أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الثورة السورية وظاهرة -الانشقاق-... أية سياسة؟














المزيد.....

الثورة السورية وظاهرة -الانشقاق-... أية سياسة؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3790 - 2012 / 7 / 16 - 15:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


"انشق" مؤخرا عن النظام السوري العميد مناف طلاس، الضابط في الحرس الجمهوري، وابن العماد المتقاعد مصطفى طلاس، وزير دفاع حافظ الأسد طوال سنوات حكمه تقريبا، ثم وزير دفاع ابنه ووريثه بشار لنحو أربع سنوات. العميد طلاس من جيل بشار الأسد، "الجيل البعثي الثالث"، الذي ولد أفراده في النعمة، وتوزعوا بين مراتب السلطة والمال (الجيل الأول جيل الدعوة، والثاني جيل السلطة). وتظهره صورة له جرى تداولها بعد الانشقاق بمظهر نجم سينمائي أميركي، ببشرة برونزية وشعر مهمل بعناية فائقة، وبسيكار غليظ في الفم.
ليس العميد طلاس أعلى رتبة انشقت عن الجيش السوري، فقد سبقه أكثر من ضابط برتبة لواء، لكن لا ريب أنه الأقوى سلطة والأقرب إلى مراتب النظام الداخلية. في سورية الأسد ليس اللواء دوما أعلى من العميد، ولا المساعد أول أدنى من الرائد بالضرورة، بل يشيع أن يحوز متوسط الرتبة لا يحوز مثلها عميد أو لواء. للأمر علاقة بمراتب سلطة خفية، تبطن المراتب المعلنة وتهيمن عليها. وتنتمي هذه المراتب الخفية إلى عالم السحر الخالص، وقد رفع يوما ضابطا بلغ رتبة المقدم خلال ست سنوات، ولم يخض أية معركة، إلى رتبة فريق، أعلى رتب في الجيش السوري.
وبعد العميد بن العماد بأيام انشق سفير النظام السوري في بغداد، وكان تقلب في وظائف أمنية وحكومية في النظام السوري، قبل تعيينه سفيرا. السلك الدبلوماسي السوري في مثل مرتبة أجهزة الأمن من السوء.
لكن بينما أعلن السفير انضمامه إلى "ثورة الشعب السوري"، فإن عميد الحرس الجمهوري لا يزال صامتا بعد أسبوع من انشقاقه المفترض، ويبدو أنه اليوم في باريس، المدينة الفرنسية المغمورة التي يقيم فيها أبوه المسن أيضا. "كفر نبل المحتلة" التي تمثل ضمير الثورة السورية، قالت إن "كتيبة شارل ديغول" التي يقودها العميد طلاس سيطرت على شارع الشانزليزيه!
وقائع الانشقاق هذه مرشحة للتزايد. تشعر أعداد أكبر من جماعة النظام أن معركته خاسرة، ويفضلون القفز عن قارب يبدو موشكا على غرق أكيد. هذا طيب من وجهة نظر الثورة. كل ما يضعف نظاما على هذه الدرجة من الدموية وانعدام الضمير مرحب به، حتى وإن كان دافع المنشقين النجاة بأنفسهم. لكن الأمر يطرح تحديا على الثورة من حيث أن للمعنيين، وبدرجة تتناسب مع علو مراتبهم في النظام، تاريخ غير مشرف، حين لا يكون قذرا كل القذارة. وإذا كان صحيحا أن الأفسد والأشد إجراما هم الباقين مع النظام، وهو صحيح، فإن هذا لا يسبغ على من انفصلوا عنه براءة وطهرا. وإذا كان هناك سحر يجعل المقدم فريقا، ويجعل الجمهورية ملكا وراثيا، فليس هناك سحر يقلب التابع الفاسد رجلا نزيها، والمتعجرف الأجوف متواضعا كريما، ومن تعود على إذلال عموم الناس واحدا منهم. ليس بخاصة على ظهر ثورة تتطلع إلى قلب مراتب السلطة القائمة، وإعادة الأخلاق إلى الحياة العامة.
وهذا يطرح على الثورة وجوب وضع سياسة بواضحة المعايير في هذا الشأن، بخاصة أن الأمر مرشح للتوسع ليشكل في وقت قد لا يكون بعيدا ظاهرة عامة. كيف يمكن الترحيب بالمنشقين وتشجيع مزيد من مسؤولي النظام على الانشقاق، وفي الوقت نفسه صون كرامة الثورة وقيمها في النزاهة والعدالة والحرية. لم تطرح الانشقاقات الأولى، وقد كانت لعسكريين أساسا، ولبعض الإعلاميين، مشكلة لأن المعنيين لم يكونوا من عظام رقبة النظام، ولأن أكثرهم انضموا إلى الثورة كمقاتلين أو كقيادات عسكرية، أو في حال الإعلاميين إلى منابر وأجهزة إعلامية قريبة من الثورة. لكن الانشقاقات الراهنة والمرجحة تثير مشكلة سياسية وأخلاقية: هل يكفي أن يترك ضابط كبير أو دبلوماسي، أو وزير، النظام كي يعتبر مبرأ من جرائم النظام أو شريكا في الثورة؟
أقل ما يمكن التفكير فيه في هذا الشأن أن يعتذر المعنيون للشعب السوري عن ماضيهم مع النظام، وأن يشاركوا إيجابيا في شأن يفيد الثورة.
من المهم على كل حال فتح نقاش عام في هذا الشأن، فالأمر مُشكِلٌ، وليس التوفيق بين مطلب تشجيع الانشقاق وبين حماية قيم الثورة أمرا بديهيا أو ميسورا. البراغماتية المنفلتة التي ترحب بالانشقاق ولا تأبه بالمبادئ ليست سياسة لائقة بالثورة. ولا كذلك التزمت الذي يجرم رجال النظام مختلفي المواقع والمسؤوليات بالدرجة نفسها، فيخوفهم من الانشقاق.
والحال أن الانشقاق، والكلمة لم تكن في التداول السوري قبل الثورة، ليس مجرد انفصال عن النظام، بل يتضمن بعدا فكريا وقيميا، يحيل إلى إدانته أخلاقيا، والكفاح ضد نهجه في الاستبداد والفساد والعبث الطائفي. هذا البعد هو المرشح لأن يضحى به في هذا الطور من الثورة السورية، وهو ما لا ينبغي أن يضحى به صونا لكرامة الثورة وشهدائها. وفي هذا الشأن لدينا سابقة معروفة. قبل سنوات انشق عبد الحليم خدام، أحد أعمدة نظام حافظ الأسد، والنائب الشكلي لوريثه طوال حمس سنوات. لكن الرجل لم يعتذر للسوريين يوما، ولم يراجع تاريخه مع النظام، وتوحي ظهوراته الإعلامية بعجرفة سلطوية غير منقوصة.
ونقطة الطائفية مهمة في هذا السياق لأنه يرجح لمنحدرين من البيئة السنية أن ينشقوا أكثر من غيرهم، ومن شأن غياب نقاش وسياسة حول الانشقاق أن يترك الموقف من المنشقين تابعا للقرابات الطائفية، فيضعف أكثر بعده الأخلاقي، وربما يوجه رسالة خاطئة لمن قد يفكرون بالانشقاق من غير السنيين، بل وحتى لثائرين ومشاركين في الثورة من غير السنيين.
ولعل في هذا ما يدعو إلى التفكير في سبل الربط بين سياسة حول الانشقاق اليوم وبين مبادئ للمصالحة الوطنية بعد سقوط النظام. كيف يمكن إدراج تشجيع الانشقاق في رؤية للمصالحة الوطنية في سورية ما بعد الأسدية؟ وكيف التوفيق بين العدالة للأفراد، ومبدأ عدم الإفلات من العقاب، وتجنب ممارسات انتقامية، والمصلحة الوطنية التي قد توجب أشكالا من العفو؟ وما هي حدود الصفح؟ وهل هناك مجرمون مطلقون، لا غفران لهم؟ كيف يمكن تعريفهم؟ هذا قضايا يتعين أن نهتم بها منذ اليوم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في عالم انفعالات الثورة السورية
- الثورات العربية وصعود الإسلاميين السياسي
- إبطال وظيفة السجن... حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-
- في جذور الحرب وامتناع السياسة...
- صعود العدمية المقاتلة في سورية
- ثلاثي الحرب السورية... دولتان قوميتان وطغمة
- أجساد سورية العميقة وأرواح سورية الظاهرة
- على مشارف الحرب السورية
- من الأبوات إلى الأنوات... جيلان من السياسة والثقافة
- نظام الأسد بلا... أسد!
- صورة -الشوايا- وحال منطقة الجزيرة السورية
- الثورة وإفلاس نماذج التحليل السائدة
- أنا والتلفزيون والثورة
- الثورة والسلاح: خطوط عريضة من القصة
- التجديد لغليون وحال المعارضة السورية
- في تمثيل الثورة السورية وواقعها (الثورة هي السياسة الصحيحة)
- حوار في شأن الثورة والسلمية والعسكرة
- عودة إلى النقاش حول الثورة والعسكرة
- حوار عالماشي حول الثورة السورية
- الثورة السورية بين النزاع الأهلي والصراع الجيوسياسي


المزيد.....




- الإمارات تشهد هطول -أكبر كميات أمطار في تاريخها الحديث-.. وم ...
- مكتب أممي يدعو القوات الإسرائيلية إلى وقف هجمات المستوطنين ع ...
- الطاقة.. ملف ساخن على طاولة السوداني وبايدن
- -النيران اشتعلت فيها-.. حزب الله يعرض مشاهد من استهدافه منصة ...
- قطر تستنكر تهديد نائب أمريكي بإعادة تقييم علاقات واشنطن مع ا ...
- أوكرانيا تدرج النائب الأول السابق لأمين مجلس الأمن القومي وا ...
- فرنسا تستدعي سفيرتها لدى أذربيجان -للتشاور- في ظل توتر بين ا ...
- كندا تخطط لتقديم أسلحة لأوكرانيا بقيمة تزيد عن مليار دولار
- مسؤول أمريكي: أوكرانيا لن تحصل على أموال الأصول الروسية كامل ...
- الولايات المتحدة: ترامب يشكو منعه مواصلة حملته الانتخابية بخ ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الثورة السورية وظاهرة -الانشقاق-... أية سياسة؟