أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - - أرض البرتقال الحزين -














المزيد.....

- أرض البرتقال الحزين -


ميساء البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3783 - 2012 / 7 / 9 - 01:43
المحور: الادب والفن
    


( أرض البرتقال الحزين ) .
هذه رسالة مني إليك ..
إليك أيها الشهيد الرمز غسان كنفاني .. إليك أيها المناضل .. الميت الحيُّ في قلوبنا وإلى الأبد ..
أعلم أن هذه الرسالة جاءت متأخرة جداً .. لكنها الحقائق وحدها لا تموت بل أكثر من ذلك فهي دائماً تظهر على السطح من جديد ..لامعة .. براقة .. متوهجة .. يسطع نورها وتنبعث منها رائحة زكية .. رائحة دم الشهداء .. رائحة دم العظماء ..
لعلني أكون صريحة جداً حين أقول أنني لم أعرفك يا غسان من قبل .. أقصد لم أعرفك من خلال الغوص في بحر حروفك .. كنت أسمع عنك دائماً وأقرؤك .. لكنها كانت قراءة عابرة .. غير مستفيضة وربما على عجل .. إلى أن كان يوم وقعت فيه حروفك بين يدي ..
(رجال في الشمس ) كانت هي أول قراءة لي .. أول قراءة جديدة وجدية لأعمالك غسان كنفاني ..
غرقت في الحزن والدموع وأنا أقرأ رواية ( رجال في الشمس ) .. شعرت بشعور غريب بعد أن إنتهيت من قرائتها .. شعرت بأنني أحترق وأذوب في الشمس .. وأن ما بقي مني هو من يكتب إليك الآن ..
اليوم بين يدي ( أرض البرتقال الحزين ) .. أردت أن أتعرف إلى أرض البرتقال الحزين التي سكنت قلب غسان وسكن قلبها .. أردت أن أتذوق طعم هذا البرتقال الحزين من بيارات حروفك .. أردت أن أقطفه من كرومك أنت ..
لم أتخيل في حياتي كلها كاتباً يمكنه أن يبكيني إلى حد الإجهاش ما أن قرأت له صفحة أو صفحتين كما فعلت أنت !
ماذا تفعل بنا حروفك يا غسان كنفاني؟
كيف كانت تعيش بيننا هذه الأسطورة دون أن ندري أو ننتبه ؟
أشعر بحقد كبير بداخلي على هذا الشيء الغريب الذي يتربص بنا .. يندس بيننا .. ثم يخطف أرواحنا قبل أن نتذوق طعم البرتقال الحزين وقبل أن نشتم ياسمين فلسطين ..
إنه الموت ..
كم حرمنا الموت منك ومن شلالات إبداعك.. إبداعاتك التي لاتشبهها إبداعات .. كنت مدرسة مختلفة في الأدب .. كنت مدرسة فريدة بيننا بينما كنا نحن نرتع في مستنقعات الأمية والجهل .. الأمية بعروبة الحروف.. بقدسيتها .. بوطنيتها .. بعزها ودلالها .. والجهل بجميع الحقائق ..
كنت مدرسة تنبض شرايينها من قلب الأم فلسطين .. كأن حبل الصرة بينك وبينها لم ينقطع .. أكاد أقسم أن حروفك كانت تخرج من رحمها .. من رئتيها .. من فؤادها الممزق المكلوم ..
أنت يا غسان .. يا أستاذي ومعلمي .. كنت قلب فلسطين .. من خلالك .. من خلال الزحف على نبضات قلبك .. عشت أنا في غزة مع أنني لم أعرفها في يوم ..
تنقلت وتجولت معك في حيفا وعكا والكرمل مع أنني لم أزرهم في حياتي قط ..
أنا المقدسية المولد والنشأة عرفت القدس مسقط رأسي من خارطة قلبك .. سمعت لهجتها المحكية تخترق الحروف وتخرج آهات مطرزة على شال الاغتراب الذي نلتحفه هنا في بلاد ربما وصلتها عيناك ذات يوم وتركت لنا فيها رئتيك العامرة بعشق الأرض .. أرض البرتقال الحزين .. نستنشق منها رحيق برتقالها وهواء بياراتها ..
من رئتيك أنت أيها الميت .. أيها الميت الشهيد ..

فكيف سمح للموت أن يخطفك ويخنق الرئة التي نتنفس منها نسائم الوطن حين تعصف بنا رياح الذكرى الخانقة وتكتم على أنفاسنا في أولى ساعات الليل الثقيل ؟
كيف سمح للموت بهذا ؟
هواء فلسطين الذي كان معتمراً في رئتيك .. كان يغلي مع دوي كل انفجار ثم ينفجر أمامنا مخلفاً لنا تلك القصص التي كان أبطالها من لحمنا ومن دمنا ومن أوراق الليمون والزعتر التي نثرت على بلاط الشهداء .. ودم الشهداء .. الدم الذي سفك هناك بلا رحمة فجرت منه الأنهار ونبتت على ضفافها أزهار الدحنون التي كنت تعشقها وتودع عشقها في تلك المساحة الصغيرة من الفؤاد المخصصة لعشق الدحنون ..
هناك في أرض البرتقال الحزين حملتك التلال فوق جبينها علماً شامخاً وقف في وجه الرياح العاتية .. الرياح المعادية .. وأعلنك لتلك الرياح ..
هنا ولد غسان .. ابن فلسطين الطاهرة .. هنا ولدت حروفه الطاهرة ..هنا خرجت من رحم الأم فلسطين لكن حبل الصرة لم ينقطع ..
هنا حمل غسان روحه وحروفه على كفه وانطلق يمسح دمعك يا فلسطين الإبنة وفلسطين الأم وفلسطين العذراء التي ما زالت تنتظر حروف غسان كي تزف إليها .
وبقي يحملك أرض البرتقال الحزين .. وبقيت الروح تحرس الحروف وتضيء إليها القناديل كي تبقى مشتعلة في قلوبنا وفكرنا .. بقيت تحرس الآهات التي تخرج من رحم فلسطين .. بقيت تتصالح مع القدر وتوصيه خيراً بتلك العذراء التي لم تزل مخضبة بالحناء والدماء تنتظر أن تزف في يوم إلى تاج الحروف .
لكنه القدر .. لا يهادن .. لا يتصالح .. لا يقبل بالوصايا ..
ذهب القلم .. ترجل الفارس الذي كتب فلسطين بسطور من نور بعد أن كانت متشحة في الأسود ..
مات هذا القلم ..
قتل هذا القلم ..
ونحن في كل يوم نشرب من بعده فجيعة الموت وحسرة البعد وألم الفراق وخسارة قلم كان معداً لرسم معالم الانتصار .. معداً للزفاف على أرض البرتقال الحزين .



#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفراشات تغفو أحياناً
- كنتَ مني وكنتُ منك !
- عناوين وهوامش
- إلى ذلك ....
- في انتظار الخير
- الراية .
- أعواد الحطب
- هل معك أحد ؟
- اللعبة
- شرق جهنم
- على حافة الوطن
- في ذكراك .
- ليلى .. هل تذكرين ؟
- هل كان الربيع ؟
- الوطن كما يجب أن يكون
- سراب
- اللاشيء
- دعوة ..
- المتسول ( قصة)
- خطوة


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - - أرض البرتقال الحزين -