أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد العليمى - الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو -- الفصل الثالث















المزيد.....



الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو -- الفصل الثالث


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 3943 - 2012 / 12 / 16 - 11:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ترجمة سعيد العليمى

(3)
" ثـورة محافظـة " في الفلسفـة

يواجه هيدجر المحلل، بوصفه ثوريا محافظا في الفلسفة، بصعوبة لا يمكن تذليلها تقريبا. فإذا ما رغبنا في تحليل الطبيعة النوعية لهذه الثورة ، وحتى نتفادى أن نتهم بـ " السذاجة "، ينبغي علينا حتما أن نلعب لعبة الفلاسفة ( وهي بمعنى من المعاني غاية في السهولة ، مادام هناك الكثير لنكسبه بإستغلال الأرباح الموضوعية والذاتية للإسهام في اللعب illusio ) و أن نقبل كل الإفتراضات الكامنة في المجال الفلسفي وتاريخه، وتلك مسألة مركزية بالنسبة لطموح فكر تقويضي، حيث يمكن لهذه الإفتراضات أن تدعم ثورته الفلسفية شرط أن يتجنب مساءلتها.. (1) غير أنه إذا ما رغبنا في أن نموضع هذه الثورة والشروط الإجتماعية التي أحاطت بظهورها، فينبغي علينا أن نتحرر تماما من كل الآراء المسبقة، سواء كانت العقيدة doxa الفلسفية الرسمية السائدة أو التحيز المتأصل لدى المطلع " الساذج" ، وهكذا نُعرض أنفسنا لأن يحكم علينا بأننا نجهل اللعبة، أي بالقول، بأننا لا نقدم ولا نؤخر وغير مؤهلين ، ونخاطر بترك المؤمن على إيمانه، عبر التعزيز اللاحق للصورة التي يقصد النص المجرد إعطـاءها عن نفسه ، بأنه لا يتيح مجالا لـ " الإختزال "بوصفه واقعا مقدسا، لا يمس (2) .
بينما لا يمكننا أن نقطع أبدا بأننا سوف نتغلب في النهاية على الغموض الذي لا يمكن تفاديه لتحليل مهدد دوما بغوايات التساهل أو عدم الإدراك، فإن طموحنا هو أن نصف البُعد الإجتماعي الدقيق للإستراتيجيات التي تختلط مظاهرها الإجتماعية والفلسفية بشكل لا ينفصم، ما دامت قد تولدت في العالم الاجتماعي المصغر ( المجهري ) للمجال الفلسفي: هكذا فإننا نفترض في الواقع ( يغدو الإفتراض المعلن بجلاء مسلمة منهجية ) أن المصلحة الفلسفية محـددة بدقـة، بقـدر ما هي في عين وجـودهـا الخـاص بوصفها الليبيدو العارف libido sciendi نوعية وكذلك في توجهاتها وتطبيقاتها ، بواسطة الموقع الذي جرى شغله في بنية المجال الفلسفي في اللحظة موضوع التساؤل، وهي من ثم محددة بمجمل تاريـخ المجـال، التي قد تصبح في شـروط معينة مصدر تجـاوز حقيقي للحـدود المرتبطة بالتاريخانية (3) .
مما لا شك فيه أن هيدجر قد راهن بصفة مبدئية، إن لم يكن حصراً ، برصيده في الحقل الفلسفي - وهذا ما يجعل منه فيلسوفا - و قد كان هدفه الأولي هو خلق موقع فلسفي جديد، محدد ، بصفة جوهرية ، في علاقته بكانط أو على نحو أكثر دقة بالكانطيين الجدد : يهيمن الأخيرون على المجال تحت غطاء الرأسمال الرمزي الذي يخـدم كضمـان للمشاريع الفلسفية القويمة ( الأرثوذكسية ) ، أي كتابات كانط ، والإشكالية الكانطية. ومن خلال هذه الإشكالية ، التي تتخذ في الفضاء الإجتماعي الشكل العيني للجدالات الكانطية الجديدة حـول الأسئلة الشرعية للحظـة ، مثل مشكلـة المعـرفة ومشكلـة القيم. (4) يقدم المجال والذين يهيمنون عليه أهدافا - وأيضا حدودا - للطموحات التقويضية للوافد الجديد. بيد أن هيدجر واسـع المعرفـة، في كل من الأمـور الأصولية ( الأرثوذكسية ) ( وقد كتب عدة مراجعات نقدية لكتب حول كانط ، مناقشا بصفه خاصة علاقته بأرسطو ) وفي الأمور الهرطقية ، أو حتى الالحادية بإعتدال ، كما يمكن أن نرى من أطروحة الدكتوراه التي كتبها عن دنس سكوتس Duns Scotus ، وهو يقارب هذه المشاكل بما يمكن أن نسميه ، بالتماثل مع السياسة ، خطا نظريا : وما دام هذا الخط متجذر في اعماق التطبع habitus ، فإنه لا ينشأ في منطق المجال الفلسفي وحده ، أضف إلى ذلك، أنه يخدم بدوره في تحفيز الخيارات التي أتخذت في كل مجموع المجالات. لا ينبغي أن يغرب عن بالنا أن التناظرات المؤسسة بين المجال السياسي ، والمجال الأكاديمي ، والمجال الفلسفي ، وبصفه خاصة بين التناقضات الكبرى التي تبنينها ، مثل التناقض السياسيى بين الليبرالية والماركسية، التناقض الأكاديمي بين العلوم الإنسانية التقليدية ( بما فيها الفلسفة ) والعلوم الطبيعية بتبعياتها الوضعية، أو العلـوم الإجتماعية بزخارفها "السيكولوجية " ، و " التاريخية " و " السوسيولوجية " وأخيرا التعارض الفلسفي بين مختلف أشكال الكانطية، التي تفصلها إنقسامات ، حتى وإن كانت " مجردة " فليست بدون صدى في النطاقين السياسي أو السياسي الأكاديمي. علينا أن ندرك عندئذ كيف أن الاختيارات المنتقاة تتحدد تضافريا ، سياسيا واكاديميا معا ، بوصفها دالة فلسفيا بالنسبة للخط النظري الذي جرى إختياره ، على المستوى الفلسفي الدقيق الذي لا شك يفترض فيه أن يكـون مبرأ من أي إعتبارات سياسية أو أكاديمية . ليس هناك من خيار فلسفي - لا الذي يروج الحدس ، على سبيل المثال ، ولا ، في الطرف الآخر ، الذي يفضل الحكم أو المفاهيم ، ولاحتى ذلك الذي يعطى الأسبقية للمتعالي الجمالي على المتعالي التحليلي، أو الشعر على اللغة غير الحدسية - لا يستتبع قرينه الأكاديمي واختياراته السياسية ، والذي لا يدين لهذه المواقف الثانوية التي إتخذت بغير وعي إلى هذا الحد أو ذاك ، ببعض تحدداته العميقة.
إن ما يعطي فكر هيدجر طابعه (البوليفوني) متعدد الأصوات والمعاني الإستثنائي، هـو بـلا شـك موهبته في التحـدث بتناغـم واتساق في نطـاقـات متعـددة في نفس الآن ، ملمحا ( بشكل سلبي ) إلى الإشتراكية ، والعلوم أو الوضعية عبر قراءة فلسفية محضة لبعض القراءات الفلسفية المحضة لأعمال كانط ( بالرغم من أن لهذه ذاتها تضمينات سياسية ) . في أي مجال من المجالات، فإن كل تحـدد / تعين هو أيضا سلب ، و لا يمكن لأحـد أن يقيم خطا نظريا ( أو حتى خطا سياسيا أو أسلوبا فنيا ، بالمناسبة ) دون إقامته في تعارض مع خط آخر، والخطوط المتنافسة الأخرى ، وهكذا يحدده بمفهوم السلب . بسبب أن حدى البدائل المختلفة المتناظرة بنيويا مرفوضتان نتيجة لنفس المبادئ ، فإن الإختيـارات ( وهي دائما ما تخص طريقـا ثالثا ) التي يجـرى اختيـارها في الفضـائين العقلـي ( والإجتماعي ) تتوافق مباشرة ، مادامت متكافئة بنيويا .

عند مواجهة الإشكالية الكانطية - الجديدة ، بقدر ما تتجلى في شكل أكثر ما يكون مغايرة (بل أكثر تنفيرا) ، بالنسبة لنزعاته السياسية الأخلاقية في أعمال كوهن وكذلك كما تتجلى في شكل أعيد الإشتغال عليه وأعيد تجديده بتطويره ( في عمل منافسة المتميز ، هوسرل ) ، يعطي هيدجر الإنطباع ، بسبب التناظر بين الفضائين ، أنه يضع على المستوى الأعمق والأشد جذرية ، بعض المشاكل التي طرحت في المجال الأكاديمي ( مسألة الوضعين الخصوصيين للعلم والفلسفة ) وفي المجال السياسي ( المسائل التي أثارتها الأحداث الحرجة لعام 1919 ) . برفضه ، كما يفعل في كتاب كانط ومشكلة الميتافيزيقا ، أن يتبنى المقاربة التي تجلت في المناظرة حول ما هية القانون الذي ينبغي أن يضبط خطوات العلم الذي يدعى وضعا واقعيا ، فإنه يقلب علاقـة خضوع الفلسفة للعلم التي تميل الكانطية الجديـدة لتأسيسها وهي تشبه في ذلك الوضعية مع المخاطرة بإختزال الفلسفة إلى تأمل بسيط في العلم . بتأسيس الفلسفة كعلم أساسي ، قادر على تأسيس علوم أخرى ، ولكن الذي لا يمكن له أن يؤسس نفسه ، فإنه يستعيد للفلسفة الاستقلال الذي تسببت مدرسة ماربورج بتحليلها القانوني في فقدانه ، وللسبب عينه، فإنه يحول المسألة الأنطولوجية حول معنى الوجود إلى شرط مسبق لأي بحث في صلاحية العلوم الوضعية . (5)

هـذا القلب الثوري ، مثل نمـوذجي لما يمكن أن نسميه ، بكـل الإحتـرام الواجب Salva reverentia ، إستراتيجية تأسيسية wesenlichkeit تؤدي إلى آخرى . تؤدي مقاربة كوهن ، إلى إيلاء أسبقية لمشكلة الحكم على مشكلة الخيال المتعالي. بدون تتبعها حتى نتيجتها المنطقية ، أي المثالية المطلقة ،يختزل كوهن الحدس إلى المفهوم وعلم الجمال إلى منطق ، ويستبعد فكرة الشئ في ذاته ، ويميل إلى أن يستبدل تركيبة العقل الناجحة ( التي وضعت بواسطة المنطقية الشاملة لهيجل ) بالتركيبة الناقصة للفهم. بعد أن أخذ وإستعمل ضد كوهن التناهي الذي يمكن أن يلمح في تأكيده على عدم كمال المعرفة. يعيد هيدجر تأسيس ميزة الحدس وعلم الجمال ، جاعلا الزمانية الوجودية الأساس المتعالي للعقل المحض إنما الحسي .
إن الإستراتيجية الفلسفية هي في نفس وذات الوقت استراتيجية سياسية في قلب المجال الفلسفي : عند كشف الميتافيزيقا التي تعزز النقد الكانطي لكل ميتافيزيقا ، يستولي هيدجر لصالح " الفكر التأسيسي " ( das wesentliche Denken ) - الذي يعالج العقل " " الذي جرى تمجيده لعدة قرون " بوصفه " ألد خصوم الفكر " (6) على رأسمال السلطة الفلسفية الذي حازه التقليد الكانطي . غير أن هذه الاستراتيجية البارعة تعرض الكانطيين الجدد للهجوم ، ولكن باسم الكانطية ، وهكذا تقرن منافع مهاجمة الكانطية القويمة ( الأرثوذكسية) مع (منافع ) إدعاء سلطة كانطية : وهو أمر ليس جديرا بالإهمال في مجال تنبثق فيه كل الشرعية من كانط.
أدرك كاسيرر ، الذي كان واحداً من الأهداف الأولية ، ماذا كان يحدث ، وقد سمح " لتميزه " الأكاديمي خلال مناظرة داقوس DAVOS ، أن يتوارى وتحدث بلغة اختزالية فظة حول محاولات الإستيلاء والإحتكار: (7) "حيث أن الفلسفة الكانطية هي المعنية، لا يمكن لأحد أن يدعى بهدوء وبيقين دوجماتي أنه يملكها بالفعل ، لا بد لكل واحد من أن يأخذ كامل الفرصة لإعادة الإستيلاء عليها . نواجه في كتاب هيدجـر بمحاولـة من هـذا النوع لإعادة الإستيلاء على الموقـع الأساسي لكانط ( إ . كاسيرر ، م . هيدجر ، جدال حول الكانطية والفلسفة ، داقـوس ، مارس 1929 ؛ نفس المصدر، ص ص 58 - 59،التشديد لي ) . إن غموض كلمة "إعادة الإستيلاء" دالة في حد ذاتها . وقد فسرت فيما بعد : " لم يعد هيدجر يتحدث هنا كمعلق ، وإنما كمدع يشهر السلاح ضد نظام كانط ، إن جـاز القول ، لكي يخضعه ويجبـره على أن يخدم إشكالياته الخاصة . وإذ نواجـه بمثل هـذا الإغتصاب ، فلا مناص من أن نطلب إعادة الوضع إلى ما كان عليه" ( نفس الموضع المشار إليه أيضا ص 74) . هذا لا يزال مجازا ، ولكنه ( مجاز ) سيصبح حالا أكثر وضوحا : " ليس في رأس هيدجر سوى فكرة واحدة ، عبر تفسيره لكانط ، ما من شك حولها ، إنها تصفية هذه الكانطية الجديدة التي قد تخضع كل النظام الكانطي لنقد المعرفة ، أو حتى تختزله تحديد اً إلى لا شئ أكثر من نقد للمعرفة . وهو لا ينفك يحـرض في مواجهة هذا الطابـع الميتافيزيقي جوهريا للإشكالية الكانطية ، (نفس الموضع المشار إليه أيضا ص 75 ) . إضافة لذلك : " أليست فرضية هيدجر هي قبل كل شئ إستراتيجية هجومية ، أليس من المحتمل ألا نجد أنفسنا في نطاق تحليل الفكر الكانطي ،وإنما دخلنا بالفعل نطـاق الجـدال ضد هذا الفكـر ؟ (نفس الموضع المشار إليه آنفا ص 78 ؛ التشديد لي ) . يرفض هيدجر تحليل كاسيرر المنحاز بنفي بارع نموذجيا : " لم يكن قصدي أن اواجه التفسير "الإبستمولوجي" ، بإبـداع ( تفسير ) يطرى الخيال " (نفس الموضع المشار إليه آنف ص 43 ) .

لا تنفصم إعادة تفسير هيدجر للكانطية عن إعادة إدماجه للظاهرية و" تجاوزه " فكر هوسرل : فهو يستخدم كانط ( بعد إعادة تفسيره ) لتجاوز هوسرل ، الذي ، يمكنه من منظور آخر، من أن يتجاوز كانط . إن المشكلة الظواهرية المحضة التي تخص العلاقة بين التجربة المحضة كحدس للموضوعية ما قبل التوكيدية ، والحكم ، بوصفه حدسا شكليا يؤسس صلاحية التركيبة ، يجد في نظرية الخيال المتعالي الحل الذي لم يكن هوسرل قادرا على تقديمه بسبب قراره أن يقتصر على مطلب المنطق المتعالي ( بالرغم من أن كشفه أن فعل المعرفة لا يمكن أن ينفصل عن الزمانية هو الذي أدى إلى تحقيق هذا الإستبصار ). إن إخفاق محاولة هوسرل في التوفيق بين مفهوم أفلاطوني عن الماهيات ومفهوم كانطي عن الذاتية المتعالية قد جرى تجاوزه في أنطولوجيا هيدجر الزمانية ، أي ، التناهي المتعالي ، الذي يستبعد الأبدي من أفق الوجود الإنساني والذي يضع في مصدر الحكم وأساس نظرية المعرفة ليس حدسا ذهنيا وإنما حدس حسى متناه . إن حقيقة الظاهرية ، التي لا تعيها الظاهرية ، وحقيقة نقد العقل المحض، التي عتمها الكانطيون الجدد ، تكمن في واقعة ، "أن تعرف ، بدئيا ، هو أن تحدس". إن الذاتية المتعالية ، بقدر ما تتعالى على ذاتها لكي تخلق إمكانية مواجهة متموضعة ، والإنفتاح على الموجودات الأخرى ، ليس شيئا سوى الزمان ، الذي يكمن مصدره في الخيال، والذي يؤلف هكذا مصدر الوجود بوصفه وجودا .
القلب جذري : ربط هوسرل أيضا الوجود بالزمان ، والحقيقة بالتاريخ ، وعبر سؤال أصل الهندسة ، على سبيل المثال ، طرح بمصطلحات واضحة نسبيا مشكلة تاريخ تكوين الحقيقة ، ولكن بـ " عبارات " ترتبط بالدفاع عن العقل ، والفلسفة كعلم دقيق ؛ بينما يحول هيدجر الوجود في الزمان إلى مصدر الوجود ذاته ، وبغمر الحقيقة في التاريخ ونسبيته ، يؤسس أنطولوجيا ( مفارقة) للتاريخية المحايثه ، انطولوجيا تاريخانية. (8) في حالة هوسرل المهمة هي إنقاذ العقل بأي ثمن ، أما في حالة هيدجر، فهناك إرتياب جذري في العقل ، ما دامت التاريخانية ، مصدر النسبية ومن ثم " النزعة الشكية ، قد وضعت في ذات أصل المعرفة .
ولكن الأشياء ليست بسيطة أبدا هكذا ، وإستراتيجية التجاوز الجذري تؤدي إلى مواقع غامضة جوهريا أو إذا ما تحدثنا بدقة فإنها قابلة للقلب ( العكس ) (التي سوف تيسر فيما بعد الإنقلابات العكسية غير المتناقضة ، والتاكتيكات ذات الأغراض المزدوجة الغامضة ذات المغزى). بإدراج التاريخ ضمن الوجود ، بتكوين الذاتية الأصلية بوصفها تناهيا مزعوما ومن ثم مطلقا ، وبوضعه زمانا وجوديا تكوينيا أنطولوجيا أي غير تكويني في قلب " الكوجيتو " التكويني ، يقصد هيدجر أن يطيح بإطاحة كانط بالميتافيزيقا ، ويباشر نقدا ميتافيزيقا لكل نقد للميتافيزيقا ، بإيجاز ، إنه ينجز الثورة المحافظة ( die konservarive Revolution ) في الفلسفة . وهو يحقق هذا عبر استراتيجية نموذجية عند " الثوريين المحافظين " ( وبصفة خاصـة عند يونجر ) : الإستراتيجية التي تتقوم في القفز في النار لتفادي الإحتراق ، تغيير كل شئ دون تغيير أي شئ ، عبر واحدة من تلك التطرفات البطولية التي توحد وتوفق التعارضات لفظيا في قضايا مفارقة وسحرية ، بدافع موقعه الذات دوما وراء الماوراء. وهكذا نجد عند هيدجر القول بأن الميتافيزيقا لا يمكن أن تكون سوى ميتافيزيقا التناهي ، وان التناهي فحسب هو الذي يؤدي إلى غير المشروط ؛ أو أيضا ، الوجود ليس زمانيا لأنه تاريخي ، ولكنه تاريخي ، على النقيض ، لأنه زماني.( 9)
يتعين علينا ان نحلل العلاقة بين هيدجر وهيجل ، كما عرضت في الهوية والاختلاف Identität und Differenz حيث تتخذ المواجهة شكل إلحاق / وابتعاد عبر قلب ( عكس ) الدال : يتوقف الوجود عن أن يكون مفهوما مطلقا ، مفهمة تامة لكل الموجودات، ويصير إختلافا عن أي موجودات étants بعينها ، أي يصير إختلافا بوصفه إختلافا : يتحقق التوافق بين الفكر والوجود في العقل logos ، عند هيدجر ، في الصمت . إنها مهمة جعل الوجود متجليا أي ، إبراز جدل التناقضات، حيث يمكن لعدم الوجود المحض أن يعين على تحويله لتاريخ للصيرورة ، التي تصير عند هيدجر الثاني ، جهدا لكشف غياب الوجود إذا جاز القول ولإبرازعمليه صدور الوجود في إختلاف الموجودات بنوع من الأنطولوجيا السلبية ( بنفس المعنى الذي نتحدث به عن لاهوت سلبي ) ، كقلب للحركة الذاتية selbstbewegung للمطلق الهجيلي الذي يمـكن أن يعبـر عن نفسه في الصمـت أو في استحـضار شعـري لـــــ Ens absconditum فقـط.
إن التلاعبات اللفظية التي تيسر الهروب من النزعة التاريخية بتأكيد التاريخية الماهوية للموجود ، و بإدراج التاريخ والزمانية ضمن الوجود ، أي ، ضمن اللاتاريخي والأبدي ، هي نموذج لكل الإستراتيجيات الفلسفية للثورة المحافظة في الشئون الفلسفية. تتأسس كل هذه الإستراتيجيات من خلال تجاوز راديكالي ييسر إبقاء كل شئ خلف مظهر أن كل شئ يتغير ، بربط التعارضات بنظـام للفكـر ذى وجهين ، يستحيل الروغـان منه ، مـادام مثله ، مثل ( الإله ) يانوس Janus ، قادر على مواجهة التحديات من كل الإتجاهات في نفس الوقت : إن النزعة المنهجية المتطرفة للفكر الأساسي تمكنه من ان يتجاوز أشد الأطروحات راديكالية ، سواء أتت من اليسار أو من اليمين، بالتحرك إلى نقطة محورية حيث يصير اليمين يساراً لليسار وبالعكس .

وهكذا، فإن البحث في التاريخ، وهو مبدأ النسبية والعدمية ، من اجل تجاوز العدمية ، هو في الواقـع إبقـاء الأنطولوجيا التاريخانية محمية من التاريخ ، بتوظيف سرمدة ( تأبيد ) الزمانية والتاريخ من أجل تجنب أرخنة( تأريخ ) الأبدي. (10) إن هيدجر يلعب بالنار بإعطاءه " أساسا أنطولوجيا " للوجود الزماني ، بإقترابه من خلق رؤية تاريخانية للذات المتعالية ، سوف تعطى دورا حقيقيا للتاريخ بأخذها في الإعتبار سيرورة التكوين التجريبي للذات المدركة ( كما جرى تحليلها من قبل العلوم الإجتماعية الوضعية ) (11) وللدور التكويني للزمان وللسيرورة التاريخية في تكوين " الماهيات " ( كما في الهندسة ، على سبيل المثال ) ولكنه يُبقى أيضا اختلافا جذريا عن أي نوع من أنواع الأنثروبولوجيا " التي تدرس الإنسان بوصفه موضوعاً معطى مقدمـا، (12) وحتى عن الأشكـال الأشد "نقديـة" للأنثروبولـوجيا الفلسفية. ( وخاصة تلك التي جرت صياغتها من قبل كاسيرر أو شيلر ). وهكذا ، ففي ذات فعل إجازة إختزال الحقيقة إلى الزمان ، والتاريخ ، والمتناهي ، ومن ثم في حرمان الحقيقة العلمية من الأبدية التي تدعيها والتي منحتها إياها الفلسفة الكلاسيكية، فإن إضفاء الأنطولوجيا l ontologisation هذا على التاريخ والزمان (مثل إضفاء الأنطولوجيا على الفهمverstehen الذي لاينفصل عنه ) يسلب من التاريخ ( والعلم الأنثروبولوجي ) حق إدعاء الحقيقة الأبدية لوجود الإنسان الأنطولوجي ( الوجود هناك ) Dasein بوصفه تزمينا وتاريخية ، أي كمبدأ مسبق A priori وأبدي لكل التاريخ (بنفس معنى Histoire و Geschichte عند هيدجر ). إنها تؤسس الحقيقة ما فوق التاريخية للفلسفة، التي تعلن ماوراء كل تحدد تاريخي ، الحقيقة فوق التاريخية للوجود هناك Dasein بوصفه تاريخانية . ولكن بتأسيس التاريخانية أو الفهم بوصفهما البنية الأساسية للوجود هناك Dasein ، عبر تحصيل حاصل مؤسس يتـرك الأشياء كما هي - لأننا قد نسـأل أيضا كيف يمكن لأنطولـوجيا الفهم ( verstehen ) أن تجعل الفهم أسهل أن يفهم؟ - يعطى هيدجر الإنطباع بالفعل بأنه يصيغ المسألة بشكل أكثر أساسية وجذرية ، ولكنه يوحي في الواقع ، دون أن يحتاج لعرض البرهان، بأنه لا يمكن أن يكون للعلوم الوضعية الكلمة الأخيرة حول الموضوع.

يمكن أن نرى مثلا عمليا لهذا " الخط " الفلسفي في الإستراتيجية التي يكشفها هيدجر ضد كتاب كاسيرر فلسفة الأشكال الرمزية خلال مناظرة داقوس : بعد أن أعلن في البداية ان تكوين الكانطية الجديدة يتعين أن يفسر بواسطة ״حرج الفلسفة حين إضطرت لأن تساءل نفسها حول ما الذي لا تـزال تدعيه بوصفه حكـرا عليها ، ضمن النطاق الكلي للمعرفة ״ ، ( مناظـرة حـول الكانطيـة والفلسفة، ( ص ص 28 - 29)، فقد شرع في زعزعة أسس الطموح الإبسيتمولوجي لتأسيس العلوم الإجتماعية ، رغم أنه يستحسن في هذا الطموح ، بالطبع ، إحترامه للمراتبية الثقافية : يقول هيدجر ، ’إن كاسيرر " يأخذ إلى مستوى رفيع جوهريا إشكالية البحث الوضعي في الميثولوجيا ، ويقدم مفهوما للأسطورة، إذا ألهم البحث التجريبي ، سوف يقدم ضوءا مرشدا شديد القوة قادر على إضاءة وتحليل وقائع جديدة ، كما يتعين أيضا أن يطور في العمق المادة التي جرى إكتسابها ، ( نفس الوضع المشار إليه آنفا ص 94 ، التشديدلي ) . بعد أن عبر عن إعلان التضامن المهني وهو ما يلزم ممثلي النظام المعرفي المهيمن حين يواجهون أنظمة أخرى أدنى منزلة ، يلجأ هيدجر إلى إستراتيجيته المفضلة ، أي الحركة التأسيسية wesentlichkeit بتجاوزها الذي لا يقهر لكل تجاوز، لأساسها المؤسس ذاتيا لكل أساس ، بمقدمتها المطلقة لكل المقدمات : ’هل التحدد السابق للأسطورة بوصفها وظيفة تكوينية للوعي قد أسست ذاتها بشكل كاف ؟ أين أسس مثل هذا الأساس التي لا بد منها بوضوح ؟ هل طورت هذه الأسس ذاتها بما يكفي ؟ ، وبعد التذكير بحدود التفسير الكانطي للثورة الكوبرنيقية ، يواصل : هل من الممكن أن " نوسع " بشكل بسيط ومجرد نقد العقل المحض إلى نقد للثقافة ؟ هل يمكن لنا أن نقطع، أم يمكن لنا بالأحرى أن نتنازع حول مدى إتضاح ، أسس تفسير المتعالي الكانطي " للثقافة " ، وتأسيسه بجلاء ؟ ( في نفس الوضع المشار إليه آنفا ص 95 ، التشديدلي ) . يستحق هذا التساؤل التأملي الطويل الإقتباس بكليتة : يصير القصد الخالص للتجاوز من خلال " فكر مؤسس " معززا بالتعـارض ، الذي يشتغل بوصفه بنية توليدية ، بين " العريض " ( ومن ثم زائفا " وواضحا " ) و " العميق " وهو متحقق في بلاغة نصف تعويذية، نصف إرهابية للأساسي ( يتضمن توالده المعجمي " العميق " ،"الأساسي " أساس" ، تأسيس "يؤسس" " مؤسس " " بعمق " " أسس " ) و " الإستهلالي " ( هل يمكن لنا إذن أن نقطع …. ، ماذا يتعين علينا أن نفكر في الـ ….. ، قبل أن نسأل أنفسنا ، " إنه حينئذ فقط أنه…. ، المشكلة الأساسية لم تطرق بعد " ) أساس الأساس هذا ، يقف على النقيض مما يمكن أن نتوقعه من هذا التساؤل الشكي في أسس الذاتية الكانطية ومعجمها الروحي ( " الوعي " ، " الحياة " ، " الروح " ، " العقل " ) وهو لن يبحث عنها بوضوح في الشروط المادية لوجود منتجي الخطاب الميثولوجي . فالفـكر " التأسيسي " لا يريـد ان يعترف بهذا الأسـاس " المبتـذل " أي " التجـريبي " بإبتذال. (13) " لا تقارب المثالية الوجودية ( كما يسميها جورقيتش Gurvitch بصواب تام ) الوجود إلا لكي تبعد نفسها بشكل أفضل عن الشروط المادية للوجود : مختارة ، كما هو الحال دائما ، " الطـريق الـداخـلي " den weg nach innen ، كما وصف في تــراث الفـكر الشعـبي vőlkisch ، إنهـا تبحـث عن أسـاس " الفـكر الأسطـوري " في تطـويـر تمهـيدي للتكـويـن الأنطـولـوجي للـوجـود بصفـة عـامـة" ( نفس الموضع المشار إليه آنفا ص 97 ).
على حساب إنتقاص جذري لدلالة ما اسماه كانط هذه " الكلمة المتغطرسة أنطولوجيا " صاغ هيدجر البنية الأنطولوجية للوجود هناكDasein بسمات وجودية ( عينت أيضا بوصفها وجودات أساسية " أو أنماط أساسية لوجود الوجود هناك ) ووصفت بإعتبارها الشروط المتعالية ( الآن سوف تسمى الشروط الأنطولوجية ) الضرورية للمعرفة ( مثل الفهم وأيضا مثل اللغة ) . وهكذا من خلال جعل المتعالي أنطولوجيا ، يحقق هيدجر أول دمج للمتعارضات متمكنا من جعل موقعه مراوغا وغير قابل للتمثل في أي من الموقعين المتعارضين . يتزايد الإلتباس بحقيقة أن الأنطولوجيا المتعالية تحدد الوجود المدرك بوصفه حالة من " اللاوجود " ، أو بالأحرى ، كفعل تزمين أو مشروع ، محققا أيضا جعل المتعال أنطولوجيا تماما بواسطة جعل التاريخ أنطولوجيا ، الذي يماهي الوجود بالزمان . ليس من العسير أن نرى كيف أن منعطف kehre هيدجر الشهير، وإبتعاده عن الأنطولوجيا المتعالية و التحليليات الوجودية في الوجود والزمان ، كان يمكن لها أن تؤدي بشكل طبيعي عبر إضفاء الوجود على التاريخ ، إلى الأنطولوجيا السلبية التي تماهي الوجود مع ما هو وجود بقدر ما يعرض ذاته للوجود هناك ، يشيرالي الوجود كسيرورة للإنبثاق ( لا يستطيع المرء أن يقاوم التفكير في "التطور الخلاق"؟ …. ) يعتمد في تجسده على الفكر الذي يسمح له ان يتحقق ، وعلى التركGelassenheit بوصفه خضوعا للتاريخانية.
هكذا نجد أنه ليست هناك حاجة حتى لتأسيس علاقة مباشرة بين " منعطف " هيدجر وشبه تقاعده بعد أن قضى فترة كعميد ، لنفهم أن الجذرية المتطرفة لهذه الثورة في الفكر تجد تمجيدها، بمجرد أن مضت لحظة " الإرتبـاط الوطيـد " ، في نـوع من حكمة التوماويـة الجديـدة ، مـذكـرة كل أحد "أن يدرك ما هو كائن "، وأن يعيش وفق شروطه " : يعيش الرعاة الذين لا نراهم خارج صحراوات الأرض الفانية ، التي يفترض أن تتقوم فائدتها في ضمان هيمنة الإنسان …).) يحفظ القانون غير الملحوظ للأرض الأرض في كفاية ما يأتي وما يفني من كل الأشياء في مجالها المعين للممكن الذي يحكم كل شئ ، ومع ذلك لا يعرفه أحد . إن شجرة البتولا لا تتجاوز أبدا إمكانها. مملكة النحل تعيش في إمكانها . الإرادة وحدها التي تهئ ذاتها في كل مكان في التقنية تبدد الأرض في استنفاذ واستهلاك وتغيير ما هو إصطناعي .. (14)
بعد أن قيل هذا ، فإن الأصداء السياسية والأكاديمية لفكرة المحض لم تكن قد صمتت كلية أبدا ، سواء في المجال الفلسفي أو ما وراءه. علينا أن نحلل فقط مواقف هيدجر الفلسفية، و ( مواقف ) النظريين الذين إنخرط في حوار معهم ، بلغة منطق المجال الأكاديمي أو المجال السياسي ، لندرك التضمينات السياسية النوعية لاختياراته النظرية الأشد تجريدا . ليست هذه المعاني الثانوية بحاجة إلى أن تقصد بوصفها كذلك ، مادامت قد تخفت آليا بواسطة التوافقات المجازية ، والمعاني المزدوجة ، والتلميحات التي تنشأ ، بسبب التناظر بين المجالات ، من التطبيق في المجال الفلسفي لـ "خط " صالح أشد عمومية ، يتعلق بالتطبـع habitus الذي يكيف الإختيارات السياسية والأخلاقية التي تخص الوجـود النظري " والتجريبي ". وهكذا فإننا نرى مباشرة أن منح الأولوية للفلسفة على العلم، وللحدس على الحكم والمفاهيم ، وهو واحد من الموضوعات موضع الرهان في المواجهة بين هيدجر والكانطين الجدد كما يتردد صدى محاولة جذب كانط إما نحو المنطق والعقل ، أو على النقيض ، نحو علم الجمال والخيال ، في تناغم مباشر مع تجليات اللاعقلانية التي يمكن أن تلاحظ في المجال السياسي. بالنزوع إلى إخضاع العقل للحساسية ، " للعقل المتحسس " ( مثل شوبنهاور، الذي رفض التمييز الكانطي بين الحدس والمفاهيم ووجد في الحدس مصدرا لكل معرفة ) فإن القراءة الهيدجرية لنقد العقل المحض تجعل الكانطية تبدو وكأنها نقد أساسي للتنوير Aufklärung .
نحن نجد نفس الأثر حين يطبق هيدجر على التراث الديني ، أو على الأدق اللوثري ، أو شبه الديني ( مثل فكر كيركجارد ) ، إستراتيجية التجاوز الراديكالي بواسطة الفكر " الأساسي" أو " التأسيسي " الذي طبقة على الفلسفة ووظفه لأقصى درجة لإحداث القطيعة بين الدين والفلسفة ، كما هي عند كانط ، يدخل هيدجر إلى الفلسفة صيغة معلمنة من الأفكار الرئيسة الدينية التي سبق أن حولها اللاهوت ضد اللاهوتي لكيركجارد إلى أطروحة ميتافيزيقية : وهي على سبيل المثال ، فـكرة الذنب ( الدين ) Schuld التي شكلت بوصفها نمط كينونة الوجود هنـاك Dasein ، أو عـدة مفاهيم أخـرى من نفس الأصل أو التلـوين ، ( القلق) ( Angst) (السقوط) ( Absturz )( الفساد) Verderbnis ، ( التلف ) Verfallen ، (الإغواء ) Versuchung ، الترك / الإلقاءGeworfenheit ، " داخل الدنيوية " Innerweltlichkeit إلخ

يمكن لنـا أن نتبع ميل هيدجـر للعب على الكـلمات ونقـول أن الفـكـر الأساسي ( Das wesentliche Denken ) يركز على الأساسيات. عند تكوينها بوصفها أنماط وجود هناك أي بدائل جرت توريتها بالكاد للأفكار اللاهوتية، ويدرج ضمن الوجـود كـل ملامح الوضع " العادي " للإنسان " العادي " : حيث أنه " تـرك " في "العـالم " ، معانيـا " فقد الـذات " ، في" دنيوية " "الثرثرة " ، و" الفضول " و " الغموض ". استعيدت حقيقة ميتافيزيقا " السقوط " هذه ، التي تجعل " التيهان " errance نوعا من الخطيئة الأصلية ، ومصدر كل الأخطاء النوعية، من نسيان الوجود حتى تقديس التفاهة ، استعيدت وعرضت في إستراتيجية الإلحـاق - شديدة الشبه بتلك التي واجه بها هيدجر الكانطيين الجدد - وإختزل خلالها الإنسلاب Entfremdung ، إلى المعنى الشعبي لـ " الإقتلاع " حيث يوجد مكونا بوصفه " بنية انطولوجو - وجودية " ontologico-existentiale للوجود هناك Dasein ، أي في حالة نقص أنطولوجي . ولكن بغض النظر عن وظيفتها السياسية بوصفها تبريرا للواقع الإجتماعيSociodicée بجعل التاريخ انطولوجيا فإن هذه الإستعارة الإستراتيجية تكشف حقيقة هذا الأثر الهيدجري النموذجي الآخر ، التجاوز الجذري " الزائف " لكل جذرية ممكنة ، الذي يقدم الإمتثالية مع تبريرها المحكم. جعل الإنسلاب الأنطولوجي أساس كل إنسلاب ، معناه ، بطريقة ما في القول ، أن نتفه ، وفي نفس الوقت ، ان نخلع عن الإنسلاب الإقتصادي وأي مناقشة لهذا الإنسلاب طابعة المادي ، بواسطة تجاوز راديكالي خيالي لأي تجاوز ثوري.
يُدخل هيدجر مرة أخرى في نطاق الفكر الفلسفي المقبول أكاديميا ( ومناظرته مع الكانطيين الجدد تسهم كثيرا في أن تكفل له هذه الإحترامية ) موضوعات وانماط تعبير - وخصوصا أسلوبا تعويذيا ونبويا - كانت مقصورة قبلا على هذه الطوائف ، التي حطت رحالها على هوامش المجال الأكاديمي الفلسفي ، حيث تقابل واختلط نيتشه وكيركجارد وجورج وديستويفسكي ، والصوفية السياسية والحماس الديني. بقيامه بهذا ، فإنه ينتج موقعا فلسفيا هو المستحيل بعينه ، حيث تموقع في العلاقة بالماركسية والكانطية الجديدة بنفس الطريقة التي تموقع بها المحافظون الثوريون في المجال السياسي الأيديولوجي في العلاقة بالإشتراكيين والليبراليين. (15) ولا شئ يقدم دليلا أفضل على هذا التناظر - بغض النظر عن الإستعارات المباشرة من أشـد المسائل السياسية وضـوحـا ، مثل مسـألـة التقنيـة - من المكـان المتميز الـذي خصص للعزم ( للتصميم ) Entschlossenheit ، تلك المواجهة الحرة واليائسة تقريبا للحدود الوجودية ، المعارضة بنفس القدر للتوسط العقلي والتعالي الجدلي.



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو -- الفصل ...
- الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو -- الفصل ...
- العبث القانونى وهل يحمى الرئيس الثورة ؟
- المادية التاريخية والصراع الطبقى والممارسة الثورية -- جورج ل ...
- المادية التاريخية والصراع الطبقى والممارسة الثورية - جورج لا ...
- المادية التاريخية والصراع الطبقى والممارسة الثورية - جورج لا ...
- المادية التاريخية والصراع الطبقى والممارسة الثورية - جورج لا ...
- فى حقوق إمتياز الدولة البوليسية - إعادة هيكلة - قوى الثورة
- الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو
- قانون حماية مكتسبات الثورة -- الا نقضاض على مكتسبات الثورة ت ...
- المفهوم الماركسى للقانون جانيجر كريموف
- القانون ونظرية الخطاب
- امبريالية ام مابعد امبريالية ؟
- القمع يؤرخ للثورة -- ضد مشروع قانون الطوارئ
- القسم الثانى من رواية عشاق افينيون بقلم الزا تريوليه -- مراج ...
- القسم الاول من رواية عشاق افينيون بقلم الزا تريوليه -- مراجع ...
- رواية عشاق أفينيون بقلم الزا تريوليه -- مقدمة ومراجعة ابراهي ...
- النص القانونى بين التأويل و-او التدليل
- حول النقد الماركسى للقانون
- قوة القانون : نحو سوسيولوجيا للحقل القانونى بيير بورديو


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد العليمى - الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو -- الفصل الثالث