أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - خمسون وهماً للإيمان بالله [3]















المزيد.....


خمسون وهماً للإيمان بالله [3]


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 3872 - 2012 / 10 / 6 - 15:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


50 وهماً للإيمان بالله
غاي هاريسون
ترجمة إبراهيم جركس

الوهم الثالث: الدين شيء جيد
((لا أشعر بأني ملزم بالإيمان بأنّ نفس الإله الذي خلقنا ومنحنا الشعور، والعقل، والفكر كان ينوي أن يجعلنا ننسى طيفية استخدامها)) [غاليليو غاليلي]
((الدين هو الإيمان بشيء أنت تعلم حق العلم أنّه ليس كما يبدو))
[مارك تواين]

في حين أنّ بعض المؤمنين يحاولون تقديم أدلّة وبراهين يدعمون من خلالها مزاعمهم حول وجود الله، آخرون يعلنون وببساطة أنّ "الدين" شيء كافٍ ويكتفون بذلك. ضمن هذا السياق، الدين هو إيمان أعمى بإله آمن وغير مرتبط بالعقل أو المنطق. ومن المهم جداً التمييز بين "الإيمان" بأنّ الله موجود عن ذلك النوع من "الإيمان" الذي يشعر به الشخص تجاه صديق أو فرد من أفراد العائلة، ويسمى الثقة. فالأخير يتضمّن شكلاً من الثقة القائمة على خبرات سابقة وإخلاص لأشخاص موجودون بالفعل في العالم الواقعي. الإيمان بوجود الله أيضاً أمر مختلف تماماً عن الإيمان بأنّ الشمس ستشرق غداً صباحاً. فالأخير يسمى تنبؤ أو توقع قائم على ملاحظات وأرصاد سابقة ومعرفة مسبقة عن النظام الشمسي. بعض المؤمنين يدمجون أو ينتقلون بشكل مستمر ذهاباً وإياباً بين هذه المعاني أثناء نقاشاتهم حول إلههم. لكنهّا ليست ذات معنى واحد. نعم، أنا أؤمن بالعديد من الأمور أيضاً، لكن ليس بوجود الآلهة لأنه ليس هناك أي أساس يمكن إقامة ذلك الإيمان عليه. أنا أؤمن بأولادي، على سبيل المثال، بمعنى أني واثق من أنّهم أولاد صالحين وسيقومون بالأمر الصائب والصحيح في أصعب المواقف. لكنّي لا لأؤمن بأنّهم موجودون لأننّي لست بحاجة لذلك. أنا متيقّن من وجودهم لأني رأيتهم، سمعتهم، وشعرت بوخزات سيوفهم الخشبية وركلاتهم الرقيقة عندما لعبت معهم لعبة المجالد الروماني.
أكثر المؤمنين لا يخجلون من الإعلان أنهم "يعرفون" أنّ إلههم حقيقي فقط لأنه م يؤمنون به بقوة. فطبقاً لأقوالهم، الدين يعني الإيمان بالله حتى وإن لم يكن هناك سبب للإيمان به. يبدو الأمر سخيفاً عندما يصاغ على هذا النحو لكن هذا هو الدين. إنّه إيمان من دون سبب معقول. بالرغم من الدعاية، فهذا ليس تبريراً مناسباً وصالحاً للإيمان بالله أو أي شيء آخر.
هناك مشكلة كبيرة في الدين تصبح مفهومة عندما يريد الإنسان تطبيقه. كيف للمؤمن أن يفسر اختياره لإله واحد من دون الآلهة الأخرى إذا كان جوهر الدين هو وجود أي إله؟ لماذا _على سبيل المثال_ الإيمان بوجود "الله" أو "غانيشا" أكثر صحّة تقريباً من الإيمان بوجود يسوع؟ الإيمان بأنّ إله ما حقيقي لا علاقة له بالدليل أو العقل، لذلك يمكن توجيهه بقوّة مساوية نحو أي إله. ومع ذلك ولسبب ما فإنّ المسلمين الذين تحدّثت معهم حول هذه النقطة لم يكنونا يكنّون أي اعتبار أو بعض الاعتبار للإيمان الذي يؤكّد واقعية يسوع كإله للمسيحيين. بالنسبة للمسلمين هذا خطأ، خطأ في الحكم. فالإيمان هو ليس جواباً جيداً وكافياً بالنسبة لهم. لكن يخبرنا المسيحيون لاحقاً أنّ إيمان المسلمين بوجود "الله" لا يشبه إيمانهم في شيء. أمّا كيف يعرفون ذلك فهذا لغز محيّر.
اليوم هناك أشخاص في هذا العالم يؤمنون بوجود الجنيات. لا تضحك عزيزي القارئ. فحسب ما جاء في معجم The Skeptic s Dictionary، أنّ الإيمان بالجنيّات ((يبدو شائعاً بين الناس الريفيين والبسطاء حول العالم)) [Carroll 2003, 136-137] أغلب هؤلاء الناس يبنون استنتاجاتهم على الأرجح حول الجنيات على الإيمان. لابد أن يكون الإيمان لأنّه _على حد علمي_ لم يقم أحد بتقديم أيّة دلائل أحفورية أصلية عن الجنيات أو آثار أقدام جنية ما. من ذا الذي يحتاج إلى دلائل وبراهين قاطعة عندما يكون مؤمناً فعلا؟ على الأرجح أنّ أغلب المؤمنين بالله _كما آمل_ سيوافقونني الرأي أنّ الجنيات ليست حقيقية. لكن كيف توصّلوا إلى استنتاج أنه لا وجود لكائنات صغيرة مجنّحة تشبه الإنسان تطير في الحدائق؟ كيف يمكن للمؤمنين المخلصين بالله تفنيد مزاعم المؤمنين بالجنيات؟ هل الإيمان بالجنيات مختلف جذرياً عن الإيمان بالله؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف؟
بما أني قضيت شطراً طويلاً من حياتي أعيش في مجتمعات يسودها مؤمنون مسيحيون، فقد سمعت عدّة مرات بأني "يجب أن أتحلّى بالإيمان" بحقيقة يسوع وواقعيته. لقد أخبرني المؤمنون أنّ كل ما عليّ فعله هو أن أضع حداً لهوسي في البحث عن دليل و"التسليم" بأنه حقيقي. لكن إذا كان الإيمان أو التسليم ينفع بحالة يسوع، فلماذا لا ينفع في حالة الجنيات، وأودين أيضاً؟ ألا ينبغي على شخص يدافع عن الإيمان كسبب مشروع للاستنتاج بأنّ إلهه حقيقي أن يحترم أيضاً الإيمان نفسه عندما يتعلق الأمر بوجود الآلاف من الآلهة الأخرى؟ ما الفرق؟ لكن إذا كان الإنسان لديه إيمان بوجود أي شيء، عندئذٍ فإنّ هذا الإيمان سيفقد قيمته بالمطلق كوسيلة للوصول إلى الحقيقة.
على الأرجح ليس هناك أي شيء يحبط غير المؤمنين أكثر من مفهوم الإيمان نفسه. فبالنسبة للعديد من الملحدين، إنّ اعتماد المؤمن على الإيمان يبدو كاستسلام كامل للعقل أو على الأقل كإمساك عنيد عن التفكير. قد يسخر غير المؤمنون من الإيمان لكن عليهم ألا يقلّلوا من تقديره أبداً. فالإيمان يمكن أن يكون كحائط منيع وصلد ضدّ كافة التحديات التي يطلقها الشكّاكون. مهما كانت الحجج مدمّرة ضدّ الإيمان، فاٌلإيمان هو الذي يسود وينتصر في النهاية. والسبب واضح تماماُ. فالحجج القائمة على العقل والواقع من غير المحتمل أن يكون لها ذلك الأثر الكبير على مفهوم ليس له أية علاقة بالعقل والواقع. الملحدون الذين يأملون لتشجيع ملكة التفكير النقدي حول الاعتقاد يجب أن ينسوا الجدال المباشر ضد الإيمان نهائياً. فالإيمان لا يخسر في الجدالات لأنّه لا يلعب وفق تلك القوانين ولا يتقيّد بها. ربما سيكون من المفيد أكثر تشجيع المؤمنين على التفكير أكثر حول مفهوم الإيمان نفسه. ربما سيتحدّى المؤمنون مفهومهم عن الإيمان أولاً وقد يمتدّ الأمر لتحدّي وجود آلهتهم لاحقاً. ليس مستحيلاً بالنسبة للمؤمنين إدراك أنّ الدين هو عبارة عن تبرير فارغ للاعتقاد. ففي النهاية، أغلب المؤمنين بالله يرفضون مسبقاً الإيمان بالجنيات والإيمان الذي يرفد كل تلك الآلهة الأخرى، هل تتذكّر؟ فغالبية المؤمنين يدركون مدى هشاشة وتهافت الإيمان عندما يحاولون تطبيقه على أي شيء آخر غير إلههم.
إذا كان تعريف الدين يشتمل على أنه الإيمان من دون أي سبب، فبعض الناس المتدينين قد لا يرون فيه التبرير الأساسي والجوهري للإيمان بالله بشكل كافٍ. قد يعتبر المؤمنون أيضاً أنّ الانسحاب إلى الدفاع عن الدين يبدو كاعتراف بأنهم عاجزون عن الدفاع دفاعاً عقلانيا مقنعاً عن إيمانهم بإلههم. أليس هذا ما يقوله جميع المؤمنون الذين يضعون الإيمان فوق العقل والبرهان؟ أليس هذا نوع من الاعتراف بأنّ إيمانهم لا يقوم على أي أساس متين وثابت؟ الفيلسوف دانييل دينيت يعتقد ذلك. فهو يشكّ أنّ الحديث المتواصل الذي نسمعه عن الإيمان يكشف لنا عن حالات عدم أمان عميقة متجذّرة بين المؤمنين. في كتابه الرائع: Breaking the Spell، يقارن دينيت مواقف الناس في المنظومات العقائدية المختلفة والمتضاربة:
((هؤلاء الذين يعتنقون ديناً شعبياً معيّناً ويمارسون طقوسه لا يعتبرون أنفسهم أنّهم يعتنقون ديناً على الإطلاق. إنّ ممارساتهم "الدينية" هي جزء مستمر من حياتهم العملية، جنباً إلى جنب مع صيدهم وجمعهم الثمار أو حرثهم وحصادهم. وإحدى الطرق للقول بأنهم يؤمنون فعلاً بالآلهة التي يقدّمون لها أضاحيهم تتمثّل في أنّهم لا يتحدّثون أبداً عن مدى إيمانهم بآلهتهم أكثر ممّا قد نجول أنا أو أنت في الأرجاء مؤكّدين إيماننا بالجراثيم أو بالذرات. حين لا يكون هناك حاجة للكلام عن شك محدق، لا تكون هناك حاجة للكلام على الإيمان)) [Dennett 2006, 160-161]
يدهشني كيف أنّ المؤمنين حوّلوا الإيمان بوجود الله إلى مفهوم محترم ومقدّر. فبعض الناس يتبجّحون باستمرار حول إيمانهم العظيم والكبير بالله، لكنّهم لا يكلّفون أنفسهم ولو لمرّة واحدة اعتبار أنّ التخلّي عن قدرتهم العقلية لتقييم الأدلة وتحليل الحجج هو أمر سيء وقد تكون له عواقب وخيمة. لا يسعني أبداً تخيّل كيف يكون ممكناً الاتّكال على الإيمان وحده عن يستلزم الأمر النظر في مزاعم وادّعاءات غير عادية. على سبيل المثال، أنا لديّ اهتمام شديد باستكشاف الفضاء وتتبّع أخبار مشروع سيتي SETI، أو البحث عن الذكاء خارج الأرض. وفي حين أني لا أعلم حق العلم ما إذا كانت هناك حياة ما في مكان ما في هذا الكون، فأنا أعتقد أنّ هناك فرصة كبيرة لذلك. أنا أعتقد أيضاً أنّه هناك على الأقل عدّة كواكب قد تحتوي حياةً ذكية على متنها. أنا آمل أن نكتشف حياةً ذكية خارج الأرض خلال فترة حياتي. هذا الاكتشاف سيكون بمثابة لحظة رائعة ومثيرة جداً في تاريخ الجنس البشري وقد تسلّط مزيداً من الضوء على أصولنا ونشأتنا وتطوّرنا. إذا تمكّنّا من الاتصال مع حضارة ذكية من خارج الأرض _على افتراض أنّها لن تبيدنا_ فسأكون متحمّساً للغاية لدرجة أني قد لا أتمكّن من النوم مدّة أسبوع كامل.
وبقدر تحمّسي وآمالي حول مسألة وجود حياة ذكية خارج منظومتنا الشمسية، فأنا لن أقدم على تلك القفزة الإيمانية وأجزم بأني أعرف حق المعرفة وعلى يقين تام من حقيقة وجودها. هذا أمر خاطئ تماماً. وسأكون عارفاً ضمنياً بأني أكذب. عندها سأزيّف أملي، متظاهراً بمعرفة أمر لا أعرفه. قد أكون قادراً على التكلّم لساعات طويلة عن "إيماني القوي" بوجود الحضارات الخارجية العاقلة، لكني متأكدٌ تماماً بأني سأشعر بالذنب لاحقاً. فالدين أو الإيمان أشبه ما يكون بالخيانة أو الغش. إذ أنّه قفز نحو استنتاجات وخلاصات قبل أن يحقّ لك ذلك، أي قبل أن يتمّ استحقاقها والحصول عليها عن طريق الاستكشاف والتفكير. قد تكون الآلهة موجودة فعلاً، لكن ألا ينبغي علينا التروّي والانتظار حتى نكتشف دليلاً مقنعاً قبل أن نحكم ونقول بأننا نعرف؟
دان باركر، مبشّر وواعظ مسيحي سابق وأصبح ملحداً، كان عمله دفع مفهوم الإيمان وتعزيزه لدى آلاف المؤمنين. اليوم، إنه لا يصدق أنّ هذا المفهوم كان يبدو منطقياً بالنسبة له. إنّ رحلة باركر الشخصية إلى الدين والعودة مذهلة ومثيرة. كان مؤمناً مخلصاً وملتزماً كرّس حياته لهداية الآخرين إلى المسيحية وتقوية إيمانهم بيسوع. كان إيمانه جيداً وقوياً حتى بدأ بمسائلته. لكنه ما أن اعترف أنه كان تبريراً أجوفاً للإيمان بالله، حتى لم يعد أمامه أي خيار آخر سوى التخلّي عنه.
((بدأ الإيمان بالتلاشي))، كتب باركر في كتابه Losing Faith in Faith:
((إذا كانت الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها قبول ادّعاء أو زعم ما هو الإيمان، عندئذٍ أنت تعترف أنّ ذلك الادعاء لا يستطيع أن يقوم على مزاياه وخصائصه الخاصة. إنّه إفلاس فكري بحق. فبالإيمان، ليس عليك أنت لست بحاجة لأن تشغل بالك بأي عمل لإثبات قضيتك. إذ يمكنك "الإيمان أو التسليم" فحسب.
الحقيقة لا تحتاج للإيمان بها. فالعلماء لا يضمّون أيديهم كل يوم أحد، ويقولون: "نعم، الجاذبية حقيقة! سأؤمن بها! أنا أؤمن من قلبي أنّ كل ما يصعد للأعلى لابد أن يسقط نحو الأسفل... أسفل... أسفل... آمين!". فإذا فعلوا ذلك، عندها سنكون متأكّدين بأنّهم يشعرون بعدم الأمان والاطمئنان حول المسألة)) [Barker 1992, 102]
دينيت وباركر كلاهما محقان في هذه النقطة. إنّ أهمية مفهوم الدين تخون شكوك المؤمنين الخاصة تجاه آلهتهم. لكن لا يكفي أن نقول عن الإيمان بأنّه كسول فكرياً بالنسبة للفرد، بل هو ضار وله تأثير مؤذي على المجتمع. من المرفوض تماماً في الزمن الحاضر وبالنسبة للملايين من البشر مجرّد التفكير بأخذ القرارات استناداً على إيمان الشخص وليس على العقل. بالعكس تماماً، يجب استبعاد الإيمان _أي قبول المزاعم والادعاءات من دون أي دليل كاف ومقنع_ وبقوة. أنا أرفض أن يقوم طاقم المستشفى، قسم الشرطة، الإطفاء، وممثّلو الحكومة بأخذ قراراتهم استناداً على الإيمان. أنا أريدهم أ يتّخذوا قراراتهم على أساس شيء أكثر جوهرية وثباتاً، كالمنطق، البيانات والمعلومات، الحقائق، الخبرات المسبقة، والعلم. وأنت ماذا سيكون موقفك؟
لفهم أوضح وأفضل لضعف مفهوم الإيمان، تصوّر إذا حاول الملحدون استغلال الإيمان لدعم فكرة عدم وجود الآلهة. كيف سيكون وقع ذلك على آذان المؤمنين؟ يكتب باركر قائلاً:
((تخيّل ملحداً، يرفض النظر في أي مزاعم دينية، يقول "يجب عليك أن تؤمن بعدم وجود الآلهة. فإن آمنت في أعماق قلبك أنّ لا شيء يتعالى على الطبيعة وأنّ الإنسانية هي الحكم الأخير والأعلى للأخلاق، عندئذٍ سوف تدرك أنّ الإلحاد حقيقة". ألن يضحك المسيحيون [وأتباع الديانات الأخرى]؟)) [Barker 1992, 102-103]
المؤمنون الممانعون للتخلّي عن مفهوم الإيمان قد يأخذون في اعتبارهم أنّه ليس هناك أيّ نهاية منطقية إليه. فالإيمان لا يتوقف عند الجنيات والآلهة. ما أن يتمّ قبوله كوسيلة لتقرير الحقيقي من غير الحقيقي، فإنّه سيزحف إلى جميع المجالات الأخرى من الحياة. على سبيل المثال، إذا لم يجد الشخص أي مشكلة في الإيمان بحقيقة إله خفي وغير مرئي، فما الذي سيمنع ذلك الشخص من الإيمان بالتنجيم أو التخاطر أو قراءة الكف أيضاً؟ ما الفرق؟ في الحقيقة، قد يكون الأمر أسهل. ففي النهاية، على الطرف النقيض، فالمرء يستطيع رؤية النجوم والفيزياء بشكل فعلي. ليس هناك أي دليل موثوق وملموس أنّ هناك سفينة فضائية غريبة قد زارت الأرض لكن الإيمان يجعلنا نعتقد ذلك، وإن داخل عقولنا فقط. فقط تخلّى بالإيمان و _بوم_ أصبحنا لسنا وحيدين في هذا الكون. الأطباق الطائرة مجهولة المصدر باتت هنا. أين ينتهي كل هذا؟ لسوء الحظ، طبعاً، فبالنسبة لبعض الناس ليس هناك حدود لتطبيقات الإيمان والمؤمنون بالفعل في كل زعم أو ادّعاء. مليارات الدولارات تؤخذ من هؤلاء الناس من قبل جيوش من النصّابين والدجّالين.
أنا أرفض الاقتباس من ريتشارد دوكينز هنا، المؤلّف والعالم والناشط الملحد البارز. فأنا أعرف أنّ مجرّد ذكر اسمه يبعث قشعريرة مريرة في أجسام أغلب المؤمنين. لكنه لامع جداً وذكي وله علاقة وطيدة بالموضوع لدرجة أنّ استبعاده عن النقاش حول موضوع الإيمان أمر غير ممكن. في كتابه المعنون "وهم الإله The God Delusion"، يجادل دوكينز أنّنا لا يجب أن نفرض الدين على النشء والصغار لأنّهم قد لا يكونون قادرين بعد على أداء المستويات العالية من التفكير النقدي بما فيه الكفاية. وبشكل خاص يرفض وبشكل قاطع استخدام مفهوم الدين أو الإيمان لإقناع الأولاد بأنّ الآلهة حقيقية وأنّ الكتب المقدسة القديمة حقيقية ومنزلة من عند الله:
((بشكل عام فالخطر الحقيقي في الموضوع يكمن في أنّ الأطفال يتمّ تلقينهم بأنّ المعتقد بحدّ ذاته فضيلة. أنّ المعتقد شرّ بحدّ ذاته لأنّه لا يتطلب أيّة تبريرات ولا يتحمّل أدلّة مضادّة. أنّ تدريس لأطفال بأنّ الإيمان بدون سؤال فضيلة بحدّ ذاته يوفر أرض خصبة _وبوجود عناصر أخرى ليس من الصعب توفيرها_ كي يصبحوا أدوات قتل جاهزة للحروب الجهادية أو الصليبية في المستقبل. أنّ المناعة ضد الخوف بسبب الوعود بجنة الشهداء تجعل من الإيمان الديني يستحق مكانة عالية في تاريخ السلاح، جنباً إلى جنب مع القوس والخيل والدبابة والقنبلة العنقودية. لو درس الأطفال بأنّ التساؤل والتفكير بما يؤمنون به، بدلاً من تعليمهم بأنّ من أسمى الفضائل هو الإيمان بدون سؤال، فلن يكون هناك انتحاريون. الانتحاريون يفعلون ما يفعلونه لأنهم يؤمنون حقيقةً ما تعلموه في دروس الدين: بأنّ واجباتهم تجاه الله تسبق كل الأولويات الأخرى وأنّ الشهادة ستكافأ بجنة الفردوس. ليس من الضروري أن يكونوا قد درسوا هذا على يد متطرف متعصب، بل ربما رجل محترم ولطيف، مدرس دين عادي أجلسهم في الصف وعلمهم يهزّون رؤوسهم البريئة بشكل إيقاعي بينما يتعلّمون كل كلمة من كتابهم المقدس كالببغاوات. الإيمان يمكن أن يكون خطيراَ جداً، وزرعه بشكل مدروس في عقول الأطفال البريئة السهلة المنال جريمة جسيمة جداً)) [Dawkins 2006, 308]
دوكينز محق طبعاً، لكن حسب خبرتي إنّ أغلب المؤمنين لا يدركون أي رابطة بينهم وبين المؤمنين الذين يقتلون أناساً أبرياء في سبيل الإله. فهم ينعتون هؤلاء الأشخاص "بالمتعصّبين" أو "المتطرفين" وينكرون أنهم يشاركونهم الأساس المشترك بينهم لمفهوم الدين. لكنهم يفعلون ذلك طبعاً. فإذا كان الدين هو التخلّي الإرادي عن العقل والتنازل عنه، عندئذٍ لن نبالغ إذا تصوّرنا هؤلاء الناس يفعلون أي شيء باسم الدين. يكشف لنا التاريخ مدى السهولة التي يمكن من خلالها قيادة الناس المؤمنين إلى الهاوية. لكن تصور عزيزي القارئ مدى صعوبة تجنيدي أنا أو أي شخص آخر من غير المؤمنين ليكون قاتلاً أو صليبياً أو جهادياً باسم الله. فهذا لن ينجح ببساطة لأنّه يجب أولاً على الذي يريد تجنيدنا أن يرينا دليلاً مقنعاً على الحياة الأخرى في الجنة بعد أن يثبت لنا وجود إله معين. تخيّل لو أنّ جميع الرجال الذين قاموا بخطف تلك الطائرات في صباح الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 قد أعادوا التفكير في نظرتهم للعالم في الليلة التي سبقت عمليتهم. ماذا لو قرروا مسائلة دينهم وإعادة التفكير بالله الذي كانوا ينظرون إليه على أنّه التبرير النهائي لمهمّتهم؟ ماذا لو رفضوا في الأساس دينهم وطالبوا بالدليل بدلاً من ذلك؟
في حين يبدو أنّه من غير المرجّح بالنسبة للمؤمن المطوّق بحزام الإيمان أن يعيد التفكير بآرائه ونظرته ويبدأ بالسؤال عن الدليل والبرهان، لكنه أمر غير مستحيل. مليارات من البشر حول العالم قاموا بترك الإيمان بالله أو الآلهة. إذ أنّهم تمّ دفعهم للإيمان بالله من قبل أهلهم ومجتمعهم لكنّهم تحلّوا بالشجاعة في النهاية ليعيشوا حياتهم ويمارسوا تفكيرهم من دون الدين. قد يأخذ الأمر بعض الوقت لكنه سيحدث في النهاية. ما أن ينظر المؤمنون نظرة موضوعية وصادقة إلى الدين، فهناك فرصة بأن يدركوا أنّه بعيد كل البعد عن العقل والمنطق. الإيمان بوجود شيء لا يوجد أي مبرّر للإيمان به هو ببساطة موقف غير مبرّر، وخصوصاً بالنسبة لأي شخص يعتقد بالحقيقة والواقع.
الكاتب مايكل شيرمر كان في أحد الأيام مسيحياً أنجليكانياً مُخَلّصاً. بدعم من الدين كان واثقاً تمام الثقة بأنّه يعرف الحقيقة المطلقة للكون. اليوم بطبيعة الحال، أصبح ملحداً يبشّر بالعلم والعقلانية. قام بتأسيس جمعية الشكّاكين Skeptics Society، وينشر مجلة رائعة وناجحة، وقد قام بتأليف العديد من الكتب العلمية العامة والتي لقيت إقبالاً كبيراً بين الجماهير. في كتابه "علم الخير والشر The Science of Good and Evil" يصف شيرمر رحلته من الإيمان إلى الإلحاد:
((لطالما كنت أُسأل مرات كثيرة كيف ولماذا فقدت إيماني. بالرغم من أنّ تحوّلي إلى المسيحية كان أمراً سريعاً ومفاجئاً ودراماتيكياً... فإنّ "ارتدادي" عنها كان تدريجياً وتطورياً. فالموازين لم تسقط من عيني فجأةً... بل كانت هناك عملية استبدال بطيئة ومنتظمة لوجهة نظر محدّدة بوجهة نظر أخرى: أساطير التكوين والخروج حلّ محلّها نظريات الكوسمولوجيا والتطور، العقل حلّ محلّ الإيمان، الاحتمالات الظرفية المؤقتة محلّ الحقائق النهائية، التحقّق والتأكّد محلّ الثقة العمياء، التجربة والاختبار محلّ السلطة أو المرجعية، والطبيعية العلمية محلّ الماورائية الدينية)) [Shermre 204, 231-232]
لا يمكننا الدخول في نقاش حول الدين إذا لم يأخذ المؤمن بعين الاعتبار نقاط ضعفه. من غير المرجح هزيمة الدين أو التغلّب عليه من خلال مقال، كتاب، أو نقاش. كما في حالة ارتداد شيرمر، من الأفضل حتّ الدين أو الإيمان وتعريته من الداخل. الحقائق العلمية والحجج المعقولة من المصادر الخارجية بإمكانها المساعدة، طبعاً، لكنّ المعركة الحقيقية فينبغي خوضها داخل قلوب المؤمنين وأفئدتهم. يجب عليهم أن يقرّروا التخلّي عن الإيمان بأنفسهم. ولا يمكن لأي أحد أن يقرّر ذلك بدلاً عنهم.
***************
مراجع الفصل الثالث
Barker, Dan. Losing Faith in Faith: From Preacher to Atheist. Madison, WI: Freedom From Religion Foundation, 1992.
Carroll, Robert Todd. The Skeptic s Dictionary: A Collection of Strange Beliefs, Amusing Deceptions, and Dangerous Delusions. New York: Wiley, 2003.
Dawkins, Richard. The God Delusion. New York: Houghton Mifflin, 2006.
Dennett, Daniel C. Breaking the Spell: Religion as a Natural Phenomenon. New York: Viking, 2006.
Juergensmeyer, Mark. Terror in the Mind of God: The Global Rise of Religious Violence. Berkeley: University of California Press, 2003. Think faith is a good thing? Read this book and think again.
Mills, David. Atheist Universe: Why God Didn t Have a Thing to Do with It. Philadelphia, PA: Xlibris, 2003.
Shermer, Michael. The Science of Good and Evil. New York: Times Books, 2004.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمسون وهماً للإيمان بالله [2]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [1]
- الله والعلم (2/2)
- الله والعلم (1/2)
- الله والإلحاد
- اختلافات التجربة الإلحادية: بول كليتيور
- الإله: الفرضية الخاطئة
- فيروس الإله [4]
- فيروس الإله [3]
- فيروس الإله [2]
- فيروس الإله: مقدمة
- فيروس الإله [1]
- القرآن في الإسلام (بحث في معصومية القرآن وموثوقيته)
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 3 ترجمة: إبراهيم جركس
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 2
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 12 ترجمة: إبراهيم جركس
- المأزق الأخلاقي للحروب
- القرآن المنحول [1]
- التاريخ النصي للقرآن (أرثر جيفري)
- الله: فيروس عقلي مميت [2]


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - خمسون وهماً للإيمان بالله [3]