أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - كتاب -العقد الأخير في تاريخ سورية...-: جدلية المنهج المنفتح والسياسة المنغلقة















المزيد.....

كتاب -العقد الأخير في تاريخ سورية...-: جدلية المنهج المنفتح والسياسة المنغلقة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3866 - 2012 / 9 / 30 - 17:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لعل "العقد الأخير في تاريخ سورية: جدلية الجمود والإصلاح" أول كتاب بحثي، يتوسع في تناول الجذور الاجتماعية الاقتصادية للثورية السورية، ويتطرق إلى الثورة نفسها. محمد جمال باروت، نؤلف الكتاب، يفضل الكلام على "حركات احتجاجية"، ويحيل إلى معطيات اقتصادية وديموغرافية واجتماعية في بحثه الحسن التوثيق.
يعيد باروت "الحركات الاحتجاجية" إلى المدن والبلدات الصغيرة التي عانت من تهميش متسع بفعل سياسات الليبرالية التسلطية التي مورست في سورية في سنوات حكم بشار الأسد. ويجازف بتغطية الشهور الأولى من الثورة السورية حتى نهاية تموز، مسوغا ذلك بمفهوم "التاريخ المباشر" الذي يقول إنه بحث في "كيفية اشتغال وتأثير التاريخ الطويل في مجهريات التاريخ المباشر، وأبعاده السكانية والأنثروبولوجية والاقتصادية والاجتماعية والرمزية".
وبقدم الباحث معلومات موثقة وفيرة استقى أكثرها من عمله طوال سنوات في "مشروع سورية 2025"، بالتعاون بين الأمم المتحدة وهيئة تخطيط الدولة في سورية، وهو مشروع اهتم بالتحولات السكانية والاجتماعية والاقتصادية الجارية والمتصورة في البلد من وجهة نظر تنموية وإصلاحية، يقول المؤلف إنها لم تعتمد، وما اعتمد هو لبرلة تسلطية تتوافق مع مصالح الأوليغارشية النافذة في مراتب السلطة في البلد.
لكن بينما يوفر الكتاب أرضية معلوماتية مهمة لا يستغنى عنه لفهم تطورات الأوضاع السورية في السنوات المنقضية من القرن وبعض مقدمات الثورة السورية، وهذا هو الجانب "الثوري" فيه، فإن سياسته تبدو "إصلاحية" بصورة لم يتجاوزها الزمن منذ بداية الثورة فقط، وإنما لم يكن لها أساس في أي يوم بالنظر إلى تكوين النظام السوري وآليات إعادة إنتاجه لذاته وبنية مصالح نخبته العليا. هذا التناقض بين المعرفة والسياسة يخترق الكتاب كله، بما في ذلك قسمه الثاني المعنون "سيرورة التغير"، وهو يشكل أكثر من نصف الكتاب. هذا القسم هو "التاريخ المباشر" الذي تكلم عليه المؤلف في مقدمة الكتاب.
الكاتب ينتقد الطرح السياسوي في تناول الشؤون العامة السورية مرارا. لا يشرح ما يعنيه بالسياسوية، لكن نفترض أنها تحكيم مقتضيات السياسة والصراع السياسي في مطالب المعرفة. وهي بهذه الدلالة جديرة بكل نقد، لكن نقد باروت موجه في كل الحالات في اتجاه واحد: نقد مواقف وتقديرات معارضي النظام. ولا مرة واحدة يتجه نقد السياسوية إلى ما يتسبب به تكون النظام وسياسته من تشويه لمطالب المعرفة بسبب العواقب المحتملة لذلك على الطالبين. أليس من السياسوية مثلا أن التوترات الطائفية التي يشير إليها المؤلف مرارا في كتابه من موقع وطني تقليدي تبدو طيفا هائما يسبح في المجتمع، نتاج طبيعي لوجود طوائف وحساسيات طائفية وأفرادا طائفيين، بينما ليس هناك أية إشارة على الإطلاق إلى دور النظام السياسي فيها أو إلى كونه شرط إمكان هذه الظواهر أو بعضها. انشغال الكاتب بنقد سياسوية معارضين يحجب عنه أن هذا جزء صغير من التحريف السياسوي الأكبر الذي يتسبب به الحكم التسلطي. نقد باروت للسياسوية سياسوي هو ذاته، ولمصلحة السياسوية الأشد رسوخا وحصانة، الأسوأ والأخطر بما لا يقاس.
نلح على هذه النقطة لأنها من ثوابت الكاتب المنهجية، وهي تؤسس نسقيا لموقف سياسي أقرب إلى النظام. يحيل باروت مرارا إلى معارضين يصادف في جميع الحالات أنهم الأقرب إلى النظام والأكثر اشتراطا على الثورة، ويسدل ستارا سميكا من التكتم على أية مواقف أو تحليلات أو تقديرات لمعارضين آخرين، ما يعطي الانطباع بأنه يخوض نضاله الخاص. هل هذا يستقيم مع نقد السياسوية؟
وينتقد الكاتب على نحو عارض ومجرد العقيدة التي تشيعها النظم التسلطية عن أن الرئيس طيب وإنساني وحاشيته أو رجال أمنه هو الفاسدون والقساة. لكنه يتكلم مرات في الكتاب على انقسام في مراتب السلطة، ويمنح بشار الأسد في جميع الحالات موقع "الطيب" الذي يتعرض للضغوط أو يجري عصيان أوامره من قبل "أشرار" في الأجهزة الأمنية أو بعضها.
وتطل انحيازات المؤلف المحافظة سياسيا من طريقه سوقه للمعلومات والأحكام. هذه بضعة أمثلة.
"حدث في اليوم نفسه [22 آذار 2011] وقفُ زحف أهالي مدينة داعل، تضامنا مع أهل درعا، بالصلاة في الجامع العمري، فقتل على الفور ثلاثة متظاهرين". زحف الأهالي، فقتل منهم ثلاثة. فعل قتل مبني للمجهول.
"هاجموا [متظاهرو الصنمين في أواخر آذار 2001] مقر الجيش الشعبي والمفرزة الأمنية، وأدى ذلك إلى مقتل عدد من المتظاهرين". المتظاهرون هاجموا فأدى ذلك إلى قتل بعضهم. تبدو العلاقة بين التظاهر والقتل علاقة منطقية ضرورية. ثم هل في سورية "يهاجم" متظاهرون عزل مقرا عسكريا وآخر أمنيا؟
"قطع الأهالي [حماه، مطلع تموز 2011] الطرق بحواجز وحاويات قمامة... لمنع رجال الأمن المتمركزين ساحة العاصي من دخول الأحياء، ما أسفر عن مواجهات استخدم فيها الأهالي الحجارة، وقتل في هذه المواجهات 26 شخصا من الأهالي". الأهالي قطعوا، وهذا أسفر عن مواجهات، سقط فيها 26 من الأهالي. فاعل القتل معمى. في كل الحالات يبدو النظام منفعلا أو مضطرا، والأهالي هم الفاعل المبادر.
ويسوق قصة استشهاد حمزة الخطيب بطريقة تمنح الثقة لسردية النظام عن أن ما بدت كأنها آثار تعذيب وإطلاق نار على الشهيد الطفل هي في الواقع ناتجة عن تعفن الجثة بفعل التأخر في وضعها في ثلاجة. ليس هناك أية جهة قالت هذا الكلام غير طبيب شرعي من جهة النظام، وهي بلا شك الجهة الأكثر سياسوية والأكثر لا أخلاقية والأدنى جدارة بالثقة.
ويقول إن عدد شهداء يوم 18 نيسان في حمص 4، بينما تصر عشرات المصادر الحمصية المباشرة أنهم أكثر من 200.
لكن انحيازات المؤلف تبلغ مستوى غير مشرف، إن لم نقل إنه مشين، حين يحيل قارئه إلى اعترافات إبراهيم المسالمة، "قائد ثورة درعا"، المنشورة في جريدة الوطن. ومعلوم أن هذه الجريدة مملوكة لرامي مخلوف، وهي المنبر المقروء الأكثر فاشية في التحريض على الثورة السورية. وفي الصفحة نفسها من كتابه يحيل باروت إلى "مقابلة الشيخ الصياصنة مع التلفزيون العربي السوري" يوم 27/5/2011. وعدا أن هذا المنبر لا ينبغي أن يكون مصدرا لمعلومات من ينتقد سياسوية المعارضين، فإن المقابلة أجريت بعد اعتقال الشيخ يوم 30/4، وإجباره على قول ما يناسب النظام.
وفي أحد هوامشه يحيل الكاتب إلى فيديو يفترض أن المتظاهرين الحماصنة فيه يهتقون: بدنا نحكي عالمكشوف/ علوية ما بدنا نشوف! لكن ما يهتفه المتظاهرون في الوقع هو: ... حرامية ما بدنا نشوف! ويبدو أن باروت لم يستمع إلى وثيقة "تاريخه المباشر" هذه، أو أنه محض ثقته لعنوان الفيديو، وهو بالفعل: علوية ما بدنا نشوف! لكن ربما يكون الشريط وضع بسوء نية، ومن قبل أحد من طرف النظام. وهذه أشياء لا ينبغي أن تفوت من يتكلم غير مرة على النقد الداخلي والخارجي للوثائق التي يستفيد منها. أقر من جهتي أني لم أفحص أي فيديو آخر من عشرات يجيل إليها المؤلف. وفعلت هنا لأن هذا الفيديو بالذات كان الشاهد الذي توسله "مفكر" آخر في وقت مبكر من الثورة كي يسوغ عداءه لها.
ختاما هناك إغفال لافت جدا. في كتاب يفترض أن ميزته التجليل الاجتماعي والربط بين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ويتكلم مؤلفه غير مرة إلى الأوليغارشية ويلمح مرة على الأقل إلى "العائلة" وثروتها، هل يعقل في كتاب كهذا ألا يقول المؤلف شيئا عن مقابلة رامي مخلوف الشهيرة في نيويورك تايمز في أسابيع الثورة الأولى؟ الكاتب غير غافل عن مخلوف، ويقلل من شأن تحوله المزعوم إلى العمل الخيري. فكيف تفوت تلك الوثيقة الفريدة "المفكر والباحث الرصين والمرجعي" على ما استطاع الأستاذ باروت وصف نفسه؟
مع ذلك الكتاب واجب القراءة على الناشطين والمثقفين السوريين لما فيه من معلومات قيمة ومنهج منفتح. لا ينال منه جزئيا إلا شغف المؤلف باستخدام تعابير فنية، كان يمكن الاستغناء عن أكثرها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزع القداسة عن الثورة
- حوار حول الشأن السوري والطائفية والمستقبل
- ما الاعتدال وما التطرف في الشأن السوري؟
- فقدت الحياة القديمة
- ما يستقيم وما لا يستقيم في معالجة -الأزمة السورية-
- حوار حول الثورة والمثقف والسجن
- الثورة السورية إلى أين؟
- ما قصة روبرت فيسك؟ ماذا يريد؟
- -الصورة واضحة-: مؤامرة خارجية وإرهاب داخلي!
- سياستان موضوعيتان وسياسات ذاتية للثورة السورية
- المسألة السورية والنظام الدولي
- نظام الإبادة: من الإبادة السياسية والأخلاقية إلى القتل الجما ...
- بخصوص الثورة السورية والأخلاق
- في الجذور الاجتماعية والثقافية للفاشية السورية
- الدولة الظاهرة والدولة الباطنة في سورية
- حلب
- حوار حول مشكلة الطائفية وسياسة الأقليات
- مشاهد سورية الجديدة وملامحها
- تكوين الثورة وعمليات تشكل سورية الجديدة
- حقوق الأقليات أم جمهورية المواطنين؟


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - كتاب -العقد الأخير في تاريخ سورية...-: جدلية المنهج المنفتح والسياسة المنغلقة