أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي واعادة البناء أ - مخطط تقييمي لموجز تاريخ ب ك ك: 1- حملة التحول الى ب ك ك الاولى















المزيد.....


الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي واعادة البناء أ - مخطط تقييمي لموجز تاريخ ب ك ك: 1- حملة التحول الى ب ك ك الاولى


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1127 - 2005 / 3 / 4 - 10:24
المحور: القضية الكردية
    


الفصل الخامس
حركة PKK، النقد والنقد الذاتي وإعادة البناء

أ?- مخطط تقييمي لموجز تاريخ PKK:

1ً- حملة التحول إلى PKK الأولى:

تعد الحاجة إلى تقييم شامل وتقديم النقد والنقد الذاتي وإعادة البناء مجدداً مسألة مصيرية ومهمة يتوجب القيام بها في الذكرى السنوية الواحدة والثلاثين لتأسيس PKK.
بدأنا نشاطنا بمجموعة مؤلفة من ستة أشخاص في نيسان عام 1973، عند أطراف بلدة "سد جوبوك Çubuk Barajı" في أنقرة، عندما أفشينا لبعضنا لأول مرة ضرورة تحركنا كمجموعة كردستانية مستقلة بذاتها لا يمكن حتى نعتها بالهواة، باعتبار أن كردستان مستعمَرة كلاسيكية. واعتقدنا بصحة ذلك لنتحرك وفقها كمجموعة. ويمكن النظر إليها كبداية لتحويل الحقائق المتفرقة التي بحنا بها لبعض سابقاً إلى طراز لبناء المجتمع، بحيث يتسم بخاصيته في التوجه بنا نحو تنظيم الذات. وتعد الفترة الممتدة بين أعوام 74- 75- 1976 مرحلة لتطوير المجموعة تحت ظل (جمعية التعليم العالي الديمقراطي في أنقرة ADYÖD). أما الجولة التي قمتُ بها في شهر آذار من عام 1977 من أنقرة إلى كردستان، حيث عرجت على آغري، دوغوبيازيد، قارس- ديغور، ديرسم، بينغول، ألازغ، ديار بكر، أورفا وعينتاب، والاجتماعات التي عقدتها فيها؛ فكانت تعني نقل المجموعة إلى الوطن. ومن ثم كانت العودة ثانية إلى أنقرة، وإستشهاد الرفيق حقي قرار في عينتاب بعد ثلاثة أيام فقط على انعقاد الاجتماع، والتي تركت فينا أثراً بليغاً من الصدمة. وكان الرد عليها بأن خطونا خطوتنا نحو التحزب، حيث أعددتُ مخطط المنهاج في عينتاب في نهاية العام ذاته. ومع حلول خريف 1978 اتجهنا صوب ديار بكر، مركز كردستان المبتلى بالخيانة الكبرى، بعد أن ابتُليتُ بزواج مغرق بالخيانة الباطنة. وفي 27 تشرين الثاني من نفس العام اجتمعنا في قرية (فيس) لتعاهد مجموعتنا المؤلفة من اثنين وعشرين شخصاً من الهواة على بناء الحزب. وعندما أجمعنا على استحالة العيش والبقاء في المدن باسم الحزب تولدت الحاجة إلى اللجوء إلى الجبال والإستفادة من منطقة الشرق الأوسط. وبالتالي هاجرنا في الأول من تموز عام 1979 من أورفا إلى سوريا، ومنها اتجهنا نبحث عن الحرية في بلاد كنعان القديمة، وكأننا جدَّدنا بذلك هجرة سيدنا إبراهيم ثانية.
وهنا يستلزم النظر عن كثب في المرحلة المقاربة لعشرة سنين حتى حين قفزة 15 آب المجيدة في 1984، وإدراك الوسط الأيديولوجي والسياسي الذي هيمن عليها.
تعتبر أعوام السبعينيات بداية ظهور انكسار وانحدار هامين في تاريخ النظام الرأسمالي. فقد لملم هذا النظام أشتاته بعد الحرب العالمية الثانية، واستحوذت الولايات المتحدة الأمريكية بريادته، بينما نجحت أوروبا في الوقوف على رجليها والثبات ثانية، وولدت اليابان كدولة عملاقة في الشرق الأقصى. وبينما وصل نظام الاشتراكية المشيدة ذروته كانت الحركات التحررية الوطنية في أوج ازدهارها. وفي هذه النقطة بالذات كانت الحركات الشبيبية تبتدئ بثورة ذهنية جديدة في عام 1968.
قد يدهش المرء لولوج نظام تاريخي واجتماعي يعيش أوجه كهذا في مرحلة من الفوضى المتفشية. ولكن إذا ما استحضرنا ببالنا أن الخطوة التالية للقمة هي بداية السقوط، فسنقبل حينئذ بالرأي الأولي القائل بولادة مرحلة فوضى حقيقية ستعمم تأثيرها بسرعة. وإذا ما ألقينا نظرة إلى الوراء اليوم، فسنجد أن المؤثر الأساسي الدافع لذلك يكمن في عجز حركات التحرر الوطنية والديمقراطية الاجتماعية والاشتراكية المشيدة الهادفة إلى إقامة دولة عن تحقيق وعودها للشعوب رغم وصولها إلى أهدافها واستمرارها أكثر من قرن ونصف. ومرة أخرى برز التساؤل المحيِّر: هل المسيحية هي التي فتحت إمبراطورية روما، أم العكس؟ لربما كان كلاهما ينطوي على بعض من الصحة. ذلك لأنه عندما تهجنت المسيحية بثقافة الإمبراطورية في تركيبة جديدة، أفرزت إقطاعية الشرق الأوسط بحيث يمكن القول أنه تم الوصول بذلك إلى نظام اجتماعي مختلف، وإن لم يكن متكافئاً أو سلمياً، لأنه فقدَ نسبة كبرى من الحرية والمساواة في جوهره.
أي أن التيارات الاشتراكية، والديمقراطية الاجتماعية، والتحررية الوطنية المتولدة في فترة ما نسميه بالطَّوْر الوحشي للنظام الرأسمالي، كانت مرتبطة بهذا النظام حيث أنها انبثقت منه. بالطبع ليس من المنطقي الادعاء بأنها أعدت نفسها كتيارات احتياطية للنظام بالمعنى الكلي للكلمة، ولكننا نستطيع اليوم القول بكل راحة أن تلك التيارات لم تُعنَ بمشاكل من قبيل تجاوز طراز حياة ذلك النظام أو اختراق عقليته. وحتى إن تطرقّتْ لذلك فقد انحصرت في المجال النظري فحسب. أما الأيديولوجيات المناشدة إلى الحرية والمساواة فترجع أصولها إلى خارج نطاق المجتمع الطبقي والهرمي، حيث تتولد من الحنين إلى المواقف المشاعية والديمقراطية. إلا أننا على دراية بالعديد من الأمثلة التاريخية المشيرة إلى إصابة هذه الأيديولوجيات بالاضمحلال والانحلال على يد المجتمع الطبقي والهرمي إلى أن فقدت مضامينها، إما بالعنف أو مقابل تنازلات معينة. وإذا ما وضعنا نصب أعيننا انهيار بلدان الاشتراكية المشيدة، والأزمة التي وقعت فيها الدول بعد تحررها الوطني، وتشابه الحكومات الديمقراطية الاجتماعية بالمحافظين المتزمتين دون بقاء فوارق جدية بينهما؛ سنلاحظ ونقول بارتياح أكبر أن هذه التيارات لم تذهب أبعد من كونها مجرد مذاهب لذاك النظام. أما أزمة السبعينات فهي على صلة وثيقة بإدراك النظام الحاكم ويقينه لانعدام إمكانية استفادته بالقدر الكافي من تلك المذاهب الاحتياطية بعد ذلك. وتعد حركة الشبيبة الناشئة في عام 1968 بمضمونها تعبيراً عن هذه الحقيقة. حيث لم تنُمّْ تلك التيارات عن النتائج المرجوة، بل بقيت قاصرة عن الإيفاء بوعودها رغم وصول ثلاثتها إلى السلطة، وتمخضت عن ولادة طبقة رأسمالية جديدة وبيروقراطية أخرى كانت أكثر تخلفاً ورجعية من الرأسمالية الكلاسيكية في أغلب أبعادها. أما الأزمات والحريات المسلوبة واللامساواة المتفشية والمنبثقة عن تلك التيارات، فولَّدت حالة من افتقاد وتمنٍ للنظام الذي انتقدوه سابقاً.
شكلت هذه الحقيقة خطراً بالغاً إزاء مشروعية الدولة الرأسمالية. حيث افتقدت تلك التيارات للمهارات والكفاءات المطلوبة للتأثير على الجماهير. وانحازت المعارضات الشعبية إلى التيارات غير الهادفة إلى الدولة. وثورية عام 1968 مهدت السبيل لذلك رغم نواقصها المتعددة. وتطورت أساليب جديدة مناهضة للدولة على نطاق واسع، بدءاً من اليسار الجديد وحتى الحركات الفامينية والأيكولوجية والتيارات الثقافية المحلية. وهذا هو العامل الأساسي في دخول النظام مرحلةَ الفوضى. من جانب آخر كانت مشاكل البيئة المتفاقمة، ارتفاع الأجور نتيجة سياسة التنازلات المتبعة، وقلة الطلب بسبب تفشي الفقر المدقع؛ تمهد الطريق لزيادة العرض وتراكم المال. وتفاقمت تناقضات النظام الداخلية ضمن نطاق أمريكا – الاتحاد الأوروبي – اليابان. ونُظِرَ إلى الليبرالية الحديثة (neoliberalizm) على أنها مخرج من أزمة الفوضى هذه فيما بعد الثمانينات. أما انهيار السوفييتات في التسعينات فلم يكن بادرة تفوُّق أو نجاح للنظام، بل عاملاً مؤثراً في زيادة أزماته. وأُدرِجَتْ (حملة العولمة) الجديدة لليبرالية الحديثة في جدول الأعمال ضمن هذه الأجواء. وعُمِلَ على إنتاج براديغمائيات مزيفة وسط القصف المريع لوسائل الإعلام الاحتكارية. وتسارعت التكوينات والتنميقات النظرية بغرض تحديد الهدف الجديد لصالح النظام. وكان الرأي الشائع والرائج هو (صراع الحضارات) بدلاً من الشيوعية. وتنامى التباين والتباعد أكثر فأكثر بين الأنظمة القائمة في المساحة المسماة بالعالم الإسلامي من جهة، ومصالح النظام الرأسمالي من جهة أخرى.
بينما شهد العالم مثل هذه المستجدات الكبرى في بدايات السبعينات، كانت الحركة الكردية المرتبطة باليسار والقضية الكردية الوطنية في تركيا، لم تتجاوز بعد النزعة اليسارية والقومية الكلاسيكية. أي أنها كانت متخلفة عن ركب العالم بمسافة ملحوظة. فبينما كان اليسار التركي يقتات من التيار الشيوعي الناشئ في السوفييت والصين والأرناؤوط وأوروبا، كان اليسار الكردي – الذي هو عبارة عن حركة مثقفين سقيمين وواهني القوى – يعاني تشوشاً واختلاطاً فكرياً بيِّناً بين النزعتين القومية الكردية البدائية واليسارية التركية. وفي هذه الأثناء صببتُ جُلَّ اهتمامي شخصياً على كلتا النزعتين وجهدتُ لأكون متعاطفاً حسناً. ومع تعاطفي الأبرز لـ(الحزب الشيوعي الشعبي التركي – الجبهة THKP-C) المنبثق عن حركة الشبيبة الثورية (Dev-genç)، كان اهتمامي متواصلاً بتقربات (حزب القرويين والعمال التركي الانقلابي TİİKP) الأكثر شمولية من القضية الكردية. فالشعار الذي نطق به (دنيز كزميش) رئيس (جيش تحرير شعب تركيا THKO) وهو على منصة الإعدام منادياً بالأخوة الكردية – التركية الحرة، كانت برقية يتحتم الالتزام بها والامتثال لها على الدوام. إضافة إلى أنني أصبحت عضواً في (المركز الثقافي لجمعيات الشرق DDKO) شعبة استنبول في عام 1970. وفي إعصار انقلاب 12 آذار كان خروجي على القانون أمراً وارداً في كل لحظة ضمن أجواء التنظيم المختلطة والمعقدة هذه. بيد أنني – وبعد اعتقالي في الاحتجاج الذي قمنا به أمام كلية العلوم السياسية إثر استشهاد ماهر جايان في آذار عام 1979، وإطلاق سراحي بعد سبعة أشهر لنقص الشهود والأدلة – شهدتُ بأم عيني مدى قصور وعجز تلك التنظيمات التي ارتجيتها، وخلصتُ إلى القناعة بضرورة إنشاء تنظيم جديد كخطوة أصح.
وعزمنا في ربيع 1973 على تأسيس تنظيم مستقل في أنقرة. واتسم قرارنا هذا بأهمية قصوى من حيث المضمون بغض النظر عن الإمكانيات المتوفرة آنذاك. إذ لم نقبل بالنزعة القومية الكردية البدائية ولا بالنزعة اليسارية القومية التركية المشحونة بالشوفينية الاجتماعية، بل ارتأينا الانطلاق كـ(ثوار كردستان) والانفراد بتفسيرات وشروح خاصة بنا بصدد التاريخ والحاضر. وكان هذا الأنسب لنا، حيث مثَّل تغييراً منهجياً برزت أهميته واتضحت أكثر مع مرور الأيام. فعدم الانحلال أيديولوجياً ضمن التيارات الوطنية الحاكمة المتسلطة، بل التمسك بزمام المبادرة سياسياً، كان يُكسِبنا هوية حرة. وأنا مؤمن بصحة هذا الخيار لأنه كان يحتوي في مضمونه خصائص ستُكسِب الكردَ، وبالتالي الشعوب الأخرى قياساً بمساهماتها، الوعيَ وتنوره في مسألة كيف يصبح شعباً حراً. فالعمل على اكتساب هوية شعب حر دون الانجرار وراء النزعة القومية الوطنية للساحق أو المسحوق، كان الضمان الأنسب توقيتاً ومكاناً تجاه انحرافات الاشتراكية المشيدة والتيارات التحررية الوطنية والديمقراطية الاجتماعية التي أضحت مجرد مذاهب للرأسمالية على الصعيد العالمي. فقد اتسم هذا الضمان بخاصية تخوِّله ليكون السبيل للوصول إلى السياسة الديمقراطية بقدر ما تؤهله لإحراز تقدم ذهني سليم. فالتركيز المتطرف على التحرر الوطني قد يؤدي إلى الانحراف. والعامل المؤثر في ذلك هو التداول الدوغمائي لمبدأ (حق الشعوب في تقرير مصيرها). فشعار (دولة لكل شعب) كان يُفهَم على أنه التفسير الأولي والوحيد الصحيح لذاك المبدأ. هذا الوضع الناجم عن مفهوم السلطة أيضاً في الاشتراكية المشيدة أعاق خلاقية النهج وعرقلها. ولكن إعلان PKK في عام 1978 وضع حداً لتفاقم هذا الانحراف، حيث توطد النهج الحساس تجاه حرية الشعب بدلاً من الوقوع في حالة مصغرة عن الحركة التحررية الوطنية في أفريقيا. وقد تماشت هذه المستجدات – وإن لم تكن بوعي تام – مع التحولات اليسارية الجارية في العالم، وتضمنت بالتالي فرصة تُخوِّلها لتكون نهجاً ذا مستقبل واعد.
ورغم سطحية هذا النهج وعدم وضوحه، إلا أن قابليته للتطور على الصعيد الأيديولوجي كانت تصونه من الوقوع في الانحرافات الكبيرة أو الدائمة. أما إصرارنا على تسمية الاشتراكية التي نمثلها باسم (الاشتراكية العلمية) فيسلط الضوء على مدى اهتمامنا بعلم الاجتماع. وبُذِلتْ الجهود لاتخاذ التدابير اللازمة تجاه مرض نقصان الرؤية للحقيقة التي قد تنجم عن التصلب الأيديولوجي. إلا أن الأزمات الخانقة التي كان يعانيها علم الاجتماع بذاته كانت برهاناً قاطعاً على أهمية نهجنا الغض الذي بدأ يهتم للتو بالمشاكل الثقافية والأيكولوجية وبقضية المرأة. فالنهج كان يحافظ على حيوية وأولوية آماله وتطلعاته في الحرية والمساواة، مع صون نفسه من التعقيدات المنتشرة في علم الاجتماع. أو على الأقل حدَّ هذا النهج من نطاق التخريبات المفرزة عن الأزمة التي يعانيها كل من الاشتراكية وعلم الاجتماع. فالمناهج اليسارية الأخرى في تركيا لم تنجُ من الانحلال والاضمحلال بسبب افتقارها لهذه الكفاءة، وبسبب تذبذبها بين السمات الدوغمائية وبين النزعة الليبرالية الفردية الجوفاء. وبتحولها إلى بؤر مصغرة للمذهبية فقدت فرصتها في التسيُّس منذ بدايتها. أما المجموعات الصغرى المسماة باليسار الكردي فقد مرت بذات المرحلة، ولكن على نحو أكثر تهميشاً.
ثمة روابط وثيقة بين قابلية نهج PKK للتسيُّس وبين خاصياته الأيديولوجية. وإمكانية تغلغله السريع بين صفوف الشعب الذي كان سيشكل فيما بعد قاعدته الجماهيرية، إنما تشكل البرهان القاطع على هذه الحقيقة. إذ لو أنه أصيب بعدوى الوطنية الضيقة أو المفاهيم الطبقية المحدودة، لما استطاع الخلاص من عاقبة الانحلال والاضمحلال مثلما جرى في الأمثلة الأخرى. من المعلوم أنه مر بمرحلة تسيُّس غائرة الأعماق، يتحتم ربطها بتقرباته من (المشكلة الكادرية) لديه. فالكادر بحد ذاته كان يشكل عقبة أمامه نتيجة التكوينة القائمة لديه. وبدون تحليل وحل المشكلة الكادرية – التي أضحت في المراحل اللاحقة أحد أهم الدوافع المؤدية إلى انهيار الاشتراكية المشيدة – لن تنجو جميع الشروحات السياسية والأشكال التنظيمية من فقدان فاعليتها. وبقدر صواب النهج السياسي فإن النموذج التنظيمي لـPKK كان قابلاً للتقدم. ويمكن الدفاع عن صحة الدفاع المسلح المشروع بهدف الدفاع عن الذات وفقاً لتلك المرحلة. إلا أن غياب الكادر الذي يسعى إلى ذلك فتح الطريق لحصول انكسارات وتصدعات دائمة في النهج. كما وبُذِلتْ المحاولات لاجتياز المشاكل التي أسميناها بالأزمة التنظيمية. أما إحراز بعض التقدم المحدود فيرجع في أصله إلى جماهيرية الحركة. في حين أن تحقيق التطورات الأكبر والأعظم في النهج كان يتطلب الاحترافية والامتهان.
الموضوع الأهم الواجب تسليط الضوء عليه في نهج PKK السياسي، هو تضمنه مفهوم دولة مستقلة أو عدمه. فرغم التطرق الكثير لشعار (كردستان مستقلة) واستخدامه، إلا أنه من الصعب القول بأنه يعني إقامة دولة مستقلة. وباعتباري أكثر المعنيين بالموضوع والمهتمين به عن كثب لا يمكنني الزعم بأننا فكرنا ملياً أو ناقشنا بعمق مصطلحَ الدولة عامة أو دولة كردستان على وجه التخصيص. ورغم ميولي لهذا الشعار كخيال أو يوتوبيا إلا أن طرحه على أرض الواقع لم يكن يجذبني كثيراً. وأعتقد أن لذلك علاقة بعدم جزمي لمدى قيمة الحل في هذا المصطلح، أكثر من كونه مسألة رغبة فيه أو عدمها. إذ لم يكن محسوماً لدي أن بناء دولة يعني الحل. والكل يدرك أن هذه القضية تعد موضوع جدل على الصعيد النظري أيضاً. وكان السؤال (الاشتراكية الديمقراطية أم ديكتاتورية البروليتاريا؟) يشوش العقول والأفكار على الدوام. كما وكان الرأي القائل بعدم إيجاد الحلول لمشاكل الكادحين والشعوب رغم بناء دولتهم، ذا تأثير بيِّن على نطاق العالم. كل هذه الأمور، وبقدر ما كانت تضفي جاذبية على التعمق في مفهوم الدولة المستقلة، كانت تُشعِرني بأنه سيفرز مشاكل لا يطاق تحملها. عدا عن ذلك، فبقدر الصعوبات التي ستتمخض عن بناء دولة كردية ضمن شروط تركيا والشرق الأوسط، فالمشاكل الجديدة التي ستنُمُّ عنها تجعل المسألة أكثر حساسية. وفي الخلاصة تم ترجيح مصطلح (كردستان) كوطن أم – وإن لم أجزم تماماً وضعيته – بدلاً من الدولة. ويمكن تفهم وإدراك غياب ترجيح الدولة من خلال المقولة التي اتخذناها شعارنا الأساسي: (كردستان مستقلة وديمقراطية واشتراكية). وكان بمقدورنا التخمين بأن المصطلح الثوري الأكثر اعتدالاً وواقعية يمكن صياغته على نحو (كردستان حرة). وسيكون ترجمة مصطلح (ثوار كردستان) على النحو (الموالون لكردستان) أقرب إلى الصواب. كانت ستبرز أهمية هذه المشكلة لاحقاً، وخاصة في بداية التسعينات. حيث إن إعلان (المناطق الحرة) البارزة في مقاومة PKK حينها، وكذلك إعلان (دولة كردستان الفيدرالية)، كان يحث على التوغل أكثر في موضوع سلطة الدولة.
عجز الأيديولوجية الاشتراكية أيضاً عن تحليل مسألة الدولة بشكل كلي شمولي كان يزيد الأمر غموضاً وتعكيراً. إلا أن فكرة (لكل وطن دولة) – حسب مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها – لها النصيب الأوفر في تعقيد المسألة أكثر. وعندما يقال بالدولة يدخل العنف والحرب ضمن الموضوع. والمشكلة الهامة الأخرى المرتبطة بهذا الموضوع هي مباحية الحرب عموماً لأهداف سياسية، لا بغرض الدفاع المشروع. إذ أُجمِعَ حينها على أنه بدون الحرب – وحتى الحرب الطويلة الأمد – لن تتحرر الأوطان. وإذا لم تتحرر الأوطان فمحال أن يتم التحرر الطبقي. وقُبِلَ بذلك كفكرة استراتيجية أولية. مسائل الحرب والسلطة هذه – والتي مهدت السبيل للانحرافات الكبرى في تاريخ النضال التحرري برمته – دخلت جدول أعمال PKK أيضاً تدريجياً.
إن تحامل الدولة علينا في هذه الفترة كان جزءاً من السياق العام لليسار والكردياتية. ولم يكن ثمة وضع يستوجب تقرباً آخر مختلفاً. وكان من المستحيل التفكير في بؤرة خاصة وطويلة الأمد للمقاومة والتصدي. فكل الدلائل كانت تشير إلى احتمال حدوث انقلاب عسكري. ومقابل ذلك كان ثمة موقفان يمكن سلوكهما: إما الخروج إلى الجبال، أو الانسحاب إلى خارج الوطن، إلى الشرق الأوسط. وفي الحقيقة فقد سلكنا الموقفين معاً. ففي أواخر 1979 توفرت كل الإمكانيات لتنسحب الحركة في الاتجاهين دون تكبد خسائر تذكر. وحصلت عمليات الانسحاب رويداً رويداً دون خسائر جدية، عدا سوء الطالع في البعض منها كاعتقال كل من مظلوم دوغان ومحمد خيري دورموش. كنا حينئذ قد أصبحنا حركة، وأعلنا الحزب، وأصبحنا في وضعية تخوِّلنا لنشره وصون وجوده على المدى الطويل. لذا كنا متمتعين برؤية مسبقة لأحداث انقلاب 12 أيلول العسكري 1980، فاتخذنا التدابير اللازمة قبل حدوثه. لم نكن نفكر بانسحاب طويل الأمد إلى خارج الوطن. بل كنا ننظر إلى تلقي عدة تدريبات كادرية عسكرية والقتال بأسلوب حرب الأنصار الطويلة الأمد إلى أن نحقق التحرر، على أنه (قانون الثورة). وكنا مؤمنين بأن كل شيء سيسير حسب ما هو مخطط له.
وبعد عام 1980 درَّبنا عدة مجموعات – مثلما كنا نرتأي مسبقاً – لتتجه بعدها إلى الوطن. وقمنا ببعض الأنشطة الجبهوية السياسية كتأسيس (جبهة المقاومة الموحدة ضد الفاشية). إلا أن عدم سير الأمور كما هو مراد لها تطلب القيام ببعض الأنشطة النظرية وتطويرها. لهذا الغرض، وابتداءاً من عام 1981، قمنا بتسجيل بعض الأحاديث وجمعها في كتب، بشأن مواضيع شتى من قبيل (مشكلة الشخصية في كردستان)، (حياة الحزب وخصائص المناضل الثوري)، (دور العنف في كردستان)، ومن ثم (حول التنظيم). هذا وعُقِدَ الكونفرانس الأول لـ PKK في 1981، والمؤتمر الثاني في 1982 سعياً منا للتوجه نحو الوطن بأسس أكثر متانة وبأهداف دائمة ومتوالية. وعملت الحرب الدائرة بين إسرائيل وفلسطين في 1982 على تسريع عجلة هذه الفترة.
في الحقيقة، ومع قيام الثورة الإيرانية وملاءمة الشروط الناجمة عنها في كل من شرقي وجنوبي كردستان، توضح أن التمركز وتسيير النشاطات هناك هو الأنسب لنا. لقد فكرنا بذلك أيضاً، حيث تواجد هناك الرفيق محمد قره سنغور الذي كان قد اكتسب الخبرة والكفاءة من مقاومة سيفرك سابقاً، وكان مؤهلاً للقيام بالمطلوب. إلا إن استشهاده في أيار عام 1983 ضحية صدقه وأمانته وكونه هاوياً كان سوء طالع لنا. وبهدف ملء الفراغ الحاصل عقدنا آمالنا على كل من دوران كالكان وعلي حيدر قايتان، اللذين بعثناهما إلى تلك الساحة في 1982، لكي يوجِّها مسار النهج من الجنوب ويوطِّداه. قبل ذلك أيضاً، وتحديداً في 1980، زوَّدنا كمال بير ومعصوم قورقماز بالإرشادات والتوجيهات العامة اللازمة ليتشبثوا بخط المقاومة الممتد من بوطان إلى ديرسم بريادتهما. إلا إن اعتقال كمال بير المؤلم وغير المتوقع في تموز 1980 شكل خسارة كبرى لنا. أما حال دوران كالكان الذي كنا نأمل منه القيام بحملة وانطلاقة حينها، فكانت تثير المخاوف لدينا – ولأول مرة – حول التلاعب بالنهج. وحسب ما أتذكر، كنت أقول: (لا يسود في الشرق الأوسط إلا التكرار وطلاء الحمار بلون آخر لبيعه مجدداً لصاحبه) أو شيئاً من هذا القبيل. فعدم حصول الانطلاقات المرتقبة آنذاك، وحدوث عملية إضرام فرهاد كورتاي النار ببدنه في سجن ديار بكر، واستشهاد كمال بير ومظلوم دوغان ومحمد خيري دورموش في عملية الإضراب عن الطعام حتى الموت؛ كل ذلك أثار الشكوك فينا وحوَّل روح المسؤولية لدينا إلى غضب جامح ونقمة لا تهمد. لهذا الغرض – ولأول مرة – انتقدنا الوضع بحدة في الاجتماع المنعقد في كانون الثاني من عام 1984 بحضور عدد محدود من الكوادر الحزبية، مع ذكرنا لبعض الشخصيات وانتقادنا إياها علناً وعلى رأسها اسم دوران وجميل.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية ، الكردي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردي ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...


المزيد.....




- الصحة العالمية تحذر من -حمام دم- ومن امتداد المجاعة لجنوب ال ...
- فرار 8 معتقلين من سجن في هايتي والشرطة تقتل 4 آخرين
- الآلاف يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة باتفاق رهائن مع حماس
- ميقاتي ينفي تلقي لبنان -رشوة أوروبية- لإبقاء اللاجئين السوري ...
- فيديو.. سمير فرج يُشكك في عدد الأسرى الإسرائيليين: حماس تخفي ...
- برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش -مجاعة شاملة-
- مديرة برنامج الأغذية العالمي: شمال غزة يواجه بالفعل مجاعة كا ...
- -جيروزاليم بوست-: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ...
- فعلها بحادثة مشابهة.. اعتقال مشتبه به دهس طفلة وهرب من مكان ...
- المياه ارتفعت لأسطح المنازل.. قتلى ومفقودون وآلاف النازحين ج ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي واعادة البناء أ - مخطط تقييمي لموجز تاريخ ب ك ك: 1- حملة التحول الى ب ك ك الاولى