أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سيد رصاص - السوريون في الأزمة















المزيد.....

السوريون في الأزمة


محمد سيد رصاص

الحوار المتمدن-العدد: 3841 - 2012 / 9 / 5 - 09:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن الرئيس شكري القوتلي مخطئاً عندما تنبأ بمقدار فردية السوريين في قوله الشهير لعبدالناصر أثناء توقيع اتفاقية الوحدة السورية المصرية بعام 1958:"شعب من خمسة ملايين يطمح كلهم لأن يكونوا رئيساً للجمهورية".
كانت هذه الفردية ظاهرة في أثناء الحكم البرلماني المضطرب بين عامي 1946و1958:انخراط كثيف في السياسة عند السوريين ضمن أحزاب متصارعة لاتعرف الحلول الوسطى ولالعبة المساومات أوالجسور المفتوحة بينها،مع ميل طاغِ عند السوريين آنذاك لاعتبار القميص الجغرافي الموروث في يوم 17نيسان1946 من الفرنسيين غيركاف وضيقاً عليهم ممادفعهم للبحث والتوق نحو قميص أوسع عبر أيديولوجيات سياسية قومية عروبية أوقومية سورية أواسلامية أوعبر مشاريع سياسية تبنتها أحزاب ليبرالية عبَرت عن تجار وصناعيي حلب مثل حزب الشعب كانت تهدف لانشاء دولة الهلال الخصيب الممتدة بين البصرة واللاذقية.
لم يكن هناك في هذه الفردية احترام لفكرة الدولة،أوهيبة للحاكم،كمانجد في بلاد النيل عند المصري،الذي يظل ينظر للحاكم بوصفه فرعوناً:من هنا لم يكن غريباً أن يكون أول من اعتاد السوريون على فكرة الدولة وهيبة الحاكم تحت ظله هو مصري اسمه جمال عبد الناصر.مع هذا فقد عادوا إلى تذرراتهم القديمة بعهد الانفصال الذي كان فاصلاً قصيراً يفصل عهد الوحدة عن عهد حزب البعث الذي كان واجهة لحكم لجنته العسكرية قبل أن ينفرد واحد منها في الحكم بيوم16تشرين ثاني1970 بعد اقصاء الآخرين.
استطاع الفريق حافظ الأسد أن يفعل مالم يستطعه سوري آخر:استقرار في السلطة،بعد أن كانت خاضعة لاضطراب الصراع الناصري البعثي بين يومي 8آذار1963و18تموز1963ولتجاذبات صراعات بعثية بينية بين التاريخ الآخير وذلك اليوم الذي انفرد فيه الفريق حافظ الأسد في السلطة.ترافق هذا الاستقرار في السلطة لرجل واحد مع بداية تبلور مؤسسات في الإدارة،وفي الجيش،والأمن،أخضعت جميعاً لسلطة رجل واحد،استطاع ،ولوبعد اضطراب قصيرة ولدته أحداث حزيران1979- شباط1982،أن يولد استقراراً سورياً قام في قسم كبير منه على الحديد والنار ولكن على مايوازيه من ارضاءات وتلبية مصالح للتجار ولبرجوازية جديدة ناشئة من دون الإضرار بالفلاحين والفئات الوسطى المدينية،وهو ماسمح له بمواجهة تلك الأحداث،التي استند فيها الاخوان إلى قاعدة اجتماعية لدى الفئات الوسطى المدينية في مدن حماة وحلب واللاذقية وبلدات محافظة ادلب، عبر حل أمني- عسكري ولكن من دون أن يشعر بأن قاعدته الاجتماعية ضيقة التي امتدت من تجار دمشق إلى فئات وسطى مدينية أعطت تلك الأحداث مؤشرات لاضطراب وتضيق قاعدة السلطة فيها ،مع استناد السلطة إلى قاعدة ريفية واسعة امتدت من حوران وريف دمشق إلى ريف شمال حلب إلى الجزيرة والفرات شرقاً ووسطاً في ريفي حمص وحماة وغرباً إلى الساحل.
أتاحت تلك الأحداث للرئيس حافظ الأسد أن يفرض صياماً عن السياسة على السوريين عقب انتصاره الأمني في تلك الأحداث:ترافق صمت المجتمع عن السياسة مع نمو الزراعة بين عامي1987و2000،ثم مع تنامي القطاع الخاص عقب المرسوم10لعام1991،مع أدوار اقليمية أتاحت لسورية أن تخرج عائمة بعد اجتياز قطوع انتهاء مرحلة الحرب الباردة .أظهرت مرحلة مابعد وفاة الرئيس حافظ الأسد بيوم10حزيران2000الحاجة إلى اصلاحات سياسية في بناء سلطوي كانت قوة الحاكم الفرد في عقد التسعينيات قد أتاحت تأجيل استحقاقاته ولو عبر ارضاءات وتلبية مصالح للفلاحين وللبرجوازية الجديدة النامية،فيماكانت الفئات الوسطى المدينية قد بدأت بالتلاشي والانسحاق الاقتصادي.في أعوام2000-2011كان المستفيد الأكبر اقتصادياً هم التجار والصناعيون ورجال الأعمال،فيماكان المتضرر الأكبر هم الفلاحون،بينمااكتمل انسحاق الفئات الوسطى المدينية من الناحية الاقتصادية،وعملياً فإن الحراك المعارض للسلطة البادىء منذ يوم18آذار2011من درعا يستند أساساً إلى قاعدة ريفية(ماعدا ريف الرقة، الذي مازال مزدهراً بحكم سد الفرات، وأرياف الغاب والساحل)وإلى قاعدة من الفئات الوسطى المدينية تضيق أوتكون واسعة حسب هذه المدينة أوتلك،مع ملاحظة أن أضيق قاعدة للحراك في الوسط المديني هي في مدينتي حلب ودمشق.
عندما كسر السوريون في عام2011صيامهم عن السياسة وأفطروا عليها،موالون ومعارضون ومترددون وهم على التوالي مازالوا ثلاثة أثلاث بعد عام ونصف من بدء الأزمة،فقد أظهروا الكثير من تلك الملامح من الشخصية السورية التي أشار إليها الرئيس القوتلي،والتي على مايبدو ظلت في باطن الشخص السوري،ولم ينجح إلاقليلاً عهد مابعد16تشرين ثاني1970في التخفيف أوالتعديل فيها:تخندق في المواقف لاتعرف الجسور،وعدم الميل إلى الوسطية ليس فقط في المواقف وإنما حتى في طريقة التعامل مع المعلومة التي تتحدد قيمتها بالنسبة للشخص المعني حسب مصدرها،هذا المصدر الذي عبره تتحدد صحة المعلومة وليس حسب علاقتها بالوقائع،وهذا ماأنشأ واقعاًمأساوياً وهزلياً عند أغلبية كبيرة من السوريين في عامي2011و2012أصبح لكل واحد منهم وحسب تموضعه السياسي فضائيته الخاصة التي لايشاهد مايناقضها أويختلف عنها وإذا رآك أثناء زيارة لبيتك تتفرج على فضائية مخالفة لرأيه يمكن- وهذا حدث كثيراً- أن يتشاحن معك أوعلى الأقل أن يحتك معك بطريقة غير مستحبة.
هذا يظهر فردية متشاوفة عند السوري،تتسم بالغلو في المواقف والآراء وفي طريقة التعامل مع المعلومات والأخبار،وتميل كثيراً لأن تتعامل مع الوقائع والأخبار برغبوية في التحبيذ التأييدي أوفي النفي لحصولها،وفي حال تأكد العكس للحالتين لاحقاً لايرعووا ولايتعلموا من التجربة السابقة . أيضاً تؤدي هذه الفردية المتشاوفة للحال عند السوري،موالياً أومعارضاً وأقل من ذلك عند المتردد،لأن يكون السوري المعاصر مقتحماً لعالم السياسة ،بين السلطة والمعارضة التقليدية،على طراز المتفرجين في ملعب كرة القدم بين فريقين متمرسين،الذين يقومون باقتحام الملعب ويقوموا بطرد الفريقين منه،ثم ليقوموا باللعب فيه من دون أي تجربة سابقة. لهذا نجد أن الميول نحو هذا السياسي أوذاك لاتكون حسب مستواه أوطرحه أوبرنامجه وإنما "لأنه يشفي الغليل"سواء كان غليل الموالي للسلطة،المحتقن من المعارضة والخائف على المصالح ومن المستقبل،أوغليل المعارض المستجد الذي تقوم معارضته الراهنة للسلطة على آلام وظلم وتضررات مصالح .كذلك،فإن هذا التشاوف للنفس عند أغلبية السوريين في الأزمة،يقودهم،وهم الأغرار والمستجدون في عالم السياسة بعد صيام اجباري عنها لثلاثة أجيال في مجتمع فتي من حيث الأعمار،لأن يكونوا في وضعية "من يفتي بماليس به علم"،ومن دون أن يصابوا بأي من أعراض فضيلة التواضع.
هذا التخندق يقود إلى أمراض سياسية أخرى:بناء السياسة على التعاكس مع الخصم،وبحيث أن الخصم في مواقفه وأقواله وأفعاله هو الذي يحدد ماتفعله عبر التعاكس معه،في ثنوية مانوية تتحول فيها السياسة إلى مايشبه أفلام الكوبوي بين(أبطال)و(خائنون)،أونظرية الصراع في الدراما بين الخير والشر.هذا أمر كان يلاحظ عند بعض المعارضين في السجون وبعد الخروج منها لماتحولت السياسة عندهم إلى نزعة ثأرية لاتلوي على شيء ولاتقف عند حدود من أجل تحقيق هدف اسقاط النظام،ولوكان ذلك يصل إلى طلب التدخل الخارجي لتحقيق الأجندات الداخلية أوإلى استعمال العنف لتحقيق الأغراض السياسية،وهؤلاء وأولئك،وأحياناً يكون نفس الشخص في الموقعين،هم الذين يلاقون الآن التأييد الأكبر بين الجمهور المعارض السوري،الذي يتجه هو والموالي ، إلى أن يكون في الطرف المعاكس لكل ماهو معتدل ووسطي في صراع ثبت بعد سنة ونصف من نشوبه بأنه ليس بقدرة طرفيه كسبه لصالح أحدهما، أوربما ليس مسموحاً،بحكم توازنات دولية- اقليمية محددة،بحسمه بهذا الاتجاه أوذاك،لتصبح سوريا مثل يوغسلافية،في مؤتمر يالطا عام1945،نقطة توازن بين طرفي استقطاب دولي- اقليمي،بخلاف بولندا التي أخذها الشيوعيون الأضعف أمام اليمين القومي،واليونان التي أخذها اليمين الأضعف بالقياس للشيوعيين،أيضاً وايضاً بحكم مفاعيل توازنات دولية فرضت نفسها من فوق العامل المحلي.



#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة السورية كتظهير للوضع الدولي
- الاخوان المسلمون وايران الخميني – الخامنئي
- القاهرة:تكرار اصطدام قطاري العسكر والاخوان
- الاستيقاظ الروسي:عامل ذاتي أم بسبب الضعف الأميركي؟..
- التدخل العسكري الخارجي وتفكك البنية الداخلية
- مرحلة انتقال مابعد الثورات
- مآزق الأردوغانية
- الاستثناء الجزائري
- خطة كوفي عنان: قراءة تحليلية
- العلاقة الاشكالية بين اليسار والديموقراطية
- استقطابات حول سوريا
- سوريا:المعارض السياسي والشارع
- موسكو وبكين:الثنائي المستجد في العلاقات الدولية
- المعارضون الجدد والقدامى
- نزعة الإستعانة بالخارج في المعارضة السورية(2003-2005)
- الموجات السياسية
- حرب باردة من جديد؟..
- التصلب التركي – الفرنسي حيال الأزمة السورية:محاولة للمقاربة
- عشر سنوات من الاستقطابات في المعارضة السورية
- واشنطن والثورات العالمية


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سيد رصاص - السوريون في الأزمة