أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي واعادة البناء ج- قضايا اعادة البناء في ب ك ك 3- الاصلاح والتغيير الاجتماعي في الجمهورية التركية















المزيد.....

الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي واعادة البناء ج- قضايا اعادة البناء في ب ك ك 3- الاصلاح والتغيير الاجتماعي في الجمهورية التركية


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1142 - 2005 / 3 / 20 - 13:48
المحور: القضية الكردية
    


الإصلاح والتغيير الاجتماعي في الجمهورية التركية

هذا الإيجاز المقتضب الذي قمنا به بصدد العلاقات الكردية – التركية في عهد الجمهورية، يبين بوضوح دوافع وأسباب الانسداد والتشرذم الأساسي الحاصل في بنية الدولة والمجتمع. فالدولة تنظر بعين أمنية لكل القضايا الاجتماعية. وسيكون من المجدي دراسة كيفية بلوغ هذه النقطة بتفاصيل أدق تحت عنوان (الأتراك والدولة). فالأتراك منذ نهوضهم من آسيا الوسطى وهم يدركون علم اليقين أنه ما من سبيل للحفاظ على وجودهم سوى القتال. بيد أن معيشتهم فيما بينهم شهدت نزاعات واصطدامات عشائرية غير منقطعة. وفي كل خطوة خطوها صوب منطقة الشرق الأوسط، لم يكن بإمكانهم التقدم أو التراجع دون التصارع مع عدو ما أو اللقاء بصديق. ذلك أن منطقة الشرق الأوسط تأتي في مقدمة المناطق التي يتم فيها بسط النفوذ والهيمنة عبر الحروب والسلطة منذ عهد السومريين. فكل شبر من الأرض، أو مراقبة على ساحة ما تستلزم الحرب والسلطة. وقد هيمن هذا القانون وتوطد بشكل أعنف لدى مجيء العشائر التركية حديثاً إلى المنطقة. والتوسع المبتدىء مع السلاجقة على أساس الحرب كان مختلفاً عن الهجرات الاجتماعية القديمة الأصغر نطاقاً للقبائل. وكأن القبائل التركية تحرز تقدمها توازياً مع تدولها منذ عهد السلاجقة. واستمرت هذه المسيرة ضمن هذا السياق من مدينة مرو (merv) – وهي أول مدينة شهدت التكاثف السياسي والعسكري – وحتى قلعة زيغتوار (zigetvar) في المجر في أقصى الغرب. وخط العودة أيضاً كان مشحوناً بالحروب والقتالات. فقوانين الحرب سارية المفعول في كافة عمليات الانسحاب، بدءاً من حصار فيينا الثاني وحتى حرب البلقان الثانية. ولم يقتصر الأتراك في نشر نفوذهم العسكري الذي كان أساساً في حكم صفوفهم الداخلية فحسب، بل وكافة الجماعات الموجودة تحت هيمنتهم أيضاً. أما قوتهم السياسية فلم تكن قد تطورت بعد، فالسلطان هو في منزلة الإمبراطور عسكرياً. يدير شؤون الدولة والمجتمع بالأوامر اليومية المسماة بـ(الفرمان).
وفي عهد الجمهورية أيضاً كانت الريادة العسكرية هي الأساس. فكيفما تأسست الجمهورية بالحرب، هكذا كانت ستتحقق كل التمأسسات السياسية والاجتماعية الأساسية لاحقاً في ظل المراقبة العسكرية الكثيفة. وتلعب هذه الحقيقة دوراً نافذاً في العلاقات التركية والدولة أكثر من أي بلد أو قوم أو أمة أخرى. وكأن الدولتية تعشعشت في جنبات الأتراك كأمة وكقوم. والدولتية هنا لا تعني كل ما يخص طبقات الدولة، بل هي ظاهرة لا غنى عنها بالنسبة لكل شرائح المجتمع أيضاً. فكيف أنه لا وجود بدون الله، كذلك لا وجود بدون الدولة. وكلما تميزت الدولة بالقوة والعنف والهيبة، كلما شعروا بأنهم في أمان. أما ضعف الدولة أو انهيارها فيعني الزوال والموت بالنسبة لهم. إنه تقرب مبالغ فيه، ولكن الأسباب التاريخية والاجتماعية تُحَتِّمه. فاعتبار أن نفوذهم وسلطتهم لم تُبنَ داخل كياناتهم، بل بالاستيلاء عليها من أيدي الغير، فإن افتقادها وخسارتها أيضاً ستكون على أيدي الغير. بالتالي قد يأتي خطر الموت أو الإبادة بالطعن من الخلف أياً كان نوعه. وتوضيح هذه العلاقة كحقيقة ديالكتيكية تاريخية بالنسبة للأتراك، أمر يمكن فهمه انطلاقاً من هذه الدوافع.
والجمهورية أيضاً كانت ستولي الأولوية دوماً لمسألة أمنها وأمن المجتمع، كونها تأسست على هذه الثقافة من جهة، وتشكلت حصيلة الصراع تجاه (yedi düvele) من جهة ثانية. ويتضمن هذا الوضع مستجدات متغايرة عديدة تختلف عن المجتمعات الغربية، حيث أن الكثير من الجماعات حافظت على وجودها بمواقفها المناهضة لحلف الحرب والسلطة – وليس عن طريق الحرب – والرامية إلى تضييق الخناق عليه باستمرار. وهذا التقليد يؤدي إلى المجتمع المدني والديمقراطية بسهولة أكبر، ويولي مسألة حقوق الإنسان الأولوية. لكن، ومع ذلك فتقاليد الحرب والسلطة مصيرية في العلاقات الاجتماعية. والفرق يكمن هنا في مدى كثافتها ومنطقها الفلسفي. فظاهرة الدولة لدى الأتراك تعاش بكثافة وبتعاليل فلسفية ودينية تعد الأقدس على الإطلاق. لذا، فأي تصرف أو سلوك قد يعني الحد من نطاق الدولة - من قبيل المجتمع المدني وحقوق الانسان، بل وحتى الحقوق العالمية والأحكام السياسية العالمية – يعد تهديداً موجهاً إلى الدولة. ولا يزال الخوف والتشكيك بالديمقراطية موجوداً ضمنياً، تحسباً من إضعافها أو هدِّها للدولة. وحتى لعبة الديمقراطية المكونة من حزبين أوليغارشيين والمُعمَل بها منذ 1945، فقد طُبقت في ظل تبعية مطلقة. فالديمقراطية تعتبر فخاً منصوباً أمام الدولة. لذا لا تنقص المراقبة المشددة عليها بتاتاً.
تفرض وجهة النظر الاجتماعية المتمحورة حول الدولة وجودها في كل مؤسسة. ويُعتَقَد يقيناً بأن كل سبيل للعلياء والتقدم يمر من الدولة، وخاصة من الميدان العسكري فيها. أما التواجد في مؤسسات الدولة فأمر يبعث على الفخر من جهة، وسبيل للتمتع بمعيشة آمنة من جهة ثانية. وجلي تماماً مدى استحالة أن يكون هكذا مجتمع (متمحور حول الدولة لهذه الدرجة) واثقاً من نفسه أو قادراً على الإبداع. إن المجتمع الذي – كأنه – نسي نفسه وأنكر كل فضيلة لذاته في سبيل الدولة، من الطبيعي أن يعجز عن تطوير منظمات المجتمع المدني أو المؤسسات الحقوقية أو السياسية الخلاقة أو امتلاك القوة الاقتصادية. وتتجلى أسوأ آثار هذه النظرة إلى الدولة وأفدحها لدى الأتراك في فترات الأزمات الخانقة. فمرور الدولة بأزمة يعني الفاجعة أو دنو لحظة الموت أو الحياة، وذلك لغياب أية قوة حل أخرى. بيد أن عدم عقد الآمال على الدولة في كل شيء، بل الإبقاء على الدولة في وضعية لا تكون فيها عبئاً يُثقل الكاهل، يعد أحد أهم معايير التمدن والعصرنة بالنسبة للدولة والمجتمع على السواء. وقد استطاعت أوروبا إعادة ترتيب مفهومها بشأن الدولة ضمن هذا الإطار، لتبلغ أقصى درجات العطاء والإثمار.
أما مشكلة الدولة والأحزاب السياسية التي تتطلب دراسة مستقلة بذاتها، فهي في وضع أكثر سوءً وفداحة. فكل الأحزاب بلا استثناء تتخذ الهدف إلى الدولة أساساً لها، سواء موضوعياً أو عن معرفة. وأحزاب معنية بالمجتمع كهذه، إنما تفقد منزلتها منذ البداية بإيلائها الأولوية للدولة. وبينما يتطلب من الأحزاب تكفلها بتحقيق التوازن بين متطلبات المجتمع والدولة كمهمة أولية في مؤسساتها، واتخاذ المجتمع أساساً لذاتها على الدوام، وتوعيتها وتنظيمها إياه؛ نجدها دائماً إما تنتظر حدوث الثورة على يد الدولة، أو تبحث عن دعم سياسي منها، أو بالأغلب تنظر إليها كباب للسمسرة. هذا الموقف يضفي على الأحزاب طابعاً لا ديمقراطياً منذ بدايتها، رغم أنها تعتبر مؤسسات لا غنى عنها لترسيخ الديمقراطية. بل وحتى يبلغ بالأحزاب إلى حالة تصبح فيها دولةَ الظلِّ الثانية. وكأنه لا يكفي وجود دولة واحدة، فيغدو كل حزب بحد ذاته نموذجاً للدولة، ليضع ذاته مكان رجل الدولة. وبالتالي فكل حزب يعتمد في قوته وقوت جواره على الدولة مما يُثقل كاهل الأخيرة ويزيد من الأضرار اللاحقة بها. ما من دولة شهدت تقاليد (أحزاب الدولة) بقوة مثلما هي الحال في تركيا. وحتى لو وُجِد فلن تكون متفشية فيها ومتشبثة بها لهذا الحد. إن وضع الدولة في مركز كل القيم يؤدي إلى افتقاد الأحزاب القدرة على إنتاج السياسة اللازمة، وصياغة السياسة الاقتصادية، وتطوير وتعزيز الديمقراطية، ومنح المجتمع وسائل وسبل الحل بقدر الدولة على الأقل. من هنا تفقد الأحزاب فاعليتها بالنسبة للدولة والمجتمع على السواء. ولأن الشعب مدرك ومتيقظ لهذه الأمور، فهو يدفن كل حزب يهدف إلى إنقاذ الدولة في صناديق الإقتراع ليبرهن على عدم ضرورته وجدواه.
لقد غدت الأحزاب وسائل للأزمات بدلاً من حلها. ونخص بالذكر هنا تبعية الأحزاب المفرطة، والتي كانت العامل الأساسي في عدم تطور الديمقراطية وفق المعايير العصرية بعد الحرب العالمية الثانية، ومهدت السبيل لغياب الثقافة الديمقراطية في المجتمع، وعقد الآمال على الدولة في كل شاردة وواردة. هذا علاوة على تسببها أساساً في التدهور الاقتصادي وأزماته، وفي العقم السياسي الذي يعانيه CHP الحزب المؤسِّس للجمهورية اليوم، وقصوره عن تطوير المعارضة. حيث يعود هذا الأمر إلى دفاعه الطوعي عن سياسات الدولة كاملة في مواجهة الحركات اليسارية الثورية ومن ثم PKK لاحقاً على وجه التخصيص. فعوضاً عن إيجاد السياسات المعنية بحل القضايا العالقة، فضلوا أن يكونوا جناحاً تحريضياً دعائياً باسم الدولة، ليقعوا هم والدولة في طريق مسدود وتتعاظم المشاكل أمامهم كالجبل.
تبرز آثار مثل هذا النمط من الآلية وطراز التشكل للدولة في تركيا بأسطع أشكالها في الظاهرة الكردية وقضيتها التي تتصدر المظاهر الأكثر سرية وعلنية فيما يتعلق بفهم الدولة. فالدولة تعتبر القضية الكردية مسألة أمنية بحتة بدءاً من زرعها الفروقات بشأنها وحتى نظرتها إلى المشلكة بذاتها. ويتبدى موقفها في: إما نفي وجود الكرد أو اعتبار أي مطلب بسيط لهم في الحرية تهديداً مروعاً يحتم سحق الرؤوس.
يتوارى وراء موقف الدولة هذا عقم الأيديولوجية القومية. فلو أنها لم تُصَب بعدوى النزعة القومية كوباء متفشٍ فيها، لما نظرت إلى الظاهرة الكردية في هذا الاتجاه. فكما وجدنا في سياق التاريخ، فإن الجنوح إلى الاتحاد القريب الوطيد هو الأرجح. فالكرد أيضاً يتمتعون بنظرة تفيد باعتبار الدولة أداة مشتركة في مواجهة المخاطر الخارجية، وإن لم يكن ذلك بالنسبة التي تميز بها الأتراك. وقد رأينا هذا الأمر في سنوات تأسيس الجمهورية والعهد العثماني أيضاً. فمفهوم (تاريخ واحد، لغة واحدة، وطن واحد ودولة واحدة) المرتكز على النزعة القومية، إلى جانب تأثير التمردات الحاصلة؛ مهد السبيل ليأخذ الكرد نصيبهم الوافر من سياسة الصهر الإرغامي، وجعلهم على هامش التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للنظام. وتتبدى بعد ذلك النظرة إلى الكرد على أنهم مصدر خطر فادح من كل الزوايا. فأفضل كردي هو كردي ميت. وحتى الحل الذي يكون في صالح الأتراك على الإطلاق(100%) لا يمكن أن ينجو من الإصابة بمفهوم التهديد هذا. وهكذا يُمْهَر أي تحرك أو تململ ولو صغير للكرد، أو أي مطلب سياسي واجتماعي بسيط لهم، بمُهر (الانفصالية). جلي أن هذا التقرب خاوٍ تماماً من أية نظرة علمية أو عصرية أو حتى نظرة تمت بصلة إلى العصور الوسطى، وهو ليس إلا وجهة نظر قومية تعتبر أي اختلاف أو تنوع بسيط إما تهديداً محدقاً أو محفزاً للقضم والبلع. لذا لا يتم التفكير سوى - فقط وفقط – في مكافحته بكل الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأجمعت الدولة بجناحيها اليميني واليساري والمجتمع أيضاً على السواء على هذه السياسة كهدف مقدس يتحتم بلوغه في عهد الحركة التحررية الكردية بريادة PKK، حيث مُهِرَت أبسط انطلاقات الطرف المقابل ومطاليبه الديمقراطية البحتة بختم (الانفصالية) باسم الوحدة والتكامل الوطنيين. وأضيف إلى ذلك أيضاً سياسة (مكافحة الإرهاب). حيث صرفت الدولة كل طاقاتها وإمكاناتها وكل شيء في سياساتها الخارجية في سبيل إعلان PKK كـ(منظمة إرهابية) في الربع الأخير من القرن العشرين. والحصيلة كانت الفوضى المتفشية والأزمات الخانقة بدءاً من أعوام التسعينات، وإعلان حالة الطوارىء الشاملة، وتسوية الحقوق بالأرض وانتهاكها، وإقحام الاقتصاد في مستنقع الديون. وغدت السياسة أداة لتسيير الإجراءات الأمنية فحسب. وبإدراج المرتزقة والطرائقية في جدول الأعمال أثيرت النعرات العشائرية والطرائقية لدى الكرد مجدداً. ودُعمت المجموعات الكردية القومية البدائية في الجنوب لتصل إلى نقطة تأسيس الدولة الكردية الفيدرالية. كما تمت ترقية الشيوخ النقشبنديين الكرد إلى جهاز الدولة، وسُلِّمت أهم مؤسسات الجمهورية إلى يد مناهضيها. لا يمكن نعت ذلك حتى بـ(نصر بيروس Pirus)، بل بإفلاس السياسة القومية العمياء. وتم الرجوع كَرّة أخرى إلى نقطة البداية مع طرح أمريكا مخططها في (مشروع الشرق الاوسط الكبير): إما أن تسيري مع الكردي، وإلا نوقفك عند حدك! إذ من غير الممكن إحراز أي تقدم بشكل آخر في الظروف المستجدة في العالم العصري.
وبدون أي تذرع، ففي حال عدم تطوير (إصلاح الجمهورية) في هذه النقطة، ناهيك عن إحراز التقدم، فلن يكون بالإمكان حتى الحفاظ على القاعدة أو البنية الحالية. وقد أشادت التجربة الحاصلة في السنتين الأخيرتين بهذه الحقيقة. فالدولة زعمت أنها تُحدث العديد من الإصلاحات، ولكن جميعها لم تتخلص من بقائها باطلة المفعول وغير مجدية لأنها – أي الدولة – لم تَدْنُ من الإصلاح إطلاقاً، ذلك أن المشكلة الأولية التي تسبب لهم الانسداد لا زالت عالقة. في الحقيقة، فحتى المجتمع الذي يقف على عتبة الانفتاحات الكبرى – وبسبب القضية الكردية – عاجز الآن عن النفاذ من الضائقة المحصور فيها، مما يضطر للارتكاز إلى اليمين دوماً فاقداً قدرته على تحقيق التحول التاريخي. علاوة على أن الأحزاب الهادفة إلى الدولة - وبسبب القضية عينها – تواجه التصفية والزوال على الدوام وتتحول إلى عائق مزروع في طريق الدمقرطة الحقيقية عوضاً عن أن تكون وسائل ديمقراطية. وغاب عن الأذهان ضرورة عدم الإبقاء على التزمت اليميني كقدر مكتوب على ثورية الجمهورية. لذا يعاني الجميع من مخاطر تحويل السياسة التي اتبعها مصطفى كمال أتاتورك في زمانه لأسباب لها دوافعها، إلى سياسة محرمة ومحصنة لا يمكن مسها، مما ينم ذلك عن خسائر فادحة. ووصلت نقمة المجتمع برمته أوجها حصيلة انعدام السياسة وغياب القيادة الحقة له. من الساطع كلياً أنه إذا كانت هناك رغبة حقة في الدمقرطة الحقيقية، وفي إضفاء المعاني اللازمة على إحداث الإصلاحات في الدولة والتغييرات في المجتمع كخطوة مصيرية تاريخية؛ فلا بد حينها من إدراك أن السبيل إلى ذلك يمر من حرية الكرد كأعضاء أصليين في الجمهورية.
يشير التاريخ مرة أخرى إلى الحاجة الماسة لانطلاقة جديدة تعتمد على الوحدة التركية – الكردية الحرة بما يليق بالعهود الاستراتيجية الماضية. فالنموذج الأكثر واقعية في تجاوز حالة الفوضى المتفشية في الشرق الاوسط، يعتمد على الاتحاد التركي – الكردي الحر. فالحلول التي قد تجيء بها الائتلافات العالمية بريادة أمريكا، تتضمن احتمالاً كبيراً لتسببها بمشاكل جديدة بحد ذاتها. أما وضع العرب فأقرب إلى إنتاج اللاحل منه إلى الحل. فالأوضاع السياسية والاقتصادية القائمة لا تثمر سوى عن تعزيز التناقضات. ولا يمكن عقد الآمال كثيراً على اجتياز السياسات المنصبة في المشكلة الإسرائيلية في القريب العاجل. أما إيران فهي في نزاع مع النظام العالمي المهيمن. وتفاقم المشاكل أكثر مع إيران احتمال كبير النسبة.
ولا يبقى في الساحة سوى تركيا. فإذا لم تخرج تركيا بنتائج إيجابية من علاقاتها وَصِلاتها الكردية فلن تنجو حينها من مواجهة الأزمات المتعاقبة بكثرة. وحصيلة ذلك ستكون تعزيز السياسة الأمريكية المعتمدة على الكرد. وهذا بدوره لن يتوانى عن خلق نماذج أخرى من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. والتاريخ برمته بما فيه التاريخ القريب والحاضر، يشير إلى أن أقرب خيار لتحقيق التحولات الديمقراطية في المنطقة، يستلزم بالضرورة تأسيس نظام جديد للعلاقات الكردية – التركية، بحيث يكون مؤهلاً لإيجاد الحلول الديمقراطية للقضية الكردية. وإذا ما أمعنا النظر في خيار الحل هذا بعين سوسيولوجية علمية، سنجد أنه – ناهيك عن أن يشكل خطراً يهدد وحدة الدولة – يقدم مساهمات متواصلة لتوطيد التكامل الوطني الواقعي في تركيا. من هنا يتم الإجماع على أن (إصلاح الجمهورية) القادر على إنقاذ الدولة من التنظيم والمغالاة الجوفاء وتحجيمها ضمن إطار (الساحة الدَّوْلية والأمن العام)، وكذلك (التحديث المجتمعي) المرتكز إلى حرية الجنسية الاجتماعية وإلى مفهوم السياسة والمجتمع الديمقراطي الذي يحتضن المجتمع الأيكولوجي أيضاً؛ يعدان شرطان جدليان (argüman) لا غنى عنهما، وذلك انطلاقاً من مفهوم تركيا البعيدة عن النزاعات القومية والشوفينية والناظرة إلى التنوعات على أنها غنى وثراء. وبحدوث هذا التعقلن (التحول الذهني) بموجب تلك الساحات الثلاثة الأساسية، سيزداد احتمال تمخض الإصلاح السياسي والتغيير المجتمعي في الشرق الأوسط عن إيجاد أسلم مخرج للنفاذ من الفوضى السائدة، وأكثر الحلول أخلاقية.
خلاصة، ستسعى ثلاثة تيارات وثلاثة طرق لترسيخ نفسها في خضم الصراع الدائر بين الأطراف المعنية بعلاقاتها وتناقضاتها، أثناء مرحلة الإصلاحات والتحولات المعتمِدة على القضية الكردية المنتصبة أمام جمهورية تركيا ومجتمعها. إن الصراع والكفاح العقلي والأخلاقي والسياسي (التعليمي، التنظيمي، العملياتي) الدائر بين الأطراف المعنية، هو الذي سيحدد الطريق أو التيار الريادي الظافر أو الراسخ.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاني ...
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- تحرير الجنسوية الاجتماعية
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية ، الكردي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردي ...


المزيد.....




- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...
- مؤسسات الأسرى: إسرائيل تواصل التصعيد من عمليات الاعتقال وملا ...
- الفيتو الأمريكي.. ورقة إسرائيل ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحد ...
- -فيتو-أمريكي ضد الطلب الفلسطيني للحصول على عضوية كاملة بالأم ...
- فيتو أمريكي يفشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأ ...
- فشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ...
- فيتو أمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
- الرئاسة الفلسطينية تدين استخدام واشنطن -الفيتو- لمنع حصول فل ...
- فيتو أميركي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي واعادة البناء ج- قضايا اعادة البناء في ب ك ك 3- الاصلاح والتغيير الاجتماعي في الجمهورية التركية