أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تكوين الثورة وعمليات تشكل سورية الجديدة















المزيد.....

تكوين الثورة وعمليات تشكل سورية الجديدة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3808 - 2012 / 8 / 3 - 15:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


للثورة السورية مكونات معلومة. مكون مدني احتجاجي هو الجذع الأصلي للثورة، ومكون عسكري متوسع المراتب هو من يكاد يستأثر باهتمام وسائل الإعلام، ومكون سياسي يثير "أنواته" المتخاصمون كثيرا من الغيظ أو أكثر.
وبينما قد يمكن التكلم على مكونات فرعية، إعلامي وإغاثي، وربما ثقافي، فقد يكون الأنسب إجمال هذه المكونات الفرعية الأخيرة في مكون اجتماعي واسع ولا يكف عن الاتساع، وإن تكن أكثر أنشطته غير مرئية لافتقارها إلى صفتي المشهدية والدرامية اللتين تجتذبان وسائل الإعلام. يتعلق الأمر هنا بروابط منتشرة من التنظيم والتضامن والدعم والمشاركة المادية والمعنوية، سواء في شبكات منظمة بمقادير متفاوتة، أو بعدد لا يحصى من مبادرات فردية، تتضمن المجازفة والتعرض للمخاطر. وليس بعيدا عنها عمل مصورين بهدف التوثيق أو التغطية الإعلامية، وعاملين في الإعلام الجديد المتعدد الوسائط، وتقنيو برمجة أكفاء، قام بعضهم بأعمال مشهودة ضد النظام ولمصلحة مجموعات الثورة، سيأتي الوقت للكلام عليها.
وبينما هناك شبكات معروفة تجمع بين الإغاثة (المعاشية والطبية) والتغطية الإعلامية والتوثيق، والنشاط السياسي بقدر ما، فإن العبء الأكبر للنشاط الإغاثي يقع على عموم السكان في كل مناطق البلد. يكاد يمكن القول اليوم إنه لم يبق غير قلة من السوريين، من غير الموالين للنظام، خارج هذا المكون الاجتماعي للثورة. وغير قليل من هؤلاء أناس جرّتهم الثورة بدوافع إنسانية، دون أن يكون لهم أدنى اهتمام سياسي سابقا، بل ومع استمرار بعضهم في اللامبالاة بالعملية السياسية للثورة أو حتى التحفظ عليها. لكن يجمع الكل شعور بالتضامن والواجب الإنساني والوطني.
وأقرب مكونات الثورة إلى هذا المكون الاجتماعي العريض القاعدة هو النشاط الاحتجاجي المدني الذي كان استمراره اليومي مأثرة مدهشة للسوريين. لا يزال هذا النشاط جاريا حيث أمكن، لكن تعذر كليا تحت وطأة الحرب المفروضة في أكثر مناطق البلد، وهو يعود إلى الانتعاش حيثما خف الضغط العسكري المباشر، على نحو ما شهدنا مناطق إدلب بعد توجيه النظام أكثر قواته إلى حلب. وبالحساب النسبي تشكل المظاهرات الاحتجاجية اليوم كتلة أقل في جسم الثورة الكلي، بالنظر إلى تسارع اتساع مكونات الثورة الأخرى، بخاصة المكون العسكري (ربما 100 ألف مقاتل اليوم).
لكن إذا نظرنا إلى المكون الاجتماعي ككل فإنه يبقى متن الثورة السورية، ويقدر دونما شك بالملايين.
هذا الاتساع حاسم من أجل سورية الجديدة، ما بعد الأسدية.
من المرجح أن يكون لدينا مشهد سوري متنوع فوضوي، تحضر فيه بصخب طبقة سياسية أوسع بما لا يقاس مما أتيح في أي وقت في ظل الحكم البعثي، لكنها منقسمة ومتخاصمة، ويفتقر أكثر أفرادها ومجموعاتها إلى قوة وشرعية ذاتيتين. وضمن هذا المشهد طيف واسع من عسكريين ومقاتلين، ليس كثيرون منهم مفتقرين إلى المطامح السياسية، وبعضهم منجذب إلى هذا التيار أو تلك، لكنهم يتميزون عموما بخشونة العسكر وميلهم إلى السيطرة والمغامرة، على نحو يعرفه جيدا تاريخ سورية خلال نحو ربع قرن بعد استقلالها.
سيكون مهما في هذا المشهد العام أن يكون هناك مجتمع نشط، خرج من سلبيته وشارك بطرق متنوعة في الثورة فارتفع تقديره لنفسه، بحيث لا يسهل على أي كان أن يطويه تحت أبطه. مجتمع متحفز، لأفراده آراء سياسية، وهم على معرفة لا بأس بها بالطبقة السياسية الجديدة بفعل وسائل الاتصال الجديدة وكثافة تداول المعلومات والتغطية الإعلامية المعقولة للثورة السورية. وبينهم قطاعات واسعة شاركت بقوة وفاعلية في الثورة، بما في ذلك المقاومة المسلحة. وهذه القطاعات تشكل ضمانة ضد أي مصادرة نخبوية للمجتمع والسياسة في سورية طوال جيل على الأقل.
ومن وجهة نظر المستقبل، فإنه كلما زاد وزن المكون العسكري، وهو أمر متوقع إلى حين سقوط النظام، تزداد أهمية هذا المكون الاجتماعي العريض. من شأن عسكريين متنوعي الأصول والمشارب، موزعين على تشكيلات لا تنتظم ضمن إطار جامع، ومنتصرين في معركة وطنية على هذه الدرجة من القسوة وطول الأمد، أن يكونوا خطرين سياسيا، إن لم يعدل نفوذهم وتأثيرهم مجتمع ناشط سياسيا وصعب القياد. بخاصة في ظل وجود نخب سياسية ركيكة، ويرجح أن تتهافت على العسكريين بفعل ضعفها الذاتي.
بالمقابل، فإن المقاومة المسلحة ضمانة ضد السيطرة النخبوية. وبخاصة في مواجهة ترتيبات سياسية مشبوهة ومفروضة من الخارج، من نوع تزكية مناف طلاس أو أي معادل له.
من هذا الباب فإن طول أمد الثورة، وهو مكلف من وجهات نظر متعددة، مفيد كتدرب مديد على العمل العام والتثقف السياسي وصعوبة المراس.
وفي هذا ربما تختلف سورية اليوم عن سورية التي خرجت من الانتداب الفرنسي. القاعدة الاجتماعية للنشاط السياسي أكبر اليوم بالمقادير المطلقة (تزايد السكان نحو 8 مرات) والنسبية. كان أكثر من ثلاثة أرباع السوريين وقتها مقيمين في أرياف مهملة حينها.
ولعلها تختلف من وجه آخر، مهم. فظهور مكون عسكري متسع للثورة السورية لا يقترن اليوم بصعود إيديولوجية حربية متحمسة للسلاح والرصاص والكلاشينكوف والدم، وليس في خلفيته عقائد تدعو إلى العنف الثوري، وتحتفي بالبطولة والمجد الحربي. أثناء الثورة تطورت أو استعيدت لغة تمجد الشهداء والأبطال، وتثني على المقاتلين في "الجيش الحر"، لكنها مرتبطة بالحدث، ولا تبدو مؤهلة للدوام بعده. ومن بين أكثر النقاشات حيوية التي عرفتها الثورة النقاش حول السلمية والعسكرة، وهو نقاش يسجل وجود نفور واسع من العنف، ولم يكد أحد يعتبر العسكرة قيمة بحد ذاتها أو ينسب إليها فاعلية ذاتية إيجابية. إنها اضطرار يتعين التعامل معه بجدية.
يبقى القلق من العسكر والمقاتلين مسوغا نظرا إلى تاريخ البلد وإلى تجارب غيرنا. وستكون فرصنا أكبر لمواجهة مبعث القلق كهذا كلما كانت نسبة أعلى من السوريين منخرطة في الثورة ومشاركة في عملياتها المختلفة. هذا يتحقق اليوم بفعل توسع النظام في الإجرام، وتوسع دائرة أعدائه لتشمل أكثرية السوريين. وبفضل شجاعة مئات ألوف السوريين في مئات المواقع في البلد ومبادراتهم الذاتية وتنظيمهم الذاتي.
ومن مسوغات القلق من العسكر والعسكرة وجود مجموعات مقاتلة إسلامية، وبعضها سلفية، وهي تعلي من شأن "الجهاد" والسلاح بطبيعة الحال. وبينما وزنها بعيد عن أن يكون أكثريا وعقيدتها بعيدة عن أن تكون مهيمنة، فإن طول أمد الثورة مقلق في هذه الشأن المحدد، إذ يبدو أنه يتوافق مع تشدد ديني منتشر. وهو في ذلك يناقض تأثير التسييس المتسع للمجتمع السوري.
وبنظرة عامة فإن المستقبل السوري القريب يتشكل من التفاعل المعقد لأربعة عمليات: اجتماعية وسياسية وعسكرية ودينية. ليست أي من هذه العمليات متجانسة، وليس تأثير أي منها سائرا في اتجاه واحد. الأرجح أننا سنرى تركيبات متنوعة منها وغير متوقعة منها. أمامنا أوضاع معقدة ومربكة وخصبة ومحرِّرة. إنها ثورة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق الأقليات أم جمهورية المواطنين؟
- فصل رابع من الصراع السوري
- على درب القيامة الكبرى في دمشق
- لماذا، وضد من يثور السوريون؟
- الثورة السورية وظاهرة -الانشقاق-... أية سياسة؟
- في عالم انفعالات الثورة السورية
- الثورات العربية وصعود الإسلاميين السياسي
- إبطال وظيفة السجن... حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-
- في جذور الحرب وامتناع السياسة...
- صعود العدمية المقاتلة في سورية
- ثلاثي الحرب السورية... دولتان قوميتان وطغمة
- أجساد سورية العميقة وأرواح سورية الظاهرة
- على مشارف الحرب السورية
- من الأبوات إلى الأنوات... جيلان من السياسة والثقافة
- نظام الأسد بلا... أسد!
- صورة -الشوايا- وحال منطقة الجزيرة السورية
- الثورة وإفلاس نماذج التحليل السائدة
- أنا والتلفزيون والثورة
- الثورة والسلاح: خطوط عريضة من القصة
- التجديد لغليون وحال المعارضة السورية


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تكوين الثورة وعمليات تشكل سورية الجديدة