أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد العزيز محمد المعموري - من ذكرياتي .. ما بعد الثمانين















المزيد.....

من ذكرياتي .. ما بعد الثمانين


عبد العزيز محمد المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 3837 - 2012 / 9 / 1 - 15:52
المحور: سيرة ذاتية
    


يقول الشاعر : ان الثمانين – وقد بلغتها – قد أحوجت سمعي الى ترجمان . وأنا الآن قد جاوزت الثمانين بأربع سنوات كما أظن ، ولازلت أسمع جيدا" وأرى رؤية لابأس بها ، ورجلاي تحملاني الى حيث قضاء الحاجة الضرورية ، رغم أني مارست التدخين حوالي ستين عاما" بمعدل علبتين يوميا" ثم تناقصت الى واحدة ، وان قلبي لا يزال عامرا" كما تقول أجهزة الفحص كالتخطيط والايكو . أما أضعف عضو في صدري فهما الرئتان من أثر التدخين الذي اضطررت الى تركه منذ حوالي عام أو أكثر .
من أنا ؟ أنا عبد العزيز كما سماني أبي ، بن محمد عباس ، عباس الذي ولد في ناحية النيل من الحلة ، ونزح مطرودا" الى ديالى ونزل في قرية ( أبو كرمة ) من ناحية أبو صيدا ، وهنا ولد أبي وترعرع في الفقر الذي كان سائدا" الجميع ، ولكن من حسن حظه أن تعلم القراءة والكتابة لدى ( الكتّاب ) وصار بعد ذلك يمارس تعليم القرآن والكتابة لبعض التلاميذ لقاء أجر زهيد . مات جدي ودفن في مقبرة القرية وظل والدي هو وأخته ( حليمة ) يعيشان عيشة الشظف والعوز وقد كان والدي يمارس أكثر من مهنة ولكنها جميعا" لا تجلب الرخاء .
وحين أصبح في سن الزواج ، عرض أخته للتبادل حيث لم يكن قادرا" على الزواج لقاء مهر لا يملكه حيث كان مهر الفتاة لا يقل عن مائة روبية أي ما يعادل سبعة دنانير ونصف في عملة ذلك الزمان . وقد كان امتلاك الدينار الواحد معجزة . وشاءت المصادفات أن يتعرف أبي على خالي في قرية العبارة وهو ( خلف علي ) وكانت أخته التي صارت أمي مهيأة للتبادل فأعطى كل منهما أخته لصاحبه وكانت ( كميلة بنت علي السعيدي) حصة والدي والتي حملت بي في قرية ( أبو كرمة ) ووضعتني في قرية العبارة سنة 1928 لا كما مثبت في دفتر النفوس على أنه 1929 فأنا الآن ابن الرابعة والثمانين من العمر . بعد بضعة أشهر من زواج والدي توفي خالي زوج عمتي وظل بيت خالي فارغا" الا من أمه المرحومة التي دعت والدي ووالدتي للانتقال الى بيت خالي في العبارة ، فوجد أبي اضافة الى البيت الجاهز ثلاث قطع بساتين لم يكن يجاوز واردها السنوي الثلاث دنانير فقط ، حيث لم تكن الحاصلات الزراعية تباع عدا التمر الذي يبادلونه بالحنطة ، وقشور الرمان الذي يعملون منه الدباغة !!
أذكر أن أبي كان يزرع الخيار المغطى ويجلبه الى السوق ليباع ( السابل الواحد ) بعانة أي أربعة فلوس !! وكان له شريك وحصته من العانة فلسان يستهلكهما في رغيف خبز و( استكان شاي ) كافطار دسم في ذلك الوقت !!
لم يكن أهل العبارة جميعا" يعرفون أكل الرز ( التمن ) الا في المناسبات الغالية وربما يمر اسبوعان والعائلة لا تعرف شيئا" يوضع القدر الا ( الكشّاشة ) وهي شيئ معه الودك وماء وبصل ويثردون الخبز فيها ليأكلوا بنهم ولذة ! ولم يكن سكان العبارة يجاوزون العشرين دارا" أو أكثر بقليل وكانت بيوتهم جميعا" من الطين ولا أحد منهم يعرف المرحاض أو دورة المياه بل يقضون حاجتهم في الخلاء ويتمسحون بالحجارة !!
كان ذلك في ثلاثينيات القرن الماضي سنين الجوع والمرض حيث كانت الملاريا لا تفارق بيتا" من بيوت العبارة ولم نتخلص منها الا بواسطة منظمة اليونيسيف العالمية التي وفرت لنا ( دي دي تي) وحاربت المستنقعات التي يتوالد فيها بعوض الأنوفلس حامل الملاريا .
حين صرت في سن الدراسة أي في سن السابعة حيث لا يسمح لمن دونها بالانتماء للصف الأول الابتدائي ذهبت بصحبة ابن خالتي ( محمود حمد ) الى مدرسة خرنابات حيث كانت كل القرى المحيطة بها محرومة من المدارس . سألنا عن الصف الأول فدلونا عليه ، فما كان منا الا أن نختار رحلتين أماميتين ووضعنا أنفسنا عليهما دون أن نمر بادارة المدرسة لأن ذلك كان فوق تصورنا ، فما كان من الطلاب الذين كانوا في الفرصة حتى دخلوا الصف ووجدوا غريبين في مكانهم وهنا بدأت معركة ( بالبوكسات والجلاليق ) كنا ضحيتها أنا وابن خالتي وانهزمنا راكضين الى الشارع مقسمين على أن لا نعود الى هذه ( البلوة ) التي يسمونها مدرسة وليس فيها غير الضرب !! وحين وصلنا الى أهلنا سألنا ابن خالتي الكبير الذي كان طالبا" في المتوسطة لماذا رجعنا مبكرين ، قصصنا عليه قضيتنا فضحك من جهالتنا لأننا لم نسجل اسمينا في الادارة ، والادارة هي التي توفر لنا المقاعد .
وعدنا الى المدرسة وانتهت المشكلة ، وكنت في الصف الأول أعاني من لفظ الراء حيث أحوله الى ياء ولكن والدي رحمه الله استطاع أن يذلل لي هذه العاهة فكان يكرر علي أن ألفظ ( ارررر) حتى انطلق لساني وكنت احسد بعض الطلاب الذين يرددون ( بوق .بوق مرزوق)والذين تبين بأنهم راسبون من العام الماضي ، وماكدت أصل الى نصف السنة الدراسية حتى صرت أقرأ وأكتب وطلبت من مدير المدرسة أن يحولني الى الصف الثاني لأني أستطيع كتابة الرسالة . وهنا طلب المدير أن أريه شطارتي فكتبت : ( الى حضرة المدير الحجي عبد القادر آني أريد أنجح بضراعي ) ! ولما قرأها قال : في رسالتك غلطتان ، كان يجب أن تكتب الحاج بدلا" من حجي ، وذراعي بدلا" من ضراعي ، ولم أنقل الى الصف الثاني !! . وفي الصف الثالث رسبت في مادتين هما الدين والجغرافية ، أما الدين فيشهد الله أني لم أكن مقصرا" فيه ولكن المعلم سامحه الله أراد لي الرسوب ! أما الجغرافية فقد رسبت فيها باستحقاقي ، ولو عرضت علي أسئلة ذلك الوقت الآن لرسبت فيها أيضا" مما جعلني أكره الجغرافية الى أن أصبحت معلما" ولم أمارس تدريسها لتلامذتي .
وقد بدأ نبوغي من الصف الرابع حيث كنت الأول على جماعتي خلال السنوات الثلاث وفي الصف السادس كنت الأول في لواء ديالى لسنة 1944- 1945 .
أعود الى حياتنا المعيشية حيث أن طعامنا يقتصر على الخبز والبصل أو اللبن ( الشنينة ) وأنا أذكر أن أمي كانت تملك بقرة وبضع دجاجات ، وكان محرما" علينا الزبد والخاثر والحليب لأنه للبيع فقط ! أما البيض فكان سعره خمس بيضات بعانة أي سعر البيضة أقل من فلس وأنا أطلب من ربي أن يصيبني بمرض لكي ينكسر قلب أمي فتجود علي ببيضة !!
كان الرجال لا يعملون في بساتينهم لأن الزراعة لا تجدي شيئا" ، أذكر أن المشمش يتساقط في الريح فتهرع النساء والأطفال لجمعه ونشره في الشمس ليتحول الى ( نكوع ) ينفع في المرق . أما اللحم فكان الكيلو الواحد يباع بعشرين فلسا" ولكن .. من يشتريه ؟ كان الناس يقدسون ( الباجة ) أما ( المعلاك ) فمن العار أن يحمله الرجل واذا كان قد اشترى المعلاك بعانة فانه يخفيه بأية طريقة لكي لا يراه الناس ولست أدري السر في اعابة المعلاك ، وكذلك غير جائز للرجل أن يحمل بيده الدجاجة أو البيض لأنها من اختصاص اليهود !!
لم يكن في العبارة دكان ولامقهى ، واذا أردنا شراء( بطل نفط) نشتريه من خرنابات التي كنا نسميها ( الولاية ) فهي عاصمة عدة قرى محيطة بها .
أذكر حادثة سنة 1939 وكنت ربما في الصف الثاني الابتدائي أن مات الملك غازي بحادث سيارة ، فما كان من الأهالي الا أن عملوا مأتم والنساء ملطخات بالطين وهن يهتفن :
الله وأكبر ياعرب غازي انفقد من داره وارتجت أركان السما من صدمة السيارة .
خرجت من المدرسة لأرى هذه المظاهرة الصاخبة فتساءلت : ( هذولة شيصير منهم غازي ) ولماذا يبكون عليه ، رد علي بعض التلاميذ الأكبرسنا" : ( ولك غازي ملك العراق ) قلت : ولكن شيصير منهم ، فردوا علي بأنني غبي ولا أفهم !!
وحين وصلت الصف الرابع سنة 1941 كان المعلمون جميعا" يلبسون الملابس العسكرية وكان نشيد ( لاحت رؤوس الحراب ) يتردد في كل مكان ، فتمنيت آنذاك أن أكبر بسرعة وأحمل السلاح لمحاربة الانكليز !
فاتني أن أذكر شيئا" عن ملابسنا ، لقد كانت الدشداشة هي الكل ، والدشداشة بلا ازار لا أدري لماذا ؟ وكانت أمهاتنا تخيط دشاديشنا بالابرة فقط وكانت طوايا الخيوط تمتلئ بالقمل ولدى النساء وسيلة ناجحة للتخلص من القمل بوضع الدشداشة على فوهة التنور بعد اكمال الخبز ، بشكل مقلوب وبعد أن ترتفع حرارة الدشداشة يتساقط القمل محدثا" صوتا" كفرقعة تشبه الملح في النار !! . أما البرغوث فلا يسمح ليلا" لأحد أن ينام نوما" مريحا" ولم نتخلص من البرغوث والقمل الا بعد ظهور المبيدات .
هل يجوز أن أحن الى تلك الأيام السود ؟ كلا وألف كلا .. ولكن مع ذلك لم نكن نعرف مشاكل هذا الزمان .. فلا متفجرات ولا ذبح على الهوية ، وحتى التدين لم يكن بهذه الكثافة ، فكان عدد رجال القرية ونساؤها الذين يمارسون العبادة لا يزيدون عن عدد أصابع اليد الواحدة ، ولكن بعد أن كثرت الجوامع والمدارس الدينية ودور العبادة كثر الموت الأسود والحقد الطائفي والكثير من البلايا .



#عبد_العزيز_محمد_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرتان تستحقان الدراسة
- سيرة وذكريات - في الهدف والطموح
- بين أدوية اليوم وأدوية الأمس
- الأخطاء اللغوية
- عمتنا النخلة والفلاح ووزارة الزراعة..
- كلمات على طرف اللسان 2/2/2011
- كلمات على طرف اللسان 31/1/2011
- تصحيحات لغوية
- كلمات على طرف اللسان : (هل كرمنا عمتنا النخلة ؟ )
- كلمات على طرف اللسان
- لا بارك الله في أمة كثرت أعيادها
- الحركة الوطنية في ديالى ( من ذكرياتي )
- نحن والأطباء ونقابتهم
- أيام مضت ... عملية سطو غريبة
- المظلومان
- مستوى التعليم ماذا حلّ به ؟
- نحن والمبيدات
- العراقيون بين رأس (شو) ولحيته
- حين نكحل العين فنسبب لها العمى
- الانسان هذا اللغز الغامض


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد العزيز محمد المعموري - من ذكرياتي .. ما بعد الثمانين