أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية الكردية في فوضى الشرق الاوسط مدخل -2















المزيد.....

الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية الكردية في فوضى الشرق الاوسط مدخل -2


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1116 - 2005 / 2 / 21 - 10:34
المحور: القضية الكردية
    


أحرزت الزرادشتية تطوراً في الفترة ما بين 700 – 550ق.م، كثورة ذهنية كردية. تُعتَبَر الزرادشتية ثقافة ذات تأثير قوي على الحضارة الشرقية عن طريق البرسيين، وعلى الحضارة الغربية عن طريق الهيلينيين؛ باعتبارها تعاليم تعتمد على الزراعة، مفعمة بحب الحيوان، مرتكزة إلى المساواة بين الجنسين، وذات أخلاق حرة. لقد احتلت مكانها في المنطقة الوسطى الفاصلة بين الثقافتين الشرقية والغربية، فلعبت دوراً منبعياً ذا تأثير بليغ في تشكل كلتا الحضارتين، يماثل في درجته التأثير الموسوي والعيسوي عليهما، بأقل تقدير. وما الحضارة البرسية في حقيقتها سوى حضارة أسسها الميديون، واستمروا في مواصلتها بمشاركة العشائر البرسية، ليشكلوا بذلك الحضارة البرسية الميدية. تُلاحَظ هذه الحقيقة في تاريخ هيرودوت بما لا يشوبها شائبة. هذا وكانت المجموعة الإثنية الثانية المتشاطرة مع الإمبراطورية منذ بداياتها وحتى نهاياتها. يستمر الوضع ذاته في عهد الساسانيين أيضاً. وسيكون من الواقعي تقييم دور الكرد بالمرتبة الثانية في كافة الحضارات الإيرانية.
لم يشهد أسلاف الكرد التمايز الطبقي بعمق، رغم معايشتهم لنظام السلطة الأبوية بشكل وطيد في العصور الأولى. ينبع ضعف التمايز الطبقي ذاك، رغم رسوخ هرمياتهم، إلى مدى التأثير الوطيد للعشائر الرحّل القاطنة في أحضان الجبال بالأغلب. فالجماعات العشائرية والقَبَلية التي تسودها علاقات القرابة، لا تسمح بتاتاً بتطور العبودية داخل صفوفها. وبالأصل، فالعبودية بالأكثر هي ثمرة الحضارة المدينية.
تطغى الصبغة الملحمية على العناصر الفلكلورية في المجتمع الكردي. وبما أن الملاحم تتطرق إلى ذكر البطولات، لذا يرجح الاحتمال بأنها متبقية من العهد الهرمي. تَرجِع الألحان العذبة الملحمية لكل من ملاحم "مم وزين Mem ü Zin" و"ممه آلان Memê alan" و"درويش عبدي Derwêşê Avdi"، بملاحمها إلى الموسيقا السومرية. هذا ومن المحتمل أن تكون من صنع الأنساب الهورية في أعوام 4000ق.م، وأتت إلينا عن طريق السومريين. يتميز نظام الرقص والموسيقا الكردي بكونه الثقافة الأكثر زخماً والفن الأسمى في قيمته في منطقة الشرق الأوسط. يمكن مشاهدة الوجود الكردي التاريخي بالأرجح في أنظمة الرقص والموسيقا لديهم. وبالمقدور تدوين الملاحظات المشابهة عن طريق سلوكيات المرأة ومواقفها، نمط لباسها، ورِقّة حركاتها ورشاقتها. ترجع أصالة أنساب الكرد في منبعها إلى العصور الأولى. حيث لعبت الطبيعة القاسية للجبال الوعرة، والمقاومة المستمرة تجاه الغزوات والاستيلاءات المجحفة المتعاقبة؛ دوراً أولياً في تكوّن الماضي العريق لهذه الأصالة.
من المفهوم أيضاً أن العهد الهيليني طبع أثره على العبور إلى العصور الوسطى. هذا وتتسم مماليك "الأبغار" التي كانت "أورفا" مركزها، و"كوماغنا" التي جعلت من "أديمان ساموسات" مركزاً لها، و"بالميرا" في سوريا؛ بنفس الخصائص، وباحتضانها الأثر الهيليني القوي. أو بالأحرى، إنها تشكل أولى الأمثلة البرّاقة للتركيبة الشرقية – الغربية الجديدة في التاريخ. تمثل هذه الحضارات المستمرة حتى فتح روما (انهيار بالميرا الأخير كان في 269م)، فترة تطور مهمة في المنطقة. وتعود الآثار التاريخية الموجودة في أورفا ونمرود وبالميرا (تدمر) إلى هذه المرحلة. إنها حضارات كانت ذات صلة وثيقة بالكرد. ونشاهد أن اللغتين الآرامية والهيلينية احتلتا الصدارة في هذه المرحلة. شكَّل الكرد أوساطهم عبر الزراعة والترحال بالأغلب، مقابل هذه الحضارات المتحكمة بالأرجح بالطرق التجارية. ولا تزال بقايا هذا النظام المستمر حتى راهننا، تحافظ على وجودها. حيث كادت الصبغة الأجنبية للمراكز المدينية، والصبغة الكردية للقرى والترحال، تشكل ثنائية دياليكتيكية.
لا يطرأ التغيير على الثقل الكردي في الإمبراطورية الساسانية الناشئة في بدايات القرن الثالث الميلادي. حيث تشكل الزرادشتية فيه مصدراً أيديولوجياً أساسياً. أما التحديث فكان على يد النبي "ماني"، الذي عاش في الفترة ما بين (210 – 276م). قام ماني بتكوين تركيبة جديدة من جميع أديان تلك الحقبة، وجعلها حبكة ذهنية أساسية في الإمبراطوريتين الرومانية والساسانية، سعياً منه لخلق الإصلاح وترسيخ السلام. لكنه يتعرض لسخط الرهبان الزرادشتيين الأكثر تزمتاً، ليلقى حتفه على أيديهم. رغم ذلك، فقد ترك أثره حتى يومنا الحالي كنهج ذهني وطيد.
يتزامن الانتشار المسيحي مع هذه المرحلة. ونخص بالذكر مرحلة أورفا ونصيبين (نزيبيس Nizibis)، والتي أثرت على الكرد أيضاً باعتبارها مراكز الديانة المسيحية الأقوى. تعاش الديانة المسيحية حينها بدرجة نسبية، ذلك أن وجود الديانة الزرادشتية لدى الساسانيين يعيق من الانتصار التام للمسيحية.
يسود التخمين بتطور البنية الإقطاعية لدى الكرد في العهد الساساني (216 – 652م). والمانوية ضرب من الإسلام المبكر. وماني بذاته أيضاً هو ميلاد مبكر لسيدنا محمد. إلا إن الحروب المدمِّرة بنسبة كبرى بين الإمبراطوريتين الرومانية والساسانية (خاصة على خط ديار بكر – نصيبين) استمرت في تأثيراتها سنين مديدة. حيث، وعلى النقيض من العهد الهيليني، لم يشهد المجتمع وجه التطور المريح. وشوهدت الرقابة بين كل من المسيحية والزرادشتية. أما النسطورية، فهي بالأغلب تيار مسيحي رقيب في ظل التأثير الساساني. يشهد الآشوريون، المتقمصون للهوية المسيحية والمعروفون باسم السريانيين، حركة نشيطة للغاية في هذه الأثناء. خاصة وأنهم قاموا بنشاطات ذات قيمة أرشيفية ثمينة. وقد لعبوا دوراً يضاهي ما قام به الإغريق في نشر العيسوية، وأَعَدّوا العديد العديد من المطارنة. هذا ويُخَمَّن أنهم طوروا آداباً انتشرت في الأرجاء، وأسسوا الأكاديميات المتطورة في كل من أورفا ونصيبين وسيرت. كما ولهم النصيب الأوفر في تكوُّن مركز "غوندي ساهبور" العلمي لدى الساسانيين. تستمر اللغة الآرامية هنا في تفوقها اللغوي المشترك. ففي حين انتقلت اللغة الإغريقية نحو الغرب، أي نحو الساحة البيزنطية، غدت اللغة الآرامية لغة التجارة والأدب والدين السائدة في الشرق.
يتم التخمين بتطوير الكرد لتقاليدهم الإقطاعية، ومرورهم بتحول اجتماعي في هذا الاتجاه, خلال تلك المرحلة (250 – 650م). ويشير تطور الإقطاعية إلى التمايز الحاصل في البنية الإثنية أيضاً، حيث يزداد تطور ورسوخ الأواصر الإقطاعية في المجتمع الكردي. وتنفجر الثورة الإٍسلامية في هذه المرحلة من تطور الحضارة الإقطاعية. الديانة الإسلامية أساساً هي الثورة الذهنية وبنيتها الأيديولوجية الوطيدة للمجتمع الإقطاعي الأرقى نظاماً، والتي أطرأت التحولات على العلاقات العبودية المتصلبة والأواصر الإثنية المعيقة للتطور؛ وذلك على أساس التمدن. إنها تطبيق ثوري للتطور الطبيعي الحاصل في أوروبا، وفي الهند والصين. هذا وتُعَد الإسلامية آخر أكبر ثورة في الحضارة الشرق أوسطية. حيث تلعب الدور الأيديولوجي والسياسي الأولي في البناء، ضمن سياق تطور المجتمع الإقطاعي، حتى القرن الثاني عشر تقريباً.
أسفرت الديانة الإسلامية القاطعة أشواطاً سريعة في التقدم مع انهيار الساسانيين (650م)، عن خلق أرستقراطية إقطاعية في صفوف الكرد أيضاً. وغدت القوى الهرمية والدولتية الكردية، التي مرت بتحول بارز تحت تأثير التعريب القوي، من أقوى المجموعات الاجتماعية والسياسية في هذه الفترة. حيث أسست أقوى السلالات السياسية في الشرق الأوسط بتأسيسها للسلالة الكردية الأيوبية (1175 – 1250م)، وساد نفوذها بشكل ملحوظ بين الكرد أيضاً. من جانب آخر، عاشت السلطنة السلجوقية المستلمة للإمبراطورية من العباسيين في عام 1055م، بشكل متداخل مع الكرد، بحيث سادت المشاطرة بينهما أكثر من الاشتباكات المتداخلة، التي لا نزال نراها اليوم في كركوك. هذا وقد أحرزت الدول الإقطاعية المهمة ذات الأصول الكردية، من قبيل شدادي (Şeddadi) وآل بُوَيْه (Büveyhoğulları) والمروانيين (990 – 1090م)؛ أشواطاً مهمة من التقدم. وأُسِّست آنذاك العديد من الإمارات والحكومات الكردية الأخرى، كانت أطولها عمراً إمارة آل شرف خان (Şerefhanoğulları) التي جعلت من "بتليس" مركزاً لها واستمرت حتى عهد سليمان القانوني. تمخضت خصائص المجتمع الإقطاعي عن تحول مهم في ذهنية المجتمع الكردي، بحيث لم يعد ثمة أثر لبقايا الزرادشتية، ما عدا الزرادشتيين (الإيزيديين). والاحتمال الأكبر هو لعب هذا التحول دور الثورة المضادة في تطور التواطؤ الكردي.
بينما سادت اللغة العربية في المدن المُؤَسْلِمة (المعتنقة للدين الإسلامي)، لم تشهد اللغة والثقافة الكردية مرحلة تقهقر أو تراجع. حيث برز أول مؤلفي الملاحم المدونة، مثل ملحمة "أحمد خاني Ahmedê Xani"، في هذه الفترة. وتجذرت الثقافة ذات الغطاء الإسلامي في صفوف الكرد أيضاً، مثلما هي حال كل الجماعات الإثنية. رغم ذلك استمر تواجد الاشتباكات مع العشائر العربية الاستيطانية في جنوب كردستان، وخاصة الاشتباكات مع عشيرة شمّر، والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا الحالي. وما ملحمة "درويش عبدي" سوى ملحمة تُصوِّر هذه الاشتباكات، وتنوِّه إلى الإصرار على الأصول الزرادشتية، وتحمل بين طياتها الآثار الثقافية الكردية الراسخة. يُخمَّن أن مجرياتها تعود إلى القرن الثامن عشر. فالزرادشتية في الوسط الإسلامي ضرب من ضروب المقاومة الثقافية. إنها مقاومة نبيلة للثقافة الكردية إزاء الاغتراب.
تأتي العَلَوية الكردية الواهنة، الموالية لسيدنا علي، والمتقمصة للرداء الإسلامي، في المرتبة الثانية بعد الزرادشتية، بكونها المقاومة الثقافية الكردية الراسخة. إنها نوع من الشيعية بين صفوف الكرد. مقابل ذلك، برزت السمات الأكثر رجعية وتواطؤاً بين صفوف الكرد الجنوبيين القريبين من السهول بشكل خاص، والمعتنقين للإسلام السُّنّي المتطور داخل صفوفهم. حيث مارس هؤلاء الممثلون الأقوياء للذهنية الإقطاعية التجارية، والناكرون لأصولهم الثقافية، خيانة مثلى في مدن أورفا وماردين وسيرت والمناطق المجاورة لها، على وجه الخصوص. إنهم متواطئون ومنفعيون مذهولون. أما بين صفوف الكرد القابعين تحت التأثير الإيراني، فقد لوحظت نسبة أقل من الفساد، حيث حافظوا على جوهرهم الثقافي الوطني ببناهم الأصيلة الجديرة بالثقة.
استمرت العلاقات الكردية – التركية المهمة في هذه الفترة ضمن وئام وود وتعاضد ساد بين الدول والعشائر الإثنية الكردية والتركية، أكثر من أن تكون علاقات صِدام واشتباك؛ وذلك بسبب طغيان التأثير البيزنطي عليها. هذا وقد لعب الطابع المسيحي للأرمن والسريانيين دوراً مهماً في هذه التقربات. وما معركة ملازكرت (1071) في جوهرها سوى حرباً معتمدة على التحالف الكردي – التركي. حيث كان تحقيق الانتصار في هذه المعركة صعب المنال، بل ومستحيلاً، لو لم يعتمد السلطان "ألب أصلان Alparslan" على الكرد فيها. أما العشائر التركمانية القاطنة بين صفوف العشائر الكردية، وفي ظل الثقافة الكردية الأكثر رسوخاً في تلك الفترة؛ فقد شهدت انصهاراً مهماً. إلا إن هذه المرحلة التي استمرت حتى نهايات القرن التاسع عشر، انقلبت رأساً على عقب مع تأسيس الجمهورية.
بقدر ما شهد الكرد التمايز الطبقي الإقطاعي في ظل التأثير الثقافي للعصور الوسطى الإقطاعية عموماً، حصل التقهقر والانحسار في حياتهم الحرة بالنسبة ذاتها. ذلك أن العبودية الإقطاعية تطورت على الدوام على حساب الحرية والعشائرية، فشكلت بالتالي مرحلة مهمة من الاغتراب الذهني. ورغم نضوج العديد من المتنورين المسلمين الكرد، إلا إنهم لم يتركوا أثراً راسخاً، بسبب اتجاهات الدولة التواطؤية، والتي يتصدرها النموذج الغريب الأطوار لـ"إدريس البتليسي"، من حيث ثنائه للسلطان وتواطئه مع الدولة. كم هو غريب أمر الشعار الذي هتفت به مجموعة "طريقة الشيخ سعيد" الدينية – التي تنتمي بجذورها إلى الطريقة النقشبندية – في بينغول، أثناء الانتخابات المحلية الأخيرة لعام 2004؛ حيث قالت: "إدريس البتليسي هنا، فأين هو ياووز سليم؟"! يبدو أنه يُنتَظَر من رئيس الوزراء "أردوغان" أن يلعب دور ياووز الثاني.
ما من فرصة لعيش الثورة التنويرية، ما لم تُحلَّل وتُدرَس الخيانة النقشبندية في كردستان بكل أبعادها. بالمقابل، كان التنوير أفضل إيجابية بين صفوف الكرد ذوي الأصول العَلَوية. يمكننا الحصول على نتائج مفيدة للغاية لدى التمحص والبحث في التأثير الضارب للنظر للديناميكيات التاريخية على يومنا الحاضر، ارتباطاً بهذه الطرائق والمذاهب. إنها تعتقد بقدرتها على مواراة وجهها القبيح بين صفوف الشعب الكردي، بمجرد اتهامها التَّنَوُّر السائد في الجمهورية، بنعتها إياه بـ"الكمالية". لذا، من المحال تطوير وطنية وديمقراطية كردية مبدئية، دون التشخيص الحسن للرجعية والمنفعية المتوارية تحت الغطاء الذي تتقمصه العديد من الطرائق ذات الجذور السُّنّية؛ ودون تشهير وجهها الحقيقي.
دخلت الحضارة الإسلامية مرحلة الجمود ثم التقهقر اعتباراً من القرن الثالث عشر، بحيث لم تقدر أن تلملم أشلاءها بعدها؛ وذلك بسبب تشرذم الاجتهاد وانغلاقه على نفسه من الداخل، وبتأثير من الحروب الصليبية والغزو المغولي من الخارج. حيث عمل العثمانيون على مواصلة هذه المرحلة من الجمود (1200 – 1500م) والتقهقر (1500 – 1918م)، بمشقة كبيرة؛ بعد أن كانت تلك الحضارة لعبت دوراً بارزاً بمساهمتها في التطورات الحضارية، التي كانت تخطو خطواتها الأولى في أوروبا تحت اسم الحضارة الشرقية حتى القرن الثالث عشر. ورغم كون العهد العثماني يمثل الدفاع الأكبر والأخير للشرق عن ذاته تجاه الحضارة الغربية المتصاعدة؛ إلا أن التخلف الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي للنظام أعاق انتصاره، ولم يقف سداً في وجه انهياره.
كانت الطبقات المهيمنة بين الكرد تشكل الدعم الأقرب للعثمانيين، بدءاً من عهد ياووز عموماً، مع تمتعها بامتيازات خاصة واسعة النطاق. استمرت هذه الوضعية حتى بدايات القرن التاسع عشر، ليبطل مفعولها وتَفسُد مع وطأة أولى خطوات الاستعمار الغربي في المنطقة اعتباراً من ذاك القرن. هذا وقد لعبت سياسة الإدارة المركزية الخائرة القوى، في جمع الضرائب بإفراط وفرضها التجنيد الإجباري، دوراً بارزاً في ذلك. وهكذا ترك الود والصداقة والتعاضد مكانه للتمردات.
تُفتَح صفحة جديدة في التاريخ الكردي والمجتمع الكردي، بدءاً من القرن التاسع عشر. وبينما أسفرت هذه العلاقات السيئة مع العثمانيين عن اندلاع التمردات، فقد أدى المباشرون الإنكليز والفرنسيون إلى خلق أوضاع معقدة وعسيرة بتأثيرهم على الكنائس الأرمنية والسريانية، وحثّهم إياها على التوجه نحو الانفصالية. هكذا تسوء العلاقات القائمة بين كل من الأرمن والآشوريين والكرد. وقد أفضى دمار تلك العلاقات فيما بينهم جميعاً من جهة، وبينهم وبين الإدارة العثمانية من الجهة الثانية؛ إلى ولوجهم مرحلة مشحونة بالمخاضات الأليمة الأشد وطأة طيلة تواريخهم. تنتهي هذه المرحلة بالتصفية الجسدية والثقافية للأرمن والسريانيين (بنسبة كبرى)، أصحاب الثقافتين المعمِّرتين ألف عام؛ وذلك بُعَيد الحرب العالمية الأولى في 1918. أما العلاقات القائمة بين القومين الكردي والتركي، ورغم إصابتها بالهرش والخدش الجدي؛ إلا إنها لم تؤدِّ إلى حدوث انقطاع حقيقي بالأبعاد التي شهدها الأرمن والسريانيون. لهذا السبب شارك الكرد مع الأتراك في الحرب التحررية الوطنية القائمة في العشرينات من القرن العشرين. بذلك كانوا قد دخلوا المستوى الثالث الرفيع لهذه الشراكة الاستراتيجية والبنيوية المبتدئة في عهد كل من ألب أصلان وياووز. ومثلما شهد التاريخ بعين اليقين، فلولا الدور الإيجابي للكرد للانتصارات في معركة عام 1071 بقيادة ألب أصلان، ومعركتَي عام 1514 تجاه الصفويين، وعام 1516 و1517 تجاه المماليك المصريين، واللتين قادهما ياووز سليم؛ لَما تحقق فتح العشائر التركية لبلاد الأناضول، ولا انتشار الإمبراطورية العثمانية في المشرق والمغرب.
استمرت هذه التوجهات والميول التاريخية في عام 1920. حيث أعاقت هذه الشراكة الاستراتيجية الثالثة من حدوث التوسع الإمبريالي، ومنحت ثورةَ الجمهورية فرصة النجاح والانتصار. إلا أن تقييم الشريحة العليا الإقطاعية والمتواطئة التقليدية للكرد، مسألةَ الجمهورية بشكل خاطئ، وانخداعها السهل بنوايا الإمبريالية الضامرة، وتوجهها نحو العصيانات والتمردات؛ آل إلى قيام مؤسِّسي الجمهورية بتعديل سياساتهم. أي أن تراجعهم عن مشاريع الحرية الكردية – التركية المشتركة، تسبب في بدء مرحلة هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخهم. أدى هذا السوء الاستراتيجي في العلاقات الكردية – التركية، إلى إنكار الكرد، وإبقائهم متخلفين، وصهرهم بالإرغام، وبالتالي تهميشهم كلياً خارج إطار النظام. أما القبول بهم تناسباً مع استتراكهم، فقد جذَّر تلك السياسات أكثر فأكثر. ومقابل التَّنَوُّر العظيم الحاصل في عموم العالم في أعوام السبعينات، أدت هذه السياسات التعمتيمية الداكنة بحق ظاهرة الكرد وكردستان، إلى بروز حركة متنورة كردية جديدة، ومن ثم إلى بدء مرحلة من المقاومة السياسية والعسكرية ممثَّلة في PKK. هكذا نكون دخلنا مرحلة مشحونة بالآلام والاشتباكات في العلاقات الكردية – التركية، ولكنها بنفس الوقت مرحلة مشرِّفة.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط ، وا ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني 3- العودة الى الأيكولوجيا الاجتما ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني -2 تحرير الجنسوية الاجتماعية
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع) بصدد ال ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع )بصدد ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع) بصدد ال ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع)بصدد الم ...


المزيد.....




- آلاف يتظاهرون في عدة محافظات بالأردن تضامنا مع غزة
- شيكاغو تخطط لنقل المهاجرين إلى ملاجئ أخرى وإعادة فتح مباني ا ...
- طاجيكستان.. اعتقال 9 مشبوهين في قضية هجوم -كروكوس- الإرهابي ...
- الأمم المتحدة تطالب بإيصال المساعدات برّاً لأكثر من مليون شخ ...
- -الأونروا- تعلن عن استشهاد 13750 طفلا في العدوان الصهيوني عل ...
- اليابان تعلن اعتزامها استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئي ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام ا ...
- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية الكردية في فوضى الشرق الاوسط مدخل -2