أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - المجتمع المصري ورُهاب الحداثة














المزيد.....

المجتمع المصري ورُهاب الحداثة


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 18:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المجتمع المصري ورُهاب الحداثة
مهدي بندق

يستخدم البعض تعبير "العقل الجمعي المصري" ، وكأن للمصريين جميعاً عقلاً واحداً يعمهم ! ولأن التعميم يهمل الاختلافات الكثيرة داخل الظاهرة الواحدة فلا غرو أن يكون يلد الخطأ. كما أننا لا نقابل في الطريق شيئا ً محددا ً اسمه "العقل الجمعي" بل عقولا ً تتشابه ربما ، لكنها تتغاير وتختلف من طبقة الي أخرى ، بل ومن فرد إلى فرد .
والحقيقة أن تعبير العقل الجمعيّ – إذا أحسنا الظن به - إنما هو تعبير مجازي مقصود به وصف ثقافة معينة : عربية ، صينية، غربية..الخ ، والثقافة لا مشاحة تطبع أصحابها بطابع عام إلا قليلا ، وهذا القليل هو سر تطور الثقافات . فإذا أحاط الجمود الفكري بثقافة ما صح القول بأن المجتمع قد حل به المرض .
ولعل المراقب لأحوال المصريين اليوم يلاحظ وقوع معظمهم فريسة حالة من الفزع الشديد لم تكن معروفة عند أصحابها من قبل شبيهة بمرض الرهاب النفسي Phobia . لكن مصدر هذه الحالة ليس العقل الجمعي – كما أسلفنا القول – بل ما يسمى بــ "اللاوعي الجمعي" Collective Unconscious المصطلح العلمي الذي استخدمه كارل يونج من حيث استغراقه للبشرية جمعاء وقابليته للتوريث. ومن هنا يمكن القول إن جمود ثقافتنا العربية مرجعه الأساسي ذلك الاضطراب الناجم عن فزع الكائنات من المجهول : الموت – المرض – الكوارث الطبيعية ...الخ
وفي حالتنا المصرية فالمجهول هو " الحداثة " ، وأساسها نظر المرء لنفسه باعتباره سيد مصيره بما يلقي بتبعات ومسئوليات ضخام على عاتق المرء، ويجبره على اليقظة والتوثب لتحقيق أهدافه . ولا يقولن أحد أننا عرفنا الحداثة بهذا المعنى حتى الآن ، بل عرفنا "شبه حداثة" قوامها استيراد منتجاتها المادية دون مضامينها ومناهجها ، فرضتها أنظمة الحكم المتعاقبة منذ الباشا محمد على لمجرد تطويع أجهزة الدولة وتنشيطها لدواع سياسية واقتصادية ، بينما ظل الشعب على حاله راضياً بثقافة العصور الغابرة : الإذعان .
بيد أن ثورة يناير ، وإن أخفقت في تغيير هياكل السلطة وقنوات توزيع الثروة ، إلا أنها نجحت إلى حد كبير في خلخلة ثقافة الإذعان، وهو ما فتح النوافذ أمام عواصف الحداثة (المجهول) وما بين أوجاع الخلخلة وآلام العواصف لم يكن غريباً أن يقع المجتمع فجأة صريع ما يمكن تسميته برهاب الحداثة .
فما هي أعراض حالة الرهاب هذه ؟ يمكنك رصدها بنفسك إذا كنت " شوارعيا" محترفاً حيث الناس لا يبتسمون ، أو فتعرّفْ عليها بمواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، لتلتقي بمشاعر السخط العرم في أوساط الشباب ، أو راقبها عند رموز تيارات التطرف الديني الذين أوهمهم تواجدهم الكثيف داخل لجنة الدستور أنهم صاروا قادرين على إعادة تشكيل المجتمع بداية من تقليص حقوق النساء والأطفال برفض حظر الاتجار في الفتيات ( لمنع ملاحقة الآباء الذين يزوجون بناتهم القصّر خاصة لأثرياء النفط ) وصولاً إلى دعوة الدولة للانسحاب من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. وتساق هذه المطالب بحجة " تطبيق الشريعة الإسلامية بحسبانها "مسألة حياة أو موت" بالنسبة لهم. وعليه فهم يعيشون مرتعبين خوفا ً من ضياع الفرصة ، فاللبراليون يتصدون لهم بقوة ، والمحافل الدولية تتربص بهم، وحلفاؤهم الأخوان يتلكئون عن السير وراءهم الحافر على الحافر، وهذا الرعب من فكرة هزيمتهم أمام الحداثة " اللعينة " هو ما يعرضهم للتناحر والانقسام ، وما جرى بحزب النور مجرد بداية .
من جانب ثان فشباب الثورة ومعهم النساء والقوى اللبرالية ومنظمات المجتمع المدني، بعد أن أدركوا خطأ تقاعسهم عن طلب السلطة لأنفسهم ثـقة في العسكر أن تكفيهم خطر التيارات الدينية! سلموا بأن توحدهم صار ضرورة حياتية. ولكن لما كان هؤلاء تواقين للعيش في عالم الحرية والمساواة الكاملة بين المواطنين(= الحداثة ) وفي الوقت نفسه هم غير مستعدين ثقافياً ومهنياً للقيام بحركة إصلاح ديني لا غش فيها تعزل كل من يستخدم الدين لأغراض سياسية؛ فالنتيجة أن حالة من القلق العنيف صارت تلفهم، منذرة بإعادتهم إلى حالة التشرذم والتشتت المدمرة .
ومن جانب ثالث بات الأخوان المسلمون – وهم من ظفروا برئاسة الدولة – يدركون أن للسلطة استحقاقات داخلية وخارجية لا سبيل لتجاهلها. فهم ملتزمون في الداخل بضرورة إشراك الأقباط المسيحيين في الحكم ، وهم يعلنون استمرار التزامهم بالمواثيق والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها كامب ديفيد [ وهذا يحرجهم عند حلفائهم السلفيين ] كما أن " مصالحهم " السياسية والاقتصادية والتجارية ذاتها تقتضيهم ارتداء رباط عنق الحداثة ولو على مضض، وآية ذلك تعرض مبدأ السمع والطاعة – أساس التنظيم الحديدي نفسه – للمراجعة ، مذ أمسى رئيس الدولة واحدا ً منهم ، حيث يستحيل عليه طاعة مرشده ولو شاء . وقل مثل ذلك عن أذكياء الحزب من يرون تطبيق النموذج التركي الحداثي الناجح ولكن دون مقدرة على فرض آرائهم على قيادات جماعتهم التقليدية. وهكذا فإن أشواكاً من القلق والتخوف قد نبتت داخل الجماعة توخزها بل وتهدد بانقسامها .
والخلاصة أن المجتمع المصري على اختلاف بنياته وتنظيماته قد صار فريسة لمرض رهاب الحداثة ، وهذا أمر مألوف في سياق المراحل التاريخية التالية للثورات.
أما العلاج فرهين بالإصرار على ممارسة الديمقراطية في البرلمان وفي الأحزاب وفي الميدان بالتوازي وليس بالتصادم . وهو ما يعني القبول بشروط الحداثة على طريقة داوني بالتي كانت هي الداءُ .



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة لتجديد الخطاب الديني على خلفية الفيزياء الحديثة
- الخليفة القادر وتأسيسية الإرهاب الفكري
- الوعي في أقصى درجات الاحتمال
- هل يبقى الأخوان المسلمون أخوانا مسلمين ؟
- الإيمان لا يحتاج إلى إعلان (2)
- الإيمان لا يحتاج إلى إعلان
- تجديد الخطاب الديني على خلفية الفيزياء الحديثة
- الجيش المصري ليس فيلقا ً إيرانيا ً أو كتيبة أمريكية
- مصر بين سكة السلامة وسكة الندامة
- هل تطلب حماس سيناء كوطن بديل ؟
- أنور عبد الملك وتغيير العالم
- لماذا تجنبت ثورة يناير كلمة الاشتراكية ؟
- أيام البين السبعة
- أشباح الميلشيات بين القاهرة وبيروت
- الجذور المعرفية للفكر الفاشي
- ديمقراطية بلا ديمقراطيين
- إلى متى نتقبل ثقافة الأساطير ؟
- مصطلح الثورة مغترب في اللغة العربية
- المتحذلقون ونظرية المؤامرة التاريخية
- احذروا النموذج الباكستاني في مصر


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - المجتمع المصري ورُهاب الحداثة