أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي شفيق الصالح - أحكامنا الإنسانية سبَقَت القانون الدَّولي المعاصر بمئات السنين














المزيد.....

أحكامنا الإنسانية سبَقَت القانون الدَّولي المعاصر بمئات السنين


علي شفيق الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 3804 - 2012 / 7 / 30 - 13:53
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


لو تتبعنا روائع الأحكام التشريعيَّة والقضائيَّة في حضارتنا، لوجدنا فيها أرقى صور العدالة والقِيَم, التي أبْهَرَت فقهاء الغَرْب وكُلَّ العالم وأسْهَمَت في إثراء الإنسانية.
وأعرض هنا بعض هذه الصور التي تدل على أهمِّية تشريعاتنا وسبقها مبادئ القانون الدَّولي المعاصِرُ؛ لِكَيْ نَسْتلهم من ماضينا العِبَر، ونحفز شبابُنا على مواصلة البناء الحضاري ووضع صياغة عصرية لتراثنا.
تشريعاتنا في تحريم الحرب سبَقَت القانون الدَّولي المعاصر بألف عام:
لم يُحرِّم القانون الدَّولي المعاصِرُ صراحة حُروب الاعتداء إلاَّ في ميثاق الأُمَم المُتَّحدة الصَّادر عام 1945م، وحَرِيٌّ بنا أن نفتخر بأن هذا الموقف وتحريمَ حروب الاعتداء موجودٌ عندنا قبل أكثَرَ مِن ألف سنة، وهذه من أرقى الصُّور وأعلقها بالإنسانية والعدل.
لقد حرَصَت موروثاتنا التشريعية على النَّفس الإنسانية وحمايتها، فقال الله تعالى: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32].
وقد تعدَّدَت الأحاديث النبوية التي طالبَت المؤمنين باحترام النَّفس الإنسانية وحمايتها، فقد قال الرَّسول - ص- عن قَتْل النَّفس: إنَّها من الكبائر.
السَّبق في مبدأ إعلان الحرب أو الإنذار بالقتال:
تُعَدُّ قضية فتح سمرقند دليلاً على المبادئ المتمدِّنة والإنسانية في الحروب والقتال لدى الخلفاء المسلمين، فلمَّا استُخْلِف الخليفة عُمر بن عبدالعزيز وفَد عليه قوم من أهل "سمرقند" (الَّتي هي حاليًّا ثاني مُدن جمهورية أوزبكستان)، ورفعوا إليه شكوى تفيد أنَّ القائد المعروف قُتَيبة بن مُسْلم (الذي قاد الفُتوحات الإسلاميَّة في بلاد آسيا الوُسْطى)، قد دخل مدينتهم، وأَسكنَها المُسلمين على غَدْر دون أن يُنذِرَهم ويُمهلهم؛ لينظروا في الأمر كعادة المسلمين في القتال.
فكتب الخليفة إلى والي المدينة يَأْمره بأن يُنَصِّب لهم قاضيًا؛ لينظر فيما ذكَروا، فإن قضى بإخراج المسلمين أُخرجوا، وقال الخليفة: إنَّ نبيَّنا ما أمرَنا بالظُّلم ولا أجازه لنا، وإن الله أوجب علينا العدل.
وتم نصب القاضي جُمَيح بن حاضر الباجيِّ، فحَكَم بإخراج جيش المسلمين كلِّه، على أن يُنابذوهم على سواء؛ أيْ: يُنْذِروهم قبل القتال، وذَكر في حُكمه: "لقد خرَجْنا داعين في سبيل الله، وما خرجنا فاتحين أشَرًا وبطرًا".
ولما أراد المسلمون الخروج رفَض أهل سمرقند ذلك، فقد أعجبوا بأخلاقهم وعدالة حُكَّامهم وقُضاتهم، وقالوا: بل نرضى بما كان، ولا نجدِّد حربًا مع هؤلاء القوم، آمنونا وآمنَّاهم.
والنبذ هو دعوة الناس وانذارهم قبل القتال، وهو ما يسمُّونه في أيَّامنا "إعلان الحرب"، الذي لا يُعَدُّ القتال جائزًا بدونه حسب قواعد القانون الدَّولي المعاصر.
إقرار الفقهاء الغربيِّين بالقِيَم الإنسانية في الوصايا لقادة الجيش:
تؤكِّد وصايا الرسول - ص- لقادة الجيش، ثم وصايا بقيَّة الخلفاء الرَّاشدين في آداب الحرب - مدى إنسانية الإسلام وحِرْصه على حماية النفس الإنسانية، ولا يُدانيها ما وصلت إليه القواعد والمواثيق الدَّولية في العصر الحديث.
لننظر مثلا إلى الوصية الشَّهيرة للخليفة أبي بكر الصديق -رض- أوَّل خليفة للمسلمين، التي يُوصي فيها القائد أُسامة بن زيد أمير أوَّل بعثة حربيَّة في عهده، ويوصي جنوده، والتي تجسِّد الأخلاق والآداب السامية في الحرب، فيقول:
"لا تَخُونوا ولا تَغُلُّوا ولا تَغْدروا ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تقطعوا نَخْلاً، ولا تَحْرقوه، ولا شجرة مُثْمِرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيرًا إلاَّ لِمَأكلة، وسوف تمرُّون على قوم فرغوا أنفسهم في الصَّوامع، فدَعُوهم وما فرَّغوا أنفسهم له".
وقد أقَرَّ العديدُ من الفقهاء الغربيِّين بأهمِّية هذه الوصايا، وبِفَضْل أحكامنا الانسانية على القانون الدولي، ومنهم البارون "ميشيل دي توب"، أستاذ القانون الدَّولي بمعهد الدراسات الدولية بـ"لاهاي" في هولندا، وأورد بعض هذه الوصايا، وذلك في الجزء الأول من مجموعة دراسات لأكاديمية القانون الدولي.
السَّبق في مبدأ المساواة بين المواطنين باختلاف أعراقهم وأديانهم
أن مبدأ المساواة التامة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين في نفس الدولة باختلاف أعراقهم وأديانهم وثقافتهم هو مفهوم حديث لم يظهر الا في أعقاب الحرب العالمية الثانية, ونص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان. ولكن هذا المفهوم معروف عندنا قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة, وعكست العديد من الأحكام والتطبيقات عبر التاريخ هذه الحقيقة.
ونذكر هنا هذه الواقعة وذلك عندما فَقدَ الإمام علي رضي الله عنه دِرعه، ثم وجدها عند رجلٍ من أهل الكتاب ، فجاء به إلى القاضي شريح قائلاً: إنها درعي ولم أبع ولم أهب، فسأل القاضي الإمام علي رضي الله عنه هل من بينة؟ فضحك وقال: أصابَ شريح ما لي بينة، فقضى بالدرعِ للرجل، إلا أن الرجلَ لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام أنبياء .. أمير المؤمنين يدينني إلى قاضيه فيقضي عليه؟ الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين.
لذلك لا غرابة أن يذكر "جوستاف لبون" في كتابه "حضارة العرب" ما يلي: "لقد كان تأثيرُ العرَب في الغَرْب عظيمًا، وإليهم يرجع الإسهامُ الواسع في بناء حضارة أوربا".
و لا غرابة حينما عدَّد المؤرخ "سيدو" في كتابه "تاريخ العرب" فضْلَ قواعد تشريعاتِنا على الحضارة الغربيَّة، وعلى الأخصِّ في القانون الدَّولي.
وهكذا فإنَّ الحاجة تدعو إلى السَّير بهذا النَّهج، وتيسير سبيل الأبحاث الفقهيَّة والقانونية المعمَّقة، وابتكار الأساليب الحديثة لأجْل مواصلة نمُوِّ الحضارة.
(*) استاذ القانون العام والمقارن/ باريس



#علي_شفيق_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استقلالية القضاء طريق الربيع العربي للعدل والانتخابات الحرة
- العدل, هل يستعيد أمجاده مع أعاصير الربيع العربي ؟
- خفايا الانتخابات الفرنسية :دروس اجتماعية وثقافية مستفادة
- هل يحمي القضاء ضحايا تعسف السلطة الادارية ؟
- بلاد الرافدين في باريس: حضاراتنا العريقة تستعيد امجادها يومي ...
- كنوزنا الأثرية تتصدر متاحف الغرب
- موروثاتنا التشريعية تسابق الزمن والغرب يشهد لها
- وسيلتنا القادمة لحوار الحضارات
- متحف اللوفر والولع الفرنسي بآثار الرافدين
- الشريعة باقية وعلينا نحن التغيير
- الإهتمام الدولي بنشر القوانين العادلة أفضل وسيلة لتقارب الثق ...
- تقارب النظامين الفرنسي والعربي في رقابة القضاء على الإدارة: ...
- من بلاد الرافدين وحوض النيل الى ضفاف السين
- هذا العدل الذي نريده
- القوانين العراقية القديمة أول من كرم المرأة


المزيد.....




- مصدر فلسطيني: حماس تتجه إلى وقف مفاوضات تبادل الأسرى بعد تهد ...
- -انتحل صفة غير صحيحة-.. فيديو اعتقال مواطن في الرياض والأمن ...
- مدير الأونروا في غزة: المكان الذي وجه الجيش الإسرائيلي بعض س ...
- الداخلية الروسية توضح أسباب إصدار مذكرات اعتقال بحق سياسيين ...
- تعرف على صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية وآليات إصدار مذكرا ...
- وسط تحذير من مجاعة -شاملة-.. الأونروا تتهم إسرائيل بتعطيل دخ ...
- -العندليب الأسود-.. بيلاروس تنفذ اعتقالات في قضية تجنيد مراه ...
- الأونروا تحذر من الهجوم الإسرائيلي على رفح: العواقب مدمرة عل ...
- منذ 7 أكتوبر.. ارتفاع حصيلة الاعتقالات الضفة الغربية لـ8590 ...
- الأمم المتحدة ومنظمات دولية تدين إغلاق إسرائيل مكتب الجزيرة ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي شفيق الصالح - أحكامنا الإنسانية سبَقَت القانون الدَّولي المعاصر بمئات السنين