أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - حوار حول الشأن السوري والطائفية والمستقبل















المزيد.....

حوار حول الشأن السوري والطائفية والمستقبل


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3862 - 2012 / 9 / 26 - 16:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أسئلة طريف الخياط

1- يتم تسمية الكرد باسمهم الصريح، وعندما بتعلق الأمر بالطوائف، فإن البعض يفضل، والبعض الآخر يتحاشى، الذكر الصريح للطوائف وحضورها في المعادلة السورية. ما هي محاذير الذكر الصريح للمكونات الطائفية، وما هي الموجبات التي تستدعي تسمية الطوائف بأسمائها؟
أمر الجماعات القومية (كرد، أرمن، و...عرب) مختلف عن الطوائف. الدولة الحديثة مبنية على المبدأ الوطني (أو القومي)، الذي ينظر إليه إيجابيا، وتسوغ جماعات إثنية أو لغوية نفسها به، وبمبدأ حق تقرير المصير الذي يترتب عليه. ويخفض هذا المبدأ نفسه من قيمة التمايزات الدينية ويحيلها إلى نطاق الخاص، ويميل عموما إلى التكتم عليها.
لكن ربما يجب أن نميز بين مطالب المعرفة، وهي تقتضي طبعا أن نسمي الأشياء بأسمائها، ونذكر ما في مجتمعنا من تمايزات موروثة وندرس تفاعلاتها ودينامياتها وصراعاتها المحتملة...، وبين مطالب السياسة العملية الموجهة نحو وحدة الشعب وبناء هوية عليا جامعة، وربما قدرا من النسيان وقدرا من التكتم. في المعرفة نُظهر ونكشف، و"نحلل" و"نفكك" و"نسبر ونقسم"، أي نفرق الظاهرة المدروسة كي نسود عليها عقليا، أما في السياسة فنستفيد مما تحصل لنا في مجال المعرفة، لكن ما يوجه عملنا هو التوحيد والجمع والتعبئة، و...النسيان.
في أوساط المشتغلين بالشأن العام في سورية مقاربتان لتناول الطائفية. مقاربة متعففة، تعتبر أن الكلام على مسلمين ومسيحيين وسنيين وعلويين... عيبا وطنيا؛ ومقاربة أخرى إباحية، لا تتميز بعدم التحفظ في الكلام على الطائفية فقط، ولا بـ"اللغبصة" بأيد عارية في أحشاء مجتمعنا فقط، إنما في سفاهتها وصدورها دوما عن موقع طائفي. أهل العفة يعتبرون أن الكلام على الطائفية هو الطائفية، وأهل الإباحة يرون أن الطائفية متولدة عن وجود الطوائف بحد ذاته، وأن هناك طائفة أو طوائف شريرة (طائفتهم أو طوائفهم) وطائفة أو طوائف خيرة (طائفتنا). وعموما يفترض المتعففون أن الطائفية نتاج وجود أشخاص سيئين وطائفيين، ولولاهم لما كان هناك مشكلة، فيما يرى الإباحيون أن الطائفية نتاج وجود طوائف سيئة، فإذا تخلصنا منها "مشي الحال" وانحلت المشكلة.
ورأيي أن الطرح السليم في هذا الشأن ينضبط بمبدأ "لا حياء في العلم" الذي يطبق على تناول الأطباء أو المحللين النفسيين... للشأن الجنسي. لا مناص من تناول هذا الشأن ومن الكلام على الأعضاء التناسلية والحياة الجنسية...، لكن السياق ودور الشخص المعني يهيئ سامعيه لتوقعات وتداعيات بعيدة عن الإباحية (التلصص على نشاط جنسي أو مشاهدة فيلم بورنو مثلا)، ودون مجاملة للتعفف الذي يضر في هذا الشأن ولا يفيد. أمر الطائفية أشد تعقيدا من الشأن الجنسي لأنها بطبيعتها شأن اجتماعي عام، ولأن التعفف عن تناول الظواهر الاجتماعية يمكن أن يكون مصلحة لقوى سياسية أو اجتماعية أو نتاجا لهيمنة تحدد ما هو مقبول التفكير والنقاش فيه وما هو غير مقبول، وذلك لأسباب خاصة ولحماية أوضاع وامتيازات غير عادلة. وهذا هو الحال في سورية اليوم. يستفيد النظام من هيمنة الطرح الوطني التقليدي (عيب هالحكي يا شباب، كلنا سوريين!) كي يسدل ستارا من الصمت على ممارسات طائفية متنوعة يقوم بها ويستفيد منها. نتواطأ معه إذا ركنا إلى هذا الهيمنة.
وحين تتبين أنه ليس هناك كتاب واحد عن الطائفية في سورية كتبه سوري في الخمسين سنة الماضية (وربما منذ نشأة الكيان السوري الحديث قبل 94 عاما)، مع علمنا جميعا بأننا حيال مشكلة وطنية كبيرة؛ وحين تلاحظ أن عموم من يرفضون تناول الطائفية على نحو ما يمتنعون عن تناولها على أي نحو، أي أنهم ضد مجرد النقاش فيها وليس ضد ما يفترض أنها طرق خاطئة في النقاش، من المشروع أن تستخلص من ذلك أن هذا التعفف أثر للهيمنة، هذا حين لا يكون تواطأ مع أوضاع تمييزية تناسب المتعففين.
والأثر المباشر للهيمنة هو وضع مطالب الفهم في صدام مع مطالب التفاهم الوطني أو تغليب مطالب التفاهم على مطالب الفهم (ومطالب السياسة على مطالب المعرفة على ما سبق القول). من جهتي لا أرى قيمة لتفاهم مبني على رفض الفهم أو نكران الحقيقة، ولا أظنه يدوم، ولذلك نحن مطالبون بتطوير فهم يحيط بهذه الظاهرة، ويعرض حساسية وطنية وإنسانية في الوقت نفسه.
تقديري أيضا أن طرح المشكلة علنا بغرض التعمق في فهمها يتوافق مع مقاومتها وتشكل جبهة اجتماعية واسعة ضدها، فيما سهّل التكتم المديد عليها من تمكنها من السياسة والمجتمع والثقافة في بلدنا مثل مرض خبيث.
إلى ذلك هناك سبب فكري إيجابي للتناول الصريح للمكونات الطائفية يتمثل في ضرورة نقل هذه الظاهرة الاجتماعية المقلقة من الشفاهي إلى المكتوب والموثق، ومن الإباحية في النطاق الخاص والعفة في النطاق العام إلى المسؤولية المعرفية والسياسية. هناك كثير من النميمة والتلطيش ومنطق الاتهام في مجال الشفاهي والخاص، وكثير من الحشمة المصطنعة في مجال العام. هذا وضع فصامي يلزم نقده وكشف منطقه والانتهاء منه. أعتقد أن المداومة عليه مهينة لنا، كمثقفين ومجتمع وبلد.
وفي النهاية أرى أن قلة التفكير المنظم في قضايا الطائفية والطوائف هو الوجه الآخر لقلة التفكير في سورية ذاتها، في تكوينها وكيانها وتاريخها الحديث والمعاصر وهويتها الوطنية ومجتمعها ونظامها السياسي. وبالمقابل، من موقع التفكير في سورية ككيان تاريخي وكمجتمع متغير، يمكن للتفكير في الطائفية أن يكون مثمرا.

2- هل الثورة السورية بمكوناتها المدنية والعسكرية تأخذ أبعادا طائفية، كيف نستطيع التحقق من هذا الأمر بغياب أرقام دقيقة أو تقريبية تدعم وجهات النظر المتباينة؟
على مستوى الدوافع والقيم الأولى الموجهة، الثورة السورية ثورة وطنية وديمقراطية، تعترض بصورة أساسية على نمط ممارسة السلطة العمومية، وتستند إلى القيم الإنسانية العامة من حرية وكرامة ومساواة وعدالة وأخوة واحترام متبادل بين الأفراد والجماعات، وتعتمد أسلوبا سلميا في احتجاجها، وتحيل إلى الشعب ككائن سياسي واحد (الشعب السوري واحد)، يريد شيئا (إسقاط النظام) ويأبى شيئا (ما بينذل)، ويعمل على صنع مصيره. هذه الملامح لم توفر سببا قويا لأي كان كي يعادي الثورة، إلا ملوثي الأيدي والضمائر من الملتحمين بالنظام.
لكن كان ظاهرا أن عتبة تماهي جمهور سني، في الأرياف والأحياء الطرفية بخاصة، في الثورة أدنى من غيره، بحيث لا يكاد يحتاج إلى جهد خاص كي يتعاطف معها أو يشارك فيها. بينما كانت عتبة تماهي عموم العلويين وقطاعات أكثرية من الأقليات الدينية والمذهبية الأخرى بالنظام هي المنخفضة، وبالثورة مرتفعة. هذا نتاج سياسة تعب عليها النظام ونخب مرتبطة به طول أكثر من أربعين عاما. وبفعل المواجهة الحربية للثورة من قبل النظام، واستهدافه التمييزي للبيئات السنية الحاضنة للثورة بأشد بطشه، اتسعت قاعدة الثورة في الوسط السني، وجنحت أكثر وأكثر نحو المقاومة المسلحة، فيما لم تتسع بالقدر نفسه في أوساط الجماعات الأخرى. لكن قطاعات مؤثرة منها ظلت إلى جانب الثورة، وإن كانت قلة ضئيلة من الثائرين غير السنيين يشاركون في المقاومة المسلحة.
وبالتدريج انزاحت الأرضية العقدية للمقاومة المسلحة وبثبات نحو "الإسلام"، وصارت تشرع نفسها أحيانا بمفهوم الجهاد. منذ أكثر من جيل هناك تقارب بين المقاومة المسلحة والإسلام في بلداننا، بعد جيل سابق كانت المقاومة تمارس على أسس قومية وبسارية.
وربما نرى في المستقبل تجاذبا بين قيم الثورة المحركة أو طبعها الأول، وبين العادات التي اكتسبتها أثناء مواجهة طويلة وبالغة القسوة مع النظام، أو تطبّعها. كلما طال الأمد بالثورة، وزاد الاحتمال بأن يغلب التطبع العنيف الطبع المسالم.

3- هل بالإمكان أن نعتبر أن الداخل السوري بمكونه العسكري حاليا ممهد لظهور أمراء حرب، ما هي احتمالات تطور الحالة السورية إلى حرب أهلية شاملة؟
لدينا اليوم أمير حرب اسمه بشار الأسد، ولا أعرف ما هي الحرب الأهلية الشاملة إن لم تكن الحرب التي يخوضها هذا الأمير من درعا إلى دير الزور؟ وأشك في وجود احتمال لأن نشهد حربا أكثر شمولا مما نرى اليوم.
هل يمكن أن نشهد مجموعات قتالية متنازعة في سورية بعد سقوط النظام، أو مع بقاء بشار أو من في حكمه أميرا على فلول النظام، وتمترسه في بعض مناطق البلد؟ لا أعرف. هناك ديناميات توحي بذلك، منها تعرية قطاعات واسعة من المجتمع السوري وتركهم بلا حماية من أي نوع ودفع قطاعات متسعة منه إلى التشدد، ومنها تحطيم الروابط الاجتماعية والوطنية وتغذية الطائفية وملايين النازحين والمهجرين، ومنها كلام يسمع أحيانا عن "انفصال" أو "استقلال"... وهذه كلها عمليات لا نعلم إلى متى ستستمر. كلما طالت كان مفعولها التدميري أكبر وكان محتملا أن يتولد عنها مجموعات قتالية متنوعة لكل منها زعامتها الخاصة.
لكن من خصائص الثورة السورية (وكل الثورات) استحالة توقع ما يجري غدا، وربما يقلب الأمور في اتجاه مغاير. وأفضل أن أتخيل أن وزن القوى الوطنية والمدنية سيبقى مهما، وأن من شأن سقوط النظام أن يدفع الأمور في اتجاه معاكس للعسكرة والتصلب النفسي والتشدد المذهبي نحو التقارب بين الناس وصفاء النفوس، ويكون نقطة بداية عملية التئام وطني وروح من التقارب والشراكة الوطنية. في المناطق شبه المحررة اليوم نرى أوضاعا صعبة، لكنها مستقرة، وجهودا لمعالجة ما يعرض من مشكلات، ولا يخشى إلا من العدوان الوارد في كل لحظة من قبل قوات الإمارة الأسدية. ولا أرى سببا كي لا يكون الأمر كذلك في سورية كلها بعد سقوط النظام.

4- يحتدم في العراق ولبنان، قبل الثورة السورية، احتقان سني شيعي تؤثر فيه قوى إقليمية. هل لتلك القوى دور في الساحة السورية، وهل من مصلحتها الدفع نحو تطييف الصراع، وهل ينسجم ذلك مع مصالح القوى الدولية في سوريا؟
لا أعتقد أن هنا سؤالا حول وجود دور لتلك القوى. السؤال هو حول كيفية الدور وأدواته. إيران وحزب الله لا يخفيان دعمهما للنظام، ونظام المالكي ليس بعيدا عن ذلك. إيران تقدم دعما ماليا واستخباريا وتكنولوجيا وإعلاميا، وبشريا. حزب الله يساهم في المجهود الحربي للنظام استخباريا وإعلاميا، وربما بالرجال. المالكي بالمال. ألاحظ تمايزا جزئيا لموقف الحكومة العراقية وشيئا من حرج. يشبه موقف السعودية وقطر من الطرف الآخر في الحرج، وفي فقدان هذه القوى لاستقلالية القرار. والنسق الطائفي في هذا الاستقطاب بعيد عن أن يكون عارضا.
لو كنا حيال عالم عاقل وسياسيين إنسانيين ليس لتلك القوى الإقليمية أو لأحد مصلحة في تطييف الصراع. لكن توسل الطائفية وفي السياسة والتحالفات السياسية ليس جديدا على أي من القوى المذكورة وعلى النظام السوري.
القوى الدولية ليس لديها مشكلة في تطييف الصراع طالما هو لا يمس مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية. هي تميل أصلا إلى التفكير في مجتمعاتنا من مدخلين حصرا: الدين والمذهب وما إلي ذلك من جهة، والمدخل الجيوسياسي من جهة أخرى. المجتمع والاقتصاد والسكان والبيئة الطبيعية والتاريخ... كله غائب.

5- شكلت الطبقة الوسطى حاملا ثوريا في الربيع العربي، كيف تقيم انخراط الطبقات الاجتماعية في خارطة الحراك الثوري بمختلف أشكاله، وهل يوجد تداخل بين العوامل المناطقية والطبقية والطائفية؟
يبدو لي أن القاعدة الاجتماعية للثورة في سورية مكونة من الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، ما كان يسمى في أوقات سابقة البرجوازية الصغيرة، في الأحياء الطرفية والبلدات والأرياف، ومن الأصول السنية بخاصة. من خصائص سوق العمل الجديدة التي تشكلت في عهد بشار بفعل "لبرلة" الاقتصاد أنها محابية للمدن على حساب الأرياف، وللمدن الكبرى على حساب الصغرى منها، ولمراكز المدن على حساب أطرافها والضواحي، وللحائزين على كفاءات وخبرات مناسبة لاقتصاد الخدمات الجديد على حساب المحرومين منها أو أصحاب الكفاءات القديمة. ولعل في هذا ما يفسر مشاركة لافتة لمنحدرين من أصول اسماعيلية في الثورة. فأكثريتهم تسكن في بلدات وأرياف لا توفر فرص تأهيل مناسبة ولا تعد بمستقبل اقتصادي آمن.
التقي هذا الشرط الاجتماعي الصاعد مع انحدار القاعدة الاجتماعية للإسلاميين في سورية والعالم العربي كله من شرائح أعلى، تجارية ومهنية، إلى شرائح أدنى يزداد تهميشها الاجتماعي والمكاني، والسياسي. هذا بينما نشأت برجوازية كبيرة جديدة امتيازية وشبه أرستقراطية، مرتبطة بالنظام ومستفيدة من عقوده وصفقاته.
لدينا وضع يشبه وضع طبقة الأعيان التي أطاح بها الحكم البعثي بعد أن كانت أضعفتها الانقلابات العسكرية والوحدة السورية المصرية. لكن مع فارقين مهمين. البرجوازية الجديدة فاشية، ولديها استعداد مجرب للقتل، وفي الأصل يشكل "القسر السياسي" مدخلا مهما لها إلى الثروة والنفوذ على نحو كان يميز التشكيلات الاجتماعية ما قبل الرأسمالية؛ ثم إن إيديولوجيتها اليوم ليست مزيجا من القومية العربية والاشتراكية بل ضرب من الحداثية اليمينية المعادية للديمقراطية والعامة، طورها أصلا مثقفون غير بعثيون بنسخ متعددة تجمع بين "العلم" والابتذال، وتشكل بمجموعها الإيديولوجية العضوية لضباط المخابرات وكوادر من الطبقة الوسطى والعليا ومثقفين مرتبطين بهما. الثورة ضد مجتمع "السوريين البيض" هذا بأكمله، ضد برجوازيته الجديدة وأجنحته الحربية ومثقفيه العضويين.
واللافت أنه ليس هناك إيديولوجية موحّدة للبرجوازية الصغيرة الجديدة، ولا تبدو معنية بتطوير إيديولوجية محددة. بقدر كبير من التقريب ربما نقول إن إسلاما غير متمايز هو إيديولوجية البرجوازية الصغيرة الجديدة. لكن عند التدقيق تجد إسلاما شعبيا وإسلاما إخوانيا وإسلاما سلفيا (هو الموجة الصاعدة في تقديري) وإسلاما سلفيا جهاديا وإسلاما غير عنفي. هناك أيضا مشاركون في الثورة من الطبقة الوسطى المهنية والمثقفين، تجمعهم ليبرالية غير واضحة المعالم بدورها، هي التي تعرض انشغالا أشد بالسلمية وبمبادئ حقوق الإنسان.

6- هل هناك تخوف من تشدد إسلامي يؤثر على حرية الرأي و التعبير والاعتقاد، كيف تنظر إلى هذه المسألة في سوريا ما بعد الأسد؟
هناك تخوف طبعا. وأتصور أن ذلك يتولد عن نوعين من الظروف. أولهما وزن إسلاميين متنوعين في الحياة العامة في سورية ما بعد الأسدية، ونزوعهم المرجح إلى تشكيل البلد على صورتهم ومثالهم، على نحو يحاكي ما يمكن توقعه من أي قوة سياسية صاعدة، وما نرى بعض مؤشراته في تونس ومصر. وثانيهما وضع الحريات الهش في الفكر الإسلامي، وعدم القبول الحاسم والنهائي بمبدأ حرية الاعتقاد الديني والحرية الجوهرية للإنسان. وهذه قضايا ستصبح راهنة جدا في سورية بعد سقوط النظام.
لكن أعتقد أن العامل الحاسم في وضع الحريات في سورية بعد الثورة هو التوازنات الاجتماعية والسياسة التي ستقوم. لا يستقيم في مجتمع مركب مثل سورية أن يفرض طرف سياسي أو اعتقادي مفهومه للدولة والمجتمع. هذا هو الدرس الأول من الحكم البعثي الأسدي. سورية ما بعد البعثية وما بعد الأسدية لا يمكن أن تكون سورية بعثية بلا بعث وأسدية بلا أسد أو بأسد آخر. هذا لن يمر. إلا ربما بحرق البلد!

7- كيف ترى مستقبل سوريا جيوسياسيا من حيث وحدة أراضيها، وشكل النظام السياسي الإداري المقبل، من حيث الفدرالية أو اللامركزية أو المركزية، وتأثير العوامل العرقية والدينية والمذهبية على شكل الأحزاب السياسية السورية؟
الأمر مرهون بكيفية التخلص من النظام الأسدي، وبمتى سيحصل ذلك: اليوم أم بعد شهور أو ربما أكثر؟ كلما طال الأمد كانت احتمالات التفكك الوطني أكبر.
إذا تخلصنا من النظام بقوانا الخاصة، وإن بمساعدات خارجية (لكن دون تدخل مباشر)، كانت عوائد ذلك أفضل على سلامة الكيان الوطني. والعكس صحيح.
يبدو لي مؤكدا منذ اليوم أنه سيكون هناك حضور أكبر للأهلي والجهوي في الحياة العامة بعد الثورة. هل هذا سيء بحد ذاته؟ هل يتحتم أن يؤدي إلى نظام محاصصة على الصعيد السياسي؟
أنا محتار في هذا الشأن، وموزع النفس بين نموذج الدولة الوطنية المركزية القائمة على المواطنة والمعادية للتمايزات الثقافية أو المتحفظة حيالها على الأقل، وهي لا تزال النموذج المهيمن عالميا؛ وبين ضرب من مجتمع تعددي متمركز حول الحرية، ويتميز بدرجة عالية من اللامركزية المتعددة المستويات، ويبدو أن كل دول العالم، بما فيها الأعرق في االقومية والمركزية مثل فرنسا، تسير في هذا الاتجاه.
وعلى كل حال أتصور أننا بحاجة إلى قدر واسع من اللامركزية والحكم المحلي الواسع الصلاحيات. هذا ضروري تنمويا وسياسيا، ويمكن له أن يكون حاجزا ضد استبداد المركز أيضا.
لكن ألا يحمل مخطر تفكك كيان ليس شديد التماسك أصلا؟ وهل نستطيع رسم حدود واضحة بين لا مركزية إدارية واقتصادية، وبين الحيلولة دون أن تكون الإثنيات والمجموعات المذهبية مراكز فرعية جديدة؟ أي كيف نجمع بين ضروب من اللامركزية مناسبة للتنمية والحكم المحلي، وبين شد بنية البلد وتفوق جاذبيته الداخلية على أية ميول تفككية أو نابذة؟ هذه قضايا أتصور أن تواجهنا في وقت غير بعيد.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الاعتدال وما التطرف في الشأن السوري؟
- فقدت الحياة القديمة
- ما يستقيم وما لا يستقيم في معالجة -الأزمة السورية-
- حوار حول الثورة والمثقف والسجن
- الثورة السورية إلى أين؟
- ما قصة روبرت فيسك؟ ماذا يريد؟
- -الصورة واضحة-: مؤامرة خارجية وإرهاب داخلي!
- سياستان موضوعيتان وسياسات ذاتية للثورة السورية
- المسألة السورية والنظام الدولي
- نظام الإبادة: من الإبادة السياسية والأخلاقية إلى القتل الجما ...
- بخصوص الثورة السورية والأخلاق
- في الجذور الاجتماعية والثقافية للفاشية السورية
- الدولة الظاهرة والدولة الباطنة في سورية
- حلب
- حوار حول مشكلة الطائفية وسياسة الأقليات
- مشاهد سورية الجديدة وملامحها
- تكوين الثورة وعمليات تشكل سورية الجديدة
- حقوق الأقليات أم جمهورية المواطنين؟
- فصل رابع من الصراع السوري
- على درب القيامة الكبرى في دمشق


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - حوار حول الشأن السوري والطائفية والمستقبل