أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - إنهم يخافون المصطلحات، إنّهم يخافون المستقبل















المزيد.....

إنهم يخافون المصطلحات، إنّهم يخافون المستقبل


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1116 - 2005 / 2 / 21 - 10:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التغيير من طبيعة الحياة، ومن طبيعة كل ما يتصف بالحيوية، من كائنات ومجتمعات وبنى اجتماعية.. ولقد أكد المفكرون والفلاسفة أهمية هذه القضية في كثير من الموضوعات، من بينها موضوعات نفي النفي، في مثلث المنهج الديالكتيكي.. ولقد قالت بعض الأنظمة العربية، ردحاً من الزمن، بضرورة التغيير، ومن البديهي أن تكون مسألة التغيير في صلب مهام المعارضة.. ولماّ شعرت الأنظمة بأبعاد هذه المقولة، وتبني المعارضة لها، تراجعت عنها لتقول بالتطوير والتحديث.. وأصبح مجرد ذكر مصطلح الإصلاح والتغيير يخيفها ويقض مضاجعها..

في إطار اتفاقية الشراكة الأوربية مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط، تقوم بعض الدول الأوربية بتقديم بعض المساعدات، لبناء وتطوير مؤسسات المجتمع المدني في البلدان العربية.. تخاف بعض الأنظمة العربية من مصطلح (المجتمع المدني) ويصر ممثلوها من المسولين، وحتى كوادرها الجدد، على استخدام مصطلح المجتمع الأهلي ـ قد يكون ذلك خوفاً من أن يتهموا بانتمائهم للمعارضة، إن لفظوا مصطلح المجتمع المدني ـ في وقت يجري التهويل فيه من مخاطر مؤسسات المجتمع المدني، واعتبارها شتيمة تحق على من يلفظها وتستبدل بالمجتمع الأهلي؛ وقد أصاب د. طيب تيزيني حين نبّه إلى الفرق الشاسع بين المفهومين، حين قال: "..تظهر أهمية المجتمع المدني حين نضع في اعتبارنا الوجه الآخر المناقض له والمناهض، وهو "المجتمع الأهلي"، ويكمن الاختلاف الابستيمولوجي (المعرفي) بينهما في أن الأول "المدني" يجد مرجعيته في الوطن مفهوماً وواقعاً وسلوكاً، حيث تجري عملية ابتلاع الظاهرات الطائفية والمذهبية والإثنية، بوصفها آليات سياسية تنطوي على احتمال تقسيم الوطن بمقتضاها، أي بمقتضى الطائفة والمذهب والإثنية. أما الآخر "المجتمع الأهلي" فيجد مرجعياته في كل طائفة ومذهب وإثنية، حيث تنشأ "أوطان" تعبر عن انقسام المجتمع وتجزئته وهشاشته ."(1)

وهكذا نجد أنّ هذه الأنظمة وأغلب مثقفيها ومفكريها (الاستراتيجيين) والناطقين باسمها، بمن في ذلك أغلب القادة والكوادر الجدد، يخاف من كل ما هو جديد يحمل في طياته نسمات التغيير، وتعمل على العكس من مسيرة التطور والتقدم، بفرض مصطلحات تؤسس معرفياً وتعبأ الوعي الاجتماعي، للتشبث بالماضي خوفاً من المستقبل، بل تساعد في خلق التربة الملائمة للعودة بالوعي، بعد عقود من (التقدم والاشتراكية)، إلى الماضي، وتفضيله على المستقبل، ويتجلى ذلك في تهيئة المناخ المناسب للأصولية، ليست الدينية فحسب، بل للأصولية من مختلف المشارب والاتجاهات الفكرية والسياسية، ويتجلى ذلك، على سبيل المثال، في استبدالها الدعوة إلى بناء مؤسسات المجتمع المدني، بدعوتها، المذكورة آنفاً، إلى (المجتمع الأهلي) الذي توجد مرجعياته في بنى لم ترق إلى المستوى الوطني الجامع، كما هو الحال في المجتمع المدني، كما بينا.. لا يعني ذلك أننا ضد وجود ودعم مؤسسات المجتمع الأهلي، بل نريد لفت الانتباه إلى مسألة معرفية تلعب دوراً في تكوين وتطور الوعي الاجتماعي، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، التأكيد على ضرورة الارتقاء بمجتمعاتنا إلى مستوى المجتمع المدني، وعدم الخوف من المصطلحات والجمود عند مستوى المجتمع الأهلي.. إنّها مسألة هامة ومصيرية في تطور الوعي الاجتماعي، وتطور المجتمع، وفي تأقلمه مع متطلبات التطور العالمي، ومواجهة تحديات العصر، والاستفادة منه..

عند البحث في أسباب هذه الضحالة الفكرية والسياسية عند هؤلاء ـ بمن فيهم بعض، إن لم يكن أغلب، القادة والكوادر الجدد ـ لا يمكن تجاهل العقود الطويلة التي عاشوها في أجواء الركود، وثقافة الشعارات الجوفاء، أجواء الفراغ الثقافي والفكري العميق التي عمت المنطقة منذ عقود، حين كانت المادة الثقافية والمعرفية فيها تقتصر على خطابات القادة الملهمين.. وأغلب من استطاع الهروب منها، وجد ضالته في ثقافة وفكر الماضي.. أما من تربى في المدارس الثقافية الخارجية، فإنّ أغلبهم يفتقد إلى الخبرة المحلية الكافية لفهم الواقع على حقيقته، وتبقى أفكارهم أقرب إلى الطوباوية منها إلى الواقعية..
ما الذي يمكن انتظاره من هؤلاء القادة الجدد الذين تربوا في مدرسة الخواء والفراغ المعرفي، والثقافي والفكري؟؟..
يجيب الواقع البائس الذي نعيش، والخطاب المعرفي الهزيل، الذي يتم الترويج إليه واستخدامه، على هذا السؤال.

يجري ذلك كله في العقد الأول من الألفية الثالثة.. في عصر المعلوماتية، عندما يتم تجاوز الحدود والحواجز في المستوى القومي، وعلى المستوى العالمي..
في الوقت الذي يتم فيه تجاوز الكثير من مفاهيم ما بعد الثورة الصناعية، في المجتمعات المتحضرة ـ تجري في بلداننا العودة إلى مفاهيم العصر الزراعي، وغرسها في وعي شعوبنا، وكأنّها هي المنقذ لها من الأزمات التي قادوها إليها..
تبني الشعوب المتحضرة الدول على أسس قانونية دستورية تداولية تعددية سليمة، وفي الوقت الذي تتجاوز فيه تلك الشعوب مفهوم الدولة ـ تحلم طليعة شعوبنا ببناء أسس الدولة السليمة، ولا تقدر..
تبني الشعوب المتحضرة مجتمعاتها المدنية، وفي الوقت الذي تتجاوز فيه تلك الشعوب مجتمعاتها المدنية ـ تحلم طليعة شعوبنا ببناء مؤسسات المجتمع المدني في مجتمعاتنا، ولا تقدر.. تكبحها البنى التي تخاف من المستقبل، ومن أي جديد، أو نسمة تغيير..
كم من القرون تجعلنا تلك البنى، والقيمون عليها، نتخلف عن ركب التطور الإنساني؟! يدفعهم ضيق الأفق إلى لوي عنق الحياة لتنسجم مع مصطلحاتهم ومصالحهم.. بعيداً عن المصطلحات والمفاهيم الصحيحة التي تعبر عن حقيقة التطور، وتساهم في إغنائه، وإغناء الوعي الاجتماعي..
يقود الخوف من هيمنة الضحالة الفكرية، وبؤس الوعي الفكري والسياسي، بعض الباحثين والمحللين إلى استنتاجات قاتمة مفادها أنّه: يخطأ من يعتقد بالمقدرة على تجاوز هذا الواقع البائس دون هزات عنيفة شاملة الأبعاد.. ويدعمون استنتاجاتهم، بالكثير من التساؤلات، حول مقدرة وأفق هؤلاء الكوادر والقادة الجدد، قائلين: إلى أين يمكن أن يقود من يخافون حتى من استخدام المصطلحات الدقيقة والصحيحة شعوبهم؟؟ أولئك الذين يتركز جلّ اهتمامهم في اللعب على الزمن، ويسعون جاهدين عبثاً لوقف مسيرة التطور، ليحافظوا على مناصبهم ومكاسبهم، بعيداً عن مساءلة ومحكمة التاريخ، لتتساقط القضايا مع مرور الزمن؛ تلك القضايا التي لا يمكن تجاوزها عن طريق تجاهلها، إذ ليس بالإمكان تجاهلها، فلقد حفرت في الذاكرة ودونها المؤرخون والأدباء في رواياتهم وأشعارهم.. وتحتاج معالجتها إلى عقل وأدوات وأساليب صحيحة..
أجل، إنّهم يعيشون في الماضي، يخافون الحاضر والمستقبل، إنّهم خارج العصر، ويريدون أسر شعوبهم في الماضي، غير عابئين بخروج شعوبهم من التاريخ، بل يعملون في هذا الاتجاه، معتقدين أنّ في ذلك حماية لهم.. أجل إنّهم يريدون وقف مسيرة التاريخ.. وهل يستطيعون؟

أسئلة كثيرة لا بد من طرحها، للبحث، واعتماد أفضل السبل الناجعة، لخط واعتماد نهج وطني سليم، يساعد في بناء مجتمع معافى، على أسس متحضرة تكسبه قوة في مواجهة متطلبات وتحديات العصر..

وتبقى مسألة بناء الدولة على أسس قانونية ديموقراطية تعددية تداولية، تعترف بالآخر، وتساهم في تفتح طاقات الجميع، وتعد الآخر، الذي اصطلحت الشعوب على تسميته بالمعارضة ـ التي تتشكل في ظروف طبيعية قانونية سليمة، وليست قيصرية مشوهة، كي لا تولد مشوهة ـ جزءاً بنيوياً ضرورياً في البنيان الاجتماعي، تتمتع بكافة الحقوق والواجبات الشرعية والقانونية، على قدم المساواة مع الجميع، بما في ذلك قادة الدولة والمجتمع.. وتفسح المجال أمامها لتولي قيادة الدولة والمجتمع، عندما تكون جديرة بذلك؛ تعد هذه المسألة مفتاح الحل لمعضلات مجتمعاتنا، وشعوبنا، لتطورها في كافة المجالات، بما في ذلك المعرفية، والتي تساعد في رقيها وتطورها، وتجاوز عقدة الخوف من المصطلحات والمفاهيم العصرية..
الهوامش:
(1) د. طيب تيزيني – بيان في النهضة والتنوير العربي – عالم الفكر – ص.69 - المجلد 29 – مارس 2001 - الكويت
طرطوس 20/2/2005 المهندس شاهر أحمد نصر
[email protected]



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رفيق بهاء الدين الحريري، يا من سرت على درب المسيح، سلام عليك
- نهاية الصهيونية
- تحية وتهنئة إلى الشعب العراقي
- رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية خطوة إلى الأمام ونظرة ف ...
- أحلام التغيير بعقلية وأدوات قديمة ـ قراءة نقدية في مشروع برن ...
- لأسباب مبدئية
- عشر وصايا إلى فقراء سوريا
- الحوار المتمدن عنوان المستقبل الحضاري
- وديعة رابين والتزام بيريز ونتنياهو وباراك بها في مذكرات بيل ...
- القفزة النوعية في أدب أمريكا اللاتينية جديرة بالتمعن
- قراءة نقدية في الوثيقة التأسيسية الثالثة للجان إحياء المجتمع ...
- هل من مُنقذ لكتاب شيخ الأدب في سوريا -عبد المعين الملوحي في ...
- لماذا البعثيون كما الشيوعيين لا يقبلون النصح؟
- أخطار قمع المعارضة، وأثر ذلك في انهيار الدول
- ثورة أكتوبر قيامة المظلومين
- ألم يحن الوقت لتوحيد أحزاب الجبهة في حزب أو تآلف سياسي واحد، ...
- في السياسات الناجحة، والسياسات الخاطئة
- إلى متى يمكن السباحة في نفس التيار؟
- بحث في العقل العلماني اليساري العربي المتنور ـ الياس مرقص يح ...
- وجادلهم بالتي هي أحسن- ـ حول قرار حجب موقع الحوار المتمدن ـ ...


المزيد.....




- من أثينا إلى بيروت.. عمال خرجوا في مسيرات في عيدهم فصدحت حنا ...
- بيربوك: توسيع الاتحاد الأوروبي قبل 20 عاما جلب فوائد مهمة لل ...
- نتنياهو: سندخل رفح إن تمسكت حماس بمطلبها
- القاهرة وباريس تدعوان إلى التوصل لاتفاق
- -حاقد ومعاد للسامية-.. رئيس الوزراء الإسرائيلي يهاجم الرئيس ...
- بالفيديو.. رصد وتدمير منظومتين من صواريخ -هيمارس- الأمريكية ...
- مسيرة حاشدة بلندن في يوم العمال
- محكمة العدل الدولية ترد دعوى نيكاراغوا
- خردة الناتو تعرض في حديقة النصر بموسكو
- رحيل الناشر والمترجم السعودي يوسف الصمعان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - إنهم يخافون المصطلحات، إنّهم يخافون المستقبل