أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - حوار متجدد في شؤون الثورة السورية وشجونها















المزيد.....



حوار متجدد في شؤون الثورة السورية وشجونها


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3906 - 2012 / 11 / 9 - 19:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



• هادي العمشة:
Hadi Alamsha هل يُخالط الثورة نزاع طائفي، وما حجمه ؟
ليس كمنطلق، ولا من البداية، إلا من جهة النظام.
من المحتمل أن التعامل التمييزي مع البيئات السنية عزز الوعي الذاتي السني، بخاصة في مناطق التجاور الطائفي، السني العلوي، حمص وبعض مناطق دمشق.
ثم إن المجموعات السلفية الصاعدة طائفية التوجه بصورة مبدئية (وسأقول شيئا عن صعودها في إجابات لاحقة).
لكن في تقديري أن التوجه الوطني العام لا يزال هو الأوسع في أوساط الثورة، وفي المقاومة المسلحة نفسها.
Hadi Alamsha مع ازدياد حالة التدين بين الثوار، هل سيفرز ذلك قوى سياسية دينية جديدة في المستقبل (مثل حزب النور في مصر مثلًا)؟
هذا ظاهر منذ الآن. لدينا قبل الثورة سلفيون في سورية، ومراتبهم اتسعت اليوم على الأرجح بفعل ملاءمة إيديولوجيتهم للمقاومة المسلحة، وبفضل دعم شبكات سلفية خليجية لهم بالمال والإعلام. وإذا كان اندماج الإخوان المسلمين في حياة سياسية تعددية عسيرا، فإن الأمر أشد عسرا بما لا يقاس بخصوص السلفيين.
وإذا لم يكن الطغيان واستعباد الجميع حلا لهذه المشكلات، لا يبقى أمامنا غير تطوير موازين قوى اجتماعية وسياسية تفرض على السلفيين، والإسلاميين ككل، مشاركة غيرهم في حياة سياسية لا حق لهم فيها أكثر من الغير.
Hadi Alamsha ما تقييمك للمشاركة النسائية في الثورة؟
على المستوى الشعبي يبدو لي كبيرا جدا. شاركت نساء كثيرات بإيجابية في الثورة، بمن فيهن نساء محافظات، لم يسبق لهن أن مارسن دورا عاما قبل الثورة. لا أملك معلومات محددة، لكنهن لم يقصرن عن الرجال في شيء، حتى بحمل السلاح في حالات قليلة.
كان دور النساء ظاهرا جدا في الطور السلمي من الثورة عبر مظاهرات نسوية أو عبر المشاركة في مظاهرات مختلطة. وكما هو معتاد تقل المشاركة النسوية ويتغير شكلها مع تحول الثورة نحو المقاومة المسلحة
على المستوى النخبوي كانت مشاركة نساء معقولة. واللافت فيها هو مشاركة نساء علويات، وجذرية مواقفهن عموما. كانت الثورة أفقر لولا مشاركتهن المتنوعة الميادين.
Davin Amude ما هو تأثير الدول المجاورة على الثورة وخاصة تركيا؟
أراه في العموم تأثيرا إيجابيا، وإن مرتبكا على المستوى السياسي. شكلت تركيا بيئة استقبال لمنشقين سوريين، وأرض لجوء لعشرات ألوف السوريين الفقراء من مناطق إدلب واللاذقية وحلب والرقة. ووفرت قاعدة عمل لمعارضين سوريين متنوعين، ودعمت القضية السورية منذ وقت مبكر، رغم أن علاقتها مع النظام كانت إيجابية جدا قبل الثورة.
لكن على الصعيد السياسي أسهمت تركية في وقت باكر من الثورة في رفع سقف توقعات السوريين، العموم والخواص، وقال أردوغان إن تركيا لن تسمح بحماه ثانية، لكن أكثر من حماه وقعت في سورية، ولم تستطع الحكومة التركية فعل شيء.
لكن لو كنتُ تركيّاً ربما لفعلت الشيء نفسه. لا يستطيع طرف واحد، وإن قوي كتركيا، التصرف بصورة منفردة حيال شأن معقد كالشأن السوري. وحلفاؤها لم يكونوا سندا لسياسة أكثر فاعلية من جهتها.
2- وفق المصطلحات القانونية الدولية تصنف الأحداث الجارية في سوريا على أنها حرب أهلية، ونعلم حساسية السوريين من هكذا توصيف، ما تعليقك على التسمية والتصنيف؟
لا أعرف إن كانت "المصطلحات القانونية الدولية" تعتبر "الأحداث الجارية" في سورية "حربا أهلية". لكن لا مشكلة لدي في اعتبارها حربا أهلية، إنما مع توضيحين. أولهما أن نميز بين الحرب الأهلية والحرب الطائفية، أو أن نعتبر الصراع الطائفي شكلا خاصا من أشكال الحرب الأهلية، وأنه يمكن التكلم على حرب أهلية لا تكون في الآن نفسه حربا طائفية. والتوضيح الثاني أن كل الثورات الكبرى في التاريخ هي حروب أهلية، صراع عنيف بين قطاعات من السكان، ينزع إلى تغيير الهياكل السياسية والخرائط الاجتماعية القائمة.
ولا بأس عندي بعد ذلك في القول إن هناك حربا أهلية سورية. وتقديري أن تطاول أمد الثورة وتأخر سقوط النظام يبقي الصراع السوري جوهريا صراعا بين مجتمع ثائر وبين نظام طغموي، يحمي أوضاعا اجتماعية وسياسية امتيازية وغير عادلة، ويحول دون انقلابه إلى حرب طائفية مباشرة. ولا يلزم عن ذلك أن ننفي وجود عنصر طائفي في هذا الصراع، لكنه ليس العنصر المهيمن، لا من حيث جذور الصراع ولا من حيث تكوينه الحالي.

شفيع بدر الدين:
1-ورد في أحد منشوراتك الأخيرة بأن على المثقفين أن ينخرطوا بالثورة بصفتهم مثقفين لا سياسيين. هل لك أن توضح بصورة عملية تصورك لكيفية هذا الانخراط وتحديد ماهية العمل السياسي الذي لا تحبذه في انخراط المثقفة سيما وأن هذا الموضوع مطروح بين أعضاء التجمع و يحظى بنقاشات حارة.
شفيع، كنت اعترض في "المنشور" المشار إليه على شكلين من تفاعل المثقفين مع الثورة: يتذرع بعضنا بأنهم مشتغلون بقضايا الفكر أو المعرفة أو الفن، فلا يقولون شيئا عن أكبر صراع تاريخي يعيشه بلدهم منذ استقلاله، وربما منذ نشوئه؛ والشكل الثاني هو الانخراط في الثورة كسياسيين وبأدوات السياسيين. والموقفان معا يهدران كرامة الثقافة، مرة بسكوت مثقفين على ما لا يجوز إنسانيا ووطنيا السكوت عنه، وكان يمكن التدخل فيه وقول شيء في شأنه بأدوات المثقف من بيان ومقالة وبحث وكتاب وقصة وموسيقا وفيلم...، ومرة باستتباع الثقافة للسياسة والعمل بأدوات السياسة (الائتلافات والمجموعات السياسة...) لا بأدوات الثقافة. ولا أرى أن المشاركة في الثورة تقتضي حتما هذا الشكل، ولا أن العمل السياسي هي الشكل الوحيد، أو الأعلى، للمشاركة.
من جهتي أُفضِّل أن نساعد بطرقنا الخاصة، نشرح أوضاعنا ونقول أين نحن، ونعمل على إظهار المحتوى القيمي للثورة وندافع عنه. هذا طبعا حين نكون من مثقفي الكلمة. وأفترض أن مثقفي الخط والصورة والصوت يمكن أن يقوموا بما يشبه ذلك بأدواتهم الخاصة.
هذا ليس انسحابا من الثورة، لكن إصرار على العمل بأدوات مختلفة.
2- أصبح من المعلوم أن بعض القنوات الإعلامية المحسوبة على الثورة تطلب من الثوار صراحة مقاطع مصورة ذات طابع إسلامي معين حتى تقوم بالنشر وتهتم اعلامياً بالمنطقة ... كيف لنا مواجهة هذا التهويل الإعلامي لرسم صورة محددة تتوافق و أجندتها أو من يقف خلفها...؟
لا أعرف أي قنوات تعني، ولست متأكدا أن هذا ما يجري فعلا.
أعلم أن السوق الإعلامية ليست مفتوحة وحرة وتنافسية بالكامل، لكن ليس لنا إلا نستفيد من قدر التعددية المتاح اليوم، والعمل من أجل ساحة إعلامية حرة من تحكم السلطة والمال والدين.

سفانة بقلة :
1- كيف تقرأ مستقبل المجلس الوطني والتمثيل السياسي للثورة في ظل المؤشرات التي أرسلتها الإدارة الأمريكية مؤخرا؟ وماذا عن المبادرات والتشكيلات الجديدة؟ هل ستحدث أي فرق برأيك؟
قبل أية مؤشرات أرسلتها الإدارة الأميركية أو غيرها، كان المجلس الوطني في أزمة متعددة المستويات: أزمة فاعلية ودور، وأزمة ثقة داخلية فيه، وأزمة شرعية وقبول من جهة أوساط الثورة، وأزمة تمثيل بحكم سعي الإسلاميين إلى التحكم بمواقع التأثير فيه، وإن دون الظهور في الواجهة... ولا مستقبل له إن لم يطور سياسة ديناميكية تمكنه من معالجة هذه المشكلات.
لكن أخشى أن ما يعترض عليه الأميركيون هو، أكثر من عيوب المجلس، نقطة القوة الوحيدة عنده، التمسك بإسقاط النظام كمحور لرؤيته السياسية. وربما في إطار استراتيجية أميركية للتعامل مع الصراع السوري من زاوية مواجهة المجموعات الجهادية التي هي، في تصوري، نتاج جانبي لوحشية النظام وافتقار السوريين إلى سند في كفاحهم التحرري.
ويبدو أن توجه الأميركيين الجديد يقتضي دولة قوية أمنيا في سورية، ما يعني المحافظ على النظام، لكن بدون بشار الأسد على الأرجح، واعتبار أن هدف الثورة تحقق بالتخلص منه.
أخشى أيضا أن "المبادرات الجديدة" تندرج ضمن هذه الاستراتيجية، أو تؤسس سياستها عليها. وهي منذ الآن مثار انقسام سياسي حاد في الوسط السياسي السوري، يخفض كثيرا سقف التوقعات منها.
شفيع بدر الدين:
3- بات معلوماً أن الغرب عموماً معني أولاً وأخيراً بأمن إسرائيل، وهذا يعيه الثوار على الأرض تماماً. لكن أيضاً العرب همهم الأكبر هو إيقاف تسونامي الربيع العربي في سورية قبل أن يصل إلى عروشهم من خلال تشويه الثورة من جهة والحفاظ على توازن القوى من جهة ثانية، و بالتالي دمار وقتل أعظميين... السؤال: هل يدرك الثوار على الأرض هذه الحقيقة؟ وإن كان الجواب سلبي ما الوسيلة المثلى ليعوا هذا الأمر، وبالتالي يمتلكوا المرونة المناسبة حياله؟
لست أدري إن كان الثوار على الأرض يدركون "هذه الحقيقة" يا شفيع. أنا أيضا لا أدركها، ولا أستطيع أن أقترح شيئا على الثوار "ليعوا هذا الأمر".
أنا أيضا من "العرب"، ومتأكد أن همي ليس "إيقاف تسونامي الربيع العربي".
4-ما هي تصوراتك عما يُشاع حالياً بشأن التشكيل السياسي الجديد المزمع إعلانه من الدوحة و بدعم أميركي ... هل تعتقد أنه سيكون مختلف عما سبقه من تشكيلات؟
إذا لم أكن مخطئا فإن الهوية السياسية لهذا التشكيل تضم ناشطين سياسيين مستقلين من الطبقة الوسطى، كانوا ناشطين منذ بداية عهد بشار الأسد، ومنهم فيما يبدو منشقون عن النظام مثل رياض حجاب، وربما مناف طلاس، ويستفيد هذا التشكيل من امتعاض أميركي وغربي متزايد من المجلس الوطني السوري.
وأظنه يخاطب مخاوف خارجية ودولية من المجموعات السلفية، ويقول كلاما دالا على "قيادة قوية".
ولا أتوقع أن يكون مصير هذا التشكيل مختلفا. حين تبنى أطرا سياسية مختلفة من الملاك البشري نفسه، وفي ظل الأوضاع السياسية نفسها، يصعب أن تكون النتيجة مختلفة.
هادي العمشة:
1- هل فصل المقاومة المسلحة، وعزلها عن بقية أشكال المقاومة الثورية، ليتم احتواء عناصرها وثقافتها لاحقًا، أمر لصالح سوريا المستقبل؟ وكيف يمكن التعامل مع هذا الأمر حاليًا؟
أخشى يا أستاذ هادي أني لا أفهم ما تقول. ما المقصود بـ"فصل المقاومة المسلحة، وعزلها...."، ومتى جرى الفصل والعزل؟ ومن يقوم بهما؟
2- تستمر السلطة المتحكمة في سوريا برفع كلفة احتضان المقاومة المسلحة، ويبدو أن المقاومة لا يكفيها أساسًا الاحتضان الشعبي، بل مرهونة للدعم الدولي. إن لم يحدث تغيير على الوضع الراهن (انقلاب، انشقاقات ضخمة، دعم دولي) كم تتوقع أن تستمر المقاومة فعّالة؟
يبدو أن المقاومة المسلحة قادرة على تدبر أمرها عموما، عبر الاستيلاء على أسلحة من قوات النظام أو عبر التهريب. كان يمكن أن تكون أكثر فاعلية وأقدر على حسم الصراع لمصلحتها لو كانت أفضل تسليحا. لكن قاعدتها الاجتماعية الواسعة وعدالة قضيتها تمنحها طاقة استمرار لا تبدو مهددة بالنضوب في أي وقت قريب.

Davin Amude
1- هل دخول الجيش الحر إلى المناطق المليئة بالسكان يخدم الثورة؟
لدينا هنا معضلة. إذا ظلت المقاومة المسلحة في المناطق الريفية، كان محتملا لفاعليتها في مواجهة النظام أن تبقى محدودة. وإذا نشطت في المدن والمناطق المسكونة تسببت بارتفاع الكلفة البشرية وبنزوح الأهالي. ما العمل؟ وما يزيد المعضلة حدة هو ما يبدو أنه ليس هناك مركز قيادي أعلى، يقدر على وضع استراتيجية عامة موحدة للمقاومة المسلحة، ينسق الأمور واضعا نصب عينه مصلحة الثورة ككل، وبحيث يمكن للخسارة البشرية والمادية في مدينة محددة، حلب مثلا، أن يعوضها مكسب سياسي وعسكري واضح.
لا أعرف كيف نعالج هذه المشكلة التي تترتب أساسا على تحويل النظام البلد إلى ساحة لحربه ضد الثورة. لكن من شأن العمل على مساعدة المدنيين وتسهيل أمور حياتهم أن يسهم في تخفيف عواقب هذا الوضع.
2- هل سوريا المستقبل تعددية مدنية ديمقراطية لكل السوريين بمختلف الديانات والقوميات والطوائف؟
هذه هي سورية المأمولة. لكن لم يحصل في التاريخ أن أعقب تطور ديمقراطي سلس ثورة عنيفة. وتقديري أنه حتى لو سقط النظام في مطلع آب 2011، أي في نهاية المرحلة الأولى من الثورة، وقت لم تكن هناك مقاومة مسلحة إلا في أضيق نطاق، لكان أمامنا صراعات سياسية واجتماعية معقدة، وربما عنيفة في بعض أوجهها وجولاتها. في مصر وتونس مجتمعان أقل تركيبا، ودولة أكثر رسوخا ككيان وكمؤسسة حكم، ونظام حكم أقل طائفية أو غير طائفي بالمرة، ومع ذلك يمر تطورهما السياسي بمشكلات صعبة، وأمامه تحديات كبيرة ليس واضحا كيف سيجري تذليلها.
وهذا من باب أولى حال سورية، حيث المجتمع أكثر تركيبا، والنظام أكثر وحشية، والثورة طالت نحو 20 شهرا حتى اليوم، وكانت الحياة السياسية قبل الثورة أقرب إلى العدم.
أظن أن الثورات العربية تفتح بابا لصراعات اجتماعية وسياسية أكبر وأشد حدة. لدينا مشكلات غير محلولة، وحتى غير معالجة، على مستويات عدة، منها المشكلة الدينية التي ستفرض نفسها بحدة قريبا، ومنها طبعا المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الأكثر إلحاحا على المدى القريب، ومنها مشكلات إعادة الإعمار وعودة اللاجئين وأوضاع المعتقلين والمختفين والمعوقين... وليس في المتناول حلول لهذه المشكلات، ولا تكاد الموارد المتاحة تسعف حتى في معالجات إسعافية لها.
3- ما هي العوائق التي تمنع كتائب الجيش الحر من تواجدها تحت قيادة عسكرية موحدة؟
لعله التطور اللامتكافئ لمكونات الثورة، والطابع "المُنجّم" أو المتناثر للانشقاقات، والتفتت الاجتماعي الشديد، وصعوبات التواصل والتنسيق، وتداخلات تمويلية وسياسية خارجية، والمطامح البشرية التي لا تبرأ منه نفس.
فراس الجوابرة:
هل نحن السوريين وما نرتبط به من تاريخ قديم وتراث جميل قادرين على لفظ الظواهر المحدثة والتي ترافقت مع ثورتنا المباركة وهي دخيلة على المجتمع السوري؟ وهل يمكننا اعتبار الظواهر الجديدة التي بدأت تتشكل في نسيج المجتمع السوري مؤقتة؟
أظنك تعني، يا فراس، ظهور المجموعات السلفية. كي تكون الإجابة مفيدة يلزم أن نفهم كيف حصل ذلك. بتقديري أن هناك ثلاثة عوامل. أولا، وجود تيار سلفي سابق للثورة، كان متنحيا مثل كل شيء في البلد. ثانيا، مواجهة الثورة بعنف متطرف وتمييزي ضد الأوساط السنية على نحو خاص، وهو ما يدفع إلى التجذر والتصلب النفسي الذي يجد ركائزه الفكرية والنفسية في صيغ التدين الأكثر تشددا وتبسيطا، والسلفية أنسب من الفكر الإخواني الأكثر تعقيدا في هذا الشأن. وثالثا، دعم شبكات مالية وإيديولوجية سلفية في دول الخليج لهذه المجموعات ومحاولتها إبراز هذا الوجه للثورة ككل في إطار صراع إقليمي سني شيعي.
لذلك كلما طال الأمد بالثورة وتعنيف البيئات الثائرة، كان محتملا أن نرى ظهورا أوسع لمثل هذه المجموعات.
لكن من جهة ثانية لا أرى أن هذا الظهور عميق، وأقدر أن قسما منه سيتراجع بعد سقوط النظام ويعود منطق الاعتدال إلى فرض نفسه. على أنه لا شك أن مجتمعنا سيواجه بعد الثورة ما تواجهه مصر وتونس اليوم من صراعات مع الإسلاميين عموما، ومع التيار السلفي على نحو خاص.

Ahmad Zamriq
1- هل كان من الممكن تفادي حمل السلاح برأيك استاذ ياسين؟؟وهل من الممكن إسقاط هكذا نظام بالطرق المدنية؟؟ في ظل انعدام ثقافة العمل المدني سابقاً؟
لا أعتقد ذلك يا أحمد. لم يأت حمل السلاح خيارا حرا لأحد، ولا لأن أحدا دعا إليه. لم يدع إليه أحد في الواقع. ظهر كاستجابة للإباحة المتطرفة للمجتمع السوري الثائر واعتماد النظام الحرب وسيلة سياسية للتعامل مع الثورة منذ البداية. يقول دعاة سلميون إنه لولا ظهور المقاومة المسلحة لأمكن كسب الثورة بالاحتجاجات السلمية. أشك في ذلك كثيرا، ولا أرى أن أحدا قدم براهين مقنعة عليه. وأرى أن ظهور المقاومة المسلحة أطال في عمر الثورة، وحال دون أن يسحقها النظام. للسلاح مشكلاته طبعا، ونحن فيها اليوم، لكن ظهوره كان اضطراريا.
واسمح لي بالتحفظ على تعابير من نوع "انعدام ثقافة العمل المدنى" لأنها تضمر تصورا محددا للعمل المدني، مرتبط أكثر بالمجتمعات الغربية، ولأنها تفصل "ثقافة العمل المدني" المزعومة عن العمل المدني الفعلي. فكأنه يلزم أن نتثقف مدنيا أولا، ثم نطبق هذه الثقافة، فيكون عملنا مدنيا! لكن ماذا تسمي المظاهرات طول أكثر من عام، منها شهور لم يكن هناك غيرها؟ وماذا تسمي نشاط الإغاثة الذي نهض به المجتمع السوري دون أن ينتظر دروسا من أحد في "العمل المدني"؟ وماذا تسمي التغطية الإعلامية من قبل مئات المواطنين في كل مكان من البلد دون سابق تثقيف مدني أيضا؟
2- هل جملة (دخول الجيش الحر إلى المدن) هي جملة واقعية لمن يسأل عن جدوى ذلك ويطالبه بالخروج من المدن؟؟
في حلب تحديدا دخلت مجموعات الجيش الحر من الأرياف، وهذا يجعل الكلام على دخول المدنية وجيها. الأمر أقل وضوحا في مدن أخرى.
وفي الأمر معضلة كما سبق القول في إجابة سابقة. يركز بعضنا، مثل دافين عامود، على عواقب ذلك على المدنيين، ويبدو أنك تركز يا أحمد على أهمية سيطرة الجيش الحر على مواقع داخل المدن وإخراجها من سيطرة النظام.
فراس الحواط:
1- في إحدى محاضراته اتهم عزيز العظمة المثقفين السوريين إما بالتعالي أو بالشعبوية. في خضم الثورة التي انطلقت بشكل عفوي هل ترى أن المثقفين المنخرطين بالثورة مازالوا قادرين على التأثير الفكري؟
وأين وضع عزيز العظمة نفسه؟ فوق التعالي والشعبوية معا؟
أرى هذا تصنيفا تبسيطيا في كل حال، وأقرب إلى الابتذال في سياق معقد كسياق الثورة السورية اليوم. أدوار المثقفين السوريين أكثر تنوعا لمن يضع نفسه على مستوى العمليات الجارية، ليس فوقها ولا خارجها، وهي تمتد من معاداة الثورة والتحريض عليها وإصدار الفتاوى بوجوب إعدام المشاركين فيها أو حتى المتعاطفين معها، مرورا بقول كلامين والوقوف في موقعين في آن معا، إلى المشاركة المباشرة في أنشطتها الاحتجاجية أو السياسية أو الإعلامية أو الإغاثية أو الفنية. فضلا عن التفكير في مسار الثورة ككل ومراجعتها، والتأمل في موقع المثقف منها، وفضلا عن أعمال بحثية، ليست كثيرة بعد، لكنها تكفي للحكم على ما يقول العظمة بأنه نظرة خارجية، كان صاحبها يقول مثلها قبل الثورة ومنذ عقود.
أما مسألة التأثير الفكري فلا تقاس بنتائج مباشرة، ولا على المدى القصير.
ويبدو لي أن حدة الصراع في أوساط المثقفين، ومن تجربتي الشخصية، لا أعرف وقتا مضى كان فيه هذا الصراع أكثر حدة، يوحي بأن ما يقوله مثقفون مؤثر على مستوى الرأي وقيادة الرأي وصنع المواقف.
أما على مستوى التحويل الثقافي والفكري، فهذه مسألة لا تطرح في سياق الثورة، ولا بالتحديد على المثقفين المنخرطين في الثورة. هذه تطرح على مجموع المثقفين، ومن يعملون من 30 أو 40 أو 50 عاما بصورة خاصة، وتسائلهم عما فعلوا ولم يفعلوا، وإن كانوا يعرفون شيئا ذا قيمة عن مجتمعاتهم أو كتبوا عنها شيئا محددا، وإن كانوا منشغلين فعلا بالتحويل الثقافي أم برعاية سيرهم الشخصية.
محمد عامر الزكور
1- ماهي الآلية التي يجب أن نجتمع و نتوحد عليها نحن أبناء سوريا الوطن والشعب حتى نتمكن من اختراق الجدار الصلب الذي يفصلنا عن المستقبل؟
هذا مثل طلب الإكسير يا عامر. ليس هناك آلية إجماع تمكن السوريين أو غيرهم من "اختراق الجدار الصلب" الذي يفصلهم عن المستقبل. ولا أرى أن المشكلة أصلا في تفرقنا وصراعاتنا، ولكن ربما في أن نظامنا العام، وفي المركز منه نظامنا السياسي الذي تقوده طغمة منحطة فكريا وسياسيا وأخلاقيا، هو نظام هادر للطاقات، ومعاقب للكفاءة والنزاهة، ويقوم سلم قيمه على السلطة أولا والثروة ثانيا والقرابة ثالثا، فيما تتذيل السلم قيم العمل والعلم والكفاءة.
الثورة جهد لتغيير النظام السياسي، بما قد يضع السوريين في وضع يتيح لهم معالجة مشكلاتهم الكثيرة الأخرى. تغيير النظام، وأنت ترى كم هو صعب، وكم يجعل كل شيء أكثر تعقيدا في سورية وحولها، لا يحل بحد ذاته أية مشكلة. لكنه مدخل لا بد منه لمواجهة مشكلاتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية الكثيرة..
ناجي الجرف:
1- الثورة السورية أفرزت العديد من المواطنين المراسلين .. كيف تقيم تجربة المواطن المراسل في الثورة السورية؟!
هو من أجمل وجوه الثورة السورية، وأكثرها تعبيرا عن إبداعية الثورة وعموم السوريين. قد تكون الثورة السورية أول حدث تاريخي كبير على النطاق العالمي انفرد بتغطيته أو تصدرها بقدر كبير مواطنون مراسلون لم يسبق أن عملوا في وسائل الإعلام، ووضعوا الثورة السورية أمام أنظار العالم، إلى درجة أن بشار الأسد عبر في وقت مبكر من الثورة عن استيائه ممن يوصلون فيديوهات المظاهرات إلى الأقنية الفضائية أكثر حتى ممن يتظاهرون. وربما يلزم يوما أن نخصص يوما وطنيا للمراسل المجهول، وأن نرفع لهم نصبا أو أكثر من نصب في ساحات مركزية من مدننا.
نعمة عمران:
1- كثيرون يصفون هذه اللحظة بالحرب الأهلية. ما هي رؤيتك الخاصة للحرب الأهلية في الحالة السورية الآن؟ ما الذي تفتقر له الثورة السورية ذاتيا وموضوعيا؟
مثلما قلت في إجابة سابقة، نعمى، يمكن أن نتكلم على حرب أهلية في سورية فقط بمعنى أن كل الثورات حروب أهلية، كانت الثورة الانكليزية المجيدة كذلك، وكذلك الثورة الفرنسية، والثورة الروسية كذلك، والثورة الصينية أيضا. لكن ما يجري حتى اليوم ليس حربا طائفية، ليس حربا بين السنيين والعلويين، وإن كان هنا وهناك من يفضل أن يفكر فيها على هذا النحو. هي صراع عنيف بين نظام يمثل مصالح اجتماعية غير عادلة وبين قطاعات اجتماعية واسعة في جميع مناطق البلد تشغل مواقع الغارمين في هذا النظام. هناك تفاوت في تماهي السوريين في النظام والثورة، يحيل إلى تمايزاتهم الدينية والمذهبية، لكنه ليس منعزلا هو ذاته عن أكثر من 40 سنة من الحكم الأسدي.
وبخصوص ما تحتاجه الثورة، أظن أن قبل كل شيء كان يلزمنا نظام أقل وضاعة ووحشية، وأقل أنانية وانحطاطا. كان يمكن لكل شيء أم يكون أسهل تدبرا لو كان بشار الأسد في مستوى حسني مبارك أو زين العابدين بن علي السياسي والأخلاقي.
وبخصوص ما تحتاجه الثورة على المستوى الذاتي، ربما أولا قيادة سياسة أكثر رصانة وسدادا. كان الله أكرم معنا لو كان بعض السياسيين أقل تكرسا لمخاصمة غيرهم وتسميما للأجواء العامة، ولو كنا نستطيع أن نختلف وننتقد بعضنا دون أن نتخلى عن أصول الاحترام، واحترام النفس أولا.
في النهاية، نُعمى، ثورتنا تشبهنا. وبقدر ما هي تتفجر ضد نظام للحجب العام، فإن ما سيظهر بعد تمزق الحجاب هو وجوهنا، الجميل منها (وقد فاجأنا) والقبيح (ولا يزال أقل من توقعاتنا). وما يلزم هو أن نحافظ على السفور السياسي للمجتمع السوري ونقاوم فرض حجاب جديد. بعد حين يطول قليلا أو كثيرا ربما نصل إلى صيغ لتنظيم حياتنا السياسية تحفظ اختلافاتنا وتضمن قدرا أكبر من المساواة بيننا.

سامر الحلقي:
1- أستاذ ياسين ممكن بوصف دقيق قليلا وصف الخارطة السياسية في العالم اتجاه الثورة السورية ... حسب رؤيتكم وتحليلكم ... بعد اتساع سيطرة المعارضة المسلحة على الأرض.
الخارطة السياسية للعالم... يا سامر؟ حرام عليك!
يبدو لي استنادا لمستجدات الأيام الماضية أن الأميركيين والغربين مشغولو البال بالمجموعات الجهادية المتطرفة. ولأول مرة هناك اليوم أساس صلب لسياستهم حيال الصراع السوري. القوى الغربية الأحرى ستسير وراء الأميركيين وتصريح وزير الخارجية الفرنسي فابيوس قبل أيام عن ضرورة الحافظ على الدولة وأجهزتها وعدم تكرار الخطأ العراقي (الأميركيون، وليس العراقيين، هم من ألغى الدولة العراقية، ولا أعرف أحدا في سورية يفكر بإلغاء الدولة) ما يؤشر على تفكير مقارب لتفكير الأميركيين. وأظن أن تركيا والدول الخليجية العربية لن تمانع هذه الاستراتيجية، وربما تنتظر الأيام القادمة لتقول كلاما ما في هذا الشأن.
روسيا لا تريد تغييرا في سورية، ويقول وزير خارجيتها إن الإصرار على تنحي بشار يعني استمرار حمام الدم، لكن بشار هو حمام الدم شخصيا. إيران تريد النظام وتتماهي بالأسرة الأسدية وأجهزة المخابرات تحديدا، أي بالنظام و"سورية الأسد" وليس بسورية والدولة السورية. وهي على كل حال، ومعها حزب الله، مشاركة في الحرب ضد الثورة بطرق متنوعة، قد يكون من بينها مشاركة مباشرة لمقاتلين.
الدول العربية الأخرى ليس لها سياسة واضحة. والجزائر إلى جانب النظام، وتتطلع إلى "عودة الهدوء" على ما قال وزير خارجيتها قبل أسابيع.
2-هل من المتوقع مبادرة أمريكية حقيقة يعول عليها بعد نتائج الإنتخابات سواء من الجمهوري أو الديمقراطي ... ؟؟؟
إذا كان ما قتله في إجابات سابقة قريبا من الصواب، فأظن أن التجديد لأوباما سيكون الانطلاقة الفعلية لاستراتيجية أميركية تتمركز حول مواجهة الجهاديين وتحجيم الإسلاميين عموما، والحفاظ على أكثر ما يمكن من النظام، وإن مقابل تنحي بشار، ووقف الثورة واستعادة الاستقرار، وهو مطلب عزيز على الأميركيين دوما وعلى دول الخليج العربية، والدول جميعا في كل مكان.
وأستبعد أن نرى فرقا كبيرا عن ذلك إن فاز رومني، وإن ربما اقتضى الأمر بعض الوقت الإضافي قبل الاستقرار على شيء مقارب.

مصطفى يعقوب:
1- أستاذ ياسين...شو رأيك برياض سيف ؟! وهل المبادرة الأمريكية القطرية لتسلمه حكومة إنتقالية من مصلحة الثورة والشعب السوري أم لا؟
رياض سيف صديق شخصي، ورجل مخلص للقضية العامة، ودفع ثمنا معروفا لذلك. لكن هذا لا يضمن بحد ذاته أن تكون تفضيلاته السياسية صائبة. وإذا صح أن "هيئة المبادرة الوطنية" الملتفة حوله مرتبطة بتفاهم من نوع ما مع توجه أميركي عبرت عنه كلينتون قبل أيام، توجّه يتحسب كثيرا للمجموعات السلفية المتطرفة ويخاصم المجلس الوطني السوري، وربما يعمل على عزل الإسلاميين، فرأيي أن هذه مبادرة متعجلة، يحتمل لثمارها أن تكون مرة. ليست المسألة أن نعادي الأميركان وسياستهم "عالعمياني"، ولكن إن كان لنا أن نتفاعل مع سياسة طرف دولي كبير كالأميركيين، ويجب أن نفعل، فيستحسن أن تكون الأمور واضحة لنا بخصوص سياسة هذا الطرف، وأن نكون متفاهمين فيما بيننا على الأقل. لا يبدو الحال كذلك.
هالة العبدالله:
1- لماذا لم يظهر هناك قائد أو أكثر للثورة، مثلما تم مع المقاومة الفلسطينية وقادتها التاريخيين مثل عرفات وحبش والحواتمة؟ وهل تفتقد الثورة السورية للقادة؟
هالة، القضايا الوطنية في كل مكان من العالم أكثر وضوحا من القضايا الاجتماعية والسياسية وأكثر حظوة بالإجماع وأقل تعرضا للمنازعة. لدينا ولدى غيرنا يمكن أن نعدد كثيرا من القادة الوطنيين التاريخيين، والقليل من القادة الاجتماعيين والديمقراطيين. وقبل أن تكون القيادة أشخاصا، هي فكرة قائدة واضحة، تستقطب الناس و"تشرئب نحوها الأعناق"، ويسهل نسبيا أن تتجسد في تيار محدد أو في شخص. نحن نفتقر إلى الفكرة القائدة لأسباب لها علاقة بأن الفكرة الديمقراطية لا تنال إجماعا، وهي أصلا تتعارض مع الإجماع، ولأن مجتمعاتنا عموما، والمجتمع السوري منذ نصف قرن، تعرض لقطع رؤوس متكرر وتفريغ من أي قيادات سياسية أو فكرية، أو شخصيات ذات اعتبار وصدقية. وفرض على البلد رأس وحيد، هو عبقري السياسة والحرب والسلام، والمثقف الأول والفلاح الأول والطبيب الأول...
وعلى كل حال الثورات والحروب والمنعطفات التاريخية هي مصانع للقيادات، وبلداننا لم تعرف حروبا ولا ثورات ولا انعطافات كبرى منذ عقود. وأنا على يقين أن قيادات السنين المقبلة تتشكل اليوم في أتون الثورة وتجاربها القاسية.

باسل العبدالله:
1- ما مدى استفادة أو خسارة الثورة من الأجانب الوافدين؟
تخسر حصرا، ولا تستفيد. كلهم جهاديون، طائفيون مبدئيا، لا يعرفون شيئا مهماً عن المجتمع السوري وحساسياته، و"يساعدوننا" فيما لا نحتاج إليه. ولا يبعد أن يكون بينهم مرتزقة أو مرتبطين بجهات أمنية أجنبية.
ويبدو أن هذا صار معلوما حتى عند سلفيين سوريين وعرب. قرأت قبل أيام لسليمان العودة، السلفي السعودي، كلاما يحث فيه المقاتلين العرب والمسلمين على عدم التوجه إلى سورية، لأن السوريين غير محتاجين لهم في معركتهم، وكيلا يوفروا للنظام ذريعة بأنه يخوض معركة ضد عصابات إرهابية. وهذا كلام سديد.
2- لماذا لا نعيد بناء تجربة عام 2001 أي المنتديات؟ واعلم عدم وجودها على ارض الواقع ولكن أحياء الجان المدنية مهمة كتجربة ومهمة للقادم والمجال مفتوح للحوار في هذه المواقع، أي الفضاء الافتراضي؟
في المجال الافتراضي هناك عدد لا بأس به من المنتديات والملتقيات، بحدود ما أعلم.
لكن سيكون شيئا عظيما لو تطلق هذه التجربة حيث أمكن في "المناطق المحررة". من المهم أن يتداول السوريون في شؤونهم العامة، وأن نطور أهليتنا على الكلام العام والأخذ والعطاء، والتفاعل والاختلاف، فيما بيننا. كلما تبادلنا الكلمات أكثر كانت فرصتنا أكبر في أن لا نتبادل الرصاص.
هذا على كل حال من المشاريع التي تستأهل كل جهد بعد سقوط النظام.
نهى سلوم:
1- ما تفسيرك للموقف الخليجي المتقدم عن بقية الدول العربية الأخرى؟ وهل تري أنه من المجدي إحالة الملف السوري إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة في ظل عدم وجود إلزام بتطبيق قراراتها؟
قبل الثورة كانت علاقة دول الخليج جميعا مع النظام حسنة أو تتحسن.
بعد الثورة هناك عاملان أو ثلاثة في تفسير سياسة الدول الخليجية، السعودية وقطر تحديدا. أولا أنها تفكر الشأن السوري في سياق الصراع الإقليمي مع إيران، والنظام السوري في محور مع إيران، وازداد صلابة بعد الثورة. ثانيا أن القوى الغربية، وأميركا بخاصة ليست عدائية حيال الثورة السورية، ومعروف أن دول الخليج لا تناهض السياسة الأميركية في أمر مهم. وثالثا إن انحيازات جمهور السكان في هذه البلدان في أكثريته يتجه إلى التعاطف مع الثورة السورية لأسباب دينية أو سياسية. ويمكن أن نضيف أن هذه الدول تتطلع إلى أن تؤثر على مسار الثورة السورية في اتجاهات تناسبها، بما يحد من إشعاعها الهام ومن تأثيرها المحتمل على تلك الدول ذاتها.
نبيل محفوض:
1- إلى أي حد اهتم الناشطون بالتواصل مع قطاعات واسعة من الشعب السوري من الصامتين والمترددين، وخاصة من غير المؤيدين للنظام؟
من تقصد بالناشطين، نبيل؟ ناشطو الثورة الميدانيون؟ أم المجموعات السياسية؟ أم المقاومة المسلحة؟
عموما يبدو لي غير عادل أن تطالب الثورة بمعالجة مشكلاتها الكثيرة جدا والعسيرة جدا، والحفاظ على ولاء الجمهور الناطق الذي يدفع التضحيات الجسام، والاهتمام في الوقت نفسه باجتذاب الصامتين والموالين. من لم يدفعه كل هذا الدم إلى الكلام والخروج من تردده، قد يكون أفضل أن يبقى صامتا ويتردد بقدر ما يطيب له.
ويبدو أن من محوروا سياستهم حول المترديين والصامتين، لا يبدون اهتماما خاصا بالحفاظ على ثقة جمهور الثورة النشط، ولا يكادون يظهرون تعاطفا معه. وأنا ممن يعتقدون أنه في أوقات الصراعات الكبرى على المرء أن يقول كلاما واضحا وأن يختار لنفسه موقعا واضحا. لا تستطيع في الثورة إن تكون في مكانين معا. هذا إن أمكن للواحد منا أن يفعل ذلك في غير أوقات الثورة.
2- استسهال التشكيك والتخوين الذي نعاني منه عند بروز أي اختلاف بالرأي ووجهات النظر، ومدى تعلقه بالمرحلة السابقة للثورة ودوره حالياً في إضعاف الثورة ككل وقياداتها بشكل خاص.
اعتقد أن للأمر صلة بمدى نضج الفرد في مجتمعنا واحترام خيارات الأفراد وانتشار ثقافة الفردانية، بما فيها أشكال أكثر انضباطا من التنافس وأكثر انفتاحا من التعاون، وبما فيها أيضا حس النسبية والسياسة كشيء متميز عن الحرب والإلغاء، وهذا بدوره مرتبط بمستوى رسملة الاقتصاد والبرجزة الاجتماعية.
في مثل هذا الإطار تبقى الصراعات الاجتماعية والسياسية مطلقة وإلغائية، لا نسبية وقابلة للتسوية والحلول الوسط. والتخوين في هذه الحالة هو جزء من الصراع الشامل على القيم وعلى الشرعية، يفقد الخاسر بموجبه كل قيمة معنى، ويجوز تحطيمه تاليا، فيما يربح الفائز كل شيء، ومن حقه أن يفعل ما يشاء.
سنكون حققنا نقلة سياسية وثقافية مهمة إذا انتقلنا من الصراعات المطلقة إلى الصراعات النسبية. هذا هو المعنى الثقافي للديمقراطية.
3- واضح دور السلاح حالياً في تصدره للمشهد، وكذلك المال السياسي الذي يتحكم بالولاءات، هل من تصور عن كيفية السيطرة على هذين الأمرين خلال مسيرة الثورة وبعدها؟
ليس واضحا لي دور المال السياسي على مستوى الثورة ككل. أخشى أن هذا الكلام ينزع عمليا المعنى عن الثورة، وينكر أن هناك دوافع عامة وراءها، حتى في طورها الحالي.
بخصوص السلاح لا فرصة لنا في السيطرة عليه قبل سقوط النظام. هو مرفوع أساسا ضد النظام، وأن تسبب هنا وهناك في مشكلات كبيرة لأوساط محلية، سواء من قبل مجموعات مقاومة غير منضبطة، أو مجموعات إجرامية تستفيد من شروط الثورة لتختطف وتنهب وتسرق.
لكن في الأساس لدينا نظام يحارب كي يحكم البلد ويحرم السكان من العمل السياسي المستقل، ولديك ثورة تواجهه اليوم بالسلاح كي تمتلك الحرب أو تكسر احتكاره لها. حين نتخلص من نظام الحرب نصبح في وضع أفضل للعمل على ضبط السلاح.
4- إلى أي حد أثر اعتقال الناشطين والمثقفين أو تصفيتهم أو مغادرتهم للبلد على تصدر المشهد من قبل آخرين قد لا يتحلوا بقدر مناسب من وضوح الرؤية وتصور للثورة وأهدافها باعتبارها ثورة شعب وليست حرباً أهلية أو، مع وجود عوامل كثيرة تكرس هذه الصورة من القسوة التي استخدمها النظام في قمع الثورة إلى الضخ المالي والإعلامي الذي يكرس رؤى مماثلة.
ربما أكون أول من لفت إلى أهمية هذا العامل في بعض موادي المبكرة. اعتقال أو قتل أو هجرة الناشطين الذي يفكرون على المستوى الوطني، ويصدرون عن دوافع عامة في انخراطهم في الثورة، يدفع إلى الصدارة ناشطين أقل خبرة، وربما أصحاب الزنود الأقوى.
اليوم صار يقال هذا الكلام كثيرا، لكن في صيغة ماضوية تحن إلى أطوار انقضت من عمر الثورة ولا سبيل للعودة إليها وإن كانت أكثر جاذبية بلا شك وأحظى بالإجماع، وتكاد تدين الثورة في طورها الحالي وتنسحب منها. لكن تلك الأطوار المبكرة انقضت ودخلنا أطوار جديدة أعنف ليس فقط لأن غياث مطر استشهد ويحيى شربجي في السجن، وفلان أو فلان صاروا خارج البلد، ولكن لأن هناك نظاما وحشيا يسجن ويعذب ويقتل ويهجر، هو من قتل غياث وحبس يحيى واضطر فلان وفلان إلى الخروج من البلد.
ليس هذا عاملا جانبيا مثله مثل "الضخ المالي والإعلامي"، بل هو العامل الكبير والأساسي والمستمر، والذي يجب الكلام عليه بالتفصيل مرارا وتكرارا، وغيره رد فعل عليه قد لا يكون موفقاً. أما لماذا ترى أن "القسوة التي استخدمها النظام في قمع الثورة" و"الضخ المالي والإعلامي" هي من "العوامل الكثيرة" التي تكرس صورة "الحرب الأهلية"، وأظنك تقصد الحرب الطائفية، فهو سؤال يطرح عليك أنت، يا نبيل.
5- إلى أي مدى يتفهم الناشطون المصلحة الغربية وتقاطعها مع مصلحة الشعب السوري، وبالتالي فهمهم للتركيز الغربي والأممي على توصيف حرب أهلية لما يجري في سورية؟
مرة أخرى، من تعني بالناشطين؟ وما العلاقة بين فهم "الناشطين" المحتمل لتقاطع المصلحة الغربية مع مصلحة الشعب السوري، وبين التركيز الغربي والأممي على أن ما يجري في سورية حرب أهلية؟ أخشى أني مثل "الناشطين" لا أفهم ما تريد.
ناندا محمد:
1- هل من الممكن أن تساهم في وضع خطة عمل مستقبلية لبناء المجتمع السوري من جديد بحيث يصبح لدينا آلية تمكن جميع الأطياف السورية من العمل معا في هذه الخطة رغم كل الخلافات التي تكبر يوما بعد يوم بينها؟ وما هي أهم النقاط في هذه الخطة المستقبلية؟ والى أي حد برأيك يمكن أن ندرج حالة الطائفية ضمن المعوقات الأساسية التي من الممكن أن تعترض سير هكذا خطة؟
لست جيدا في خيمياء الإكسير، يا ناندا. ولا أعرف شيئا عن الخطة السحرية التي تنتج "آلية تمكن جميع الأطياف السورية من العمل معا في هذه الخطة رغم كل الخلافات". ومرة أخرى لا أرى مشكلة في الخلافات بحد ذاتها، لكن من المهم أن نطور نظاما سياسيا يتيح لنا التعايش بين المختلفين. من أجل ذلك يجب أن نتخلص من النظام الأسدي، الذي هو أصل التفكك واللاثقة بين السوريين، بدل أن ننشغل بفروع المسألة. على كل حال هذه في رأيي هي "خطة العمل" الوحيدة التي لا نستطيع أن نفعل شيئا مهما قبل تحقيقها.
الطائفية أيضا نتاج لأوضاع سياسة محددة، وليست مبدأ خالدا لمجتمعنا. لم تكن سورية مثالا للاندماج قبل الحكم البعثي والأسدي، لكن خمسين عاما من حكم الرفاق وأكثر من أربعين من "سورية الأسد" جعلا كل شيء أسوأ على هذا المستوى. ولا أرى أنه يمكن فعل شي مهم قبل التخلص من النظام. ينبغي أن تخرجي السكين من الجرح قبل أن تحاولي معالجة الجرح، أليس كذلك؟

فهد مارتيني:
1- أود أن أسأل إلى أين ذاهبة سوريا ما بعد الأسد؟ هل التطرف والمجازر المضادة يبرر سياسة النأي بالنفس لدى البعض، وهل هذا يعزز من رؤية أدونيس في ضبابية الربيع العربي لعدم وجود القاعدة الثقافية؟
نأي البعض بأنفسهم يُسأل عنه البعض. أعتقد أنه موقف غير مشرف وطنيا وإنسانيا، وثقافيا.
لكن اسمح لي أن أتساءل، فهد، أين وقعت مجازر مضادة؟ هناك تجاوزات وانتهاكات من قبل مجموعات مسلحة محسوبة على الثورة، من آخرها إعدام جنود نظامين بعد استسلامهم في إدلب، وقبله معاملة سجناء من جيش النظام والشبيحة بصورة غير إنسانية ولا تنضبط بأصول الحرب ولا بقضية الثورة العادلة، لكن هل وقعت "مجازر مضادة"؟ أين جرى ذلك ومتى؟ علما أننا نعرف من ارتكب مجازر الحولة وداريا وكرم الزيتون وعين عيسى وغيرها.
أما أن يشكو مثقف مشهور، يكتب منذ 60 عاما، ولم يحظ أي مثقف سوري آخر بمثل فرصه وعلاقاته وشهرته، من "ضعف القاعدة الثقافة"، فلست أدرى على من يقع اللوم؟
سألاحظ أن هناك نسقا في مواقف النأي بالنفس واتهام المغاير من قبل أدونيس وأشباهه سابق كثيرا للثورة، وأخشى أن محددات موقفه لا علاقة لها بالحرية والعدالة و..."القاعدة الثقافية".

Citizen Sham:
1- كوننا نتحدث مع الاستاذ ياسين في فضاءات افتراضية هل حذف من يخالفنا الرأي وحظره يحل مشكلة يا ترى أم انه تعبير عن نوع من الاستبداد الفكري؟
لا أعرف إن كان حذف من يخالفكم الرأي يحل لكم مشكلة، يا ستزن شام. لكن حذف أشخاص من قائمة أصدقائي على الفيسبوك أو حظرهم يحل لي بعض المشكلات. أولها أني لا أريد توفير فسحة للمنحبكجية، الفاجرين منهم أو المستحيين. وثانيها أني لا أتسامح بأي نوع من أنواع الكلام العنصري أو الطائفي أو المتعصب دينيا. وثالثها أن الصفحة مساحة للنقاش والتفاعل الودي، من لا يريد أن يكون وديا أو لا يستطيع التكلم إلا بأسلوب موتور يمكن أن يفعل على صفحته. ورابعها أني لا أقبل السفاهة والشتائم، شتمي أو شتم غيري. وأخيرا هذه الصفحة لي ولأصدقائي، ولا أشترط على أصدقاء الفيسبوك أن يكونوا مُحبين، لكن طبعا لن أقبل كارهين. ولا أفهم لماذا يريد كارهون أصلا أن يكونوا أصدقائي فيسبوكيا أو يعرضوا أنفسهم على صفحتي. أرض الفيسبوك واسعة، والله ييسر للجميع.
وأُفضِّل بخصوص أصحاب الأسماء المستعارة، مثلك يا ستزن شام، ألا أسمح لهم بالنقاش أصلا على صفحتي، لأنك أمام شخص محجوب الهوية لا يتحمل مسؤولية مواقفه. يحصل أن أتساهل حين تكون تدخلاتهم عادية، لكني أقل تسامحا معهم حين يبدؤون بالمماحكة.
لم يحصل أن حذفت شخصا لمجرد اختلاف في الرأي.

سامر الحلقي: هل نستطيع القول أن المعارضة السياسية المتمثلة بكل تشكيلاتها أنها في ضعف يتزايد وقصور عن الشارع ...؟ أم أنها تضمر مع مواجهة القوى السياسية العالمية والمصالح نتيجة قلة خبرتها... وعدم امتلاكها لأدوات حقيقية على الأرض بين الشارع و العناصر المسلحة، المتمثلة بالجيش الحر و الكتائب الأخرى. ومع عدم مواءمتها للمطلب الشعبي ... أضف أنها تتفكك و تتحلل و تبتعد عن بعضها ... هل ذلك اختلاف في الرؤى أم في المحاصصات ... أم تشنج في المواقف... ما هو تأويلك لفشل المعارضات في تبايناتها وحراكها الذي يبدو سطحياً ولم يصبو إلى الآن إلى عمق في الحل وفشل في استلام زمام المبادرة سياسيا و شعبيا ... شكرا.
أعتقد أن الجواب مركب يا سامر. من جهة هناك انفصال مديد كرسه الطغيان للمجموعات السياسية القائمة عن أية قوى اجتماعية حية. وهذا يجعلها ضعيفة أمام الإيديولوجيات واحتكار القيم، أو أمام الطوائف، أو أمام القوى الدولية. وهناك ضيق قاعدة العمل السياسي والاهتمام بالشأن العام بفعل الطغيان ذاته، وكذلك أولوية تأمين العيش عند أكثرية السكان، وهذا يضعف من إمكانية بروز قيادات ذات مستوى أرفع. وفي المقام الثالث تكوّن تفكير وسياسة أكثر المعارضين على اختلاف إيديولوجياتهم في مناخات الحرب الباردة، الاستقطابية جدا والمانوية، وفي ظل نظام سياسي داخلي قائمة على الحرب الباردة بدوره، والحرب الساخنة بين حين وآخر، وأسبغ هذا جوا من الحرب المستمرة على علاقات المعارضين وتفاعلاتهم، أو جعل من السياسة إحدى مشتقات الحرب. ولا مجال للترقي الفكري أو الأخلاقي أو السياسي في هذه الأجواء المسمومة على الدوام، التي اعتاد كثيرون منا عليها حتى صار صعبا عليهم العيش دون معارك صغيرة وضغائن صغيرة.
وربما نضيف حداثة كيان بلدنا، وضعف التشكل الوطني ونقص تبنين الدولة، بما في ذلك نقص تمايز منازل السياسة عن الإيديولوجية وعن الدين وعن الحرب، وكذلك ضعف التراكم السياسي، وقلة النماذج التي يقتدى بها.
الثورة على كل حال لم تخرج من الأوساط المعنية في السؤال، والتي حاولت التفاعل مع الثورة بصور مختلفة، منها محاولة قيادة عملية تفجر اجتماعي عظيم من قبل أناس لا يعرفون سورية جديا، ويعيش كثيرون منهم خارج البلد. ويعيش الجميع تقريبا خارج الثورة التي هي اليوم الداخل السوري الحقيقي.
مع ذلك، لا أرى ما هو استثنائي أو خاص في وضعنا. ولسنا مختلفين عن مجتمعات غيرنا مرت بظروف مماثلة. المهم أننا ننتشل أنفسنا اليوم من هذا المستنقع.

Moustafa Jacoub هل برأيك أن توحيد المعارضة السياسية الخارجية سيكون له إسقاط وتأثير على الداخل السوري...لأنني بصراحة أحس أن الموضوع لن يغير قيد أنملة بالصراع الداخلي بين الشعب والنظام.
ديناميكية الثورة منفصلة بقدر كبير عن ديناميكية الصراعات في أوساط المعارضة التقليدية، وهذه كلها خارجية قياسا إلى الثورة. ولذلك فإنها حين تقترب من التوحد لا تكاد تستفيد الثورة من توحدها، وحين تتفرق لا تتضرر منها الثورة أيضا. أشك على كل حال أن يكون التوحد ممكنا. النخبة السياسية السورية المعارضة الحالية، وأفرادها بين خمسينات أعمارهم وثمانيناتها، محتاجة إلى انقساماتها وصراعاتها، ولن تفرط بها بحال، لأنه لن يبقى له ما تنشغل به إن لم تشتغل ببعضها.

Abdul Motaleb Bakri هل بالإمكان أن تتكرر التجربتين التونسية والمصرية بعد سقوط النظام؟ أي استلام ما يسمى بالإسلاميين للسلطة؟
من حيث المبدأ نعم. سورية لا تختلف عن مصر وتونس من حيث أنها مجتمع عاش "على الحديدة" سياسيا طوال عقود، وصار الدين سياسة بديلة فيه عند قطاعات واسعة من السكان.
ومثل التوانسة والمصريين، لا يفتقر الإسلاميون السوريون إلى الطموح السياسي، وربما لديهم دوافع أقوى لتوكيد أنفسهم بحكم تاريخ علاقتهم بالنظام البعثي منذ بداياته، ثم بالنظام الأسدي.
لكن لدينا تركيب مختلف هنا للمجتمع. ولدينا ثلث السكان هم سلفا ضد حكم الإسلاميين في أية صيغة له، وتقديري أن أكثر من نصف السنيين ضد هذا الحكم أيضا.
ومحاولة الإسلاميين لفرض حكم إسلامي، وإن عبر صناديق الاقتراع، ستكون نتائجها أسوأ بكثير من الحكم البعثي.
لكن أتصور أنه يمكن لحكم الإسلاميين أن يكون مقبولا على أن لا يكون حكما إسلاميا، أي على النسق التركي، وفي إطار وطني علماني. إلا أن أمامنا على الأرجح صراعات اجتماعية وسياسية وفكرية كبيرة إلى حين نستقر على ذلك.
Amal Hwijeeh ما سر تصديق فئة لا بأس بها من المجتمع السوري إعلام النظام وخطاباته... عكس ما كانوا عليه قبل الثورة؟ وهل عمل النظام على خطة إعلامية لكسب الشارع السوري؟
أخمن أن للأمر علاقة بطلب السردية الملائمة لتثبيت الانحياز الملائم في سياق استقطاب اجتماعي بالغ الحدة. ننحاز أولا، ثم نبحث عما يسبغ على انجازنا طابع الحق والوطنية والخير.
لكن في جذور الانحياز ذاته تمتد في تربة مجتمعنا وتكوينه.
من ثوابت تاريخ سورية الحديثة أنه كلما وقع زلزال اجتماعي كبير جنح الناس إلى الاقتراب من طوائفهم، ولاحت هذه ملاذات آمنة من المخاطر المجهولة الداهمة. إنها سياسة القوقعة إن جاز التعبير. وبالعكس، في شروط مستقرة يشيع الميل إلى الابتعاد المتفاوت عن الطوائف، والخروج من قواقعنا والالتقاء بغيرنا من الرخويات.
ولم يحصل في تاريخنا الوطني القصير أن جرى القطع على نطاق واسع مع الحواضن الأهلية للسياسة والولاء. بل سارت الأمور في العهد الأسدي في اتجاه يرفع من قيمة هذه الحواضن، ويزيد من حاجة الناس إليها.
وتقديري أن هذه الظاهرة التي تلاحظينها تتصل بهذا الشرط الاجتماعي السياسي بقدر كبير. نفضل السرديات التي تؤكد انحيازنا التلقائي، ونمتنع عن متابعة سرديات أخرى من شانها أن تزلزل قناعاتنا أو تهدد أمننا النفسي.
أفترض كذلك أن قطاعات من الطبقة الوسطى المرتاحة كانت قد ألفت أن تعيش على نسق ترضى عنه، وتسير أحوالها نحو التحسن، رأت في الثورة كسرا لهذا النسق، وعدوانا على نمط حياتها. ولعلها تفضل السرديات التي تؤكد لها أن هذا عدوان شرير من جهة، وعابر سرعان ما يزول من جهة ثانية. وما يقوله إعلام النظام لا يزيد عن ذلك.
في جميع الأحوال جذر الواقعة هو في تكون وحاجات المتلقين، وليس في صدقية ما يقال أو وجاهته.
سفانا بقلة :
ما قصة شبيحة ياسين الحج صالح؟
بحدود ما أعلم فإن شبيحتي مكونون من فرد واحد، هو شابة سورية جميلة تعيش اليوم في فرنسا، وكانت ناشطة جدا في الثورة قبل سفرها. وأظنها تُعرّف نفسها بأنها شبيحة من "شبابيحي" في سياق التهكم على أشخاص، "معارضين" من نوع ما، تكرّموا بوصف أصدقاء وزملاء شباب يعجبهم شغلي بأنهم شبيحة لي. أقول أظن ذلك، لأني لا أعرف بالفعل ما الذي دفع الصديقة الشابة إلى فعل ذلك، ولم أسألها عنه.
وقبل حين وجد صحفي معروف أن من المناسب أن يلفت النظر إلى الواقعة، وليتساءل: ماذا سأفعل حين أصير في السلطة إذا كان لدي شبيحة منذ اليوم!
في تصوري ليس في هذا الكلام ما هو مختلف جوهريا عن قصة وجود عصابات مسلحة تابعة لي ولغيري، اجتهد في بثها موقع إنترنت تابع لجهاز أمن الدولة منذ وقت مبكر من الثورة. ولا هي مختلفة أيضا عن قول الموقع نفسه (قبل أن يتلقف الأكذوبة موقع "معارض"، وينسبها إلى "دبلوماسي فرنسي") من أني أقيم في السفارة الأميركية أو في منزل السفير الأميركي، أو في شيء اسمه البيت الدبلوماسي.
هناك "معارضون" لا يهون عليهم أن تحتقر حافظ الأسد وبشار الأسد أو تقول إنهم قتلة ومجرمون، وهناك "معارضون" لا يرضيهم أن تزدري مناف طلاس، وهناك موالون طبعا يعادون كل من يقف إلى جانب الثورة.
وراء كل هذه القصص الصغيرة هناك الموقف من الثورة وفيها، من هذا الصراع الاجتماعي والسياسي والفكري الكبير الذي نشغل فيه مواقع متعارضة. ووصف أصدقائي بالشبيحة هو من أسلحة البعض في هذا الصراع.

Alisar Iram: Will the civilian protest movement regain the upper hand and the moral ground?
الشرط اللازم لذلك، أليسار، هو وقف الحرب وتجفيف منبع الحرب، النظام الأسدي.
لكنه منذ الآن ليس كافيا. وكلما طال الأمد بهذه الحرب الإجرامية، شغلت الأنشطة المدنية موقعا ثانويا، وازدادت صعوبة إحيائها. وربما تطبع كثيرون منا بالحرب، وتعذر عليهم العودة إلى حياة عادية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الثورة مكتفية أخلاقيا؟
- أخيرا، استراتيجية أميركية حيال الصراع السوري... خاطئة
- الثورة السورية ومسائلنا الكبرى الثلاثة
- حوار في شؤون الثورة السورية وشجونها
- سياسة بين سياسيين، وإلا فحرب بين محاربين
- جماعة -ما تبقى-: السنيون السوريون والسياسة
- جوانب من -الاقتصاد السياسي- للحرب الأسدية الثانية
- الموجة الإسلامية الثالثة والثورة: بعض الأصول والدلالات والآث ...
- الثورة في خطر!
- مأزق الثورة السورية
- حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-
- حوار حول الثورة السورية والموقف الدولي
- كتاب -العقد الأخير في تاريخ سورية...-: جدلية المنهج المنفتح ...
- نزع القداسة عن الثورة
- حوار حول الشأن السوري والطائفية والمستقبل
- ما الاعتدال وما التطرف في الشأن السوري؟
- فقدت الحياة القديمة
- ما يستقيم وما لا يستقيم في معالجة -الأزمة السورية-
- حوار حول الثورة والمثقف والسجن
- الثورة السورية إلى أين؟


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - حوار متجدد في شؤون الثورة السورية وشجونها