أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسقيل قوجمان - أبرجوازية صغيرة او وضيعة ام مراتب متوسطة؟















المزيد.....

أبرجوازية صغيرة او وضيعة ام مراتب متوسطة؟


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 12:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أبرجوازية صغيرة او وضيعة ام مراتب متوسطة؟
عند التحليل الطبقي للمجتمع الراسمالي نجد الطبقة العاملة والطبقة الراسمالية وما يسمى البتي برجوازية التي جرت ترجمتها الى العربية بمصطلح البرجوازية الصغيرة ويقوم الان بعضهم بترجمتها بالبرجوازية الوضيعة ليسبغوا عليها المعنى السيء لكلمة الوضاعة. وتضم هذه التسمية على اختلاف تراجمها فئات اجتماعية واقتصادية عديدة تشكل اغلبية السكان في اغلب بلدان العالم.
ان وجود كلمة البرجوازية في تسمية هذه الفئات الاجتماعية سواء باللغة الانجليزية او في ترجمتها يؤدي الى سوء فهم الطبيعة الاقتصادية لهذه الفئات الاجتماعية. ان مفهوم البرجوازية الصغيرة يعني انها جزء من الطبقة الراسمالية صغيرة الراسمال بالنسبة لراسمال البرجوازية الكبيرة. فهي برجوازية وجزء لا يتجزأ من الطبقة الراسمالية. اما البتي برجوازية او ترجمتها بالبرجوازية الصغيرة فهي ليست برجوازية وليست جزءا من الطبقة الراسمالية. لذلك كنت دائما اقترح تسميتها المراتب المتوسطة،لانها اولا لا تؤلف طبقة موحدة الكيان الاقتصادي كما هو الحال بالنسبة للطبقة الراسمالية او الطبقة العاملة بل تتألف من فئات، مراتب، وثانيا انها تتوسط اقتصاديا بين الطبقة الراسمالية والطبقة العاملة.
ما اود مناقشته في هذا المقال هو الطبيعة الاقتصادية للمجموعات البشرية التي يطلق عليها اسم البتي برجوازية او ترجمتها البرجوازية الصغيرة او الوضيعة التي اقترح تسميتها المراتب المتوسطة. هي مراتب لانها لا تشكل طبقة واحدة تتشابه في طريق الحصول على دخولها بل تشكل فئات متشابهة اقتصاديا وتختلف كل فئة عن الفئات الاخرى في هذا المجال وهي متوسطة لانها لا تشكل جزءا من الطبقة الراسمالية ولا جزءا من الطبقة العاملة بل انها تقع اقتتصاديا بين الطبقة الراسمالية والطبقة العاملة. وتشكل هذه المراتب المتوسطة اغلبية السكان في اغلب بلدان العالم.
اكبر مرتبة من هذه المراتب المتوسطة هي مرتبة متوسطي الفلاحين. كان الفلاحون في النظام الاقطاعي طبقة تقابلها طبقة الاقطاعيين الا ان نشوء وتطور النظام الراسمالي فكك هذه الطبقة وحولها الى مراتب مختلفة اقتصاديا. اصبحت المرتبة الفقيرة من الفلاحين جزءا من الطبقة العاملة هي مرتبة العمال الزراعيين او مرتبة فقراء الفلاحين. تشكل مرتبة العمال الزراعيين او مرتبة فقراء الفلاحين جزءا لا يتجزأ من الطبقة العاملة لانها تحصل على رزقها عن طريق بيع قوة عملها الى البرجوازية الزراعية او الى بعض اغنياء متوسطي الفلاحين.
والمرتبة العليا من الفلاحين اصبحت جزءا من الطبقة الراسمالية لان انتاجها اصبح انتاجا راسماليا بتحول الانتاج الزراعي الى الاسلوب الراسمالي. هذه المرتبة مرتبة راسمالية زراعية وهي جزء لا يتجزأ من الطبقة الراسمالية.
وبقيت مرتبة كبيرة عدديا تتوسط اقتصاديا بين مرتبة فقراء الفلاحين وبين البرجوازية الزراعية، مرتبة متوسطي الفلاحين. تحوز العائلة من هذه المرتبة على قطعة ارض وبعض الحيوانات وتقوم العائلة كلها بالانتاج الزراعي وقد تحتاج احيانا الى استخدام عدد من فقراء الفلاحين. يحلم المرفهون من هذه المرتبة بالارتفاع الى طبقة البرجوازية ولكن تطور النظام الراسمالي حتى في الزراعة واستخدام المكائن الحديثة وطرق الري الحديثة واساليب الزراعة الحديثة يؤدي الى انحدارهم الى مرتبة فقراء الفلاحين. ولكن حتى انتاج هذه المرتبة اصبح جزءا من السوق الراسمالية لانهم يبيعون ما ينتجونه من المواد الزراعية الفائضة عن حاجتهم في السوق ليحصلوا على النقود لشراء جاجاتهم من السلع الراسمالية المعروضة في السوق.
الشكل الثاني من المراتب المتوسطة هو مراتب الحرف الصناعية. فتحول الانتاج الاجتماعي الى الانتاج الراسمالي لم يقض نهائيا على الانتاج الحرفي. يصعب تعداد هذه الحرف الصناعية الموجودة في المجتمع الراسمالي وقد تختلف في بلد راسمالي عن بلد راسمالي اخر. الحذاء والنجار والخياط والحداد والصفار والخزاف والنساج ويمكنني ان احصي عددا كبيرا من الحرف التي كنت اشاهدها في العراق ايام مراهقتي وشبابي قد تكون اندثرت اليوم. على سبيل المثال صانعو المكانس او المراوح والمهفات وحائكو كراسي الخيزران ومبيضو القدور النحاسية والباعة المتجولون على اصنافهم وخياط الفرفوري وحداد السكاكين والسقاء ونزاحو المراحيض والبلاليع وغيرها الكثير.
اتخذ الحذاء مثالا لشرح حياته الانتاجية التي يمكن اعتبارها نموذجا لكافة الحرف الصناعية. يشغل الحذاء حانوتا كمحل اعماله ويمتلك ادوات الانتاج البسيطة لانتاج الاحذية ويشتري المواد الاولية من جلد ونعل وخيوط ومسامير وغير ذلك بكميات صغيرة تتفق وطاقته على الانتاج مما يستخدمه في انتاج الحذاء. يعمل الحذاء حسب حرفته لانتاج حذاء يعرضه للبيع في حانوته لكي يحصل على قيمته. ليس في هذا الانتاج اي مفهوم لساعات العمل الضرورية وفائض القيمة لان ما ينتجه الحذاء هو ملكه ولا يشاركه فيه احد.
لا يحصل الحذاء على دخله عن طريق بيع قوة عمله الى شخص اخر بل يحصل عليه عن طريق بيع الاحذية التي ينتجها. وهذا يعني انه لا يقوم بخلق قيمة او فائض قيمة لاي شخص اخر. ان النقود التي يحصل عليها الحذاء من بيع الحذاء هي جزء من النقود التي يحصل عليها مشتري الحذاء. فالعامل الذي يبيع قوة عمله لقاء اجور يشتري الحذاء بجزء من اجوره وكذلك كل شخص اخر من المراتب المتوسطة يشتري الحذاء من جزء من دخله الذي يحصل عليه من حرفته او مهنته ويشتري الراسمالي الحذاء بالنقود التي يحوز عليها. من هذا نرى ان دخل الحذاء من بيع سلعته لا يتأتى من بيع قوة عمله وانما من تقديم خدمة لمشتري الاحذية. ان عمل الحذاء هو عمل خدماتي. وهذا يصح على اعمال الحرفيين الصناعيين لان اعمالهم هي اعمال خدمية.
ليست مرتبة الحذائين الوحيدة في النظام الراسمالي التي تنتج الاحذية بل ان صناعة الاحذية الواسعة النطاق في مصانع الاحذية هي الاخرى تنتج كميات كبيرة من الاحذية بوسائل انتاج متقدمة وبمكائن حديثة. ان وقت انتاج الحذاء في مصانع الاحذية الحديثة اقل كثيرا من وقت انتاج الحذاء في العمل اليدوي وبوسائل انتاج بسيطة. ولكن قيمة الحذاء بموجب قانون التبادل هو ساعات العمل الضرورية اجتماعيا لانتاجه. كلما تقدم انتاج الاحذية في الصناعة قلت ساعات العمل الضرورية اجتماعيا لانتاج الحذاء. وتأثير ذلك بالغ الاهمية على المنتج الحرفي للحذاء. هو يعمل يومه لمدة ثماني ساعات مثلا ولكن الاحذية التي ينتجها لا تكون قيمتها ثماني ساعات بل تكون ساعات العمل الضرورية اجتماعيا لانتاجها اقل من ذلك كلما تطور الانتاج الصناعي للاحذية. وهذا يعني ان ساعات عمل الحرفي التي ينفقها كل يوم على صنع الاحذية تشكل عددا منخفضا من ساعات العمل الاجتماعي لانتاج الحذاء وبذلك تحقق ساعات عمله الكثيرة ساعات قليلة من ساعات العمل الاجتماعي الضرورية. لذا يجد نفسه مضطرا الى ان يبيع الحذاء في السوق بنفس سعر الحذاء المماثل المصنوع في المصانع الحديثة للاحذية. هذا الوضع يشكل ضغطا كبيرا على الحذاء الحرفي مما يضطره اخيرا اما الى ترك المهنة او الانحدار الى الطبقة العاملة.
يمكن اعتبار مرتبة الحذائين نموذجا لسائر المراتب الحرفية الصناعية. انها مراتب اقتصادية تعاني من منافسة الصناعات الكبيرة الحديثة تجعل حصولها على رزقها بصعوبة متزايدة مع زيادة تطور الصناعات الكبيرة. في الحقيقة يوجد بين اعضاء هذه الحرف الصناعية من هو افقر من العامل. ولكنه مع ذلك يبقى حرفيا وليس عاملا وجزءا من الطبقة العاملة. لذلك قال ماركس ما معناه ان الثورة الصناعية في النسيج في بريطانيا بيضت سطح الهند بعظام النساجين الهنود.
اضافة الى الحرف الصناعية توجد حرف اخرى، مراتب ترتبط بالثقافة. جميع هذه الحرف تتطلب سنوات من الثقافة لكي تؤهل الحرفي للعمل في الحرفة التي يعد نفسه لممارستها. مراتب عديدة تدخل ضمن هذا المجال. اطباء مهندسون محاسبون معلمون ممرضات صيادلة صحفيون ادباء فنانون محامون قضاة ضباط. ان سنوات الثقافة التي يبذلها هؤلاء المثقفون تجعل ساعات عملهم اكثر قيمة من ساعات عمل العمال والحرفيين الصناعيين. ولكن الشيء المشترك في هذه المراتب هو انهم لا ينتجون بضائع تعرض للبيع في السوق. ان اعمالهم هي على الاكثر تقديم خدمات للمجتمع وفقا للمنهة التي تعلموها.
اذا اخذنا الطبيب نموذجا نرى ان الطبيب لا ينتج سلعة يبيعها للزبائن وانما يقدم لهم خدمة معالجتهم من الامراض التي يشكون منها. الطبيب يقدم خدمته لكل مريض بصرف النظر عمن يكون وعن انتمائه الطبقي. وهو يتقاضى اجورا عن الخدمة التي يقدمها وتكون اجوره مناسبة للسنوات التي بذلها في سبيل اعداد نفسه ليكون طبيبا.
اذا كان طبيبا يعمل في عيادة خاصة فانه يتقاضى اجره من المريض الذي يطببه. اذا كان المريض عاملا فانه يدفع اجر الطبيب اذا لم يكن هناك ضمان صحي من الاجور التي يحصل عليها من بيع سلعة قوة عمله. ويدفع المريض من المراتب المتوسطة ايضا من الدخل الذي يحصل عليه من الخدمات التي يقدمها. ويدفع الراسمالي من النقود التي في حوزته. واذا كان الطبيب يعمل في مستشفى فانه يتقاضى اجوره من المستشفى الذي يقدم له خدماته بصرف النظر عما اذا كان المستشفى حكوميا ام خصوصيا. قد يمكن رؤية تشابه بين ان يبيع العامل قوة عمله كسلعة وببين ان يقدم الطبيب خدماته لقاء عمله في مستشفى ولكن الفرق هو ان الطبيب لا يبيع قوة عمله التي لا يمتلك غيرها من اجل الحصول على معيشته. انه يتقاضى راتبا يتناسب والمجهود الذي بذله في سبيل ان يصبح طبيبا. قد يكون الطبيب غنيا او متوسط الدخل ولكنه ليس كالعامل الذي لا يمتلك سوى قوة عمله سلعة يبيعها من اجل عيشه.
يصدق مثل الطبيب الذي يقدم خدماته على اغلب المراتب المتوسطة الثقافية. المحامي والقاضي والمعلم والصحفي على سبيل المثال كل اعمالهم خدمات اجتماعية تقدم لقاء اجور تدفع من نقود موجودة لدى متقبل الخدمة ولا تخلق سلعا جديدة تشكل قيما جديدة. ولا يتحتم على الطبيب ان يقوم بالعمل لدى المريض الذي يعالجه.
ولكن قد نرى بين الحرف الثقافية حرفا تشارك في انتاج السلع التي ينتجها العمال فيساهمون في انتاج السلعة وفي خلق القيمة الجديدة التي تختزن في السلع المنتجة مثل المهندس الذي يشارك فعلا في انتاج السلع الجديدة. وتكون ساعة عمل المهندس ذات قيمة تختلف وتزيد عن قيمة ساعة العامل في القيم الجديدة. ولكن حتى في هذه الحال لا يتحول المنهدس الى عامل ينتمي الى الطبقة العاملة لانه لا يبيع قوة عمله كسلعته الوحيدة بل يقدم خدماته لقاء رواتب او اجور لا تقتصر على الحصول على انتاج قوة عمله لليوم التالي من اجل بيعها.
اغلب المراتب المتوسطة تقدم خدماتها الى الدولة او الطبقة الحاكمة بصرف النظر عن المرحلة التي تمثلها هذه الدولة. فالمرتبة القضائية ومرتبة ضباط الجيش على سبيل المثال مراتب ترتبط خدماتها اطلاقا بالدولة. ولكن المراتب الثقافية العديدة تقدم خدماتها اما للدولة او للشركات الراسمالية مثل المحاسبين والموظفين الاداريين وحتى المحامين والاعلاميين الى درجة كبيرة وحتى العلماء لا يجدون مجالا لتحقيق بحوثهم العلمية سوى لدى الدولة او الشركات الراسمالية. الصفة المشتركة بين كل المهن الثقافية والعلمية والاعلامية هي ان مصدر رزق اعضائها ودخلهم لا يتأتى عن طريق بيع قوة عملهم كسلعة بل يحصلون على دخولهم لقاء خدمات يقدمونها لمن يحتاج اليها.
قد يرى المرء تشابها في شراء قوة عمل العامل وبين شراء خدمات هذه المراتب اذ في الحالتين يقوم الشخص بتقديم خدماته لمن يشتري هذه الخدمات. ولكن ثمة فرق بين الحالتين. العامل يبيع سلعته الوحيدة اي يحصل طوال حياته عن طريق اعادة انتاج هذه السلعة وبيعها. وهذه العملية مستمرة طوال حياة العامل وليست له اية فرصة لتغيير هذا الوضع او تحسينه الا عن طريق النضال ضد الطبقة الراسمالية للحصول منها على بعض الحقوق التي قد تحسن ظروف انتاج قوة عمله ولكنها لا تغير وضعه لان وضعه هذا هو شرط حتمي لبقاء النظام الراسمالي.
اما شراء خدمات هذه المراتب المتوسطة فلا تقتصر اثمان شرائها على ما يعيد انتاج قوة عمل الشخص بل المقياس في تعيين قيمة الخدمات بنوع الخدمة التي يقدمها الشخص وليس حسب قيمة قوة عمله. لذلك تتوفر لدى الشخص فرص تحسين دخله عن طريق تطوير نوع الخدمة التي يقدمها. وتكون امام الكثير من افراد هذه المراتب فرص الاغتناء وان يصبحوا اغنياء بدون ان يهدد ذلك وجود النظام الراسمالي. فقد نجد بين اعضاء هذه المراتب من يفوق في غناه بعض الراسماليين ولكن الفرق بينه وبين الراسمالي هو انه لا ينتخدم ثروته كراسمال.
وعلى سبيل المثال اشير الى الفريق من العلماء الذين قاموا بانتاج القنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية. فقد جمع كما هو معروف خيرة علماء اميركا وانجلترا وفرنسا في الولايات المتحدة ودفعت لهم رواتب ضخمة لكي ينجزوا المهمة التي وضعت على عاتقهم. وحين امتنع هؤلاء العلماء عن العمل في انتاج القنبلة الهيدروجينية احتجاجا على استخدام القنابل التي انتجوها في ابادة بشرية في هيروشيما وناكازاكي عوملوا بقسوة شديدة وقد قرأنا ان رئيس هذا الفريق الكبير من خيرة العلماء كان مصيره الالقاء في مستشفى المجاذيب.
هذا لا يعني ان جميع مراتب واعضاء المثقفين توجد لديهم الفرصة لكي يكونوا اغنياء. توجد مراتب وافراد يعيشون في حياتهم على اقل من اجور العمال ولكنهم مع ذلك ليسوا عمالا بل من المراتب المتوسطة. فنحن نرى في الحياة العملية حالات من مراتب تعاني صعوبة في الحصول على دخولها بحيث يكون وضعهم اشد عناء من العمال رغم انهم لا يبيعون قوة عملهم كسلعة بل يقدمون الخدمات التي تأهلوا لتقديمها للمجتمع. اذكر مثلين فقط على ذلك هو مرتبة الممرضات ومرتبة المعلمين. نحن نشاهد ونسمع عن نضالات واضرابات تطالب بتحسين احوال هاتين المرتبتين اقتصاديا وتحسين رواتبهم. ولكن مع ذلك هم يختلفون عن العمال بكونهم لا يبيعون قوة عملهم كسلعتهم الوحيدة بل يقدمون خدماتهم للمجتمع.
لي تجربة شخصية في هذا الخصوص حين كنت مدرسا في احدى مدارس الطائفة اليهودية في بغداد. كانت اغلب هذه المدارس مهداة من قبل احد اليهود الاحياء او مهداة باسمه بعد الوفاة. لورا خضوري، راحيل شحمون، شماش، مسعودة سلمان وغيرها لا اذكر اسماءها. هذه مدارس مجانية تخصص ادارة الطائفة ميزانياتها. كنت لمدة خمس سنوات في مدرسة مسعودة سلمان حيث كانت مسعودة سلمان ما تزال على قيد الحياة وتسكن في شقة لها في المدرسة وتظهر احيانا لتهنأ برؤية الطلاب يدخولون الى صفوفهم. كان راتب خريج الثانوية في المدارس الرسمية ثمانية دنانير اما في المدارس اليهودية فقد كان ستة دنانير شهريا وكان جار لي عامل بناء كنت احسده لان اجره اليومي يزيد على ضعف اجري اليومي. ومع ذلك لم اكن عاملا بل كنت من مرتبة المعلمين.
ومن الناحية الثانية يوجد بين هذه المراتب اعضاء اغنياء كالاطباء الناجحين والمحامين الناجحين وموظفي ادارة الشركات والمحاسبين ومدققي الحسابات والنواب وحتى الوزراء وغيرهم. يصبح الكثيرون من هذه المراتب اغنياء مرفهين ولكنهم مع ذلك يبقون من المراتب المتوسطة طالما لم يستعملوا نقودهم كراسمال. وحينما يستعملون نقودهم كراسمال لا يبقون من المراتب المتوسطة بل يصبحون راسماليين وجزءا لا يتجزأ من الطبقة الراسمالية.
من الناحية السياسية تختلف مواقف اعضاء المرتبة الواحدة من اليساريين المعارضين للنظام ويمينيين مؤيدين للنظام وفئات تعتبر ان لا دخل لها بالسياسة. فليس في الانتماء الى مرتبة من هذه المراتب ما يحدد الموقف السياسي لاي عضو من اعضاء المرتبة.
الصفة الوحيدة المشتركة بين جميع هذه المراتب في المجتمع الراسمالي هي انها مراتب متوسطة بين الراسماليين والعمال. والصفة الاخرى هي ان هذه المراتب لانها مراتب مختلفة اقتصاديا وحرفيا لا يمكن ان تكون سلطة حاكمة او طبقة حاكمة بل لا تستطيع سوى ان تكون خاضعة للسلطة الحاكمة تقدم لها الخدمات من اجل الحصول على مداخيلها. وكل المزاعم بوجود سلطة المراتب المتوسطة لا صحة لها لان مثل هذه الحكومات باشخاصها لا تكون سوى ادوات في خدمة الطبقة الحاكمة.
في الحديث عن هذه المراتب المتوسطة كانت تستعمل في تسمياتها كلمة المراتب حتى تلقت الحركة الشيوعية الضربة الشديدة التي وجهها الخروشوفيون في المؤتمر العشرين. وكلمة المرتبة صالحة للتعبير عن هذه الفئات لان المرتبة تعبر عن جماعة يمكن تحليلها تحليلا اقتصاديا نظرا لانها تشكل فئة ذات طبيعة اقتصادة متشابهة. وبعد هذه الفترة بدأنا نسمع كلمة شريحة وشرائح للتعبير عن هذه الفئات الاجتماعية. والشريحة يمكن ان تتكون من عناصر مختلفة تنتمي الى طبقات مختلفة ومراتب مختلفة اقتصاديا ولهذا لا يمكن تحليلها تحليلا اقتصاديا. اعتقد ان سبب استبدال كلمة المراتب بكلمة الشرائح كان متعمدا ليتفق ذلك مع التوقف عن التحليل الاقتصادي لتحديد المواقف السياسية وهو اساس بحث المواقف السياسية للفئات الاجتماعية.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحتاج الى شطف ادمغتنا ٧
- القيمة والقيمة التبادلية ٤
- القيمة والقيمة التبادلية ٣
- القيمة والقيمة التبادلية ٢
- القيمة والقيمة التبادلية ۱
- تعليق على تعليقين
- ثورة تموز ١٩٥٨في العراق ثورة برجوازي ...
- جواب الى مكارم ابراهيم
- فائض القيمة والازمات الاقتصادية
- الانسان خالق قيمة
- لا ارباح للراسمال سوى فائض القيمة
- حول انتاج العامل اكثر من مستلزمات حياته
- حول قانون فائض القيمة مرة اخرى
- جواب على سؤال من قارئ عراقي
- قانون فائض القيمة قانون اقتصادي خاص باسلوب الانتاج الراسمالي ...
- قانون فائض القيمة قانون اقتصادي خاص باسلوب الانتاج الراسمالي
- نحتاج الى شطف ادمغتنا ٦
- نحتاج الىِ شطف ادمغتنا ٥
- نحتاج الى شطف ادمغتنا ٤
- سياسة الانهاك لتحطيم الثورة


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسقيل قوجمان - أبرجوازية صغيرة او وضيعة ام مراتب متوسطة؟