آخر إعلان دستورى قُبَيْلَ ولايته هو ذلك الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بإعلان دستورى آخر، وأعاد أو سُمِح له بأن يُعيد تشكيل هذا المجلس) إلا عند الضرورة وفى أضيق الحدود، فاجأ الرئيس محمد مرسى الجميع فى 21 نوڤمبر 2012 باستخدام سلطته فى التشريع، بدون ضرورة وليس فى أضيق الحدود بل على نطاق واسع، فى إصدار عدد من القرارات التشريعية والقانونية أولها الإعلان الدستورى الجديد الذى يمنحه السيطرة على السلطة القضائية وعلى أشياء أخرى كثيرة إلى جانب سلطته التنفيذية الأصيلة وسلطته التشريعية الطارئة المؤقتة، بحيث يجمع بين يديه سلطة شاملة بأقانيمها الثلاثة، سلطة توصف بأنها مطلقة وديكتاتورية واستبدادية بل فرعونية بل إلهية.
2: وعندما قوبل الإعلان الجديد بموجة ثورية كبرى بمشاركة مختلف القوى السياسية والنقابية والمهنية غير الإسلامية بوسائل التظاهر والاعتصام والإضراب والخطوات التصعيدية المحتملة، بدأت محاولات لتمرير الإعلان الدستورى عن طريق توظيف مناورات سياسية بهلوانية متنوعة بعد أن اتضح لهم تماما فشل استعراضات القوة التى قاموا بها أو هددوا بها ثم تراجعوا عنها زاعمين أن التراجع بهدف حقن الدماء. ومن الجلىّ أن الرئيس وحزبه وجماعته يفضِّلون الهرب إلى الأمام فقد قرروا أو قرر لهم مكتب الإرشاد تصويت الجمعية التأسيسية على المسودة النهائية لمواد الدستور على الفور لرفعها إلى رئيس الجمهورية لطرحه لاستفتاء سريع (فى 15 ديسمبر فيما قيل) بعد مناقشة "مجتمعية" سريعة، وننتظر الآن خطاب الرئيس لنعرف منه خارطة طريقه للالتفاف حول مطلب إلغاء الإعلان الدستورى الجديد وتأسيس حكمه الاستبدادى على دستور دائم بدلا من إعلان دستورى مؤقت (ولم يخرج عن هذا بتحجُّر على العناد). وقبل أن نتأمل أبعاد الصراع الكبير الذى تفجر وتصاعد ويتجه إلى التصعيد نحو مستويات خطرة، وكذلك قبل بحث احتمالات التطورات القادمة والمواقف والأهداف المطلوبة فى مواجهتها، نقوم بتنشيط ذاكرتنا من خلال عرض إلمامة سريعة ببعض الخطوات التى قادتنا على هذا الطريق الذى يقود البلاد إلى المجهول المحفوف بالأخطار والكوارث.
3: وكان أول سؤال أثاره الإعلان الدستورى يدور حول مدى دستورية أو قانونية قيام رئيس الجمهورية بإصدار إعلان دستورى. وكان من الواضح أن السلطات التى نصت عليها المادة 56 من إعلان 30 مارس 2011 الدستورى التأسيسى، والتى انتقلت من المشير المُقال إلى الرئيس الجديد عند تسلُّم السلطة، لا تشمل إصدار إعلانات دستورية. أىْ أنه حتى وفقا لإعلانهم الدستورى التأسيسى لا يحق ذلك لرئيس الجمهورية. وكان ذلك الإعلان الدستورى التأسيسى أساس شرعيتهم من الألف إلى الياء. وهو أساس باطل ليس له من حجية حتى من استفتاء للشعب لأنه لم يتم إجراء استفتاء عليه وإنما اقتصر استفتاء 19 مارس 2011 على مجموعة محدودة من التعديلات الدستورية التى كان قد أمر مبارك عند تنحيته بإجرائها وتضمنها ذلك الإعلان بعد إقرارها عن طريق الاستفتاء المذكور. وعلى هذا الأساس الباطل تم بناء السلطة التشريعية: مجلس الشعب ومجلس الشورى، وتم تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور مرتين: المنحلة والحالية، ثم تم بناء مؤسسة الرئاسة على رأس السلطة التنفيذية. وإذا تحدثنا باستقامة فقد تم إدخال مصر كلها فى متاهات النفق المظلم للاستفتاءات والانتخابات الپرلمانية والرئاسية من المدخل الضيق المتمثل فى الإعلان الدستورى التأسيسى المذكور. وبالتالى فإن الرد الطبيعى على سؤال شرعية الإعلان الدستورى الرئاسى الجديد، وفقا حتى لأساس شرعية كل الصرح السلطوى الجديد: المجلس الأعلى والپرلمان بمجلسيه والجمعية التأسيسية ورئيس الجمهورية، هو أنه كغيره من إعلانات دستورية سابقة باطل لبطلان هذا الإعلان الدستورى التأسيسى وإعلان 13 فبراير 2011 الدستورى قبله. وهذا يعنى بطلان مجلسىْ الشعب المنحل والشورى القائم ليس فقط لبطلان مادة فى قانون انتخابهما بل أصلا وأساسا لبطلان إعلان 30 مارس 2011 الدستورى الذى كان بمثابة الخطوة الأولى الضرورية لمسار تلفيق شرعية دستورية بدلا من إقامة شرعية ثورية.
4: فما الذى دمَّرَ كل إمكانية لإقامة شرعية ثورية ودفع الشعب والثورة فى مسار ما يسمى بالشرعية الدستورية فى زمن الثورة. يقتضى الرد على هذا السؤال أن نعود إلى يوم 11 فبراير 2011، يوم الإطاحة بالرئيس السابق محمد حسنى مبارك. فى ذلك اليوم أطاح انقلاب عسكرى قام به المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، تحت الضغط الكاسح لثورة شعبية كبرى، بالرئيس السابق. ولم يكن من السهل على شعب عاش عقودا طويلة، منذ انقلاب 1952 العسكرى، فى زمن تصفية الحياة السياسية، أن يدرك المغزى الحقيقى لقيام قيادة الجيش بذلك الانقلاب على مبارك. وفى الحقيقة كان انقلاب قيادة الجيش انقلابَ قصرٍ من داخل نظام مبارك ضد مبارك، لإنقاذ نظام مبارك بدون مبارك، لأن البديل لم يكن شيئا آخر سوى حرب أهلية بدأها مبارك بالفعل وفى أتونها ألحق الشعب الأعزل دفاعا عن النفس فى سياق ثورته السلمية هزيمة ساحقة بقوات وأجهزة وزارة الداخلية. وانطلق الموقف السياسى لقيادة الجيش من تقدير دقيق وعميق للموقف العسكرى الإستراتيچى بين الثورة والدولة، بين الشعب والجيش، وهو تقدير مبنىّ على دروس واستنتاجات مستخلصة من تاريخ الثورات ويتمثل فى أن حربا أهلية يشنها نظام حاكم فى بلد على شعبه فى سياق ثورة سياسية شعبية تنتهى بصورة نموذجية بعد أن تضع الحرب الأهلية أوزارها وأهوالها وفظائعها وويلاتها إلى هزيمة النظام وتدمير الطبقة الحاكمة ذاتها كطبقة وإحلال طبقة أخرى ونظام آخر محلَّهما؛ طالت الحرب الأهلية أم قصرت.
5: ولم يكن الانقلاب العسكرى على مبارك حبا فى الشعب بل كان تفاديا للنتائج الكئيبة لاستمرار الحرب الأهلية، التى كان قد بدأها مبارك بالفعل ضد الشعب، على الطبقة الرأسمالية المصرية التابعة للإمپريالية ودولتها ونظامها وسلطتها. ولم يدرك الشعب ولا قوى الثورة حقيقة الهدف الإستراتيچى لقيادة الجيش من وراء إطاحتها ب مبارك. والحقيقة أنه كان بهدف إجهاض الثورة ووقف نموها بالتخلص من مبارك انطلاقا من أن ذلك هو الهدف المباشر الذى كانت قد أجمعت عليه كل القوى السياسية والجماهيرية فى الميدان. وفى تقديرهم، وكذلك فى الواقع الفعلى، كان من شأن تحقيق هذا الهدف المباشر إخلاء ميادين التحرير فى مصر كلها من الحشود الجماهيرية التى اكتظت بها، تفاديا لدمار الطبقة الحاكمة ونظامها وتفاديا لاستمرار الثورة أو بهدف إضعافها وتصفيتها تدريجيا على أقل تقدير. ورغم أن أملهم فى تصفية الثورة بسرعة قد خاب فقد نجح انقلاب الجيش على مبارك فى إخلاء الميادين وفى إضعاف الثورة التى احتاجت إلى قرابة نصف عام لاستعادة حيويتها (موجة 8 يوليو 2011 الثورية) وفى إرباك رؤى قوى ثورية تصورت أن "الجيش" الذى أطاح ب مبارك لا يمكن إلا أن يكون قد انضم بإخلاص إلى صفوف الثورة وجرى نوع من التفويض الشعبى العفوى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان فى الحقيقة تفويضا بالسكوت رغم امتلاء الصدور بالشكوك.
6: وكانت تلك اللحظة تقتضى تكوين قيادة توافقية للثورة من عدد من زعمائها الفعليِّين الحقيقيِّين (مع استبعاد أىّ تمثيل فيها لأىٍّ من المجلس العسكرى والإسلام السياسى) وتسليمها السلطة مع تكليف الجيش بالقيام بمهام وزارة الداخلية بصورة مؤقتة، إلى جانب مهامه الأصلية، نظرا للهزيمة الكاسحة التى كانت الثورة قد ألحقتها بتلك الوزارة وقواتها وأجهزتها الظاهرة على الأقل. وذلك بالإضافة إلى عدد من الأهداف والشعارات المباشرة للثورة فى تلك اللحظة الفارقة. غير أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية رفض بعد انقلابه على مبارك كل مقترح لتكوين أىّ هيئة قيادية تتسلم السلطة فى البلاد. وكان البديل الفوقى الوحيد يتمثل فى استلام المجلس الأعلى للسلطة بشرعية الانقلاب العسكرى.
7: غير أن هذا لم يكن كافيا. ذلك أن مواجهة المجلس الأعلى للثورة بنجاح كانت تقتضى التحالف مع غطاء سياسى جماهيرى جاهز. وكان هذا الغطاء السياسى الجماهيرى الجاهز للحكم العسكرى يتمثل فى الإخوان المسلمين على رأس الإسلام السياسى. وكان الأمر يحتاج إلى استعداد الطرفين: المجلس الأعلى والإخوان المسلمين. وكان مبارك نفسه مستعدا قبل انقلاب المجلس عليه لأن نظامه كان يحتاج إلى هذا الحليف المذكور ذاته فى مواجهة الثورة بمجرد انفجارها. ولهذا لجأ إلى الإخوان المسلمين بالذات قبل تنحيته. وورث المجلس الأعلى عنه هذا الاستعداد المنطقى البديهى للتحالف مع نفس الحليف المنطقى البديهى. ولأن الإخوان المسلمين وجدوا أنفسهم فجأة أمام فرصة تاريخية فريدة لا يسهل أن تتكرر للقفز على السلطة، التى ظلوا يحلمون بها عقودا طويلة بلا طائل، فإنهم لم يكونوا مستعدِّين للتفريط فى الفرصة، وسرعان ما اتخذوا قرارهم باغتنامها.
8: وكان الإخوان قد لحقوا بقطار الثورة بعد أيام ترددوا أثناءها فى الانضمام إليها، خوفا من استهدافهم من جانب نظام مبارك. ولم ينضموا إليها إلا عندما تأكدوا أنهم إزاء ثورة شعبية كبرى قادرة على حمايتهم وعلى الأقل على تقوية مركزهم فى التفاوض على صفقة كبرى مع نظام مبارك. وكان لحاقهم بالثورة عندئذ تقوية للثورة بهم وتقوية لهم بالثورة. وقد تركوا جماهيرهم فى الميدان للضغط بها وأرسلوا قياداتهم إلى التفاوض مع نظام مبارك عبر اللواء عمر سليمان استبعادا منهم لانهيار نظام مبارك تماما أو سريعا. أىْ أن استعداد نظام مبارك للتحالف السياسى التقى باستعداد الإخوان والتقى استعداد مبارك لهذا التحالف باستعداد المرشد. غير أن الانقلاب العسكرى الذى سار بالتحالف فى نفس الاتجاه الجوهرى، اتجاه التحالف بين النظام والإخوان فى الحاليْن، أحلَّ فى هذا التحالف محلَّ الرئيس السابق محمد حسنى مبارك أشخاصا آخرين هم قادة الجيش برئاسة المشير محمد حسين طنطاوى. وكانت مفاوضات مبارك-عمر سليمان قد انتهت أو اقتربت من بلورة ووضْع مبادئ وأسس وتفاهمات وترتيبات التحالف مع نظام مبارك ثم استكملتها المفاوضات المستأنفة مع قادة الجيش لتلبية نفس الحاجة: حاجة النظام ب أو بدون مبارك إلى التحالف مع الإخوان المسلمين.
9: ونجد أمامنا هنا تحالفيْن يشكِّك كل منهما فى إخلاص وصدق الآخر. فتحالف الإخوان المسلمين مع الثورة الشعبية يشكِّك فى صدق تحالفهم مع المجلس الأعلى، كما يشكِّك تحالفهم مع المجلس الأعلى فى صدق تحالفهم مع الثورة الشعبية. وكان انسحابهم السريع من التحالف مع الشعب وتخلِّيهم عنه لصالح استمرار التحالف مع المجلس الأعلى لفترة امتدَّت عاما كاملا تقريبا، مع مزيج من التحالف وصفقاته والتناقض وصراعاته إلى يومنا هذا، كاشفا بصورة ساطعة لحقيقة الطابع الجدِّى لتحالفهم مع المجلس والطابع المخادع لتحالفهم مع الشعب. والحقيقة الأعمق هى أن الهدف السياسى الرئيسى للإخوان المسلمين وهو القفز على السلطة اقتضى الوقوف مع الشعب لفرض تحالفهم على مبارك فى البداية وبعد ذلك مع المشير طنطاوى على رأس المجلس بعد الانقلاب العسكرى. وكان هذا الطابع الحقيقى للتحالف مع النظام ب أو بدون مبارك ينبع من حقيقتين مترابطتين هما حقيقة انتماء نظام مبارك وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين إلى طبقة اجتماعية واحدة هى الرأسمالية المصرية الكبيرة التابعة للإمپريالية، وحقيقة أن السلطة التى يريد الإخوان القفز عليها كانت فى أيدى نظام مبارك وليس فى أيدى الشعب. وكان الهدف الأبعد بالطبع هو نجاح الإسلام السياسى فى الانتزاع التدريجى، وربما بانقلاب تآمرىّ بعد مستوى بعينه من التطور التدريجى على طريق "التمكين"، للسيطرة على الاقتصاد والسلطة.
10: ومن الطابع الزائف الغادر لتحالف قصير للغاية (استغرق أياما معدودة) مع ثورة الشعب ينكشف زيف زعم الإخوان أنهم ينتمون إلى الثورة بل أنهم هم الثورة وحقيقة أنهم معادون للثورة الشعبية بحكم تمثيلهم سياسيا لقطاعات ذات أيديولوچيا إسلامية سياسية من الرأسمالية التابعة للإمپريالية، مهما كانوا مدينين للثورة الشعبية بالفرصة التاريخية التى بادروا إلى اغتنامها، وجُوزيت الثورة جزاء سنمار. وعندما نضع الطابع الجدى الممتد لتحالفهم مع المجلس الأعلى جنبا إلى جنب مع تناقضهم وصراعهم معه تنكشف حقيقة الانتماء الطبقى الواحد الذى يجمع هذين الحليفين رغم التمثيل السياسى لقطاعات مختلفة من طبقة واحدة انطلاقا من أيديولوچيا دينية-سياسية للإسلام السياسى تفرِّق بين القطاعات التى يمثلها هذا الأخير وبين القطاعات الأخرى للرأسمالية التابعة للإمپريالية. والهدف الأبعد من وراء التحالفيْن واحد وهو الوصول إلى السلطة، رغم أن أحد التحالفيْن قصير للغاية ويقوم على معاداة الإخوان المسلمين والنظام معا للثورة الشعبية على أساس طبقى استغلالى، على حين يقوم التحالف الآخر الممتد رغم تعرُّجاته إلى الآن على وحدة المهمة الطبقية الرأسمالية التابعة المشتركة المتمثلة فى تصفية الثورة دون أن يُخْفِى ذلك صراعا داخل الطبقة على السيطرة على الاقتصاد والسلطة فى سياق اتجاه الإسلام السياسى إلى إقامة دولة دينية.
11: ومن المهم أن نفهم جيدا طبيعة ومغزى وخصائص كلٍّ من المشاركة فى الثورة الشعبية أياما قليلة ثم التفاوض على التحالف الممتدّ مع مبارك-عمر سليمان وبعدهما مع المشير طنطاوى. وفى مواجهة زعم الإخوان المسلمين أنهم قاموا بدور هائل فى الثورة وأنهم بالتالى يمثلون الثورة وعلى الأقل زعمهم أن الجميع كانوا فى الميدان "إيد واحدة"، ينبغى أن نوضِّح بجلاء حقيقة الطابع المزدوج لدور الإخوان المسلمين والإسلام السياسى فى "الأيام القليلة" التى استمرت فيها المشاركة وحقيقة تحالفهم جميعا مع النظام ضد الثورة بعد ذلك على طول الخط سواء فى فترات شهر العسل مع المجلس الأعلى أم فى لحظات بروز التعارض والصراع معه. وواقع أن الهدف السياسى من وراء المشاركة الخاطفة الذى يكشفه كامل السلوك السياسى للإخوان المسلمين كان يتمثل فى توظيفه فى مجال الضغط على نظام مبارك-طنطاوى للتحالف مع هذا النظام ضد الثورة الشعبية يجبرنا على أن نفهم أن تلك المشاركة الخاطفة كانت مجرد وسيلة تم التخلِّى عنها بمجرد تحقيق الهدف من وراء استخدامها وتوظيفها. ويكشف هذا الانفصال من جانب الإخوان المسلمين عن الثورة ومجرد استخدامها لتحقيق هدف مناقض تماما لأهدافها، رغم المشاركة الخاطفة فيها "أياما معدودة" ليس إلا، رغم معاداة الثورة، عن حقيقة أننا لسنا إزاء قوة من القوى الثورية، رغم أنها قوة من القوى المشاركة فى الثورة؛ وإنْ للحظة خاطفة لعبت فيها دورا ما لا يجوز أن نبالغ فيه (وربما بالغنا كثيرا من قبل فى تقديره).
12: ويتمثل الفرق بين قوى الثورة والقوى الثورية فى أن الأولى يمكن أن تلعب دورا ما فى الثورة لأهداف مناقضة لأهداف الثورة بل لأهداف معادية للثورة وأهدافها، على حين أن القوى الثورية قوى تؤمن بالثورة وتشاركها أهدافها بصدق وإخلاص مهما تفاوتت مستويات الانتماء الطبقى الشعبى والإيمان أو الالتزام أو الاستمرار أو الصلابة. ولهذا فإنه يمكن القول إن متاجرة الإخوان المسلمين بدور عظيم فى الثورة أشبه فى طابعه الهزلى الساخر بشخص اعتقله أو سجنه النظام المصرى مثلا أسبوعا أو أسبوعين، أو شهرا أو شهرين، أو سنة أو سنتين، وربما عن طريق الخطأ، فظل يتباهى طوال عمره الطويل المهادن للنظام بتلك الأيام أو الأسابيع أو الشهور من الاعتقال أو السجن باعتبار ذلك على رأس قائمة مسوِّغاته النضالية الثورية المجيدة. لا، لم يكن الإسلام السياسى قوة ثورية، بل هو بالأحرى قوة رجعية معادية للثورة، ولم يكن وقوف الثورى والإخوانى جنبا إلى جنب فوق سنتيمترات معدودة من الأرض ليقرِّب بينهما بل كان يباعد بينهما، فقد كانا أشبه بعدويِّن يتقاتلان متلاحميْن فوق نفس السنتيمترات المعدودة من الأرض غير أنه كان يبدو من بعيد أنهما يتعانقان. وأشدِّد على أن هذا لا ينطبق على مئات الآلاف ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين أو الملايين ممن يؤيدونهم بل ينطبق فقط على قياداتهم العليا والمتوسطة الذين تشبَّعوا بهذه الأيديولوچيا الدينية-السياسية المضلِّلة. أما الملايين فإنهم الفقراء الذين ينتمون إلى هذه الجماعة أو يناصرونها كما يشكل أمثالهم فى كل مكان فى العالم وفى مختلف الأيديولوچيات والأحزاب السياسية العضوية الأساسية فى أحزابهم التى قد تكون من أعتى الأحزاب الرأسمالية أو الإمپريالية دون أن يُضْفُوا على أحزابهم أىّ طابع شعبى فهم ليسوا سوى وقودها.
13: أما تحالف الإخوان المسلمين مع المجلس الأعلى ضد الثورة الشعبية بعد التفاوض قبل الانقلاب مع مبارك عبر عمر سليمان فإنه ناشئ، كما رأينا، من الأساس الطبقى الواحد، وما يحتاج إلى التفسير إنما هو التناقض والصراع بين الفريقيْن. ويجد التناقض أو التعارض أو الصراع تفسيره فى الصراع فى سبيل إقامة الدولة الدينية أو ضدها بكل مغانمها على القطاعات الرأسمالية ذات التوجُّهات الأيديولوچية الإسلامية-السياسية، ومغارمها على القطاعات الأخرى من نفس الطبقة. وقد ناقشنا فى غير هذا المكان التناقضات العدائية التى قد تدفع قطاعات مختلفة من نفس الطبقة الرأسمالية الواحدة إلى التناقض والصراع وحتى إلى حافة الحرب الاقتصادية أو الحرب الأهلية وحتى الانزلاق إلى هذه الأخيرة. ولكل هذا، ونتيجة للتحالف من جهة والصراع من جهة أخرى بين قطاعات توحِّدها الطبقة الرأسمالية ضد الثورة الشعبية وتدفعها إلى احتدام الصراع فيما بينها مصالح وأيديولوچيات متعارضة، نجد هنا أيضا طابعا مزدوجا يجمع بين قطاعيْن من حيث المصالح والأيديولوچيات من نفس الطبقة: رغم التحالف القوى بينهما ضد الثورة وقيامهما المشترك بالمهمة المقدسة المتمثلة فى تصفية الثورة الشعبية يتناقضان ويتصارعان فى سبيل تحقيق المغانم وتفادى المغارم عن طريق السيطرة على الاقتصاد والسلطة. ولا وجود فى التناقض أو الصراع بينهما لأىّ مغزى ثورى لأحدهما ضد الآخر: بين الإخوان والفلول، إنْ جاز القول.
14: وأخذ التحالف يتنامى وينضج من خلال التطورات. ونجح المجلس الأعلى بانقلابه العسكرى الذى أطاح بالرئيس السابق فى إخلاء الميدان، ورغم المزيد من الشهداء منذ الانقلاب ورفض تسليم السلطة لهيئة توافقية استطاع المجلس أن يخدع الشعب وقيادات الثورة بأنه سيسهر على تحقيق أهداف الثورة فى الحرية والعدالة الاجتماعية، وهنا تبلور الطريق الذى فتحه مبارك بنفسه بالالتفاف على أهداف الثورة من خلال الانزلاق بالشعب والثورة إلى طريق الدستور والقانون والتعديلات والإعلانات الدستورية والاستفتاءات والانتخابات الپرلمانية والرئاسية، إلى طريق متاهات القانون فى زمن الثورة، وشأنه فى هذا شأن الإخوان المسلمين انطلق من زعم أنه حمى الثورة وأن نجاح الثورة كان مستحيلا لولا دوره فيها وأنه هو الذى يقود الثورة. وغرق الشعب والثورة فى "مستنقعات" القانون. وما كان لهذا أن يصير ممكنا لولا الوهم المضلل الكبير الذى جرف الشعب وقيادات الثورة فى الطريق الدستورى والقانونى والتشريعى والپرلمانى وهو الوهم المتمثل فى بناء نظام حكم ديمقراطى من أعلى يشرف عليه المجلس الأعلى الذى زعم أنه يقف إلى جانب الشعب لحمايته وتحقيق أهداف ثورته، وذلك تحت راية وشعار المشاركة بدلا من المقاطعة.
15: ويرتكز هذا الوهم، وَهْم النظام أو الحكم السياسى الديمقراطى، على وَهْم ترعاه النظرية السياسية البرچوازية من الناحية النظرية، وعلى وَهْم آخر نابع من الناحية العملية من صميم أحداث وتطورات الثورة. وفيما يتعلق بالوهم النظرى، هناك اعتقاد تروِّج له الطبقات الحاكمة وساستها وفلاسفتها ومفكروها وعلماؤها السياسيون مؤداه أن الدولة يمكن أن تكون ديمقراطية فى جوهر وصميم بنيانها وهياكلها ومؤسساتها وأجهزتها إذا كانت تقوم على مجموعة من المبادئ التى تصدِّقها الممارسة الفعلية: تأليف كيان الدولة من سلطات ثلاث (السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية) تقوم على الفصل بينها وتتمثل وحدتها فى دستور تلتزم بمواده السلطات كافة فالسلطة التشريعية ملزمة بسن القوانين على أساسه ورقابة إدارة السلطة التنفيذية لتلك القوانين، والسلطة التنفيذية ملزمة بتنفيذ تلك القوانين فى إدارتها لمؤسسات وأجهزة الدولة، والسلطة القضائية ملزمة بتلك القوانين فى الفصل فى الدعاوى القضائية الناشئة عن ممارسة الدولة والمجتمع والأفراد، وتنبثق من السلطة القضائية سلطة دستورية عليا تراقب دستورية القوانين ودستورية تطبيقاتها القضائية؛ تداول السلطة من خلال تمثيل يقوم على الانتخابات العامة؛ التزام الدستور بدوره ليكون دستورا دستوريا حقا بأحدث ما بلورته الممارسات والتجارب الديمقراطية للشعوب من مبادئ "فوق دستورية" تتعلق بالالتزام الصارم بحريات وحقوق الشعوب التى صارت خطا أحمر فى مجال الحكم الديمقراطى. على أن الدولة، بوصفها (بدستورها وقوانينها ومؤسساتها) تمثل الأداة الأساسية للحكم الذى تفرضه على المجتمع طبقة اجتماعية استغلالية حاكمة لتحقيق مصالحها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الذاتية، تتعارض بصورة جذرية مع الديمقراطية التى تزاحمها على الحكم فى سبيل تحقيق مصالح طبقات اجتماعية أخرى. ولهذا لا تعنى الديمقراطية من أعلى متمثلة فى دولة سوى وَهْم تجيد الطبقة الحاكمة وفلسفة ونظرية حكمها توظيفه كأداة أساسية للتضليل الأيديولوچى الجماهيرى الواسع كضرورة لا غنى عنها لتأمين وتأبيد استغلالها واستبدادها.
*****
(الفقرات السابقة كانت بداية لمقال بعنوان "إعلان 21 نوڤمبر الدستورى وضرورة إسقاط حكم المرشد" وهى مكتوبة على الأرجح فى الفترة ما بين 22 و 24 نوڤمبر لكننى انصرفت عن هذا المقال إلى كتابة مقالات أخرى على أن أقوم باستئناف كتابته فى وقت لاحق، غير أننى لا أستطيع افتعال إكماله الآن بعد تغطية تطورات الفترة اللاحقة فى مقالات تالية، وقد وجدت نفسى أفكر فى الاختيار بين تمزيق هذه الفقرات أو الاحتفاظ بها، وفضَّلتُ الخيار الثانى لأنها تشتمل على تنشيط للذاكرة حول فترة من تطورات الثورة كما تشتمل على تأملات فى بعض نواحى مسارها مهما كانت مبتورة)



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عربدة فى قمة السلطة.. الاستفتاء والدستور ومجلس الشورى ومجلس ...
- السلطة التشريعية فى مصر بين الأسطورة والحقيقة بقلم: خليل كلف ...
- الاستفتاء مصيدة خبيثة.. مقاطعة الاستفتاء من ضرورات إنقاذ الث ...
- الثورة تتسع وتتعمَّق والحركة الجماهيرية تتجاوز قيادات جبهة ا ...
- الكتب معرفة ومتعة - الجزء الثالث
- إلغاء الإعلان الدستورى إلغاء مشروع الدستور مقاطعة الاستفتاء. ...
- يسقط حكم المرشد.. والتراجع كارثة
- الكتب معرفة ومتعة - الجزء الثانى
- الكتب معرفة ومتعة - كتاب إلكترونى 1
- ادوار الخراط وإبراهيم أصلان وجمال الغيطانى مقال عن مجموعة قص ...
- عملية -عَمُود السَّحَاب- وأقدار مصر وسيناء وغزة بقلم: خليل ك ...
- روبرت ڤالزر (مقالان: 1: سوزان سونتاج، 2: كريستوفر ميدل ...
- كتاب سيد عويس: التاريخ الذى أحمله على ظهرى
- غزة وما بعد غزة
- بعيدا عن تأسيسية الدستور ودستور التأسيسية ضرورة الإطاحة السل ...
- كيف كتب دوستويڤسكى رواية الجريمة والعقاب؟ -إعادة قراءة ...
- مارسيل پروست (مقالان: مقال: أناتولى لوناتشارسكى، ومقال: أندر ...
- مصر وبلاد النوبة تأليف: والتر إمرى، ترجمة: تحفة حندوسة مقدمة ...
- مصير العالم الثالث تحليل ونتائج وتوقعات توما كوترو و ميشيل إ ...
- الأساطير والميثولوچيات السياسية(1) راؤول چيرارديه عرض: خليل ...


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - تحالفات الإخوان المسلمين وأوهام الديمقراطية