وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3897 - 2012 / 10 / 31 - 15:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
وجدت الشيوعية بانماط بدائية قبل الماركسية بالاف السنين . ولكننا بالتاكيد لانستطيع الحديث عن الماركسية بدون الشيوعية !!! , بغض النظر عن صفة (العلمية ) التي الحقت قسرا بالاشتراكية والشيوعية معا .
لماذا العداء بين الماركسيين والدين ؟
لماذا يصر الماركسيون على العيش في مجتمع طوباوي خيالي ولايعيشون في الواقع ؟
لماذا يرفض كثير من الماركسيين في مجتمعاتنا الجوانب الثورية في الديانات ؟
اجد في نظرتي وفلسفتي ان الله هو اله الفقراء وليس اله الاغنياء . لايحتاج الغني لاله ينصره , فهو قد اشترى الملكوت الارضي وحسبه ذلك . يقول السيد المسيح في الموعظة على الجبل :
( هنيئا لصانعي السلام ,لانهم ابناء الله يدعون ) متى 5 – 9 .وهنيئا تقابل كلمة ( طوبى ) في الترجمات الاخرى . لااظن ان صقور البيت الابيض من الحزب الجمهوري واتباعهم من الليبراليين العرب واليهود وغيرهم من غير العرب المعدلين وراثيا في مختبرات المخابرات المركزية الامريكية مشمولين بهذه التطويبات .
لايصنع السلام الاغنياء ,بل يصنعه الفقراء والمهمشون .
ماهو لاهوت التحرير او التحرر ؟
هو لاهوت طبقي واجتماعي , ورسالة تحرير للانسان وللشعوب تستند الى تعاليم السيد المسيح حسب الاناجيل . ابتدا لاهوت التحرير في كنائس امريكا الجنوبية من كاثوليكية وانجيلية .هذه الشعوب التي كانت ترزح تحت تسلط انظمة قمعية ديكتاتورية , حيث بدا اضطهاد هذه الشعوب منذ استعمارها من قبل الاسبان في القرن السادس عشر .
ان لاهوت التحرير يعمل ضد التمييز العنصري , وضد انتهاك كرامة المراة وحقوقها ,وضد استغلالها , ويدعو الى مساواتها بالرجل .ظهر لاهوت التحرير بصورة واضحة وجلية منذ عام 1965 م حيث شهدت دول اميركا الجنوبية بروز الحركات الثورية وانتصار الثورة الكوبية .ومنذ عام 1965 اخذ علماء لاهوت مسيحيون يستخدمون لفظة ( التحرير ). تطور مفهوم لاهوت التحرير في عام 1968 بانعقاد مؤتمر مديلين للكنيسة الكاثوليكية حيث عبر الاساقفة عن تضامنهم مع شعوبهم واخذوا يستلهمون الخبرة من الشعب .ووقف الاساقفة الى جانب الفقراء مستلهمين تعاليم السيدالمسيح لتحرير الانسان . فعندما تحدث المسيح مع الشاب الغني (لوقا 18 – (18 – 25 ) طلب منه ان يبيع املاكه ويوزعها على المحتاجين ,مما اثار غضب ذلك الشاب .وفي هذا قال السيد المسيح ( ان دخول جمل من ثقب الابرة ايسر من دخول غني الى ملكوت الله ).وتحدث المسيح عن تحرير المراة .لقد كانت الشريعة اليهودية تحاسب المراة الزانية ,ولاتحاسب الرجل الزاني ,فقال المسيح )ان من ينظر الى امراة ليشتهيها , فقد زنى بها في قلبه )متى 5 (27 -28 ) . وقد اراد بذلك ان يجعل الرجل مسؤولا كالمراة .وقد دافع عن المراة التي كانت تطلق لاتفه الاسباب , ومنع الطلاق الا لعلة الزنى(متى 19 (3- 10 )
حفظا لكرامة المراة , واعطائها حقها . ورغم ان السيد المسيح لم يكن رجل سياسة بالمعنى المعروف ,الا ان كلماته كان لها مضمون سياسي . فدفاعه عن الفقير مقابل الغتي , وثورته على الاغنياء الذين كانوا يستغلون الهيكل (المعبد )في التجارة ,عندما طهر الهيكل منهم ( متى 21 – 12 و13 ) ودفاعه عن المراة ومساندته للمظلومين , كانت كلها تتضمن جوانب سياسية . لقد وقفت الكنيسة الكاثوليكية في البداية موقفا معارضا من لاهوت التحرير . وفي عام 1986 تغير موقف البابا عندما قال في رسالة له ( هذا اللاهوت ليس مناسبا فحسب ,بل مفيدا وضروريا ) . وكان البابا بنيدكت الخامس عشر قد امتدح ماركس ومهارته في التحليل ( مقال بعنوان – هل كان ماركس على حق ؟ - تاليف تيري انغليتون ,ترجمة ابتسام عبدالله , جريدة المدى العدد 2160 ليوم الثلاثاء 14 حزيران 2011 م .
لقد مارس لاهوت التحليل ثلاث شبكات تحليلية : التحليل الاجتماعي العلمي ,ثم التفسير اللاهوتي , واخيرا الموقف الرعوي العملي . لقد اختار لاهوت التحرير لتحليل الوضع الاجتماعي ,مدرسة التحليل الماركسية , اي التحليل الديالكتيكي , وعلم النفس الاجتماعي , مع الاهتمام بالثقافة العامة والثقافة الدينية .
ثم حاول فهم نتائج العلوم على ضوء الايمان .وبحث لاهوت التحرير عن طرق رعوية لتحقيق تحرير المظلومين , حسب المباديء الكبرى : الايمان , الاحترام الانجيلي للانسان ,تجديد المجتمع باتجاه الاشتراكية .
من رموز لاهوت التحرير في الكنيسة الكاثوليكية ,هو المطران الشهيد اوسكار روميرو ,رئيس اساقفة السلفادور ,والذي اغتيل بطلق ناري على يد السلطة في 24 اذار 1980 م .
بدات احداث العنف بصعود رئيس الجمهورية الى منصب الرئاسة عام 1977 م ,فباشر عهده بمذابح في شوارع العاصمة , ذهب ضحيتها المئات .واتهمت السلطة ,الاحزاب الشيوعية بافتعال الصدامات . كما اطلقت الحكومة على رجال الكنيسة الرافضين لسياستها لقب ( الكهنة الحمر ),فزجتهم في السجون وعذبتهم . وقد صدر بيان عن الحكومة جاء فيه (كن محبا لوطنك , واقتل كاهنا ) . لقد ادى نضال شعوب امريكا اللاتينية المتواصل بقيادة الاحزاب الشيوعية وكنائس لاهوت التحرير الى تحرير هذه المجتمعات من الانظمة الديكتاتورية , والتحول نحو الديمقراطية .
بعد اكثر من الفي عام على المسيح ,نرى الفقراء والمرضى يتزايدون ,والحروب في ازدياد . وماكنة العمل الراسمالية تسحق بشكل رهيب معظم شعوب عالمنا لصالح طبقة صغيرة العدد من اصحاب الشركات العابرة للقارات .
نكتشف ان الشيوعيين والمسيحيين وعلى راسهم الكنيسة ,لم يعملوا ما يكفي لكي لايبقى فقير او جائع اوكادح لاسكن له .على الماركسيين التصالح مع مجتمعاتهم والاستفادة من الموروث الديني في جوانبه الثورية للعمل بين صفوف الفقراء والمهمشين والكادحين .ان نقدنا للديانات لايعني رفضها , وانما يعني رفع الجانب الاسطوري والخرافي والتاسيس للاهوت اجتماعي وطبقي اسلامي يدعو الى التغيير وتطور المجتمع لصالح الانسان .وتبقى العلمانية هي الحل الافضل لمجتمعاتنا بعد ربطها بالديمقراطية ,فلا معنى للعلمانية بدون الديمقراطية ,انها تتحول الى استبداد . العلمانية تعني ان تقف الدولة موقفا محايدا من الاديان كافة . فالمهم هو الوطن والمواطن وحقوق المواطنة , بغض النظر عن الانسان ومذهبه وجنسه وعرقه وقوميته .
الدعوة الى لاهوت تحرير اسلامي والى كنائس مسيحية – اسلامية
لقد ظهرت في احدى الدول الافريقية اخيرا كنيسة جديدة , كنيسة مسيحية اسلامية في بلد يتقاسمه المسلمون والمسيحيون معا ,ويعاني من صراعات دينية اودت بحياة الاف من السكان .هذه الكنيسة تجد فيها الانجيل والقران جنب بعضهما البعض .ويجتمع فيها المسيحيون والمسلمون معا للصلاة معا ,بطريقة تهدف الى وقف العنف في المجتمع ومنع الحروب ,وصنع السلام , وعلى تقبل الاخر المختلف .
ليس المهم طريقة صلاتك او صومك ,او ديانتك ,بل المهم جوهر الدين .. الانسان ....
ان رحلة طويلة ستقطعها شعوبنا قبل التوصل الى هذا الصلح الذي يؤسس لصنع المستقبل ,والذي يستند الى السلام لخدمة الانسان .على شعوب الدول العربية التخلي عن الفكر الديني التقليدي القائم على النقل وعلى مدرسة الفقهاء , وعلى تقليد الكاهن والشيخ , والاهتمام بالانسان المعوز والمريض واليتيم والمعوق واللاجئين وضحايا العنف والحروب .مجتمع لايفرق بين ابيض واسود ولا بين رجل وامراة ,ولايفرق بين مسلم ومسيحي او يهودي .مجتمع يتعايش فيه المؤمنون مع الملحدين , الشيوعيين مع المتدينين ومع الليبراليين الوطنيين .
الدعوة الى لاهوت تحرير اسلامي وكنائس مسيحية اسلامية , ومساجد اسلامية - مسيحية .
على شعوبنا العمل على تاسيس لاهوت تحرير اسلامي ,لتحرير مجتمعاتنا من الاستغلال والعنف والاضطهاد الطبقي والسياسي والاجتماعي , وتحرير المراة ومساواتها بالرجل .
لاهوت يعمل على الدفاع عن الكادحين والمهمشين والمظلومين ورفع الظلم عنهم . ..
لاهوت لايفرق بين احد منهم ...
المسيح والحسين رفعا لواء الثورة ضد الاستبداد السياسي والديني ,واعلنها الحسين بصوت جهوري (هيهات منا الذلة ) . وقال السيد المسيح في متى 7 – 13 و 14 :
( ادخلوا من الباب الضيق . فما اوسع الباب واسهل الطرق المؤدية الى الهلاك ,وما اكثر الذين يسلكونها .لكن ما اضيق الباب واصعب الطريق المؤدية الى الحياة , وما اقل الذين يهتدون اليها ).
وقال امام المسلمين علي بن ابي طالب في نفس المعنى :
( لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه ) .
من اجل مجتمع العدالة الاجتماعية ,ندعوالى قيام لاهوت تحرير اسلامي ,طبقي , اجتماعي , تحرري ,مساواتي ..
والى قيام كنائس مسيحية - اسلامية , ومساجد اسلامية - مسيحية ,
يكون الانسان هو الهدف الاسمى وهو الغاية .
الحسين مع المسيح معا على درب الشهادة في سبيل الانسان والانسانية .
على المودة نلتقيكم ...
المصادر
1 – كتاب ( اللاهوت المعاصر )للاب منصور المخلصي – بغداد – 2002 – من ص 93 الى ص 108 (لاهوت التحرير في كنائس امريكا اللاتينية ) .
2 – لاهوت التحرر , للدكتور القس صموئيل حبيب – عن دار الثقافة في القاهرة – ط2
3 – مجلة الفكر المسيحي , العدد 415 – 416 – ايار وحزيران – 2006 بعنوان (المطران الشهيد اوسكار روميرو ) للاب يوسف عتيشا
4 – رسالة التطويبات ,تاليف الاب جاك ديبون ,بيروت ,1986 ,دار المشرق .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟