أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - النمط الفرعوني وتدمير عقول المصريين














المزيد.....

النمط الفرعوني وتدمير عقول المصريين


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 15:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا مراء في أن التغير و الصيرورة هما أساس الكون . وآية ذلك أن ما يبدو ثابتاً في الطبيعة ليس إلا نتاجاً لتحول سابق، وهو في الآن نفسه رهن تحول قادم . فالشمس التي نراها تشرق علينا اليوم، ليست هي إطلاقاً شمس الأمس . لقد فقدت شمس اليوم جزءاً من كتلتها جراء ما حدث فيها من اندماج نووي، تحولت به كمية من ذرات الأيدروجين إلي ذرات هليوم، وانطلق الفارق في الوزن بين النوعين ،على هيئة طاقة حرارية وإشعاعات، ومع استمرار عملية الاندماج النووي هذه فإن 4000 مليون سنه قادمة ستكون كفيلة بنقل الشمس من نجم مشع إلي جرم مظلم أو ثقب أسود يبتلع كواكبه السيارة،كما نبتلع نحن لحم الدجاج المشوي.
وحين قال الفيلسوف الإغريقي هرقليطس " أنت تنزل النهر ولا تنزله" فلقد كان يعبر عن حقيقة جوهر الوجود في تغيره الدائم. فالموضع الذي أحسبه ثابتاً في النهر، هو في الواقع ماء متدفق، وعليه فأنا في نهر جديد كل لحظة . وحتى " الأنا" الذي أراه وأري به الأشياء، ليس إلا نقطة مفترضة متقاطعة علي خطوط طولية و عرضية متحركة، بعضها يمثل غرائز الجسد ورغباته, وبعضها يكشف عن أوامر ونواهي المجتمع المحيط…
ولقد يوجد بالفعل شئ شبيه بالأنا (لكنه ليس أنا) دون أن يكون معروفاً لديّ، مثل الجنين الذي كنت، والكيان الجسدي الذي يبتعد عني حين أنام. ومع ذلك فكل إنسان يشعر بأنه هو هو، تؤكد له ذلك ذكرياته وبصمات أصابعه . بيد أنه يقف مبهوتاً أمام اللغز الأعظم : الموت. فالموت هو غياب دائم، لا عودة منه، وكل تصور للذات بعد أن تغيب إنما هو محض افتراض، وحتى ما يطمئن به المؤمن نفسه من اعتقاد بوجود عالم آخر، إن هو إلا إنتاج لفكر الحضور . وعلي العكس فإن الغياب لا فكر له ولا هوية ، وكل محاولة لسبر غوره لابد ينفيه باعتباره غياباً. وهكذا تعود الذات إلي المربع رقم صفر,حيث يخلي " اليقين" الملعب لبديله الاحتياطي : الشك، ذلك اللاعب القادر وحده علي إحراز الهدف تلو الهدف، لا في مرمي الخصم، بل في مرماه هو.
فما الذي يفعله الشك بالضبط؟ إنه يهدم ليبني،ثم يعود ليهدم ما بناه. إنه يشكك الطفل في طفولته، وما يلبث حتى يهدم هذه الطفولة، منتقلا بها إلي الصبا و الشباب، بعدها يمحو الشباب بالنضج والكهولة، فإذا اكتملا حذفهما منتقلا بالكائن إلي الشيخوخة، فالعجز، منهياً هذا العجز بالموت . وكما قيل : إذا تم شئ بدا نقصه توقع زوالاً إذا قيل تم
فكيف إذن يتحدث البعض عن جوهر ثابت للذات, علي حين أن هذه الذات لا يمكن تعريفها إلا بالسلب؟ فالطفل لا يعرف الأنا إلا حين يدرك أنه ليس أمه . الأنا إذن انفصال واستلاب. انفصال عن الطبيعة، وانفصال عن المصدر والمنبع( الأم) ثم هو انفصال عن العشيرة والقبيلة، وأخيراً هو استقلال نسبي عن الدولة حين تباشر الدولة مهامها التنظيمية للمجتمع.
والحاصل أنه كلما كثرت وتعددت مهام الدولة التنظيمية، كلما ضاقت المساحة التي يتنفس فيها الفرد حريته، ويؤكد فيها ذاته، ويمارس بها نشاطه العقلي ّ . ويظهر هذا بوضوح في بلدان ما يسمي بالنمط الآسيوي للإنتاج Asiatic mode of production وأساسه وجود دولة مركزية قوية . بدونها لا تنجح عمليات ضبط النهر وسكان ضفتيه، ولا تبني منشآت الري الزراعي، ولا تتوقف المنازعات بين الزراع حول مياه الري و الصرف.
والحقيقة أن تاريخ البشرية برغم أنه يشكل وحدة لا تخطئها العين الفاحصة إلا أن أنماطه تنوعت وتعددت. والمعروف أن النمط Mode يتحدد بعدة عناصر.. الموقف من الملكية (عامة– خاصة– مختلطة- تعاونية) وثانياً بوضع السوق، وثالثاً بنوعية تقسيم العمل، ورابعاً بعوائد الإنتاج (نقدي – عيني- حصة من المحصول) وأخيراً بتحديد صاحب الهيمنة. فإذا طبقنا هذه العناصر علي النظام الإنتاجي الذي كان سائداً في مصر الفرعونية لرأينا كيف وضعت الدولة (= الفرعون) يدها علي وسيلة الإنتاج الرئيسية (الأرض الزراعية) دون أن تجعل الفلاحين أقنانا Helots ، بل تركتهم أحراراً بالمعني القانوني، بينما كانوا فعلياً تحت هيمنة حكام المقاطعات. نعم يحصلون علي جزء من المحصول ليعيشوا عليه, إضافة إلي صناعاتهم المنزلية الخاصة، ولكن ما كانوا يحصلون عليه كان يكفي بالكاد للعيش وتجديد النسل، أما فائض إنتاجهم فللخزينة العامة . وصحيح أنه كان من حقهم مغادرة الأرض دون مانع من القانون، ولكن إلي أين يذهبون من الناحية الواقعية؟ للعمل في مناجم الدولة، مقابل أجور زهيدة (غالباً لا تدفع) وليشاركوا أسري الحروب معيشتهم البائسة في المناجم ومراكز التعدين, وليموتوا في النهاية من المرض وسوء التغذية؟! ربما كان البقاء في الأرض واحتمال عسف الجباة، وعصي موظفي مخازن الملك أرحم!
و... ما أشبه اليوم بالبارحة ، حيث تشن أقلام السلطة ( كهنة العصر الحديث ) الهجوم تلو الهجوم على أصحاب ما تسمى " المطالب الفئوية " بقصد تقزيمهم وإعادتهم إلى وضعية أشباه الأقنان في العصر الفرعوني بعيدا ً عن ثقافة التغيير التي تفتح فضاءات التفكير في قضايا الوجود مثل غاية الحياة ولغز الموت ...الخ وطالما بقي الشعب منكبا ً على تلبية الحد الأدنى من المعيشة ( المطالب الفئوية ) ُترك المجال العقلي ّ فارغا ً ، ويا ليت أسيادنا ورثة الفراعين كانوا ممن ينشغل بمثل هذا التفكير ، مثلما كان سادة الإغريق يفعلون ، بل إن أسيادنا محض تجار همهم الأكبر الربح ومضاعفة الثروات المادية . وهكذا يظل النمط الفرعوني قائما على تدمير عقول الأسياد والأتباع معا ً.



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع المصري ورُهاب الحداثة
- محاولة لتجديد الخطاب الديني على خلفية الفيزياء الحديثة
- الخليفة القادر وتأسيسية الإرهاب الفكري
- الوعي في أقصى درجات الاحتمال
- هل يبقى الأخوان المسلمون أخوانا مسلمين ؟
- الإيمان لا يحتاج إلى إعلان (2)
- الإيمان لا يحتاج إلى إعلان
- تجديد الخطاب الديني على خلفية الفيزياء الحديثة
- الجيش المصري ليس فيلقا ً إيرانيا ً أو كتيبة أمريكية
- مصر بين سكة السلامة وسكة الندامة
- هل تطلب حماس سيناء كوطن بديل ؟
- أنور عبد الملك وتغيير العالم
- لماذا تجنبت ثورة يناير كلمة الاشتراكية ؟
- أيام البين السبعة
- أشباح الميلشيات بين القاهرة وبيروت
- الجذور المعرفية للفكر الفاشي
- ديمقراطية بلا ديمقراطيين
- إلى متى نتقبل ثقافة الأساطير ؟
- مصطلح الثورة مغترب في اللغة العربية
- المتحذلقون ونظرية المؤامرة التاريخية


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - النمط الفرعوني وتدمير عقول المصريين