أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عذري مازغ - ماريناليدا















المزيد.....


ماريناليدا


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 3851 - 2012 / 9 / 15 - 03:26
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


“إسبانيا كلها مثل ماريناليدا" شعار جديد تردده كل المظاهرات في إسبانيا، والحقيقة ان الشعار يعكس نمطا محيرا للتفسير، إني قدمت هنا الترجمة الحرفية للشعار، لكن الترجمة الحقيقية تمثل اليوتوبية الحقيقية، تمثل ما لا تمثله اللغة حين تعجز عن الترجمة، إن اللغة ليست سوى أحجار للبناء مثلها مثل الطين، وهي حتما لا تعكس الحقيقة، تمثل هذه الجملة حلم الإسبان في أن تكون إسبانيا كلها ماريناليدا، المدينة الصغيرة التي لا يوجد فيها عاطل واحد، المدينة الصغيرة الأندلسية، الأوربية التي فيها تستطيع أن تحوز على سكن ب 15 يورو شهريا، مدينة سانشيز غورديوا الذي يقر عمليا أن الإنسان في اوربا يستطيع أن يتحمل كل شيء سوى أن يعيش دون سقف يأويه، غورديوا الذي وصفته الصحافة البريطانية بأنه روبن هود القرن الواحد والعشرين وقارنته في اكثر من مناسبة بغانديالهندي، لتسميه بغاندي الأندلس، غورديو صاحب الفلسفة القومية الجديدة: انصر الأندلس، ليس لأنك اندلسي ابا عن جد بل لأنك فقط تعيش بالأندلس (كل من يعيش بالأندلس أندلسي)، انصر الأندلس كبلدك مادمت تعيش فيها وحاصر سياسة العولمة من موقعك، لا تدع المؤسسات المالية والشركات العالمية تملك سطح الأرض الذي تضع فوقه قدميك، غورديو الذي جعلني انا القادم من بلاد "المورو" أعشق الأندلس عشقي لوطني، سانشيز غورديوا، الإنسان الكادح، البرلماني الوحيد في أوربا الذي يتساوى أجره مع أجر أي كادح، الإنسان اللص الذي سرق خمس كيلوغرامات من العدس من سوق مغطى (كارفور وميركادونا) ليهديها رمزا لأكثر من 400 الف عائلة في الاندلس ليس لها دخل ليستحق في الصحافة الإسبانية أن يكون لصا مع سبق الإسرار والترصد، بينما كائنات لصوصية سرقت ملايير الدولارات حظيت بعفو راخوي على أساس ان تدلي بمداخيلها (راخوي في تصريح له يعفي بنسبة تسعين في المائة لمن يدلي أو يعيد تسجيل ممتلكاته وارباحه من الراسماليين الخارجين عن تغطية النظام الضريبي)، غورديوا الاممي الذي زار غزة في عز حصارها ونال هذا الذي يناله اي زائر يتعاطف إنسانيا مع القضية الفلسطينية كل الحط من كرامته في مطار تل أبيب وفواصل الجمارك الإسرائيلية وهو مع ذلك لا زال يرتضي "الباندا" الفلسطينية حتى الآن برغم صراعه الأوربي، غورديوا الذي لا يعرفه الفلسطينيون رغم انه يعرف قضيتهم، غورديو الإنسان البسيط الذي يستطيع أي إنسان أن يلتقيه دون وساطة، غورديو الذي يبحثون له الآن، في الديموقراطية الجديدة على طريقة لنزع ثقة الذين اأتمنوه على مدينتهم ماريناليدا لأنه سرق خمس كيلوغرامات من العدس ليهديه للجائعين، غورديو الذي يؤمن بان اليوتوبيا ممكنة التحقيق إذا توفرت الإرادة. والجماهير الإسبانية تشهر مدينته الجميلة ماريناليدا إسما لا يضاهيه اسم إسبانيا كليا. في المناسبة القادمة سأخبركم كيف تاسست ماريناليدا
ماريناليدا وحدها الشاهدة، جزيرة على النمط الشيوعي في بحر الرأسمالية المتوحشة، جزيرة شيوعية لكنها ليست سوفياتية، تقاوم صدى الهيمنة الصاخبة، تستند إلى كنهها وتخطو خطواتها البطيئة إلى يقين يحتضنها، يقين هو أرضها وماؤها وقواها البشرية، مدينة تأسست على سواعد أهلها ونسيت كل خرافات التنمية والصخب السياسي، نسيت تجار صندوق العجائب واستكنت لوقع سيرها: هي القافلة ومن حولها الكلاب تنبح، تثبت للرائي انها الثابتة وكل بروتوكولات العواء لم يثرها ولا هي زحزحت سيرها، ترفع رأسها هي الشامخة لتثبت للتاريخ جدارتها. فمن من الأوربيين من أصحاب السبق المعرفي والصحافي لايعرفها؟ من من الأوربيين من غربان الإشتراكية الديموقراطية يعرفها؟ ونحن نحاول الإجابة على هذه ال"من" وقبل أن نعود إلى ماريناليدا الجميلة، القلعة الحصينة بدون بوارج الحرية ولا مدافع الرعب دعونا نحدثكم عن إسبانيا وسياسة الرعب.
أتمنى أن يزور العالم ماريناليدا
أن يزورها بالتحديد عشاق المتشككين في النمط الشيوعي الذين نهلوا من التجربة السوفياتية وقتلوا فينا الحلم وقتلوا اليوتوبيا، سانشيز غورديوا يقول إن اليوتوبيا ممكنة شرط أن نعمل لأجلها: ماريناليدا هي تجربة البساطة في أن يصنع الناس حياتهم: إن ماريناليدا لا تضاهيها إسبانيا بكليتها وهذا هو شعار المظاهرات الإسبانية: إسبانيا كلها لا تساوي شبرا من ماريناليدا، إنه شعار يعكس عكس ما يدليه الكلم
هاكم صيغتها الإسبانية في التظاهرات: españa entera, como marinalida
إسبانيا كلها كماريناليدا، هو مطلب يعكسه شعار المظاهرات الإسبانية وليس أن إسبانيا تعيش يوتوبيا ماريناليدا.
هل هذه الجملة تعكس حقيقة إسبانيا؟ هذا هو الشعار، لكنه يعكس فهما آخر، يعكس حلما هو أن تكون إسبانيا ماريناليدا أن تكون يوتوبيا أو يوطوبيا أو يوثوبيا لا أدري مالكلمة التي يستعملها العرب اللغويون.
للإسبان كل الحق أن يحلمو بماريناليدا ما دامت متحققة على أرض الواقع.
في هول الأزمات الإقتصادية التي تعصف بأوربا، بإسبانيا الغارقة في هول ذويي الإستنجاد وسياسة الإنقاذ حيث غدت الأمور تظهر للعيان بالوعي المقلوب: فيما الحكومة الفاشية لراخوي تندب انها ترسي برنامجا للخروج من الازمة الإقتصادية، تبدوا الأمور واقعيا عكس ما تبديه أبواقها الإعلامية (من يصدق الأبواق الإعلامية) بشكل يلوح في الأفق سؤال ساذج يبدوا ملحا بشكل خارق: من ينقذ من؟
تعالوا إذن نتربص هذه ال"من" الأخرى
وتبدو هذه العبارة التي تهيمن على الخطاب السياسي، "إنقاذ إسبانيا وإخراجها من الأزمة"، عبارة موجعة من زاوية نظر تطبيقية، إنها تعني إنقاذ إسبانيا ظاهريا، لكنها عمليا لا تعني سوى مزيذا من التضحية، أو بعبارة ساخرة لسرنتيز هي مزيدا من الوطنية، أقصد الوطنية كما تنعكس في الوعي البسيط في دماغ العصافير القومية، أي ان تكون لك هذه الغيرة العمياء لإنقاذ الوطن بما يتطلبه الأمر من تضحية:إن مفهوم الإنقاذ حين يستند إلى كلمة "إسبانيا" ينسحق فيها الوعي بالإنقاذ، الوعي بمن يجب إنقاذه، وتبدي الحداثة السياسية المبهرة أكثر براءة في إنتاج لغة المقاربة حين تنحوا منحى التحديد،حين تحاول أن تقارب عملية الإنقاذ بتحديد آخر: "يجب إنقاذ اقتصاد إسبانيا" ويبدوا الآن من وهلة أولى أن إسبانيا في عافية من أمرها ما دام الإقتصاد وحده المصاب بالحمى الباكتيرية، ويسهل امر الحل في هذه الحالة على طريقة الطب الميكانيكي ببتر العضو "الإقتصاد" من جسد إسبانيا، لكن عبارة "اقتصاد إسبانيا" هكذا بالمرة مثيرة للدهشة والرعب، من الصعب بترها، هي زواج ساخن مفروض بالقوة الإعلامية بين الإقتصاد بكليته وإسبانيا بكليتها، بين الإقتصاد كنمط رأسمالي خاص بالفئة المهيمنة وبين أن يكون اقتصاد الشعب كلية، كأنما الإقتصاد هذا هو وحدة كلية لا تقبل التجزيء وكأنما إسبانيا ايضا هي كل آخر لا يتجزأ، والعبارة لا تخلو ايضا من تلك العملية من قلب الوعي رغم أنها تبدو مريحة للغاية وتعجب الكثير من حشرات الإقتصاد السياسي، مريحة أيضا ومثيرة لعشاق الثرثرة الإعلامية وكثير من طفيليات التحليل المتخصص وخبراء إنتاج الوعي المقلوب( لقد أشرت في كتابات سالفة أن الديون نسبة إلى بلد ما لا تعني بالضرورة ديون شعب هذا البلد بل هي ديون لشركات رأسمالية مفلسة وهذا هو مايتبلور في الوعي القومي للشعوب، إنها ببساطة ديون شركات وأبناك خاصة). تعني عبارة إنقاذ اقتصاد إسبانيا بهذا الربط الكلي ان شيئا ما في إسبانيا ليس على مايرام، وهذا الشيء أيضا هو كلي لا يتجزأ: يعني في المطاف الأخير أن الشعب الإسباني شعب كسول لا يعمل، ويعني أيضا أن سهول إسبانيا وغاباتها وجبالها ومعادنها وكل عطائها الطبيعي شيئا لا ينتج، تصبح التهمة منمقة بشكل كبيرة للشعب، للجماهير الكادحة التي لادخل لها، تصبح الصحة والتعليم والمعاش، وكل شيء كان إلى وقت قريب مفخرة النظم الرأسمالية إبان وجود الإتحاد السوفياتي، تصبح بالمرة المفاجئة، ضروري إخضاعها لمنطق رأسمالي محض: أن يكون الصراع بين من يعمل ومن لايعمل: الموت لمن لا يعمل، وهكذا فسياسة التقشف في إسبانيا: سحب التغطية الصحية، التعليم، رفع سن الإستفاذة من المعاش، رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة التي لم يعد يعترف بها كهنة البرجوازية العربية، كل هذه الأشياء تعني سحقا لطبقة اجتماعية غير مرغوب فيها، إن عبارة منمقة بشكل جيد قولا بأن إسبانيا مدينة للأبناك والمؤسسات المالية لتعني ببساطة أن كل مواطن في إسبانيا مدين لهذه المؤسسات الدولية بجزء ما من هذه الديون، بجزء هو بتعبير ماركس، هو قوة عمل أي كادح، إنها عبارة أيضا تلغي في خطاب الطفيليات الخبيرة من منتجي الوعي المقلوب أن المسؤولية الجسيمة التي تتحملها إسبانيا في دينها العام ليس ناتجا عن نسبة هائلة من هذه المؤسسات المالية والشركات الكبيرة (أكثر من 70 في المائة من الديون سببتها اغلب الشركات والمؤسسات المالية المستثمرة في البلد)، ثم إن جزءا هاما من صناعة الإفلاس كان يستند في أساسه لقطاعات اوكل لها مهام التنشيط الإقتصادي (القطاع العقاري والقطاع البنكي من خلال جدلية الإستثمار) الذي أخذ منحى حداثي قيل عنه الكثير في ما يوهم بنهاية التاريخ "الرأسمالية تجدد نفسها بنفسها"(العرب المولعين بالرومانسية الكلاسيكية التي تمثل دراما المسلسلات العربية حيضها)، ويبدوا ظاهريا انها تجدد نفسها بينما هي في الحقيقة تنقذ روحها بما تبقى لها من أوكسيجين الحياة الإقتصادية: "سلفات من المستقبل" بتعبير احد الإقتصاديين اليابانيين، هذه السلفات الساحرة التي قولبت السيرورة التاريخية وشكلت ثورة التحديث المعولم: إعادة توزيع علاقات الإنتاج بشكل يزيح التوتر في المركز الرأسمالي إلى هامش يغلي بالجحيم، لقد خلقت السلفات من المستقبل مجتمعا "برجوازيا" جديدا في أوربا، لقد حولت آلاف العمال في المركز الرأسمالي إلى مسخ برجوازي وهذا بالتحديد ما يردده الكثير من الببغاوات من مفكري التحديث عندنا بتغريد وتهويل خرافة الطبقة الوسطى.. يستطيع العامل الأوربي بمجرد أن يوقع عقدا رسميا في العمل لمدة طويلة أن يصبح بالوهم برجوازيا متوسطا بأجنحة ترفرف، يستطيع أن يعقد سلفة ليحوز على منزل وسيارة، سلفة او سلفات تكلفه كل عمره وعمر اولاده كما يستطيع أيضا أن يفقد انجازاته الخارقة هذه في رمشة عين، بقدر طاريء (مرض، وفاة، فقدان عمل)، يستطيع أن يحوز على مؤسسة يديرها بنفسه محققا ذاته من خلال "انتفاء اغترابه" في "الأعمال الحرة" كما خبرنا في الحوار المتمدن أحد المجددين من مكتشفي ماركس الإعجازي من فقهاء التأويل في العالم العربي، يستطيع بهذه "الحيازة _ الوهم" أن يحقق ذاته وهميا ويصبح برجوازيا يتكلم لغة أخرى، وأرقاما أخرى مباركة بمدح مثقفي المسخ.
إن هذا الإبداع الإقتصادي الجديد، "السلفات من المستقبل" او السلفات المقدمة على أساس رهن المستقبل العملي للعامل، هي من يحقق له الإحساس الوهمي باستعادة الذات، وهي على ارض الواقع، وكنتيجة واقعية تحققها السلفات، يتحقق كذلك استعادة الذات من خلال نفيها في وحل الرهن، أي أن ما تأوله مبدع القراءات الفقهية لماركس لم يكن في المطاف الأخير سوى صياغة هيجلية تتوخى التحديث في قالب حداثي لا زال تؤطره الريغنية حتى الآن في الفكر البرجوازي العربي. إن ممثلي الفكر الحداثي العربي لهم حقا يمثلون مسخا حضاريا للإبداع الفكري، وبعبارة : إن ما يتوخاه ضفادع الفكر العربي في الديموقراطية تجاوزته حركات الشباب في كل أوربا.لقد وعوا تماما أن الديموقراطية هي ديكتاتورية المؤسسات المالية والشركات المتعددة الجنسية، وهذا ماكنت ارمي إليه في مقالات سابقة.
إن ماركس لا يزال يتربع على القرن الواحد والعشرين وهذا أساسا ماتهدف إليه مقالاتي.
لقد ابتعدت كثيرا عن إسبانيا رغم اننا في الحقيقة لم نبتعد أكثر مما يمكن من إظهار بعض الأمور التي لها علاقة بالأزمة الإسبانية من خلال ما يصطلح عليه في السياسة اليومية الترويعية بالسياسة الإنقاذية، ولن نتعرض بالتالي لما هو يبنى للوعي اليومي على أنه الفهم الوحيد للإنقاذ، فالذي عليه يجري العمل على قدم وساق لإنقاذه هو في الحقيقة الظاهرة للعيان هو النظام الإقتصادي الرأسمالي الذي هو في بنيته العامة هو نظام المؤسسات البنكية والمالية والشركات المتعددة الجنسية والنظام هذا من حيث هو نظام هذه المؤسسات لا علاقة له ب"القوم" الإسباني إلا من حيث هو يشكل علاقة استغلال، وإنقاذه هو بالضبط إنقاذ لهذه العلاقة من الإستغلال، وليس إنقاذا لإسبانيا إلا من حيث إسبانيا ليست سوى هذا النظام نفسه وهذا ما يحاول الوعي اليومي ان يكرسه من خلال الربط بين الإقتصاد وإسبانيا، من خلال الربط بين الأزمة والمواطن، إن المواطن ككائن مستهلك هو من يدفع كل الضرائب، وهذا لا يجب أن يغيب في أي تحليل، إن البرجوازي أو الرأسمالي لا يدفع سوى ما يتوجب عليه كمستهلك وليس كبرجوازي او رأسمالي (وهذا هو ما يجب أن ننبه إليه رعاع الفرجة الهمجية التي تجد حضنها الآن في كرة القدم، إن ما تؤديه الشركات من ضرائب تستحصله أو تستعيده من خلال بيع منتوجاتها، أي أنها تضيفه في قيمة منتوجاتها ولا تدفع شيئا من عندها، إن الضرائب والإشهار وكل ما يوهم بالإقتناء، وباختصار شديد: إن الضرائب التي تستحصلها الحكومات من اي عملية إنتاجية، تستحصلها من خلال مايدفعه المستهلك، فإذا كان هناك رأسمالي ما (وما اكثرهم) لا يدفعون الضرائب، فهم يسرقون علنية وبشكل مزدوج ما يدفعه المستهلك (والأمر ليس تماما كما يبدعه قراصنة الفكر البرجوازي اللبيرالي الجديد، إن الضرائب بشكل عام يدفعها المستهلك، وهذا يقود إلى موضوع جديد حول قطاع الخدمات).
راخوي في كل خرجاته الإعلامية لم يخرج عن هذا السياق:”إن إسبانيا لن تكون إلا في منطقة اليورو"، "إن الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق والذي كان على إسبانيا أن تسلكه منذ اربع سنوات هو هذه الإصلاحات...(وغالبا تقترن الإشارة في هذا الخطاب إلى أي إصلاح تباشره حكومته)”، إن راخوي بكل جرأة ودون حرج يتكلم خطاب الديكتاتور وخطابه هذا يعكس الروح الديموقراطية الملهمة، روح الطريق الوحيد: "لا يوجد طريق بديل"( no hay otra alternativa) كما ردد مئات المرات قبل وبعد انتخابه، إن هذه الروح هي روح التعددية السياسية أيضا، إن التعددية السياسية لا تنفي السير في الطريق الوحيد الذي هو إطعام الغول الرأسمالي، إننا نسير في الطريق الواحد وكل يحمل جسده وهذا هو التعدد المبشر به، أن تكون انت تحمل جسدك وتمشي في طريق النظام، وهذا الطريق الكارثي هو ما أجبر ساباتيرو على التنحي قبل الآوان، إن الإشتراكيون الديموقراطيون كما يحلو أن تحمل إلينا بشراها هم من بدأوا هذه الإصلاحات بضغط من لوبي المؤسسات المالية والإقتصادية بشكل عام، وهذا اللوبي كان يطمح إلى أكثر مما باشره ساباتيرو، اكثر من أن يسلخ جلده الإشتراكي الديموقراطي ويناقض التعاقد البيرنشتايني (نسبة لبيرنشتاين) نقضا حقيقيا، إنهم كانوا يطالبونه أن يكون في صورته الحقيقية كرأسمالي مطيع، كقرد صغير يتربص أفخاد ميركل السمينة وليس كاشتراكي ديموقراطي، إن هذه الطاعة هي ما يقبلها ساستنا الجدد في الوطن العربي "الثوريون" تحت قائمة الإكراهات الوطنية والدولية.
إن الديموقراطية الليبرالية في إسبانيا قد بدأت تتعرى بشكل ملموس ومفجع، إن راخوي قبل الإنتخابات ليس هو راخوي بعدها، بشكل سافر تماما، بشكل يطالبه الكثير بالمحاكمة الدستورية لأنه صعد لرئاسة إسبانيا ببرنامج اقتصادي نقيض لما يمارسه الآن، فهو الذي كان يعلن في وجه الحكومة السابقة أن رفع الضرائب عمل قاتل للمؤسسات المتوسطة والصغيرة، وهو الذي أعلن ما مرة، بل بشكل هستيري أحيانا حين كان غريمه قد قرر الزيادة في رفع الضريبة على القيمة المضافة أن الزيادة هذه تعني البطالة نفسها، لم يلبث وهو في الحكم الآن، وبعد مرور خمسة أشهر على حكمه، أن يعلن أنها الطريق الوحيد للخروج من مأزق الديون التي تنخر إسبانيا.
يحكم راخوي إسبانيا بجملة واحدة: “no hay otra alternativa” ليس هناك بديل آخر، وهي جملة كافية لتشرح كل هذا التبلد الذي يعتنقه كل الليبراليين، والحقيقة ان لا بديل آخر لمن ضاقت به الآفاق، لكنه لابديل فقط من داخل اللعبة الديموقراطية، أي هذا الشكل من الممارسة الديموقراطية في شرعية ما هي شرعية النظام الرأسمالي، لا بديل آخر من داخل اللعبة السياسية الشرعية التي بدت فيها الأمور منفلتة، لقد تعرت الديموقراطية الغربية بشكل فادح، إن البرنامج السياسي الذي تعتمده الأحزاب للوصول إلى الحكم ليس سوى تمطية على ظهر وعود كاذبة، إن ما كان في الوعود السياسية خطا أحمر صار عند ممارسة الحكم طريقا وحيدا للحلول، والحلول هذه هي ان يدفع المواطن العادي، المستهلك في المطاف الأخير، فاتورة إفلاس النظام السياسي والإقتصادي برمته، أن يدفع ديونا هو ليس مسؤولا عنها، هي ديون خاصة،أن تبيع إسبانيا ديونها للمؤسسات المالية، هذه الجملة وحدها تختزل كل شيء في إسبانيا، ,وهذا أيضا يعرفه حتى المواطنون البسطاء، المواطنون الذين يجبرون كرها أن يتركوا محلات سكناهم المرهونة بسلفات المستقبل، وطبعا أولئك الذين لسبب طاريء انقطعت سيولة الدفع عندهم، وتشترط ألمانيا والبنك المركزي الأوربي شروطا مجحفة لشرائها، وهكذا فالعملية تبدوا اقتصادية محضة في السوق الأوربية بينما هي عملية في المطاف الأخير إعادة صياغة اسس الإستغلال وتركيع الشعب الإسباني، فشراء الديون عمليا تعني شراء سندات أملاك خاصة وعامة بشروط هي أساسا شروط الهيمنة .
أخيرا ولان هذا المقال جاء في سياق شيء كنت اتمنى ان أدونه لتجربتي في الغربة، ولكوني لم ارد ان اكتب للقاريء بشكل عام، احتراما له كما سبق في مقالي الأخير، ولأني بعد وخلال انقطاعي تلقيت الكثير من الحث على العودة للكتابة، ولأن الحوار المتمدن هو وطننا الإفتراضي، وهو وطن حقيقي بتنوعه، وطن يتواجد فيه العربي، الأمازيغي، الكردي، العبراني، المسيحي، الغجري، وكل الطوائف، وطن جميل بتنوعه اللامحدود، وهذا تعبير يستشعره المغتربون مثلي، نزولا لرفاقي ورفيقاتي في الحوار المتمدن، للقاريء المتواضع، نزولا لكل الزملاءوالزميلات ممن حثو على مواصلة درب الكتابة، أتنازل عن قراري رغم الخجل الكبير الذي سببه لي قراري، في كتاباتي القادمة ساتناول شيئا عن تجربتي في المهجر وسأحاول مهما استطعت الإبتعاد عن الجدل البيزانطي
أحيي جميع الزملاء والزميلات في الحوار المتمدن، أحيي جميع رفاق الدرب واحيي بشكل خاص أولائك الأصدقاء الذين اتصلوا بي بشكل مباشر عبر الهاتف، لقد صدموني بالفعل وأعتز كثيرا بوجود أناس مثلهم في وطننا العزيز، وإني لأشعر بخجل كبير تجاه كل الذين علقوا في مقالي الأخير الذين، بعد غيبة قصيرة وجدت 39 تعليقا، بحيث لا أستطيع الرد عليهم.
أعتذر عن عدم الرد وأتمنى أن لا يعتبر هذا إجحافا في حقهم



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعا لهوس الكتابة
- ماركس في كتابات -الشلة- 2
- ماركس في كتابات -الشلة-
- أزمة عمال كوماريت
- عمال كوماريت والخوصصة المستدامة
- المغرب العنصري
- مشروع سومونتي*
- حول إشكالية العمل الضروري في إنتاج فائض القيمة
- عودة إلى موضوع فائض القيمة
- فائض القيمة في -زوبعة فنجان-
- قليل من الحب
- فاتخ ماي، وقضايا الشغل
- نقض ماركسي يفقه كثيرا في الماركسية
- رفقا بالشهداء الشيوعيين المغاربة
- حول قضايا المرأة
- مهمة تحرر المرأة هي مهمة الرجل أيضا
- اهتزاز التقشف الرأسمالي والإسلام الرجعي: مخاض عسير لولادة جد ...
- قراءة نقدية....(2): حول مفهوم الإغتراب
- قراءة نقدية في مقالين متناقضين: مقال د. هشام غصيب ومقال الزم ...
- -التويزة- الجماهيرية وغريزة الإنحطاط


المزيد.....




- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عذري مازغ - ماريناليدا