أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ريمون نجيب شكُّوري - الأديان : كيف تصيب حياتنا وثقافاتنا















المزيد.....



الأديان : كيف تصيب حياتنا وثقافاتنا


ريمون نجيب شكُّوري

الحوار المتمدن-العدد: 3773 - 2012 / 6 / 29 - 22:11
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


الأديــانُ
كـيـف تـصـيـبُ حـيـاتَـنـا وثـقـافـاتِـنـا
تأليف
داريل دبليو راي

تـلـخـيـص وتعـلـيـق
ريمون شكّـوري *1*

مـــلاحــــظـــة : الــهــوامــشُ جــزءٌ لا يــتــجــزأ مــن الــمــلــخــصِ .
فــيُــرجــى مــتــابــعــتـُـهــا أثــنــاءَ الــقــراءة .

❊ مــقــدمــةُ الــتــلــخــيــص ❊

هـل فكـرتَ بتساؤلاتٍ أمثال:
ما الذي يجعـلُ للأديانِ تلك السلطةَ على البشـر؟
كيف إستطاعَ الديـنُ شقَّ طـريقَه متغلغلاًَ الى مفاصـلَ نظمِـنا السياسية ؟
ماذا يجعـلُ كثيـرٌ مـن الناسِ يعلنونَ على الملإ إيمانَهم العميقَ بعقائدِهم في حيـن يتصـرفون بأُسلوبٍ منافٍ لها ؟
ماذا يعْصِبُ عيونَ كثيـرٍ مـن الناسِ مـن رؤيةِ الأُمورِاللاعقلانيةِ في دياناتِهم لكنهم يـرون بوضوحٍ تام اللاعقلانياتِ في أديانَ غيـرِهم ؟
إذا كانت هذه الأسئلةُوأمثالُها تـثيـرُ إهتمامَـكَ فالكتابُ الذي يحمـلُ العنوان:
*2* "The God Virus: How Religeon Infects Our Lives and Culture"
تأليف
Darrel W. Ray
المنشورُ سنةَ 2009 والمكوَّنُ مـن 241 صفحة ، يـزوِّدُكَ بالأطـرِ الفكـريةِ لفهمٍ عميقٍ للديـنِ ولإدراكٍ واسعٍ لأسبابَ سطوتِـه على عقـولِ وسلوكِ البشـرِ وعلى ثـقافاتِهم . هذا الكتابُ فـريدٌ في نوعِه مـن بيـن الكتبِ الحديثةِ الداعيةِ الى عدمِ الإيمان *3*. فهو يـرَّكـزُ على منهجياتِِ الديـن ووسائلِه المشتـركةِ التي تكسبُه سطوةً على البشـرِ والمجتمعات . ويحمـلُ مؤلفُه شهادةَ الدكتوراه في علمِ الإرشادِ النـفسي وشهادةَ الماجستيـرفي الديـن.
مثلما هنالك سياراتٌ مـن أنواعَ وأشكالَ ومصانعَ مختلفةٍ ومتـنافسةٍ فيما بينها لكـن عند رفْعِ أغطيتِـها المعدنيةَِ نجدُ تشابهاً كبيـراً في محـركاتِها . كذلك الأديانُ على الـرغمِ مـن إختلافاتِها الظاهـريةِ تكونُ محـركاتُها وأسآليبُ تحـركاتِها متـشابهةً الى حدٍّ كبيـر.
بما أننا جميعاً نعيشُ في بحـرٍ دينيٍ فلا يسعُنا ( مهما كانت نشأتُنا ومهما كانت معتـقداتُنا الحالية) سوى أن نكونَ مـتـشـربـيـن مـن بعضِ مائِه . لا بد إذن أن كلاً منا متأثـرٌ بشيءٍ ولو كان قليـلاً مـن التلـقيـنِ الدينيِ . فإذن نحتاجُ جميعاً الى مساعدةٍ مـن مثـل ِهذا الكتابِ في النظـرِ الى بعضِ "الـرواسبِ" الدينيةِ في تفكيـرِنا التي ربما فاتَ إنتباهُـنا اليها خلال رحلةِ حياتِـنا.
منذُ آلافِ السنيـن نَفَذَتْ الأديانُ ط-ريقَها الى المجتمعاتِ والى عقولِ البشـرِ وإستقـرتْ كأنما هي أجـزاءٌ طبـيعيةٌ لا يُـمكـنُ فصلَها عـن المجتمع . وفي أغلب الحالاتِ تُـركَتْ في المجتمعاتِ دون تفسيـرٍ لوجودِها فيها ودون تحدٍ . فهي موجودةٌ في المجتمع، نـقطة وأنـتهى النـقـاش. أما أولئكَ الذيـن حاولوا مساءلةَ الديـنِ أو الكشفَ عنه فقد تعـرضوا غالباً الـى إضطهادٍ وتحـريمِ وحـرقِ كتبٍ وحتى إعدام . ويعلِّمُنا ما حدثَ الى غاليليو ودارون وسلمان رشدي وثيو فان گوخ وكثيـريـن غيـرِهم درساً بإمكانيةُ أن مجـرِّدَ إنـتـقادِ ما يدَّعيه الكهنةُ أوالأئمةُ أو الكنيسةُ أنه معصومٌ مـن النـقدِ أن يؤدِّيَ الى خطورةٍ بالغة .
قبـلِ إكتـشافِ النظـرياتِ العلميةِ التي عللتْ أسبابَ الأمـراضِ الى فعـلِ الجـراثيمِ والطفيلياتِ والفيـروساتِ لم يكـنْ لدى الأطباءِ وسائـلٌ لفهمِ الأمـراضِ وأساليبَ إنتشارِها. فكان الكهنةُ يُبلِّغونَ الناسَ أنَ سببَ الأمـراضِ ليس سوى نتيجةِ الخطيئةِ أو مـن فعـلٍ للشيطان أو الأرواحَ الشـريـرة . لكـن بعد إكتشافِ الجـراثيم حصـلَ العلماءُ على مفاهيمَ جديدةٍ لفهمِ الأمـراض . فصاروا قادريـنَ على دراسةِ الأوبئةِ وإنتشارِها وأساليبِ العدوى وأُمورٍ كثيـرةٍ أُخـرى . عندذٍ غدتْ أمـراضُ الماضي الـرهيـبةُ مفـهومة . فتحـولتْ الكـوارثُ الـمَـرضيةُ التي إجتاحتْ أوربا في القـرونِ الماضيةِ مـن لَـدُنِ " المهامِ " الإلهية ووُضِعتْ بثباتٍ في العالَـمِ الطبـيعي .
وطَّـدَ عديدٌ مـن الفلاسفةِ المُحْدَثيـن الطـريقَ لفهمِ الديـنِ ودورِه في المجتمع . وقد يسَّـرَ مصطلحُ " فيـروس العقـل" *4* أُسلوباً جاهـزاً لفحصِ الديـنِ عـن كَثَب مثلما يُفحصُ فيـروسُ الإنـفلونـزا وفيـروساتُ الأوبئةِ الأُخـرى. فتوضَّحتْ الكيفيةُ التي تؤدِّي مختلفُ الأديانِ مهامَها في عقولِنا وثقافاتِنا كما تَبَـيـنَ تـشابهُ تلك المهامِ مع مثيلاتِها البـيولوجـيةِ التي تصيـبُـنا بالأمـراض.
ساهمَ المؤلفُ داريـل رَيْ بثـنائي إختصاصَيْهِ مساهمةً رائعةَ في فهْمِ أنفسِنا ومجتمعاتِنا. أذ وضعَ الفيـروس ( الذي وصفَه ريتشارد دوكـنـز كإستعارةٍ مجازية ) على " شـريحةٍ زجاجيةٍ " ودرسَه تحت " المجهـر" . وقد توسَّعَ في كتابِه الى مدىً أبعدَ مـن مجـردِ محاكاةٍ مع الفيـروساتِ البـيولوجية إذ زوَّدَنا بمنظورٍ تفصيليٍ تتوضِّحُ مـن خلالِه قابليةُ فيـروسِ الديـنِ على الهيمنةِ والمـراوغةِ والإستمـرارِ في البقاءِ والديمومة ِوالإزدهار .

❊ شـــكـــر وتـــقـــديـــر ❊

أودُّ أن أقدِّمَ شكـريَ الجـزيـلَ الى كـلٍّ مـن الدكتورثائـر البياتي وطلعت ميشو وجلال يوسف ويحي طالب لمساهماتِهم في قـراءةِ الملخصِ وإبداءِ آرائِهم به وبـرفدِهم بـبعض المعلومات ولتصحيحِهم الأخطاءِ اللغويةِ والمطبعية .
ــ ريــمــون
____________________________________________________


ا ❊ لــديــنُ كــفــيــروسٍ ❊

يبدأ الكتابُ بإقـتـراحِ تجـربةٍ تصوريةٍ بسيطةٍ يمكنُك إجـراؤها بنفسِك بكتابةِ فـقـرةٍ مـن عباراتٍ شديدةِ الإنـتـقادِ الى ديـنٍ س ، ومُستـنـتجاً عند نهايتِها لا بد أن يكونَ الديـنُ س مجـرَّدَ جملةٍ مـن خـرافاتٍ مضحكةٍ غيـرِ قابلةٍ للتصديق . ثم أطلبْ مـن شخصٍ يعتـنقُ ديـناً آخـرَ ص قـراءةَ الفـقـرة . سوف يعبِّـرُ هذا الشخصُ ــ على أغلبَ الظـنِ ــ عـن إتـفـاقِه مع الآراءِ المطـروحةِ فيها ومع تلك النـتـيجة . ثم أُكتبْ فـقـرةً ثانيةً مماثلةً للأُولى ومستـبدلاً جمـيعَ رمـوزِ الديـنِ س بـرموزِ الديـنِ ص الذي يعتـنـقُه الشخصُ القارئ . ثم أطلبْ مـن الشخصِ نفسِه ليقـرأ الفـقـرةَ الجديدة . سـرعانَ ما تلاحظُ إنـزعاجَه وثورةَ غضبِه . تُبـيِّـنُ هذه التجـربةُ البسيطةُ تأثيـرَ الديـنِ في إصابةِ المـرءِ في قدرتِه العقليةِ على التـفكيـرِ المستـقيمِ السليم .
كي نفهمَ نموذجَنا الفيـروسيَ للديـنِ دعنا نلقي نظـرةً عاجلةً على العلومِ البـيـولوجيةِ حيث نجدُ وصفاً لعشـراتِ الأمثلةِ لطفيلياتٍ وفيـروساتٍ وجـراثيمَ تصيبُ حيواناً في دماغِهِ أو بالأحـرى " تحتـلُ " بعضَ أجـزاءٍ مـن دماغِه فيُهيمـنُ الفيـروسُ على الكائـنِ المصابِ ويعيدُ بـرمجةَ سلوكِه ليخدمَ مصالحَ الفيـروسِ غيـرَ مبالٍ لمصلحةِ ولا لحياةِ الكائـنِ المُضيِّف *5*. على سبـيـلِ مثالٍ توضيحيٍ يصيبُ فيـروسُ السعارِ جـزءاً معيناً مـن الجهازِ العصبيِ لحيوانٍ لبونٍ فيجعلُه يسلكُ سلوكاً عدائياً غيـرَ إعتياديٍ دافعاً إياه الى مهاجمةِ وعضِّ حيواناتٍ أُخـرى لا يعتدي عليها عادةً التي غالباً ما تموتُ مـن أثـرِ العضِّ. وكمثالِ آخـرَ يميـلُ الجـرادُ المصابُ بطفيليٍ مـن نوع ٍمعيـنٍ نحو القـفـزِ الى الماءِ حيث يتكاثــرُ الطفيلي . هكذا يُـدفعُ المضَّـيفُ الى الإنـتحارِ كي يتكاثـرَ الطفيلي . ويجدُ أيٌ متـتبعٍ في العلومِ البـيولوجيةِ أمثلةً متعددةٍ مـن تلك الأنماط .
إن للديـنِ شَبَهٌ بالفيـروس . فكأن هنالك عفـريتٌ يجثمُ على عقـلِ الشخصِ المتديـنِ فيفـقدُه جـزءاً مـن قابلياتِه العقليةِ فيما يخصُّ الديـن . تَـصَوَّرْ أن لكـلٍ مـن الأديانِ فيـروسٌ خاصٌ به ذو خصائصَ مميِـزة . ويتوافـرُ لكـلٍ مـن الأديانِ ما يأتي مـن خواص بدرجاتٍ متفاوتة :
* فيـروسُ الديـنِ يصيبُ البشـر . تُعَولُ كـلُّ الأديانِ على التلقيـنِ بدءاً مـن الطفولةِ كأُولى الإستـراتيجـيات حيـن تؤثـرُ الإصابةُ بفيـروسِ الديـنِ تأثيـراً بالغاً بحيث تتـركُ ختماً دائمياً عند معظمِ الناسِ الذي يصعبُ ويندرُ التخلصَ منه . بالإضافةِ الى هذا هنالك إستـراتيجياتٌ تطَـبَّـقُ في سنواتٍ لاحقة مثـلَ مساعداتٍ ماليةٍ مشـروطةٍ تُعطى للمصابِ ومُنحٍ دراسيةٍ في معاهدَ أو كلياتٍ معينة.
* فيـروسُ الديـنِ يستـنبتُ " مضاداتٍ حيوية " ضدَّ فيـروساتٍ أُخـرى . بعد أن يصيبَ فيـروسُ ديـنٍ شخصاً ما يشـرعُ المصابُ مباشـرةً بوضْعِ دفاعاتٍ ضدَّ الفيـروساتِ المنافسةِ له ، مثلاً بدراسةِ الكتبِ التي تُعتبـرُ مقدسةً لدى ذلك الديـن ، وحفظِ نصوصٍ مطوَّلةٍ منها ، وبالتـزودِ بجملةٍ مـن حججٍ ضدَّ التفسيـراتِ المختلفةِ وضدَّ فيـروساتِ الأديانِ الأُخـرى .
* يستعـمـلُ الفيـروسُ وسائـلَ تهدفُ الى إنـتـشارِه . في مجالِ علومِ الحياةِ يُدعى الكائـنُ الذي ينشـرُ المـرضَ " ناقلاً للمـرض" . مثلاً مـن المعلومِ أن طفيلي الملاريا ينـتـشـرُ بواسطةِ أُنثى نوعٍ مـن البعوضِ ، فهي تلدغُ مصاباً بالملاريا ثم تلدغُ شخصاً آخـر لينـتـقـلَ الطفيلي اليه ، فهي ناقلةٌ للملاريا . كذلك يتوافـرُ نقلةٌ لفيـروساتِ الأديانِ كمثيلاتِها البـيولوجية. يحمـلُ أولئك النـقلةُ ألقاباً مبجَّـلةً ومسمياتٍ متنوعةً حسبَ نوعِ الديـن مثـل مطـران أو كاهـن أو قس أو إمام أو واعظ أو شيخ أو حاخام أو بابا أو شماس رسول أو راهب أوراهبة أو شامان وغيـرها مـن مسميات . يكونُ ناقـلُ فيـروسِ الديـن شخصاً باهظَ الثمـنِ لأن إعدادَه ليكون ناقلاً يحتاج ُ الى سنواتٍ طويلةٍ ليُبـرمَجَ عقلُه وليُدرَّبَ في معاهدَ دينيةٍ متخصصةٍ حيث يتَشـرَّبُ بمجموعةٍ ضخمةٍ مـن أفكارَ غامضةٍ ومقتبسةٍ مـن أزمنةٍ غابـرةٍ في القِدمِ ويتعلَّمُ أسالـيـبَ بلاغـيةً تمكِّـنُه إثارةَ العواطفِ كي تساعدُه في إمتهانِ بفعاليةٍ جيدةٍ وظيفةَ ناقـلِ فيـروسِ ديـن . وربما يُدربُ على حياةِ التبتـلِ فيُوَهَّـمُ الكهنةُ والـراهباتُ بجعلِـهم يعتـقـدونَ بأنهم مـرتبطـونَ زواجاً بإلهٍ غيـرِ منظورٍ أو بالكنيسة .
* يبـرمِجُ فيـروسُ الديـنِ المصابَ ليعمـلَ على تكاثـرِالفيـروس تتمُ البـرمجةُ بأساليبَ تضمـنُ ديمومةَ الفيـروسِ وإنتقالَه الى إشخاصٍ آخـريـن خاصةً الى أطفالِ المصاب . مـن الأمثلةِ المشهورةِ على تلك الأساليب : طقوسٌ يُحتـفـلُ بها إحتـفالاتٍ عائليةً كالعمادِ والتـناولِ الأولِ والتـثبـيتِ وبار متسفا وبات متسفا (عند اليهودِ) *6* والختانِ ومسابقاتٍ في حفظ القـرآن (عند المسلميـنَ ) والصلواتِ اليومية والإعتـرافاتِ وقـراءاتٍ مـن " كتبِ مقدسةِ " وغيـرها.

❊❊
مثلما تحدثُ طفـراتٌ وراثيةٌ في الفيـروساتِ البـيولوجية تُغيِّـرُطبـيعتَها ووظائفَها، كذلك تحدثُ طفـراتٌ في مثيلاتِها الدينية لكـن يـبقى معظمُها مسَيْطـرٌ عليها بطـرائقَ مخـتلفةٍ منها التحـريمِ الكنسي مثلاً. لكـن قد تكونُ بعضُ الطفـراتِ البـيولوجيةِ أحياناً مـن الفعاليةِ بحيث تختـرقُ أقوى الدفاعاتِ فتصيبُ كائـناتٍ جديدةٍ تماماً لم تكـنْ تصيـبُها سابقاً. كذلك يمكـنُ حدوثَ شيءٍ مشابهٍ في فيـروساتِ الديـن . مثلاً الديانةُ البوذيةُ جاءتْ نـتيجةَ طفـرةٍ مـن الهندوسية . وفي القـرنِ السادسِ عشـر إجتاحَ الفيـروسُ الديني لمارتـن لوثـر سكانَ شمالَ المانيا الذيـن كان معظمُهم أُميـيـنَ وغيـرَ مثـقـفيـن وإجتاحَ أيضاً بسـرعةِ سكانَ الدول الأوربـيةِ الأُخـرى *7*.
تحدثُ أحيانآً في فيـروسِ الديـن طفـراتٌ عند بعضِ المثـقـفـيـن فيستـنـتجُ بعضُهم على أثـرِها خـرافيةِ وهشاشةِ المشـروعِ الدينيِ بكاملِه . لكـن في واقعِ مجتمعاتِنا السائدةِ الآن يصمتُ معظمُهم صمتاً يكادُ أن يكونَ تاماً عـن التعبـيـرِ العلنيِ عـن إستـنـتاجاتِهم خشيةَ فـقـدانِ مكاناتِهم الإجتماعـيةِ أو الوظيفيةِ أوالسياسية . غيــر أن آخـريـن منهم يقـفـزون بجـرأةٍ منـتـقـديـنَ الديـنَ ودورَه في المجتمع . يستطيعُ هؤلاء تخفيضَ أو إزالةَ إصابتِهم بِفيـروسِ الـديـن فيُـتاحُ لهم النظـرَ الى العالمِ مـن دونِ عُـصُبِ الديـن .

❊ كــيــف تــهــيــمــنٌ الأديــان ويــســتــديــمُ بــقــاؤها فــي الــمــجــتــمــعــات ❊

الأديانُ ليست ظاهـرةً مقصورةً على الأفـرادِ فقط إنما هي أيضاً ظاهـرةٌ إجتماعية . تـتبنى الأديانُ دائماً أساليبَ كي تضمـنَ بقاءَها في المجتمع . صحيحٌ أنها قد تـتبنى ــ لغـرضِ التعايشِ مع أديانٍ أٌخـرى ــ أفكاراً مثـلَ الأُخوَّةِ والمحبةِ والمصالحِ المشتـركةِ والى غيـرها مـن مسمياتٍ جذابة . لكـن تـبقى كـلٌ مـن تلك المثالياتِ أُموراً ثانويةً بالنسبةِ الى ديمومةِ فيـروس الديـن . ليس هنالك أيُّ ديـنٍ يحـلُّ نفسَه معتـرفاً بظهورِ ديـنٍ أفضـلَ منه . الأديانُ لا تقـرُّ بعجـزِها إنما قد تتحورُ وتـتـغـيـرُ بطفـراتٍ " وراثيةٍ " تماماً مثـلَ الفيـروساتِ البـيولوجـية .
يعمـلُ كـلُّ ديـنٍ على المحافظةِ على نفسِه مـن طفـراتٍ داخليةٍ وتهديداتٍ خارجية . لغـرضِ الوصولِ الى هذه الأهدافِ يفـرزُ الفيروسُ ما يأتي مـن " إفـرازات " :
* " مضاداتٌ حيويةٌ " ضدَّ كـلِّ فيـروسٍ دينيٍ منافسٍ مـن الخارجِ وضدَّ الطفـراتٍ المحتملةٍ في الداخـلِ المهددةِ بإضعافِ الديـن والمؤديةِ الى إحتمالِ إنـشقاقٍ بيـن صفوفِ المصابـيـن به . يُـطلقُ في لغةِ أدبـياتِ الديـنِ المسيحيِ على مثـلِ هذه الطفـراتِ مصطلحُ " الهـرطقة " ، وفي أدبيات الديـن الإسلامي بـِ " الـزندقةِ " و " البدعة " .
* مضاداتٌ تـتكونُ مـن أنماطَ أفكارٍ وسلوكاتٍ مبنيةٍ على صـرامةٍ في تفسيـرِ نصوصٍ واردةٍ فيما يسمى " الكتبُ المقدَّسةُ " لديـنٍ ما وفي التقيَّدِ الحـرفيِّ بها . الهدفُ من تكويـنِ المضاداتِ هو إبقاءُ أتباعِ الديـنِ تحت السيطـرةِ ومنعُ إنفلاتِ الطفـرات . وما دامتْ هنالك أديانٌ أخـرى وطفـراتٌ مهدِدَّة فيستمـرُ المجتمعُ الديني بإفـرازها . تُعـرفُ هذه الطفـراتُ في أدبـياتِ الأديانِ بمصطلحِ " الأُصولية " .
نذكـرُ مـن الأمثلةِ على الهـرطقاتِ في المسيحيةِ الكاثوليكية الغنوصيةَ والآريوسيةَ والنسطورية . ومـن الجديـرِ بالذكـرِ أن قانونَ الإيمان ــ الذي يـردِدُه اليومَ آلافُ المصليـن في القداديس ــ قد وُضِعَ أصلاً في القـرنيـنِ الثالثِ والـرابعِ للقضاءِ على تلك الهـرطقات . كما وُجِدتْ محاكمُ التـفـتيش *8* في القـرونِ الوسطى للتصدي وإجتـثاتِ الهـرطقات .

❊ أديــا نُ الــشــرقِ الأوســط ❊

يُعتـقـدُ أن الـزرادشـتيةَ أولُ ديانةٍ توحيدية . لكنها لم تكـنْ مستعدةً لمواجهةِ فيـروسَ الديـنِ الإسلاميِ الذي جاءَها عاصفاً مـن الصحـراءِ العـربـيةِ فإكتسحَها خلال القـرنيـن الثامـنِ والتاسع . وتبعَ ذلك فتوحاتٌ إسلاميةٌ سـريعةٌ وإعتـناقُ أعدادٍ ضخمةٍ مـن السكانِ للديـنِ الإسلامي . لكـن لا بد أن تبطءَ في نهايةِ الأمـرِ مسيـرةُ إنـتـشارِ أيِّ فيـروس ، مما يتيحُ للفيـروساتِ الأُخـرى وقـتاً لوضْعِ مضاداتٍ ضدَّه . وهذا ما حدثَ فعلاً بالنسبةِ الى المدِّ الدينيِّ الإسلاميِّ الذي صُـدَّ في الهندِ بالمضاداتِ الحيويةِ للديانةِ الهندوسية .
مـن المعلومِ لدى المختصيـن في مجالاتِ علومِ الحياةِ أن الأمعاءَ ــ مثلاً ــ تؤوي بُنىً عضويةً وبكتيـريا تـتعاونُ فيما بـينها تعاوناً يؤدي الى منـفعةِ مُضَيِّفِهم (الى حدٍّ ما) فـتـقضي على الجـراثيمِ الوافدةِ المنافسةِ لها على الغذاءِ فتُكسِبُ المضيِّفَ مناعةً، لكنها تغدو مـرَضيِّةً عند فـقدانِ التوازنِ فيما بـينها.
كذلك تكونُ المجتمعاتُ المتعددةُ الأديانِ شبـيهةً بالنظمِ البـيولوجية ، حيث يصعبُ على أيِّ ديـنٍ فيها الإستيلاءَ على السلطةِ السياسيةِ كي يعمـلَ على تشـريعِ معتقداتِه الخاصةِ به . فيلاحَظُ نتيجةً لذلك تضابطٌ متبادلٌ فيما بيـن الأديانِ مما يؤولُ الى تعاونِها في المجتمع .
أما في المجتمعاتِ الأقـلَّ تعدديةً فمـن الممكـنِ هيمنةُ ديـنٍ واحدٍ على مفاصـلِ الدولة . مثلاً يسيطـرُ الديـنُ الإسلاميُ في بعضِ الدولِ الإسلاميةِ بحـزمٍ على نُظمِ السلطةِ السياسيةِ فيها . إذ يعودُ سببُ نجاحِ الإسلامِ في سيطـرتِه الى إمتلاكِه بعضاً مـن أفضـلِ الدفاعاتِ ضد فيـروساتِ دياناتٍ أُخـرى ، كما تكمـنُ فيه القابليةُ ليكونَ أكثـرَ هجومياً حيـن يُوطِّدُ سلطتَه السياسيةَ في المجتمع . فـقـد كان الإسلامُ منذ نشأتِه واحداً مـن أوائـلِ الأديانِ التي ربطتْ الديـنَ مع التـنظيماتِ السياسيةِ بنجاحٍ بحيث غدتْ فكـرةُ فصـلِ الديـنِ عـن الدولةِ فيه تـقـريـباً غيـرَ قابلةٍ للتصور. وقد كان الإسلامُ ديناً سياسياً عسكـرياً منذ الفتوحاتِ الأُولِ للمسلميـن . إذن يمكـنُنا القولَ إن فيـروسَ الديـنِ الإسلامي أُتُّقِـن صنعُه بالأصـلِ منذ نشأتِه لهدفِ الدفاعِ ضدَّ فيـروساتِ الأديانِ الأُخـرى . وكي لا نُبَسِّطَ الأُمورَ أكثـرَ مـن واقعِ ما حدثَ فعلاً ، ينبغي علينا الإقـرارُ أنه كانت هنالك فيه طفـراتٌ هددتْه مـن الداخـلِ، لعـلَ أبـرزَها الإنقسامُ الشيعي - السني . على كـلِ حالٍ كان لدى الإسلامِ أثناءَ ــ إمتدادِ نفوذِه ــ قوةٌ كافيةُ للتغلبِ على أديانٍ أُخـرى . وهو لا يـزالُ اليومَ في نموٍ بكفاءةٍ مدهشة .
أما الديـنُ المسيحيِّ فـقدْ شقَّ طـريقَه في بدايةِ نشأتِه تحت سيطـرةِ الإمبـراطوريةِ الـرومانيةِ كديـنٍ غيـرِ سياسيٍ ولا عسكـري . فصُممَ كي يستمـرَ على البقاءِ كديـنِ أقليةٍ في ظـلِّ إمبـراطوريةٍ واسعةٍ وقوية . وبعد مضيِ أكثـرَ مـن ثلاثةِ قـرونٍ بعد نشأتِه تمَّ إنشاءُ جانبِه العسكـري . لذلك تـركِّـزُ "مضاداتُه الحيويةُ" على تكويـنِ قابلياتٍ لديمومةِ بقائِه في بـيـئـةٍ دينيةٍ وسياسيةٍ معادية .

❊ الأديــانُ الــلا ثــيــولــوجــيــةُ ❊

يدَّعي بعضُ المؤمنيـن أن الإلحادَ هو سوى ليس ديـنٌ آخـر . مـن الطبـيعي أن يثيـرَ هذا الإدعاءُ التساؤلَ: ماذا ينبغي تسميةَ المتدينيـن الذيـن لا يؤمنون بالإله زيوس أو بالإله ثُور*9*. هـل يُنعتونَ " ملحديـن " أيضاً ؟ إذا فعلوا فيكونُ جميعُ البشـرِ الحاليـيـن تقـريباً ملحديـن . أما الملحدونَ فيـرونَ أنه لا يوجدُ أيُّ دليـلٍ على وجودِ لأيِّ إلهٍ سواءً كان زيوس أم ثُـور أم غيـرهما .
مـن المعلوم ِ أن لكـلٍّ مـن الأديانِ المعـروفةِ طقوسٌ وممارساتٌ ونصوصٌ مقدسةٌ وتـقاليد . لكـن لا تـتوافـرُ أيٌ مـن مثيلاتِها عند الملحديـن . إذ ليس لهم رجالٌ أو نساءٌ مقدّسونََ ولا كتبٌ مقدسَّةٌ ولا أعيادٌ ولا شـرائعُ إيمانٍ متـفـقٌ عليها . فكيف إذن يُسمى الإلحادُ ديناً ؟ في الحقيقةِ أن الشيءَ الوحيدَ المتـفـقَ عليه عند بعضِ الملحديـنَ هو الإعتـقادُ بعدمِ وجودٍ لذلك الإلهِ الذي يعبدُه المؤمنونَ اليوم . مما يدلُّ على أن لا أساسَ مـن الصحةِ لأدعاءِ أولئك المؤمنيـن بأن الإلحادَ ديـن . ويعبِّـرُ كلارك آدمـز عـن الـموضوعِ بمقـولتِه الـمشهـورةِ " إذا كــان الإلــحــادُ ديــنــاً فإن الــصــحــةَ مـــرضٌ " .
صحيحٌ أن الإلحاد ليس ديناً لكـن لبعضِ النظمِ السياسيةِ الحديثةِ كتباً تُعدُّ مقدَّسةً عندها ، ورموزاً بشـريةً تكادُ أن تُعبدُ كآلهة . فقد خَلقَ كارل ماركس فيـروساً مؤسَسآً على عقيدةِ إيمانٍ بحتميةٍ تاريخية . لم تكـنْ لدى ماركس أدلةٌ على الحتميةِ التاريخيةِ أقوى مـما لدى المسيحيـيـنَ مـن إعتـقادٍ بالمجيءِ الثاني للمسيح . أصابَ فيـروسُ الماركسيةِ مضيِّـفيـنَ كُثُـرٍ وحدثتْ فيه طفـراتٌ بأساليبَ ساعدتْه على البقاء ، فإنـتـشـرَ وتكاثـرَ في عقولِ ملايـيـنَ البشـر . وبعدئذٍ تطورَ الى مختلفِ الممارساتِ الشيوعيةِ التي أدًّتْ في كـلٍّ منها تـقـريباً الى عبادةِ الشخصيةِ مثـلَ الستالينية والماوية وغيـرها في كوريا وكمبوديا وكوبا ورومانيا . ورُغمَ أن هذه ليستْ أدياناً بالمعنى التـقـليدي للديـن ، لكـن يمكـنُ وصفَها أنها " أديـانٌ لاثـيـولـوجـيـةٌ " حيث يُعْبدُ رئيسُ الدولةِ فيها مثلما تُعبدُ الآلهةُ ويُـزارُ ضـريحُه بعد وفاتِه *10* . إذ ما يـزالُ آلافُ الناسِ يـزورونَ سنوياً الضـريحَ الفخمَ للينيـن *11* مثـلما تُـزارُ أضرح يةُ أئمةِ الشيعة .
وهـنالك أيـضاً أديـانٌ لاثيولوجيةٌ مـن نمطٍ آخـر ذات سماتٍ تـشبهُ الأديانَ التـقليديةَ تُسمى " أديـانٌ مـدنـيـةٌ " *12* تعمـلُ على تماسكِ الدولةِ وبسطِ نفوذِها على المجتمع . وتبالغُ غالباً في تمجيدِ زعمائِها السابقيـنَ وفي الإقـتداءِ بهم ، وتحوكُ أساطيـرَ حول تاريخِها، وربما تعيدُ كتابتَه ، وتُعيـنُ أياماً كأعيادٍ وطنيةٍ، وتبَّجـلُ رموزاً كالعَلَمِ مثلاً. سنـتـناولُ في فـقـةٍ قادمةٍ بتـفصيلٍ أكثـر الديـنَ المدنيَ الأمـريكي .

❊ الأد يــا نُ الــقَــبـَــلِّــيـة ❊

توجدُ أديانٌ في مجتمعاتٍ قديمةٍ مثـل تلك التي وُجِدتْ في الهندِ أو أستـراليا أو عند السكنةِ الأصليـيـن لأمـريكا الشمالية ، حيث تـتـشابكُ الأديانُ بالتـقاليدِ القبليةِ تشابكاً شديدَ التعقيدِ الى الحدِّ الذي لا يمكـنُ التميـيـزَ بيـن أيٍّ مـن الطقوسِ دينيةٍ وأيٍّ منها تـقاليدَ قبلية . الديـنُ القبلي هو أحدُ مهامِ عضوِ القبـيلةِ بأُسلوبِ عيشِها وتعبدِّها ، فيستحيـلُ مثلاً تصورَ إعتـناقِ أحدِ أفـرادِ قبـيلةٍ أمـزونيةٍ ديـنَ قبـيلةِ إيـروكواس (وهما قبـيلتانِ مـن السكنةِ أمـريكا الأصليـيـنَ تسكنانِ في أمـريكا الوسطى والجنوبـية ) .
يشبهُ الديـنُ القبليُ الى حدٍّ كبيـرٍ نوعاً مـن الفيـروساتِ البـيولوجيةِ التي تصيبُ وتـلازمُ نـوعاً واحـداً فـقط مـن الأحـيـاءِ وتـزولُ معـه أذا مـا إنـقـرض . لكـن إذا حدثتْ في الفيـروسِ طفـرةٌ تـتيحُ له ديمومةَ البقاءِ في أنواعَ أُخـرى مـن الأحياءِ فعندئذٍ ينـتـشـرُ ويستمـرُ على البقاءِ بطـرائـقَ جديدةٍ تماماً . لعـلَ فيـروسَ الأيدز قـد جـاءَ قـبـل بضعـةِ عـقـودٍ فـقط كـطـفـرةٍ مـن فيـروسٍ أصابَ آلافاً قليلةً مـن القـردةِ العليا فإنـتـشـرَ الى مـلايـيـنٍ مـن الـبشـر . كذلك تحـدثُ في الأديـانِ القـبليةِ طـفـراتٌ شبـيـهةُ بـما يحـدثُ لـتلك الـفيـروساتِ البـيـولوجية . يَطلقُ مؤلـفُ الكـتابِ على تـلك الـطـفـراتِ مـصطـلـحَ " طـفـرةُ فــكَّ- تــقــارنٍ" Decoupling .
حدثَ كما يـبدو حوالي سنة 600 قبـلَ الميلادِ أولُ فكِّ- تقارنٍ مـن حضارةٍ قبليةٍ مؤدياً الى ظهورِ الـزرادشتيةِ التي يُعتـقـدُ أنها أولُ ديـانةٍ توحيديةٍ، والتي كانت رائدةُ فكـرةِ الصـراعِ المستديمِ بيـن قوى الخيـرِ والشـرِّ ومستـنبتةٌ فكـرةَ الشيطان . إنـتـشـرتْ الـزرادشتيةُ بسـرعةٍ في بلدانِ ما يُعـرفُ اليومَ العـراقُ وإيـران مكتسحةً الآلهةَ والأديانََ المحليةَ فيهما .
كان الديـنُ اليهوديُ ديناً قبلياً شديداً بقبليتِه الى أن جيءَ باليهودِ أسـرىً الى بابـل حيث تعـرضوا الى الديانةِ الـزرادشتية وبقوا تحت سلطانِها طوالَ قـرنيـن . أثَّـرتْ الـزرادشتية على الديـنِ اليهوديِ تأثيـراً بالغاً بحيث بعد تحـرُرِ اليهود مـن الأسـرِ البابليِ ورجوعِهم الى فلسطيـنَ عادوا مؤمنيـنَ بإلهٍ مختلفٍ عـن إلاهِهم السابقِ إختلافاً أساسياً ومحمّـليـنََ بفكـرةٍ جديدةٍ هي الشيطان . مهَّدتْ هذه النـتيجةُ ــ بعد مـرورِ قُـرابةِ أربعةِ قـرونٍ مـن عودةِ اليهودِ ــ تمهيداً جيداً للبـيئةِ الملائمةِ الى دعوةِ القديس بولص الى فكِّ- تقارنٍ كامـلٍ عـن الديانةِ اليهودية وثقافـتِها الإجتماعية . مـن المعـروفِ لدى المطلعيـنَ على كتبِ العهدِ الجديد نشوءُ خلافٍ بيـن قطبَيْ المسيحيةِ بطـرس وبولص، هو في الواقعِ خلافٌ *13*حول فكِّ- تقارنِ المسيحيةِ الحديثةِ النشأةِ آنذاك عـن الثـقافةِ والديانةِ اليهودية . فقد أرادَ بطـرس إخضاعَ معتـنـقي المسيحيةِ مـن غيـرِ اليهودِ الى الطقوسِ والشعائـرِ اليهوديةِ في حيـن كان بولص يعارضُ ذلك بشدةٍ . وقد نجحَ بولص في مسعاه نجاحاً مدهشاً، كان نتيجتُه فكَّ- تقارنٍ المسيحيةِ عـن اليهودية فـتحـررَ فيـروسَ المسيحيةِ مـن قيودِ ثـقافةِ الديانةِ اليهوديةِ منطلقاً ليَنْفَذَ الى حيثما يستطيعُ النفاذَ دون بذلِ جهودٍ لمقاومةٍ يلقاها مـن اليهودية ، فإكتسحَ بسـرعةٍ أوربا وأزالَ كثيـراً مـن الأديانُ والثـقافاتِ الجـرمانيةِ والسلـتية.
صحيحٌ، أن فكَّ ـ تقارنٍ يتيحُ لديـنٍ ناشئٍ فـرصةً للإنـتـشارِ السـريع ، لكـن الديـنَ لا يكتـفي بمجـرَّدِ الإنـتـشارِ بـل يسعى الى السيطـرةِ على المجتمعِ كي يضمـنَ دوامَ بقائِه. وإذا إستطاعَ ديـنٌ إصابةَ ثـقافةِ مجتمع ٍ إصابةً شديدةً فيغدوعندئذٍ جـزءاً مكملاً لها وغيـرَ قابـلٍ للإنفصالِ عنها . هـل يمكـنُ تصورُ أوربا في العصورِ الوسطى مـن دون الكاثوليكية ؟ كيف يمكـنُ فصـلَ السعوديةِ عـن الإسلام ؟ لكـن مـن جهةٍ مقابلةٍ لم يفـرضْ الإسكندر المقدرني دينَه على الشعوبِ المحتلةِ كما فعـلَ كـلٌ مـن الإسلامِ والمسيحية ، فيمكـنُ بسهولةٍ النظـرَ الى إنـتصاراتِه وفـتوحاتِه بمنظورٍ عسكـريٍ وسياسيٍ فـقط دون اللجوءِ الى الأديانِ الإغـريقية.
يميـلُ فيـروسُ ديـنٍ ــ مباشـرةً بعد إرتباطِه بِثقافةٍ إجتماعية ــ الى الإلتصاق بها وتوجيهِ تطورِها الثـقـافي بطـرائقَ تضمـنُ أمنَه وإنتشارَه . هذا الإلتصاقُ الوثيقُ يُضلـلُ الناسَ بِتواحدِ هويةِ تلك الثـقافةِ وذلك الديـن ، مما يولِّدُ لدى معتـنـقيه الإعتـقادَ بأن إستدامةَ الثقافةِ مـرهونةٌ مع وجودِ ذلك الديـنِ فيها . إضافةً الى هذا لا يمكـنَ لأديانَ أُخـرى إزاحتَه بسهولةٍ لأنه متـشابكٌ مع كـلِّ جوانبِ الحياةِ اليوميةِ فيها . وجديـرٌ بالذِكـرِ أن هذا هو وضْعُ الإسلامِ في أغلبَ دولِ الشـرقِ الأوسط . فمثلاً تُشـرِّعُ القوانيـنُ المدنيةُ في الدولِ العـربيةِ إجـراءَ تغييـرِ ديـنِ فـردٍ إجـراءً إدارياَ بسيطاً إذا كان التحولُ مـن أيِ ديـنٍ الى الإسلام، لكـن يكادُ أن يكونَ العكسُ مستحيـلَ التحقيق .

❊ الــدِيــنُ الــمــدنــيُ الأمــريــكــي ❊

يمكـنُ الإدعاءُ أن الديـنَ الـمدنيَ الأمـريكيَ كان قبـلَ الحـربِ العالميةِ الثانيةِ ديـناٌ حميداً الى حدٍّ كبـيـر . لكنه تحوَّلَ الى سلاحٍ في الحـربِ الـباردةِ نـتيجةَ صعودِ الفـيـروسِ الماركسيِ في الإتحـادِ السوفـيتيِ منافـساً لـه . فهـبَّ الـديـنُ الـمدنيُ الأمـريـكيُ لـمواجهةِ ما سُمَّيَ بـِ " الشيوعـيةِ الملحدةِ " . ومـن الجديـرِ بالتذكيـرِ أنه لم تكـنْ مجـردُ مصادفـتيـنِ عابـرتيـنِ أن أُضيفتْ عند بداياتِ الحـربِ الباردةِ عبارةُ
" فـي ظــلِّ الله "
على نصِّ وثيقةِ تعهـدِّ الـولاء . وأُضيفَ كذلك شعارُ
" نـثـقُ بالله"
على العملاتِ الورقيةِ الأمـريكية .
إن مـا يُسمى الأغلبـيةُ الأخلاقيةُ *14* Moral Majority ليست سوى طفـرةٌ مـن الديـنِ المدنيِ الأمـريكيِ تكونتْ مـن إئـتلافِ مجموعةِ مـن فيـروساتِ أديانَ متـناحـرةٍ ومشتـتة *15*. وبما أنه لـن يتمكـنَ أيُّ ديـنٍ لوحدِه إصابةَ الـ " مـركـزِ العصبيِ للسياسةِ الأمـريكيةِ " ظهـرَ إئـتلافٌ إستطاعَ إيجادَ أرضيةٍ مشتـركةٍ بـيـن تلك الأديانِ المختلفةِ هدفُه تحقيقُ السيطـرةِ على ذلك المـركـزِ الحساس .
عندما يصيبُ فيـروسُ الأغلبـيةِ الأخلاقيةِ شخصاً ذا طموح ٍسياسيٍ يدفعُه الفيـروسُ الى ِالعمـلِ على خدمةِ الأهدافِ الفيـروسيةِ تماماً مثلما تـقومُ الفيـروساتُ البـيولوجيةُ التي تصيبُ أدمغةَ حيوانٍ بالعمـلِ على إعادةِ بـرمجةِ دماغِه كي يخدمَ مصالحَ الفيـروسات . هكذا لم يعدْ الديـنُ المدنيُ الأمـريكيُ ديناً حميداً كما كانَ في السابـق بـل غدا مستوفياً لكامـلِ شـروطِ ديـنٍ مدنيٍ جديدٍ شديدٍ في ميولِه الأصولية. ونـتيجةً لذلك أصبحَ الديـنُ مـن الناحيةِ الواقعيةِ إختباراً لكـلِ منصبٍ سياسيٍ رفيعٍ في كثيـرٍ مـن الولاياتِ في أمـريكا . ويُواجَه المـرشحونَ الذيـن لا يستطيعونَ تلبيةَ الإختبارِ الدينيِ بإحتمالِ وصمِهم بِاللاوطنيةِ أو بِاللادينية .
بــرزَ في الآونةِ الأخيـرةِ عددٌ مـن تجمعاتٍ أمـريكيةٍ دينيةٍ ذات مناحٍ سياسيةٍ تـرى أن أمـريكا والمسيحيةَ متلازمتان وغيـرُ قابلتيـن للإنـفصال . يعتـقـدُ أصحابُها بحتميةِ نـزولِ غضبِ اللِه عقاباً صارماً على أمـريكا إذا لم يلتـزمْ الأمـريكيون بالتـفسيـراتِ الخاصةِ بتلك التجمعاتِ لنصوصٍ دينيةٍ أغلبُها مُعتَمَدةٌ مـن كتبِ العهدِ القديمِ ومفـروضةٌ على الحـركاتِ السياسيةِ المعاصـرة . يـرى أصحابُ تلك التجمعاتِ كـلَّ شيءٍ بدءاً مـن الأعاصيـرِ الطبـيعيةِ الى الهجومِ الإرهابي في الحادي عشـر مـن سبتمبـر عقوباتٍ متكـررةٍ مـن اللهِ على الولاياتِ المتحدة . يهدفُ المنـتمون الى تلك التجمعات ( الذيـن بعضٌ منهم مـرشحونَ سابقونَ لمنصبِ رئاسةِ الجمهوريةِ في الولاياتِ المتحدة ) الى ربطِ الولاياتِ المتحدةِ بالمسيحيةِ على غـرارِ ربطِ الدولِ الإسلامية بالإسلام .

❊ مــفــارقــة ❊
اللهُ يُـحبُّـك وبالآثامِ يُغـِـلُّـك

بعد النظـرِ الى تأثيـرِ فيـروسِ الديـنِ على الجوانبِ الإجتماعيةِ والسياسيةِ يمكـنُ تـناولَ الجوانبِ النـفسيةِ للفـردِ التي هي أكثـرُ مساساً بشخصِه .
يلعبُ الشعورُ بالإثمِ دوراً في نـشـرِ وإنـتـشارِ كثيـرٍ مـن الأديانِ وفي كيفيةِ تسيِّـرِه سلوكَ الناسِ وربطِهم بفيـروسِ الديـن .
صحيـحٌ أن الـبشـرَ كانـوا يشعـرونَ بالإثمِ قـبـلَ ظهورِ اليهوديةِ والمسيحيةِ والإسلامِ . لكـن هذه الأديانَ الثلاثةَ طوَّرتْ تـقـنياتٍ عاليةَ الفعاليةِ بحيث غدا إستغلالُه مـن أفضـلَ وسائـلِها . إذ كلما إزدادَ شعورُ أُمـرُؤٍ بالإثمِ إزدادَ تطلعُه وإستعانـتُه بِدينِه معتمداً عليه للتهدئةِ مـما ينـتابُه . فيحسُّ بـراحةٍ كبـيـرةٍ بفضـلِ ما يتلقى مـن مساعدةِ رجـلِ الديـنِ ، مما يجعلُه أشدَّ إرتباطاً بالديـنِ وأكثـرَ إستعداداً لنوبةٍ تاليةٍ . وهكذا يغذِّي الشعورُ بالإثم فيـروسَ الديـنِ بطاقةٍ مستديمة .
يستلمُ الإنسانُ بالتلقيـنِ الدينيِ طوالَ سنواتِ حياتِه مئاتِ التوجـيهاتِ المشوِّشةِ مـن أمثالَ :
❊ اللُه يحبُـك لكنه سيـقـذفُ بك الي جهنمَ إذا لم تُطِعْه .
❊ اللهُ يحبُـك وخلقَ الشيطانَ كي يغـريَّـك .
❊ اللهُ يحبُـك بمنحِه لك مَلَـكةَ العقـلِ المفكّـرِِ كي تفهمَ خلقَه لكنك ستعاقَبُ إذا سألتَ أسئلةً ممنوعة .
❊ اللهُ يحبُـك ، لكنه يسببُ لك الألمَ والحـزنَ والمآسيَ والـزوابعَ والفيضاناتِ والـزلازلَ والكوارثَ وغيـرَها لتلمسَ عظمتَه وقدرتَه وإرادتَه فعليك أن تـتـوبَ وتعمـلَ بما يُـؤمِـرُك به .
❊ وغيـرَها مـن توجيهاتٍ مـربِـكة .
تخلقُ أنماطُ هذه التوجـيهاتِ المشوِّشةِ شعوراً لدى المـرءِ بأنه مهما بذلَ مـن جهودٍ مضنيةٍ فلـن يتمكـنَ مـن أن يكونَ صالحاً بما يكفي . الذنبُ ذنبُه . وبناءًعليه يشعـرُ أنه في حاجةٍ دائمةٍ الى التوكـلِ على الله أو أيِّ إلهٍ أو نبيٍ والى طلبِ الغـفـرانَ منه. وعندما يخطئُ المـرءُ ثانيةً تعودُ الحلقةُ مـن جديدٍ الى طلبِ المغـفـرة . هكذا يستـزرعُ فيـروسُ الديـنِ في الإنسانِ المتديـنِ إحساساً مستديماً بالشعورِ بالإثمِ يكادُ أن يكونَ غيـرَ قابـلٍ للإستئصال . وتكونُ المحصلةُ النهائيةُ قيادةَ ودفْعَ ذلك الإنسانِ الى مـزيدٍ مـن الإقـتـرابِ نحو الفيـروسِ والإعتمادِ عليه .

❊ آلــجــنــسُ وفــيــروسُ الــديــن ❊

نتحـرى في هذه الفقـرةِ موضوعَ سيطـرةِ الأديانِ على الشؤونِ والممارساتِ الجنسية .
إكتـشفتْ معظمُ الأديانِ كيفيةَ إستغلالِ هذه الغـريـزةَ البشـريَة الفعَّالة لفائدةِ إنـتـشارِ فيـروسِ الديـن . يطالِبُ الكاثوليكُ إبقاءَ الأطفالِ ضمـنَ الـرعيةِ الكاثوليكيةِ وأن تكونَ تنشئـتُهم كاثوليكيةً حتى في حالاتِ الـزيجاتِ المخـتلطةِ ، ويسمحونَ بالممارساتِ الجنسيةِ في إطارِ الـزواجِ فـقط ومـن دون إستعمالِ أيِّ موانعَ إصطناعيةٍ للحمـلِ ، ويمانعونَ الإستمناءَ والعلاقاتِ مثيليةَ الجنس ، ويتوقعونَ مـن الكهنةِ والـراهباتِ حــرمانَ أنفسِهم مـن الـدوافعِ الجنسيةِ الإعتياديةِ مستعيضيـنَ عنها بنـذرِ التبتُـل . وتـنأى طوائفٌ مسيحيةٌ أُخـرى بأنفسِها عـن أيِّ شخصٍ مجاهـرٍ بميولِه المثيلية جنسياً. ويعدِمُ المسلمونَ بالـرجمِ الـرجالَ والنساءَ المتـزوجيـن الذيـن لهم علاقاتٌ جنسيةٌ غيـرُ شـرعيةٍ ويضطهدونَ مثيليِ الجنس . وفي معظمِ البلدانِ الإسلاميةِ ينـبغي أن لا تُـشاهدَ إمـرأةٌ لوحدِها مع رجـلٍ لا يقـربُها . ويـزدري الهنـدوسُ الـنساءَ اللـواتي مارســنَ الـجنسَ قـبـلَ الـزواجِ والنساءَ المطلـقات . ويُعتبـرُ في الهـنـدِ التـقبـيـلُ في الأماكـنِ العامةِ جـريمةً يـُحاسَـبُ عليها قانونياً . وتشجبُ معظمُ الأديانِ كـلٌ بأسلوبِه الخاصِ النساءَ اللواتي يُـعبـِّـرنً عـن شؤونِهـن ورغباتِـهـنَ الجنسية .
**
يتبنى كـلُ ديـنٍ عند معالجتِه المواقفَ نحو الجنسِ عوامـلَ ذات مستوياتٍ سيطـرةٍ مختلفةٍ وعلى درجاتٍ متباينةٍ في شدةِ العقوبات . فيمكـنُ بإعتمادِ تلك العوامـلَ تـرتيبَ الأديانِ تـرتيـباً طيفياً مـن السالبِ جنسياً الى الموجبِ جنسياً . الأديانُ السالبةُ جنسياً تعمـلُ على السيطـرةِ على جميعِ جوانبِ الشؤونِ الجنسيةِ للمـرء . يحتـلُ الإسلامُ في هذا التـرتيبِ الطـرفَ الطيفيَ الأكثـرَ سلبـيةً و تليه الهندوسيةُ فالكاثوليكيةُ فالمورمونيةُ فالأصوليةُ المسيحيةُ فالپـروتستانـتيةُ وتحتـلُ الوثنيةُ طـرفَه الآخـر . العقابُ بالموتِ للممارساتِ الجنسيةِ غيـرِ الشـرعيةِ متبعٌ عند المسلميـنَ والهندوس . ومـن الغـرائبِ وجودُ رغبةٍ عند بعضِ الأصوليـيـنَ المسيحيـيـنَ المعاصـريـنَ في تطبـيقِ على مجتمعِنا الـراهـنِ أنماطَ العقوباتِ المنصوصِ عليها في كتبِ العهدِ القديمِ حول الـزنا والعلاقاتِ المثيليةِ جنسياً التي لو طُـبِّـقـتْ فعلاً لخضَعَ جـزءٌ كبيـرٌ مـن سكانِ الولاياتِ المتحدةِ الـى عـقابِ الـموت .
نعم ، العـقابُ بالموتِ رادعٌ متـطـرفٌ ، لكـن تـتوافـرُ الفعاليةُ نفسُها تقـريباً *16* لعوقباتٍ أُخَـر . في كثيـرٍ مـن البلادِ الإسلاميةِ يُؤدِّي إخـزاءُ العائلةِ الى واعـزٍ ناجعٍ وخطيـرٍ وإن كان لا يصـلُ الى حدِّ القـتـل .
تضعُ معظمُ الأديانِ الكبـرى قيـوداً على الإناثِ كمنعِهـنَ مـن الكهنوتية ، وعقوباتٍ أشدَّ ردعاُ عند مخالفاتِهـن الجنسية ، وتُفـرضُ عليهـن قواعدٌ متشددةٌ في لبسِهـنَ ، ويُطالَبـنَ بممارساتٍ معينةِ أثناءَ دوراتِهـن الشهـريةِ والولادة ، ومما يجدرُ ملاحظتُه تشابهَ لباسِ الـرأسِ عند الـراهباتِ الكاثوليكياتِ مع حجاب النساءِ في الإسلام . إذ يؤشـرُ كلاهما بإستسلامِهن لهيمنةٍ جنسيةٍ الى رمـزٍ ذكوريٍ سواءً كان الـرمـزُ زوجاً أو أباً أو مطـراناً أو البابا أو يسوع .
أما مـن ناحيةِ العائلةِ فتسعى الأديانُ لخلقِ بـيـئةٍ عائليةٍ ملائمةٍ لإنـتـشارِ وتكاثـرِ فيـروساتِها . إذ يعمـلُ فيـروسُ الديـنِ على التأكُـدِ مـن أنه يُـنقـلُ الى الجيـلِ التالي . فيحاولُ أولاً ضمانَ إصابةِ الوالديـنِ في العائلة . لهذا تضعُ كـلُّ الأديانِ الكبـرى موانعَ على التـزاوجِ مـن ديـنٍ آخـر . إذ أن الهندوسَ لا يتـزاوجونَ من المسلميـنَ ولا يُسمحُ للمسلميـنَ التـزواجَ مـن المسيحيـيـنَ وهكذا . وقد تكونُ العقوباتُ لـردعِ المخالَفاتِ مـن الشدةِ بحيث يمكـنُ أن تنطويَ على عقوبةِ الموت . إذ إمتلأتْ الأوساطُ الصحفيةُ في السنواتِ الأخيـرةِ بأنباءَ عـن أمثلةٍ لشاباتٍ مسلماتٍ قُـتِـلـنَ مـن قِبَـلِ عوائلِهـنَ لمجـردِّ رغبتِهـنَ بالـزواجِ مـن غيـرِ المسلميـن . وفي حالاتٍ ليست قليلةً يمكـنُ أيضاً منْعَ التـزاوجَ بيـن طوأئـفِ الديـنِ الواحد . فالكاثوليك لا يُـشجِّعونَ التـزاوجَ مع الپـروتستانت ، وكذلك لا يشجِّعُ المسلمونَ التـزاوجَ بيـن الشيعةِ والسنَّة ، ويتبـرأُ الدروزُ مِـمَـن يتـزوجُ خارجَ دينِهم ، ويبذلُ المورمونُ كـلَّ ما في وِسعِـهم لضمانِ تـزاوجَ الناسِ في ظـلِّ إيمانِهم .
ويسعى فيـروسُ الديـنِ ثانياً الى هدفِ ضمانِ إصابةِ صغارِ العائلة . يتطلبُ تحقيقُ هذا آلهدفِ وقـتاً طويلاً ومواردَ مكثـفة . لهذا يحصـرُ الفيـروسُ جهدَه على إبقاءِ العائلةِ وحدةً سليمةً كي يتمكـنَ مـن التـركيـزِ على إصابةِ الجـيـلِ القادمِ فيُشْعِـرُ الوالدَيْـنَ بوجوبِ إشغالِ أطفالِهم بنشاطاتٍ دينيةٍ ليُـضْمَـنَ عجـزُ فيـروساتِ الأديانِ الأُخـرى مـن التأثيـرِ عليهم وبضـرورةِ إبقائِهم منهمكيـنَ مع أطفالٍ آخـريـنَ مـن الديـن نفسِه في مدرسةٍ دينيةٍ أو مخيمٍ كنسيٍ أو كورسَ المـرتليـنَ الشبابَ في الكنيسةِ أو دراساتٍ وقـراءاتٍ إنجيليةٍ *17* والى آخـرِ ما هنالك مـن نشاطاتٍ شبابـية . وفي واقعِ مجتمعٍ متعددِ الأديانِ يصعبُ العَـزْلُ التامُ للأطفالِ عـن الدياناتِ الأُخـر . فيـبقى خط-رُ الإصابةِ بفيـروسِ ديـنٍ آخـر قائماً الى أن تُستَكمـلَ الإصابة . لكـن الوضعَ في مجتمعٍ أُحاديِ الديـنِ تخـتـلف الأُمـورُ إذ تـنـتـفي الحاجةُ الى العـزلِ بسببِ خلوِ البـيئةِ مـن ديـاناتٍ منافسة. ، فالعـزلُ مُنفَْـذٌ على أرضِ الواقعِ ، مما يـزيدُ مـن فعاليةِ الإصابةِ ويسَّهـلُ فـرضَ عقوباتٍ أشدَّ على الأطفالِ المتمـرديـن .
**
إن إحدى الإستـراتيجياتِ الأساسيةِ لفيـروسِ الديـنِ ــ كما ذكـنا سابقاً ــ ضمانُ تكاثـرِه . يضعفُ حيثما تُقُوَضُ تلك الإستـراتيـجـية . فمثلاً في أوربا ــ حيث فيـروساتُ الأديانِ ضعيفةٌ وحيث يسهـلُ الحصولُ على الإجهاضِ وموانعَ الحمـلِ ــ نجدُ أن معدلاتِ الإجهاضِ وحالاتِ الحمـلِ عند المـراهقاتِ فيها أدنى بكثيـرٍ مـن بقيةِ أنحاءِ العالم . وعلى عكسِ ما تدَّعي كثيـرٌ مـن الأديانِ في الولاياتِ المتحدةِ بأنها تسعى الى تخفيضِ عددِ الإجهاضاتِ وحالاتِ حمْـلِ المـراهقاتِ ، نجدُ أن معدلاتِها أعلى بمـراحـلَ كثيـرةٍ مـن معدلاتها في المناطقِ حيث تكونُ الأديانُ أكثـرُ تطـرفاً . فمـن المفيدِ التعلمَ أَن لا نُخدَعَ بألفاظٍ فيـروسية .
في الحقيقةِ ، إن إهتمامَ فيـروساتِ الأديانِ بأمورِ الإجهاضِ وبحمـلِ المـراهقاتِ نابعٌ مـن حقيقةِ أن يؤدِّيَ إرتفاعُ حدوثِ هذه الحالاتِ الى هبوطٍ في معدلاتِ الولاداتِ وبالتالي يهددُ وجودَ الفيـروسات . إذ يضعُ الإجهاضُ وتحديدُ النسـلِ قيوداً على الأَعدادِ الكامنةِ الممكـنِ أن تكون مضَيِّفِيـنَ محتملِيـنَ لفيـروساتِ الأديانِ مما يضعِفُ تأثيـرَ الفيـروسات ويكونُ تحدياً لوجودِها .
هـل يمكنُك أيها القارئُ العـزيـز، تَخَيُـلَ الـزعمأءَ الـرئيسيـيـنَ للأديانِ الكبـرى يعظونَ الى إنـفـتاحٍ إيجابيٍ جنسياً : مثلاً الى ممارسةِ الجنسِ كأحدِ مباهجِ الحياةِ يتمتعُ بها طـرفانٍ برضاهِهما المتبادلِ ما دامتْ الممارسةُ تـتمُ بأمانٍ؟ مـن المؤكدِ سوف لـن تسمعَ في المستـقبـلِ المنظورِ مـن إولئك الـزعماءِ مثـلَ هذه العِظات ، فوظائـفُهم ــ كنـقـلةِ الفيـروس ليست سوى تعـزيـزَ الهيمنةِ الفيـروسيةِ لضمانِ تكاثـرِه . فلا بد إذن أن تتمحْورَ عِـظاتُهم حول بشاعاتِ الإجهاضِ والـرعبِ مـن السماحِ للمراهقيـنَ بإستعمالِ الواقياتِ وحبوبِ منْعِ الحمـل .


❊ الــقــيَّــمُ الأخــلاقــيِّــةُ ❊

يجدُ المصابونَ بفيـروسِ الديـنِ صعوبةً في إدراكِ السمةِ المتغـيـرةِ وغيـرِالثابتةِ لقيَّمِ ديـنِهم الأخلاقيةِ فيشعـرونَ شعوراً راسخاً أنهم أسمى أخلاقاً مـن غيـرِهم . هذا الشعورُ يمنعُهم مـن فَهْمٍ واقعيٍ لمعطياتٍ ذات ضـرورةٍ لإتخاذِ قـراراتٍ في مواقـفَ صعبة .
فيـروسُ الديـنِ يُشْعِـرُ المـرءَ المصابَ بأنه أفضـلُ خُلْقاً مـن غيـرِه . وحيـن َ يُسألُ ذلك المـرءُ: " كيف تبـرهـنُ على ذلك ؟ " تكونُ الإجابةُ المعتادةُ بمعنى أن التديـنَ مساوٍ للتحلي بالأخلاقِ الحسنة . فحسبَ نظـرِه كلما كان المـرءُ أكثـرَ تديناً كلما كان أفضـلُ خُلْـقاً دون النظـرِ الى الواقعِ الموضوعي . ولهذا ينبغي إخضاعُ ما يدَّعيه معظمُ المتدينيـنَ بأنهم أفضـلُ خُلْقاً بسببِ دينِهم الى تساؤلاتٍ إحصائيةٍ ، مثلاً مَـنْ هم الأكثـر إرتـكاباً للجـرائم ومَـنْ هم الأكثـرَ محكوماً عليهم بالسجـن ؟ هـل هم المتدينونَ أم اللادينيون ؟ تعطي مثـلُ هذه الدراساتِ الإحصائـيةِ فكـرةً تخميـنيةً وإن كانت غيـرُ متـقـنةٍ عـن السلوكِ الأخلاقيِ النسبيِ لمخـتـلفِ المجموعات الدينيةِ والطائـفية .
تدُّلُ الإحصائـياتُ الـرسميةُ الأمـريكيةُ أن نسبَ السجناءِ المُقـريـنَ ذاتياً بأنهم كاثوليك أو معمدانيونَ أو إنجـيليون أو مسلمونَ أو أتباعُ أديانٍ أُخـرى مساويةٌ تقـريباً لنسبِهم في مجمـلِ السكان . أما الملحدونَ واللاأدريونَ ( الذيـن يشكلـِّـونَ نسبةَ حوالي 9 ٪ مـن سكانِ الولاياتِ المتحدة ) فـتُـقدّرَُ نسبتُهم بقـرابةِ 0.5٪ فقط مـن سجناءِ السجونِ الفيدرالية . فمـن الواضح إذن أن اللادينيـيـنَ يشكـِّـلونَ المجموعةَ الوحيدةَ المُمَثلةَ تمثيلاًً ضعيفاً في السجون !!! . على الـرغمِ مـن هذه الحقائق الإحصائية تُخصَصُ كثيـرٌ مـن مواعظِ صباحِ أيامِ الأحدِ للإستهـزاءِ بلاأخلاقيةِ الملحديـن . ومـن الجديـرِ بالذكـرِ أيضاً أن نسبةَ الوثـنيـيـنِ في السجونِ الأمـريكيةِ ليست أعلى مـن نسبِ غيـرِهم مقارنةً بتعدادِهم السكانيِ على الـرغمِ مـن نعوتِ اللاأخلاقيةِ التي يلصقُها المسيحيونَ بهم ، لا لسببٍ سوى أنهم يعبدون إلهاً يخـتلف عـن الالهِ الذي يعبدُه المسيحيون . أما في أوربا ــ التي تضمُّ ملاحـدةً أكثـرَ مما في أمـريكا ــ فمعدَّلُ الجـريمةِ فيها أدنى مـن معدلِـها في الولايات المتحدة .
إختصاراً: إذا كان السلوكُ الإجـراميُ مقياساً تخمينياً لمدى الإلتـزامِ بالأخلاق فيـبدو أن لدى كثيـرٍ مـن مخـتـلفِ المجاميعِ الدينيةِ قيَّما َأخلاقيةً مساويةً ــ في الأقـلِ ــ الى ما لدى المسيحيـيـن . ولا يوجدُ ــ الى حدِّ هذا اليوم ــ أيُّ دليـلٍ على أن لأيِّ ديـنٍ معيـنٍ أو لتديـنٍ بديـنٍ معيـنٍ وقعٌ إيجابيٌ على السلوكِ في تـقـليـلِ الإجـرام .
**
إذا ألقينا نظـرةً عاجلةً على القيِّمِ الأخلاقيةِ خلال إمتدادِ القـرونِ القليلةِ الماضيةِ لوجدناها متـغيـرةً مجاراةً للثـقافةِ الإجتماعية (على نـقيضِ ما يصوِّرُها لنا رجالُ الديـن). فـنلاحظ أن كثيـراً مما كان يُعتبـرُ في يومٍ ما خطاياً جسيمةٌ أصبحَتْ اليومَ مقبولةً على نطاقٍ واسع . مـن أبسطِ الأمثلةِ على صدقِ مقولتِنا الملاحظةُ الواضحةُ أنه قلَّما نجدُ هذه الأيامَ إمـرأةً في الكنائسِ مغطاةَ الـرأسِ لكـن غطاءُ رأسِ المـرأةِ كان تـقليداً ديـنـياً سـائداً فـي الأوسـاطِ الـمسيحيةِ مـنـذ توصيةِ القديـس بـولص ( في رسـالتِه الأولـى الى كورنثس 5-11) بـقولِه إن الـمـرأةَ الـتي لا تـغطي رأسَـها أثـناءَ الصلاةِ تُـخـزي رأسَها . وقد إستمـرً هذا التـقليدُ معمولاً به الى أواسطِ القـرنِ العشـريـن !!!
لا يمكـنُ لأيِّ فيـروسِ ديـنٍ الإستمـرارَ في البقاءِ إذا لم يُكيِّـفْ ما يتبنى مـن قيَّمٍ أخلاقيةٍ كي يتماشى مع متطلباتِ العصـر . مثلاً لو إستمـرتْ الكنيسةُ الكاثوليكيةُ على حفاظِ تعـاليمِها بشـأنِ الطـلاقِ الـتي كانـت سائدةً قبـل سنة 1950 لكانت أضعفَ مما هي عليه الآن . فمـن الملاحظِ على سبيـلِ المثالِ أن عددَ العقودِ المفسخةِ للـزواجِ الكاثوليكي في الولاياتِ المتحدةِ إرتفعَ مـن مجـرَّدِ 368 حالةٍ فــقــط في سنة 1969 الى معدل 40000 حالةٍ في كـلِّ سنةٍِ خلالَ العشـريـنَ سنة الماضية . فمـن الواضحِ إذن أن الكنيسةَ الكاثوليكيةَ تعدِّلُ تعاليمَها بخصوصِ الطلاقِ كي تـتماشى مع ما يسودُ مـن قيِّمِ الثـقافةِ الـراهنةِ في المجتمع . إذ لو لا سماحُها لتلك الفسوخاتِ لفـقدتْ الكنيسةُ الهيمنة َعلى أولئك الناسِ وخسـرتْ مواردَهم المالية . إذا لم تكـنْ القيَّمُ تـتبدلُ ــ كما يدَّعي رجالُ الديـنِ ــ فكيف يفـقدُ أمـرٌ مهمٌ كالطلاقِ إلـزامَه الأخلاقيَ فجأةً ؟ وكمثالٍ ثانٍ: لو إستمـرتْ الكنيسةُ المعمدانيةُ في منعِها القمارَ والكحولَ الذي بدأتْه عند مطلعِ القـرنِ الماضي لخلت ْ اليومَ بعضُ كنائسِها مـن المصليـن . مـن الواضحِ أن الأفضـلَ لها أن يدفعَ ثمـلٌ أو مقامـرٌ معمدانيٌ إشتـراكَه الكنسيَ مـن أن تخلوَ الكنيسة . وفي حالةٍ مشابهةٍ كمثالِ ثالثٍ: إدعاءُ رئيسِ الطائـفةِ المورمونيةِ سنةَ 1890 بأن اللهَ أوحى اليه بإنهاءِ السماح ِ لتعددِّ الـزوجاتِ مما أتاحَ لمنطقةِ يوتا ـ حيث يقطـنُ معظمُ المورمون في أمـريكا ــ أن تصبحَ ولايةً أمـريكية !!
ربما يخطـرٌ علئ بالِ بعضُ القـراءِ الإستـفسار: ألا توجدُ ثوابتٌ دينيةٌ تصمدُ دون تغيـيـر ؟
قـد نـتصورُ أن الـنهيَ عـن القـتـلِ العمدِ هو مـن ثوابتِ القيَّمِ الدينية . إذ تبدو الوصيةُ " لا تــقــتــلْ " المفـروضُ أنها منـزلةٌ إلاهياً صـريحةً وواضحةً تمامَ الوضوحِ لا لُبس فيها .
لكـن بالـرغمِ مـن ذلك فإن اليهودَ ــ وهم الذيـن كتبوا وإتبعوا الوصايا العشـر كما يدَّعون ــ لم يعتبـروا رجمَ الـزانياتِ بالحجارةِ حتى الموت قتـلاً، ولا إعتبـروا إبادةَ جميعِ الأطفالِ والنساءِ العـزَّلِ في مدنٍ فلسطيـنيةٍ خلالَ حـربِ 1948 جـرائمَ قـتـلٍ متعـمد . ولم يفكـرْ الـراهبُ المعـروف توماس دي توركيماندا *18* ومحاكمُ التـفـتـيشِ الكاثوليكيةِ بأن التعذيبَ حتى الموت جـريمةُ قـتـل .
وإذا نظـرنا الى أمـريكا في القـرنِ التاسعِ عشـر نجدُ أن قـتـلَ عبدٍ شاردٍ كان مـن الممارساتِ المألوفة لدى مالكي العبـيدِ في ولايةِ مسيسـيـپي ولم يكـن يُعَدُّ قـتلُه جـريمةً يُقاضي عليها القانون . وفي سنةِ 1850 لم تُعتبـرْ جـريمةُ قـتـلٍ متعمدٍ قام بها غوغاءٌ مـن مسيحيـيـنَ بِشنقِ رجـلٍ أسودَ أساءَ الأدبَ نحوَ سيدةٍ بيضاء . وحتى بعد قـرابةِ ثمانيـن عاماً مـن إنقضاءِ الحـربِ الأهليةِ الأمـريكيةِ التي حـررتْ العبيدَ كان يمكـنُ لـرعاعِ الإعداماتِ شـنـقَ السُـودِ مـن دون عقابٍ ولا إتهامِ أيِّ أحدٍّ بجـريمةِ قـتـل . أليست هذه جـرائم قـتـلٍ أم لا ؟
في الپاكستان والدولِ الإسلاميةِ الأخــرى لا تُعتبـُر جـريمةُ إغتيالٍ إذا قَـتَـلَ رجـلٌ إبنتَه أو أختَه في حالةِ إكـتـشافِ أن لها علاقةٌ جنسيةٌ خارجَ إطارِ الـزواج .
في هذا العصـرِ ، تبدلتْ القيِّمُ على المستوى الفـرديِ قي كثيـرٍ مـن البلدان . وغدتْ فيها أمثالُ تلك عملياتِ القـتـلِ جـرائمَ يقاضي علها القانون . لكـن على المستوى الدوليِ لا زالت الدولُ تبـيحُ لنـفسِها القـتـلَ الجماعي *19*. مثلاً: لم يُعتبـرْ قصفُ قـرىً فيتـناميةٍ سنة 1968 بقـنابـل الناپام جـرائـمَ قـتـل *20*.
يتضحُ مـن هذه الأمثلةِ أن جـرائـمَ القـتـلِ متسمةٌ بمـرونةٍ كبـيـرةٍ لا علاقةَ لها كما يبدو مع الوصايا العشـر!!!
❊❊
تحوي معظمُ الأديانِ تعاليمَ متـناقضةً مثلاً:
* يجب إحتـرامُ وتـقديـرُ النساءِ لكنهـنَ أقـلُّ منـزلةً مـن الـرجال (راجعْ رسالةَ بولص الى أهـلِ كولسي 3 - 18 ) .
* يجبُ الإقـتداءُ بـرجالِ الديـن . إتبِعْ أقوالَهم لكـن ليس بالضـرورةِ أفعالـَهم إذ أنهم ليسوا سوى بشـر .
* " الكتابُ المقدَّسُ " *21* كلامُ الله . إذا وجدتَ فيه تـناقضاتٍ فالسببُ يقعُ عليكَ أنتَ لعدمِ إستيعابِك له . إن كلامَ اللِه يفسـرُّه لك الكاهـنُ أو الواعظُ لتـفهمَه فهماً صحيحاً .
* ساعِدْ الفقـراءَ بتبـرعاتِك ، لكـن لأولئك المستحقيـنَ منهم فقط .

* المعـرفةُ العلميةُ جيدةٌ ما دامتْ لا تِثيـرُ أسئلةً حولَ " الكتابِ المقدسِ " أو تدعـو الى نظـريةِ التطور.
* كـنّ حذراً مـن العلماء .
* والى آخـر ما هنالك مـن مقولاتٍ مشابهة .
صحيحٌ أنه لا توجدُ مواعظٌ أو دروسٌ فعليةٌ تـنصُّ نصاً واضحاً بمثـلِ هذه الصـراحةِ التامةِ على تلك المواضيع ِ لكـن يعِظُ أو يحاضـرُ كثيـرٌ مـن القساوسةِ والكهنةِ والـزعماءِ الدينيـيـنَ وكبارِ المتدينيـنَ عـن شيءٍ بلسانِهم لكـن سلوكَهم ومواقفَهم وتصـرفاتِهم تُـرْسِـلُ الى الناشـئـيـنَ رسائـلَ واضحةً ومناقضةً لأقوالِهم .
إضافةً الى هذا نعتـقـدُ أن مـن المهمِ إدراكَ أن وراءَ تصـريحاتِ الـزعماءِ الدينيـيـنَ المتعلقةِ بالديـنِ رسائـلٌ مبطَّـنةٌ يودُّونَ إيصالَها بطـريقةٍ غيـرِ مباشـرة . فعباراتُهم التي تبدو بـريـئـةً إنما في حقيقيتِها جهدٌ لصيانةِ وتعـزيـزَموقعَ الفيـروسِ في المجتمع . على سبـيـلِ المثالِ لا الحصـر، نـقـلتْ الصحافةُ في أيلولَ سنة 2007 أن البابا بندكت السادسَ عشـرَ قالَ في خطابٍ له ما معناه أن نسبةَ ولادةِ الأطفالِ في أوربا في تـنـاقصٍ، وأن ثـقـةَ الأوربـيـيـنَ في المستـقبـلِ قليلةٌ . إنه يدعو الى منْعِ الإجهاضِ والى مـزيدٍ مـن الأطفالِ ويدَّعي أن قيَّمَ أوربا أصبحتّ لاأخلاقيةً فهي لا تُميِّـزُ بـيـن الخيـرِ والشـرِّ . يـبـدو ظاهـرياً أن طلبَه بـريء . دعنا نفهمُ النوايا الخـفـيةَ وراءَ دعوتِه مستوضحيـن بالتساؤل : هـل سيـرضى البابا بـزيادةِ أطفالِ المسلميـنَ في أوربا ؟ وهـل سيمتدحُها إذا بدأ الملحدونَ فيها مضاعفةَ عددِ أطفالِهم ؟ وهـل سيـبـتهجُ إذا أخذَ اللوثـريونَ تكويـنَ عوائـلَ كبيـرةً ؟ لا نعتـقـدُ أن أيَّا مـن هذه الأمورِ مقصودٌ بـرسالتِه . إنه يـرغبُ في أن يكون للكاثوليك عوائـلٌ كبيـرةٌ كما كانوا سابقاً . رسالتُه بسيطةٌ وبـريـئـةٌ لكنها دعوةٌ مبطَّنةُ لضمانِ نمـوِّ سلطةِ فيـروسِ الديـنِ المسيحيِ الكاثوليكيِ في أوربا .
حيـنَ يشجبُ الـزعماءُ الدينيونَ اللاأخلاقيةَ إنما يقصدونَ على الأغلبَ " أن الناسَ لا يتَّبِعونَ إيعازاتِ فيـروسِ دينهم " . آما القيَّمُ الأخلاقيةُ فهي قضيةٌ منفصلةٌ تماماً . فالبابا لم يقصدْ عند شجـبـِه اللاأخلاقيةَ في إوربا إرتفاعَ نسبةَ جـرائمِ القـتـلِ فيها ، ولا حدوثَ قـفـزةٍ مفاجئةٍ في حوادثِ الإغتصابِ أو السطوِ المسلحِ ولا إرتفاعَ في إضطهادِ الأقلياتِ . مـن المؤكَّدِ أن هذه الجـرائـمَ لا زالت تحدثُ لكنها في الحقيقةِ قد إنخفضتْ الى حدٍّ ما في كـلِّ أنحاءَ أوربا منذ إنـتهاءِالحـربِ العالميةِ الثانيةِ وهي مستمـرةٌ في الإنخفاضِ مقارنةً مع مثيلاتِها في القاراتِ الأُخـر . إن دعوةَ البابا البسيطةِ الى العودةِ الى القيَّمِ الأخلاقيةِ ليستْ سوى محاولةً سمجةً لـزيادةِ سلطةِ الكاثوليكيةِ على الآخـريـن .
لقد ركـَّزنا على البابا الكاثوليكيِ إلا أن مـن الممكـنِ إجـراءَ تحليـلٍ مماثــلٍ على أيِّ تصـريحٍ يتعـلقُ بالديـنِ يطلقُه أيُّ زعيمٍ ديني .
**
دعنا الآن نـتـناولُ القيّـمََ الأخلاقيةَ عند الإنسانِ المعاصـرِ اللاديني.
مـن الواضحِ أن هذا الإنسانَ لا يعـتـرفُ أن في أعالي السماءِ مشـرِّعٌ عظيمٌ قد شـرَّعَ له ما يجبُ وما لا يجبُ عليه إتِّـباعَه . ولذلك يشعـرُ أنه مالكُ نفسِه ، هو المسؤولُ شخصياً عـن تـنميةِ مدى قيَّمِه فيما يخصُه . وبما أنه عضوٌ في مجتمعٍ متحضـرٍ فلا تـشكـِّلُ هذه المهامُ له صعوباتٍ كبـيـرة في معظمِ الحالاتِ . فهو يقبـلُ العمـلَ بمبادئِ السلوكِ الإجـتماعيِ الأساسيةِ المتعارفِ عليها دون إعتـراضٍ ، ومـن المـرجَّحِ أنه يتـفـقُ معها . وهو لا يحتاجُ الى واعظٍ كي ينهيَ عنه السـرقةَ والكذبَ والإغتصابَ والنهبَ والقـتـلَ، وكي يحثـَّه على الصدقِ والأمانةِ في التـفـاعلاتِ والإلتـزاماتِ والمعاملاتِ اليوميةِ مع الناس . إنه يكتسبُ هذه القيَّـمَ مـن كونِه مواطـناً في أيِّ مجتمعٍ متحضـر ، وربما كان قد تعلمَها أو تأثـَّـرَ بها كلياً أو جـزئياً مـن والديَّه مهما كان إيمانُهما أو عدمُ إيمانِهما. ويُطبِّـقُ المَهَمًةَ الشاقةَ بمساءلةِ نفسِه ذاتياً فـتـنمو عنده القدرةً على البتِّ في ِ المسلكِ الأخلاقيِ الذي يختارُه إعتماداً على نفسِه فقط دون تعويـلٍ على كتابِ تعليماتٍ ولاعلى الهٍ مـن صُنعِ الخيال . وهكذا يكتسبُ " بوصلة ً " أخلاقية ً للعمـلِ على إتخاذِ قـراراتٍ صعبة .
الفـرقُ بـيـن الإنسانِ اللاديني والمصابِ بفيـروسِ الديـنِ هو أن هذا الإنـسانَ يعلـمُ بـأن مـسؤوليةَ أعـمالِه تقعُ عليه فقط وفقط عليه ، فلا يتعذَّرُ بأعذارٍ على غـرار " أن الشيطانَ أغواني فـفعلتُ كذا وكذا ". أما بالنسبةِ الى المصابيـنَ فيـروسياً فـتـتبايـنُ مواقـفُهم حول هذه النقطة . إذ يلومُ بعضُهم الشيطانَ بإغـرائهم على إرتكابِ الخطايا . ويتصورُ آخـرونَ أن اللهَ يدفعُهم بما يقومونَ به كي يُنَفِّذَ مخططاتِه وما عليهم سوى محاولة إكـتـشافِ تلك الخططِ ، ويتصورُ آخـرونَ أن أفعالـَهم فد حتَّمَها اللهُ كقدرٍمسبقٍ وهـم لا يـملكونَ أيَّ خـيـارٍ في الموضوع . ولعـلَ أفـضـلَ ما يعكسُ هذا التصورَ العبارةُ " إن شاءَ اللُه " التي يُـكـْثِـرُ المسلمونَ مـن تـرديدِها والتي يـردِدُها بعضُ المسيحيـيـن أيضاً، كأنما لا تأثيـرَ لديهم على ما سيحدثُ لهم مـن أُمورٍ إذ أن إلهَهم سوف يُنَـفِّـذُ أيَ أمــرٍ يشاء .
أما الإنسانُ اللاديني فلا يضيِّعُ أوقاتِه وطاقاتِه في محاولةِ لـِ " فتحِ الفال" عـن خططِ إلاهِه. ولا ينـتابُه أيُّ قلـقٍ مـن وجودِ إلاهٍ يستـرِّقُ السمعَ والنظـرَ مـن خلفِ كتُفِه حيـن تخطـرُ على بالِه فكـرةٌ ( قد يتصورُها مؤمـنٌ ) مثيـرةً لغضبِ اللهِ . كما يمنحُه الوضوحُ بشعورِه بمسؤوليتِه الشخصيةِ عـن أفعالِه ميِّـزةً ضخمةً تـتيحُ له إختـزانَ طاقةٍ وعواطفَ مفيدةٍ في معالجةِ أُمورٍ أكثـرَ أهميةً في حياتِه اليوميةِ الإعتيادية .
آما في الحالاتِ والمواقفِ التي تـتجاوزُ مستوى الحياةِ اليوميةِ للفـردِ وتـتطلبُ مـنهِ إتخاذَ قـراراتٍ أخلاقيةٍ شجاعة تستحقُ توثيقاً تاريخياً (على غـرارِ حمايةِ وإنـقـاذ اليهودِ في المانيا النازية ) فلا نجدُ فـرقاً ذا شأنٍ في الأداءِ الأخلاقي بـيـن المتدينيـن واللادينيـيـن .
نالتْ بطولةُ ديتـريش بونهويفـر*22* القسِّ اللوثـريِ المشهورِ بمؤلفاتِه اللاهوتيةِ قسطاً وافـراً مـن التغطيةِ في الأوساطِ الإعلاميةِ لمحاولتِه إغتيالَ هتلـر . لكـن قصصَ آلافِ الملحديـنَ الذيـن هلكوا تحت وطأةِ الحُكمِ الهتلـريِ ومـن بـينهم عشـراتٌ مِمـَنْ حاولوا أيضاً إغـتيالَ هتلـر لم تـنـلْ عنايةً إعلاميةً كافية . إن فيـروسَ الديـنِ يتجاهـلُ قصصَ كـلِّ أولئك الملايـيـنَ المتدينيـنَ الذيـن إختاروا العمـلَ بخياراتٍ لاأخلاقيةِ ، وبالمقابـل يتلقـفُ أيَّ حكايةٍ عـن شخصٍ متديـنٍ جيدِ السمعةِ وذي شهـرةٍ في إتخاذِ قـراراتٍ شجاعةٍ في مواقفَ صعبةٍ لتُـحاكَ منها قصةٌ تُـنشـرُ وتُوزعُ على نطاقٍ واسع في دُورِ الكتب . لكـن في الواقعِ يوجدُ مقابـلَ كـلِّ قصةٍ محمَّلةٍ بنـفحاتٍ مسيحيةٍ آلافُ قصصٍ عـن قساوسةٍ مسيـئـيـنَ وكهنةٍ متحـرشيـن بالأطفالِ وشمامسةٍ مجـرميـن . يا تُـرى هـل أن عملاًبطولياً يقومُ به ملحدٌ أضعفُ بطولةً وأقـلُّ أهميةً مـن عمـلٍ مماثـلٍ يقومُ به مسيحي؟


❊ جــذورُ الإنــجــيــلــيــةِ الــتــبــشــيـريـــةِ الأمــريــكــيــةِ ❊

الإنجـيـليةُ الأمـريكيةُ فيـروسٌ جديدٌ يستعـيـنُ نـقلتُه لهدفِ الإصابةِ والإنـتـشارِ بأحدث الأدواتِ والوسائـلِ الكهـربائيةِ والألكتـرونيةِ و" الإنتـرنـتية " وبطـرائقَ نفسيةٍ وتنويميةٍ إيحائـية *23*. كذلك يخـتلفُ الوعَّاظُ الإنجيليون عـن كهنةِ وقساوسةِ الماضي ثقافةً وأسلوباً
خلالَ قـرونٍ عديدةٍ بعد بداياتِ نشأةِ المسيحيةِ تـزاوجتْ الكنيسةُ الكاثوليكيةُ مع الثـقـافاتِ الإجتماعيةِ والحضاريةِ الأوربـيةِ في تلك العصورِ . وتكيفتْ الكاثوليكيةُ مع عاداتٍ محليةٍ كثيـرة ، وتبنَّتْ العطـلَ المحليةَ المخصصةَ لأعيادِ آلهةِ الوثـنيـيـنَ لتكونَ أعياداً لقديسيها . وشيَّدتْ الكنائسَ عمداً فوقَ مـراكـزِ العباداتِ الوثـنيةِ القديمة ، وأعادتْ تعـريفَ الـزواجِ بـبنودٍ كاثوليكية . وكان ذلك الإقـتـرانُ مـن المتانةِ بحيث غدا صعباً إيجادَ فـروقٍ تُميِّـزُ تلك الثـقافاتِ عـن الديـنِ الكاثوليكي . وهكذا تـشـربتْ الحياةُ اليوميةُ والطقوسُ والعاداتُ وجميعُ مـراحـلِ الحياةِ بفيـروسِ الديـنِ الكاثوليكي وبتحكم ِ الكهـنة ِ الذيـن إحتكـروا السلطةَ لإكثـرَ مـن ألفِ عامٍ على تـفسيـرِ " الكتابِ المقدَّس " .
في القـرنِ الخامسِ عشـر جاءتْ الخطواتُ الأُوَلُ لفكِّ ذلك التـقارنِ عندما ركَّـزَ مارتـن لوثـر على المسؤوليةِ الفـردية في تفسيـرِ " الكتاب المقدَّسِ " ، مُحْدِثاً بذلك إنعطافاً حاداً في الكا ثوليكية مما قادَ الى تـرجمتِه الى اللغاتِ العاميةِ المحليةِ ، فأُتيحَ للناسِ قـراءتَه بأنفسِهم ومـن ثم إتخاذِهم القـرراتِ بأنفسِهم بما يؤمنونَ وبما لا يؤمنون .
غدا " الكتابُ المقدسُ " بعد تـرجمتِه ناقـلاً مـن نوعٍ فـريدٍ لفيـروسِ الپـروتستانـتيةِ الجديدِ . إذ صارَ مـن الممكـنِ لكـلِّ شخصٍ أن يكونَ كاهـنَ نفسِه مؤهلاً ذاتياً لتفسيـرِالإناجيـل . أتاحَ هذا العامـلُ الجديدُ للپـروتستانـتيةِ البقاءَ كمذهبٍ عالٍ في فـردانيتِه ، وبفضـلِ هجـرةِ كثيـرٍ مـن الأوربـيـيـن الى الولاياتِ المتحدةِ تحوَّلَ الى فيـروسِ الإنجـيـليةِ الذي نشاهدُه اليوم وصارَ " الكتابُ المقدَّسُ " أحدَ أهمَّ دعائمِها .
لم تـنـشأ الولاياتُ المتحدةُ على التسامحِ الدينيِ كما يحلو لأساطيـرِ تاريخِ هذه البلادِ أن تجعلنا الإعتـقا دَ به . فـقد كان المستوطنونَ الأوائـلُ ضحا يا الإضطهادِ الدينـيِ في إنكلتـرا فهاجـروا الى أمـريكا لإنـشاءِ " أورشليمَ جديدة " *24* فيها .
كانت كـلُ مجموعةٍ دينيةٍ مهاجِـرةٍ الى الولاياتِ المتحدةُ ميَّالةً الى إنشاءِ جاليةٍ خاصةٍ بها ونـقيةٍ طائـفياً . لكـن أصبحَ هذا الوضعُ أقـلَّ قبولاً بسببِ حـركةِ الناسِ نحو الغـربِ الأمـريكي طلباً للتـنـقيبِ أو التعديـن . إذ مـن الطبـيعيِ أن يغدوَ مـن المقبولِ أن تجـريَ طوائـفٌ مخـتـلفةٌ تـنـقيـباتٍ في مناجمَ متجاورة . فأصبحتْ المحافـظةُ على النـقاوةِ الطائـفيةِ صعبةَ التحقيق . لهذه الأسبابِ صارَ الغـربُ الضاري بـيئة ً فوضويةً إنصهـرتْ فيها فيـروساتٌ متـنوعة . مما ألـزمَها كي تحافظَ على وجودِها الى إحداثِ طفـرةٍ الى فيـروسٍ قابـلٍ للبقاءِ والنموِ في محيطِ الغـربِ الأمـريكيِ المنعـزلِ ذي النـزعةِ الفـردانية . فإكتسبَ الفيـروسُ الجديدُ القابليةَ على إصابةِ أفـرادٍ بمعـزلٍ عـن إنـتماءاتِهم الطائـفية . مـن المؤكدِ أن هذا تغيـيـرٌ كبيـرٌ، إذ يمكـنُ لأيِ فلاحٍ أوعامـلٍ في منجمٍ أو راعي بقـرٍ يسكـنُ بالقـربِ مـن التخومِ الغـربـيةِ للولاياتِ المتحدةِ فَهْمَ تعاليمَ المسيح بمجـردِ قـراءةِ الإنجيـلِ مـن دون وجودِ قسيسٍ مؤهـلٍ بالقـربِ منه .
وبعد قيامِ الثورةِ الأمـريكـيةِ ضدَّ الإنكليـز أصبحتْ الولاياتُ الثلاثُ عشـرَ الأُوَلُ أكثـرَ تقارباً وتحالفاً وزيادةً في التعاونِ التجاري والسياسي بينها مما أعادَ الصـراعَ الدينيَ الكامـنَ بالصيغةِ الأوربية . لكـن بفضـلِ حكمةِ مؤسسي الولاياتِ المتحدةِ أُخْضِعتْ النـزعاتُ الدينيةُ الأكثـرُ تطـرفاً في الفصـلِ الدستوريِ بيـن الديـنِ والدولة .
إندمجتْ ثلاثةُ ظـروفٍ ساعدتّ على خلقِ الإنجـيليةِ الپـروتستانـتيةِ الفـردانيةِ التوجه . أولاً إنبثاقُ فيـروسِ الپـروتستانـتية . ثانياً إرتفاعُ مستوى تعلُمِ السكانِ القـراءةَ والكتابة . ثالثاً تمَحْورُ الجالياتِ بصورةٍ رئـيسيةٍ حول الإحتياجاتِ الإقـتصاديةِ أكثـرَ مـن تمحورِها حول الإنـتماءاتِ الطائـفية . وكانت الحـركةُ الى التخومِ الغـربيةِ الأمـريكيةِ السلسلةَ التي ربطتْ هذه الظـروفَ الثلاثةَ بعضَها بـبعضٍ مما مكـَّن الفيـروسَ ذا الـنـزعةِ الطائـفيةِ فـرصةَ التطورِ الى نوعٍ فـردانيٍ مُتمحورٍ حولَ " ناقـلٍ ــ سوپـر" كاريـزمي *25* الشخصية .
أصبحتْ اللقاءاتُ الدينيةُ التي كانت تُعقدُعند بداياتِ القـرنِ التاسعِ عشـرالمسماةَ " اللقاءاتُ الخيميةُ الإنعاشية " بعد الحـربِ العالميةِ الثانيةِ عتيقة ً وباليةً بفضـلِ وسائـلِ الإعلامِ الجماهيـريةِ والمسارحِ الكبـيـرةِ المـزوَّدةِ بمضخِّـماتِ الصوتِ الألكتـرونية . وفي منـتصفِ القـرنِ العشـريـن إزدادَ إستغلالُ تلك الوسائـلَ خاصة ً بعد بـروزِ وعَّاظٍ إنجيليـيـنَ ماهـريـنَ ومحنَّـكيـن .
يتلقى النـقـلةُـ السوپـر تدريـبَهم الثيـولوجيَ العميقَ على الأكثـر مـن كليةٍ ذات تـركيـزٍ ضيقٍ على " الكتابِ المقدس" . ومـن الجديـرِ بالذكـرِ أن معظمَهم لا يتعـرضُ في كلياتِهم إلإ الى قليـلٍ مـن الفلسفةِ وحتى الى أقـلَّ مـن العلوم . ويتدربونَ في دراساتِهم الأكاديميةِ والتطبـيقيةِ على أساليبِ الإصابةِ ويتعلمونَ فـنونَ خلقِ إحاسيسٍ بالمشاركةِ الجماعيةِ في ظـلِّ الفيـروسِ كي يجدَ أعضاءُ الكنيسةِ الضخمةِ الطمأنينة *26* .
تـتمتعُ الپـروتستانـتيةُ الإنجيليةُ الجديدةُ بمطاطيةٍ كبـيـرة . فهي وإن كانت سابقاً متجذرةً بالغـربِ الأمـريكيِ الفـردانيِ النـزعةِ لكنها الآن تسعى الى إعادةِ الناسَ الكثيـريِ الحـركةِ الى تكويـنِ جاليةٍ مشتـركةِ القيَّمِ ( وإن كانت جاليةً متـرحِلة ) . تـتيحُ هذه المطاطيةُ للفيـروسِ الإنجيليِ الإستدامةَ رغم قلةِ روابطٍ تـشدُّه الى الجاليةِ إذ يـمكـنُ للفـردِ حمـلَه معه الى حيثما ينـتـقـل .
كان الناسُ في الأزمنةِ الماضيةِ يذهبونَ بكـلِ بساطةٍ الى الكنيسةِ التي كان يـرتادُها آباؤهم أو الى الكنيسةِ الوحيدةِ في القـرية . أما اليومَ فيمكـنُهم " تسوُّقَ " الكنيسةَ الأقدرَ على تلبـيةِ ما هو الأفضـلَ لإحاسيسِهم . فأخذَ النـقـلةُ- السوپـر يتـنافسُون فيما بـينِهم على إحداثِ نتاجٍ يمنحُ الناسَ خبـرةً روحيةً *27* مُـرْضِيِّةً عاطفياً . وكنـتيجةٍ لذلك إستجدَّتْ لدى الوعَّاظِ الإنجيليـيـنَ ظاهـرةُ تبـجـيـلِ الشخصيةِ يمكـنُ ملاحظتُها بقـراءةِ صفحاتِ الإعلاناتِ في الجـرائدِ المحلية .
فيـروسُ الإنجيليةُ ــ كفيـروسِ معظمِ الأديانِ الكبـرى ــ يصيـبُ العقـلَ مـن خلالِ خلقِ شعورٍ بالإثمِ والشكِّ الذاتي . كانت للدياناتِ المؤسـسةِ حول شـراكةِ الجاليةِ ميـزةٌ كبيـرةُ في معاقبةِ كـلِّ منحـرفٍ عـن سبـيلِها بـردعٍ إجتماعي . أما بالنسبةِ الى مجتمعِنا المتـنـقـلِ فيمكـن للمـرء تجنبَ عقابِ الـردعِ بسهولةٍ بالغةٍ بمجـرد إنـتقـالِه الى مكانٍ آخـر أو بتبديـلٍ كنائـسي . فـقد إستطاعَ فيـروسُ الإنجـيلبةِ القيامَ بطفـراتٍ بحيث يتمكـنُ خلقَ شعورٍ بالإثمِ وبالشكِّ خارجَ جاليةٍ معينةٍ بإستـغلالِ تـقـنـياتِ حديثةٍتُحدِثُ إيحاءاتٍ تنويمية . هذا تطورٌ حديثٌ تماماً وهو يشكِّلُ تحدياً للدياناتِ القديمةِ التي إغلبُها لم يستعـنْ بمثـلِ هذه الأساليبِ مما أدى الى خسارةِ كثيـرٍ مـن أعضائِها الى الحـركةِ الإنجـيـلية .
يخلـقُ الـفيـروسُ الإنجـيليُ شعوراً بالإنـتماءِ والتسامي وخِبَـرٍ عاطفيةٍ مـن خلال طقوسٍ شبــيهةٍ بحفلاتِ موسيقى الـروك تـتضمـنُ موسيقى تـتواتـرُ إيقاعاتُها مـن السـريعةِ الى البطيـئةُ مصممةً لإثارةِ مـزاجاتٍ نفسيةٍ وإستجاباتٍ معينةٍ مستعينةً بإيقاعاتٍ صوتيةٍ وحـركاتٍ جسديةٍ وإنـتـقـالاتٍ جماعيةٍ مصحوبةٌ بإيقاعاتٍ خطواتية . تُجـرى تلك الطقوسُ في كنائسَ ضخمةٍ يقودُها مـرشدونَ كاريـزميونَ ذوي قدراتٍ عاليةٍ في إدارةِ فعالياتٍ جماعية . ويستعملونَ تـقـنياتٍ نفسانيةٍ متطورةٍ تُحْدِثُ شعوراً بـزهـوٍ وإبتهاجٍ الى النـفس . تتخلـلُ الطقوسَ مواعظَ تخويفٍ وتـرهيبٍ مـن الذنوب . ويعوِّلُ بعضُ الوعَّاظِ على أساليبَ أكثـرَ إثارةً للعواطفِ بتأكيدِهم المتـشددِ على إحداثِ غيـبوباتٍ فـرديةٍ وجماعيةٍ . وذلك مـن خلالِ طقوس. يستـغـلُ الوعَّاظُ التأثيـراتِ الطبـيعيةِ لعلْمِ النـفسِ الجماهيـريِ لغـرضِ خـلقِ خبـرةٍ تبدو للمشاركيـنَ أنها تـتسامى فوق الوجودِ المادي . تهدفُ هذه الأساليبُ الى ربطِ الناسِ الساعيـنَ ـــ الى التخلصِ مـن شعورِهم بالذنوبِ والشكوكِ الذاتية ربطاً محكماً الى الفيـروس 8*.
أظهـرتْ دراساتٌ تـتعلقُ بالتـنويمِ الإيحائيِ وبالأساليبِ التأمـليةِ قدرةَ هذه الوسائـلِ في تخفيفِ الآلامِ وفي إحداثِ شعورٍ بالنشاطِ والخـفةِ وخلقِ حالةٍ وعيٍ مغايـرةٍ عـن الإعتيادي . مـن المهمِ أن نعـرفَ أن إحداثَ هذه التأثيـراتِ ليس أمـراً صعبا إذ يمكـنُ أن يُحْدِثَها أيُّ شخصٍ مدرَّبٍ تدريـباً معتدلاً في فـنونِ التأملاتِ والتـنويمِ الإيحائي . ويمكـنُ إحداثُها في مباراةٍ رياضيةٍ أو في حفلةٍ موسيقيةُ أو في إجتماعٍ سياسي . لكـن عندما يُحْدِثُها وعَّاظٌ وفي محيطِ كنيسةٍ فالأمـرُ يختلفُ إذ يمـكـنُ بسهولةٍ أن تُفسَّـرَ التأثيـراتُ خطأً أنها خبـرةُ روحية .
أثـبتتْ بعضُ الوسائـلُ تأثيـراتِها البارعةِ خلالَ آلافِ السنيـن . مـن بيـن تلك الوسائـل : الموسيقى والإيقاعاتُ الصوتية ُ في المواعظِ وتلاعبُ كلماتٍ مثيـرٌ لعواطفَ معينةٍ وإستعمالُ قصصٍ وحكاياتٍ ذات مغازٍ والى آخـرِ ما هنالك مـن أساليب . قد درسَ كبارُ آلوعَّاظِ الإنجيليــيـنَ هذه التـقـنياتِ لعشـراتِ السنيـن وإتـقـنوا فـنَّ الإستدعاءِ العاطفيِ الجماعي . وحيـن تـتطورُ ثـقـافةُ البـيـئةِ المحيطةِ يتوجبُ على الفيـروسِ كي يستديمَ وجودُه إستعمالَ تلك الأدواتِ الأساسيةِ أو خلقَ غيـرِها .
الموسيقى ، بغضِّ النظـرِ عـن إستعمالاتِها في الديـنِ ، قادرةٌ على خلقِ إستجاباتٍ بـيـوكيميائيةٍ متعددة : كم مـرةً قد سمعتَ ــ أيها القارئُ العـزيـزُ ــ مـن الـراديو أغنيةً مألوفةً لديكَ فأهتـززتَ طـرباً أو إنغمـرتَ حُـباً أو تهيّجتََ جنسياً أو إنتابتْـك كآبةً ؟ ألا توجدُ أغنيةُ تُـرْجِعُ ذكـرياتِك الى مغامـرةِ حبٍ قديم ؟ كيف تؤثـرُ أغنيةٌ وطنيةُ على تسارعِ ضـربات قلبِك ؟ ومـن المؤكَّدِ أن غناءَ أو الإصغاءَ الى " هالولويا " للموسيقار هندل يُثيـرُ عاطفةً شديدةً عند كـلِّ إنسانٍ تـقـريـباً .
يدركُ كـلُّ مَنْ يشاهدُ أياً مـن فيديواتِ المواعظِ الإنجـيـليةُ المتلفـزةِ إدراكاً واضحاً بإستغلالِ كـلٍّ مـن الـوعَّاظِ الموسيقى ليـعـززَ ويُجسِّمَ العواطفَ المثارةَ بموعظتِه الكلامية . فـفي خلالِ الدقائـقِ المفـتاحيةِ للموعظةِ تُعـزفُ موسيقى رقيقةٌ وهادئـةٌ لينـفـتحَ المستمعونَ الى إستلامِ إيحاءاتٍ تنويمية . وفي أوقاتٍ أخـرى تُعـزفُ موسيقى قويةٌ وصاخبةٌ لخلقِ شعورٍ بالفعاليةِ والتصميم . تُبَيـنُ هذه الإساليبُ أن الإنجيلية الإمـريكيةَ قد إستطاعتْ تكيـيفَ الموسيقى المعاصـرةَ لتهيئةِ العقـلَ الي تلقي الفيـروس أو الى إسنادِ وتـقـويةِ الإستجاباتِ له .
وحيـن تستكمـلُ الموسيقى إحداثَ الإستجابةِ البـيوكيميائيةِ يشعـرُ المستمعون بحالةِ وعيٍ مغايـرٍ غموضيٍ روحيٍ . فيتوقـفُ عندهم التـفكيـرُ المنطقيُ الى درجةٍ كبيـرةٍ فقد وُضِعوا في حالةِ تَقَبُّـلٍ تعيـقُ الأفكارَ الإنـتـقادية . عندئـذٍ يكونونَ مستعديـنَ لتلقي رسائـلَ يودُّ الناقـلُ إيصالَها اليهم مثلاً التبـرعَ بأموالٍ الى الكنيسةِ أو التصويتَ لصالحِ مـرشحٍ يُعارضُ الإجهاضَ والى آخـرِ ما يُـريدُه الواعظ . وفي الواقعِ هم ليسوا فقط غيـرَ واعـيـنَ الى ما تـتـضمُنه العمليةُ كلُها مـن دولباتٍ *29* بـل أيضاً لا يهمُهم مـن أمـرِها شيئآً، إذ أنهم قد جاؤوا الى الكنيسةِ خصيصاً للحصولِ على جـرعةٍ تخديـريةٍ وليخـرجوا منها منـتـشـئـيـنَ بأنفسِهم وبفيـروسِهم .
لا حاجةٌ الى إخصائيٍ لإجـراءِ تـنويمٍ إيحائيٍ جماعي . إذ يؤدي كثيـرٌ مـن الوعَّاظِ الإنجيلـيـيـنَ الجيديـنَ هذه المَهَمَةَ بجدارةٍ أسبوعياَ أيامَ الأحدِ . ويمكـنُ رؤيةَ تلك الطقوسِ بالذهابِ الى كنيسةٍ إنجيليةٍ محليةٍ أو بمشاهدتِها متلفـزةَ على الإنتـرنت . يستطيعُ المشاهدُ إحصاءَ عددَِالمـراتِ التي يكـررُ الواعظُ قولاً له وبالنبـرةِ الإيقاعيةِ نفسِها . فمـن المعلومِ أن التكـرارَ الأحاديَ النبـرةِ تـقـنيةٌ تنويميةُ أيحائيةَ مؤثـرةَ جداً .
وعلى الـرغمِ مـن تـركيـزِنا على الطوائـفِ الإنجـيليةِ الأمـريكيةِ إلا أن جميعَ الأديانِ تستعمـلُ أساليبَ التـنويمِ الإيحائيِ للتعجـيـلِ بالإصابةِ الدينية . فقد إتـقـنتْ الكنائسُ الكاثوليكيةُ والأورثودوكسيةُ الشـرقيةُ إستعمالَ الموسيقى وشذَيَ البخورِ لخلقِ جوِّ تَقَبُّـلٍ عندَ أعضاءِ أبـرشياتِهم . ويدمجُ الوعَّاظُ المسلمونَ الطـرائـقَ الإنجيليةِ والكاثوليكيةِ والأورثودوكسيةِ في التـنويمِ الإيحائي . وقد إستعمَـلتْ بعضُ نُظمِ الـرهبناتِ الكاثوليكيةِ تـقـنياتِ التـنويمِ الإيحائيِ منذ مدةِ 1400 سنة . كما إكتـشفَ وإستعمَـلَ البوذيونَ والهندوسُ وسكانُ أمـريكا الأصليونَ ومعظمُ الدياناتِ الأخـرى أساليبَ إحداثِ حالاتِ الوعيِ المغايـرةِ لغـرضِ الإصابةِ بفيـروسِ الديـنِ وصيانـتِـه .
**
شغـلَ موضوعُ النقاءِ الفيـروسي والعودةُ الى ماضٍ مثاليٍ تفكيـرَ الأصوليـيـنَ بإستمـرارٍ منذ نشأةِ المسيحيةِ الى الآن : عودةٌ الى " الكتابِ المقدَّسِ" أو عودةٌ الى الكنيسةِ التي أنشأها يسوعُ الناصـري . يعتـقـدُ الأصوليونَ بوجودِ زمـنٍ كانت فيه الكنيسةُ نقيةً خالصةً ، لكـن مـن دون أن يحددوا أبداً متى وأيـن كان ذلك بإستـثـناءِ التعويـلِ على مقولاتٍ مـن كُتُبِ العهدِ الجديد . غيـر أن قـراءةَ هذه الكتُبِ (حتى ولو كانت قـراءةً سطحيةً) تكشفُ عـن كـلِّ شيءٍ ما عدا المحبةَ والبهجةَ والنقاء . كما أن رسائـلَ بولص وبطـرس ويوحنا وآخـريـنَ ملأى بجهودٍ لكبحِ هـرطقاتٍ وضمانِ النـقاء . منذ البدايةِ لم يكـنْ سوى قليـلٌ مـن الإتـفاقِ حول المبادئِ الأساسية . وقد حدثتْ عدةُ طفـراتِ في المسيحيةِ الناشئة . ولم تنوجدْ مسيحيةٌ نـقيةٌ في أيِّ فتـرةٍ في القـرونِ الثلاثةِ الأولى ، بـل وُجِدتْ عشـراتُ فيـروساتٍ متـنافسة ، في آخــرِ المطافِ بعضُها بالبقاءِ وإخـتـفـتْ أُخـرياتٌ إمّا لتعمـلَ تحت حـركةٍ سـريةٍ وإمّا لتـتحولَ الى صيغةٍ أخـرى وإمّا قد قُـضِيَ عليها تماماً .
جميعُ الأصوليـيـنَ سواءً كانوا مسيحيـيــنَ أم مسلميـنَ أم هندوسَ يتبَوْؤرُ تفكيـرُهم على ماضٍ سحيق . إن هذا التـبَـوْؤرَ هو مـن أقوى السبـلِ فعاليةً في منعِ دراسةِ الـتاريخِ بعــيـنٍ نـاقـدة و يـؤدِّي الى زوغانِ نظـرِ الأصوليـيـن الى الحوادثِ الجاريةِ الآن في هذه الأيام . إذ مـن الصعبِ أن يـنظـرَ إنـسانٌ بوضوحٍ الى الأمامِ وهو يحاولُ إعادةَ خلقِ شيءٍ لم يكـنْ موجوداً مطلقاً . على سبـيـلِ التوضيحِ ، يسعى كثيـرٌ مـن أصوليـيـنَ مسلميـنَ الى العودةِ الى أيامٍ يتخيلونَ الإسلامَ كان خلالَها نـقياً صافياً . لكـنهم يخـتـلفونَ فيما بـينهم إختلافاً جذرياً حول مفهومِهم للـنقاء . هذا الاختلافُ لا يـزالُ يؤولُ الى نـزاعا تٍ وحـروبٍ داخـلَ الإسلامِ : السنَّةُ ضدَّ الشيعةِ والقاعدةُ ضدَّ كـلٍّ مـن الشيعةِ والسنَّة .
يمتلك ُالفيـروسُ الإنجـيليُ قدراتٍ عاليةً في تخديـرِ المصابيـنَ ضدَّ أيِّ تساؤلٍ حول بـداياتِ الـمسيحية بحيث لا يهمُهم الأسلوبَ الإعتباطيَ الذي وُجِدتّ فيه كتبُ العهدِ الجديد . ولا يعلِّـقـونَ أهميةً على الـتـناقضاتِ الضخمةِ في كـلٍّ مـن تلك الكتب . ولا يـبالونَ الى المناظـراتِ الثيولوجيةِ التاريخيةِ " لآباءِ قبـلَ مَجْمَعِ نِيقِية *30* " أو الى مناظـراتِ معتـقداتٍ أخـرى التي جـرتّ عند بداياتِ المسيحيةِ التى قضتْ عليها الكثلكة . يحكي مؤلفُ الكتابِ عـن عددٍ مـن أصدقائِه المثـقـفيـنَ مـن ذوي إهتماماتٍ عميقةٍ بالتاريخِ لكنهم كانوا مصابـيـنَ بفيـروسِ الإنجـيلية . فكانوا مستعديـنَ لنـقـاشٍ يدومُ ساعاتٍ طويلةٍ حولَ أسبابِ الثورةِ الفـرنسيةِ أو حولَ النـتائجِ الإقـتصاديةِ للحـربِ العالميةِ الأولى على أوربا أو حولَ ثـقافاتِ حضاراتِ العالمِ القديم . لكـن ليس لديهم أيُّ إطلاعٍ ولا حبُ استطلاعٍ حولَ عصـرٍ مـن أهمِّ العصورِ في تاريخِ دينهم . فهم يجهلونَ تاريخَ الكنيسةِ في القـرنيـن الأولِ والثاني بـل لا يكتـرثونَ اليه أصلاًعندما يُـسألونَ عـنه .
إن فيـروسَ الديـنِ يعلـِّقُ القابليةَ على التساؤلِ ويغلقُ الفضولَ في أيِّ منطقةٍ ممكـنُ أن تشكِّـلَ تهديداً الى وجودِ الفيـروسِ مِما يجعـلُ مثـقـفـيـنَ مثـلَ أولئك لا مباليـنَ الى أمورٍ ــ مـن الواضحِ ــ أنها ذاتُ أهميةِ كبـرى . لكـن إذا أُخّبِِـروا عـن الأيام الأُولىِ للإسلامِ فيتـفهمونَ بسهولةٍ الفجواتِ في النظـرةِ الإسلاميةِ الى العالمِ والتاريخ . أما فهمٌ مماثلٌ لبداياتِ المسيحيةِ فغيـرُ متوافـرِ عندهم .
**
تواجهُ فيـروساتُ الأديانِ في الولاياتِ المتحدةِ مشكلةً لا تواجهُها في الدولِ الإسلاميةِ حيث الديـنُ يـرتبطُ بها بإحكام . لغـرضِ توضيحِ المشكلةِ نجـري مقارنةً بسيطةً مـن خلالِ السؤاليـن : ما قدرةُ الإسلامِ على الصمودِ في قـريةٍ أفغانية ؟ وما قدرةُ المسيحيةِ على الـصمودِ في مـدينةِ نيويورك ؟ الإسلامُ سوف لـن يُـزاحَ مـن أفغانستان في أيِّ زمـنٍ منظور . لكـن قبضةَ فيـروسِ أيِّ ديـنٍ في مدينةِ نيويورك ضعيفةً وواهية .
هذه هي المشكلةُ التى تواجهُ فيـروساتِ الديـن في أمـريكا .
فكيف يتمكـنُ الفيـروسُ مـن معالجتِها ؟
الجوابُ : فـيــروسُ الإنـجــيــلـيـة .
يسعى هذا الفيـروسُ الى تـنـفيذِ ما لم يـنـفِـذْه أيُّ فيـروسِ ديـنٍ آخـر على الإطلاقِ ألا وهو السيطـرةُ على البُـنيةِ السياسيةِ والـثـقـافيةِ للولايات المتحدة . إنه الآن يضغطُ بإستمـرارٍ كي يـرتبطَ بالثـقـافةِ الإجتماعية . فإذا ما إستطاعَ الإرتباطَ بجانبٍ مـن جوانبِها سيصبحُ ذلك الإرتباط ُ وسيلةً أُولى يتذرع ُ بها للحصولِ على مـزيدٍ مـن الإرتباطات . فمثلاً ربما يكونٌ الإرتباطُ الأولُ تـثبـيتَ تلاوةِ الصلاةِ في المدارسِ الـرسميةِ الذي يمكـنُ أن يؤدَّيَ الى قـراءاتٍ مـن " الكتاب المقدس " في غـرفِ التدريسِ وهذا بِدورِه قد يؤولُ الى إستعمالِ المدارسِ مكاناً للتلقيـنِ الديني وهكذا .
إن الـثـقـافـةَ الـمــرتـبـطـةَ بـالـديــنِ ســرعـانَ مـا تـغـدو ثـقـيـلةَ الـوطـأةِ وجـائـرةً وتـكـونُ بـيـئةً سـامَّـةً لـغـيــرِ الـمـصـابـيـنَ بفـيـروسِ الـديـن .
**
إختصاراً :
تـرجعُ جذورُ الإنجـيليةِ الأمـريكيةِ الى حقبةِ الإصلاحِ اللوثـري لكنها طفـرةٌ فيـروسيةٌ مكيَّفةٌ لتبقى في مجتمعِ الولاياتِ المتحدةِ المتَّسمِ بالإمتـزاجِ الحضاري . فـقد قـفـزَ فيـروسُ الإنجـيليةِ قـفـزةَ فكِّ - إقـتـرانٍ ثوريةً مـن مجتمعِ حياةٍ بسيطةٍ مبنيةٍ على المذهبـيةِ الضيقةِ الى مجتمعٍ فـردانيِ النـزعةِ مستديمِ الحـركةِ فغدا ــ وكأنه سوپـرفيـروس ــ قادراً على إستـئـصالِ الخلافاتِ الطائـفيةِ القديمة . فإنـتـشـرتْ الطفـرةُ الجديدةُ دون مواحهةِ عوائـقَ مـن قـريةٍ أو جالية . ويستعمـلُ نـقـلةُ الفيـروسِ الماهـرونَ والمحنَّكونَ تـقـنياتٍ نفسانيةٍ لإجتـذابِ الناسَ الى كنائسِهم الضخمةِ حيث يتلقون طقوساً دينيةً حسنةَ التصميمِ أثبتَ الـزمـنُ فعاليتَها تـرافـقُها موسيقى وإيقاعاتٍ صوتيةً منوِّمةً إيحائـياً ومسكِّنةً للآلام . فيحصـلُ المضيِّفونَ المصابونَ ( أي أعضاءُ الكنيسةِ ) على إيعازاتٍ بشعورٍ بالإثمِ والخوفِ التي توطِّـدُ إرتباطَهم بفيـروسِ الديـنِ وتستـنبتُ عندهم صفاءً فيـروسياً .


❊ الــذكـاءُ والــشــخــصـيــةٌ وفــيــروسُ الــديــن ❊

أظهـر تقـريـر عـن ظواهـر التديـن في أمـريكا نشـرتْه مجلةُ Scientific American سنةَ 1999 أن 90٪ مـن عامةِ الشعبِ الإمـريكيِ يؤمنونَ بوجودِ " إلهٍ شخصي" *31* وبحياةٍ بعد الموت ، لكـن 40٪ فـقط مـن العلميـيـنَ الحاصليـنَ على درجةِ البكلوريوس يؤمنونَ بمثـلِ هذه المعتـقـدات ، في حيـن لا يؤمـنُ 90٪ مـن العلماءِ البارزيـنَ بوجودِ اللهِ ولا بحياةٍ بعد الموت . وفي دراسةٍ أُخـرى أجـرتْها مجلةُ Nature وجدتْ أن 72٪ مـن أعضاءِ الأكاديميةِ الوطنيةِ الأمـريكيةِ للعلومِ ملحدونَ دونَ أيِّ تحفظٍ وأن 21٪ منهم لاأدريونَ و 7٪ فقط مؤمنونَ بوجودِ إلهٍ شخصي . فيـبدو أن هنالك ــ على الأقـلَّ في الإوساطِ العلميةِ ــ علاقةٌ عكسيةٌ بيـن ثقافةِ وذكاءِ المـرءِ مـن جهةٍ وايمانِه مـن جهةٍ أُخـرى . رُبَّ معتـرضٍ يدَّعي أن تلك النـتـائجَ مجـرَّدُ سمةٍ مـن سماتِ العلميـيـن .
دعنا نخطـو خارجَ العِـلمِ الى عامةِ الناسِ ولـنـتسآءلَ : " هـل توجدُ عوامـلُ إرتباطٍ بيـن التديـنِ والذكاء ؟ " أجـرى هيلموث نيـبورك الباحثُ في جامعةِ آثوس الدانماركيةِ دراسةً على ِعيِّـنةٍ عشوائيةٍ مكوَّنةٍ مـن 7000 شخصٍ ، فوجدَ أن ذكاءَ الملحديـنَ أعلى مـن المتدينيـنَ بمعدَّلِ 5.8 درجةٍ على المقياسِ المعـروفِ للذكاء . أثارتْ هذه النـتيجةُ بطبيعةِ الحالِ شيئاً مـن الضجةِ ، لكـن لم يجدْ النظـراءُ المـراجِعونً لهذه الدراسةِ أيَّ خلـلٍ فيها .
تشيـرُ جميعُ الدراساتِ المشابهةِ الى وجودِ عامـل إرتباطٍ سا لبٍ بيـن التديـنِ والذكاء . ولا توجدُ أيُّ دراسةٍ محكَّـمةٍ مـن قِبَـلِ مـراجعيـنَ علميـيـنَ متوافـرةٌ الى حدِّ اليومَ على أن التديـنَ يعـززُ الذكاء . وفي الحقيقةِ تشيـرُ كـلُّ الدراساتِ كما يـبدو الى العكسِ تماماً . مما يقودُنا الى الإفتـراضِ بإمكانية أن يُـكـْبِـتَ التديـنُ ويقلِّـصَ ذكاءَ ناسٍ هم فيما عدا ذلك أذكياء . تحتاج ُ هذه العبارةُ الى إستـرسالٍ وتوضيح :
ينبغي أولاً الإقـرارَ أن الأذكياءَ يتوزعونَ على طيفِ التديـنِ ، حيث يجلسُ المؤمنونَ عند أحدِ طـرفَيْ الطيفِ والملحدونَ عند طـرفِه الآخـر . وثانياً ينبغي عدمَ نسيانِ إرتباطِ الذكاءِ بالقابليةِ على تميـيـزِ الأنماط . إذ يـميـلُ الأكـثـرُ ذكـاءً الى إمتلاكِ قابليةِ تميـيـزِ الأنماطِ بسهولةٍ أكثـرَ مـن ذوي ذكاءٍ أقـل ، مما يسهَّـلُ إصابةَ ذوي الذكاءِ الأقـلَّ بفيـروسِ الديـنِ لأنهم لا يلاحظونَ أنماطَ التـناقضاتِ والتـضارباتِ والـدولباتِ بمثـلِ ذلك الوضوحِ الذي يـلاحظُه مَنْ هم اكثـرُ ذكاءً . بالإضافةِ الى أنهم يجدونَ صعوبةً أكثـرَ في التخلصِ من الإصابةِ إذا كانوا مصابـيـنَ سابقاً . ومـن جهةٍ أُخـرى غالباً ما يتمكـنُ شخصٌ متوسطُ الذكاءِ مـن درءِ الإصابةِ إذا توافـرتْ لديه وسائـلُ التحليـلِ الإنـتـقـاديِ ولم يُصبْ مبكـراً في حياتِه .
يختـفي الذكاءُ والتفكيـرُ الإنـتقـاديُ عند مدخـلِ الكنيسة . إذ لا يوجدُ ما هو أكثـرُ مدعاةً للشفــقـةِ مـن ناسٍ متَّسميـنَ بالذكاءِ يجتمعونَ في الكنيسةِ كـلَّ أسبوعٍ أيامَ الأحدِ وهم في كفاحٍ جهيدٍ لفهمِ ما لا يُـفهمُ بالعقـل .
صحيحٌ ، أن الذكاءَعامـلٌ يمكـنُ بواسطتِه تفسيـرَ ظاهرةِالتديـنِ في أمـريكا تفسيـراًجـزئـياً ، لكـن توجدُ عـوامـلٌ أخـرى ينبغي أخذَها بنظـرِ الإعتبار .
تمتلكُ الفيـروساتُ البـيولوجيةُ إستـراتيجـياتٍ متـنوعةٍ لشـقِّ طـرقِها الى جدرانِ الخلايا لإصابتها . فإذا توافـرتْ للجسمِ دفاعاتٌ ضدَّ إستـراتيحيةِ الفيـروسِ فلـن تنجحَ الإصابة . لكـن في حالةِ غـزوِ فيـروسٍ آخـر بإستـراتيجيةٍ لا يمتلكُ الجسمُ دفاعاتٍ ضدها، فعندئذٍ يُـصابُ الجسم .
مـن الممكـنِ أن تلعبَ شخصيةُ الفـردِ دوراً مشابهاً الى كيفيةِ إصابتِه بالديـن ، لكـن ليس بذلك الوضوحِ في العلاقات . قد تكونُ أنماطٌ مختلفةٌ مـن الشخصيةِ مستهدفةً أكثـرَ أو أقـلَّ الى الإصابةِ بنوعٍ معيـنٍ مـن فيـروسِ الديـن . إذ يسهـلُ إنجذابُ الشبابِ بالإصابةِ بسببِ معاناتِهم مـن القلقِ وعدمِ الإستـقـرارِ أثناءَ سـنى البلوغ ِ وبسبب قلةِ ما لديهم مـن وسائـلَ فكـريةٍ لمقاومةِ الإصابة . وإذا هدَّأَ ديـنٌ مـن قلقِهم ومخاوفِـهم الطبـيعيةِ فـربما يتبعُ ذلك إصابتُـهم بغضِّ النظـرِ عـن طبـيعةِ شخصياتِهم .
يمكـنُ أن يميــلَ أنماطُ الناسِ الخائـفيـنَ والمهوميـنَ الى الإنجذابِ بسهولةٍ الى الأديانِ الواعدةِ بالخلاصِ الأزلي ، أما الـرافضونَ للوسائـلِ التخويفيةِ فيمكـنُ أن يعثـروا على دياناتِ العصـرِ الجديد . وينجذبُ الساعونَ الى إثباتاتٍ إيجابـيةٍ نحو الإيمانِ بالتناسخِ أو الإتحادِ مع الله .
من الواضحِ أن الذكاءَ والشخصيةَصفـتان مخـتلفـتان . الذكاءُ أحاديُ البعدِ والشخصيةُ متعددةُ الأبعاد . ولهذا توجدُ إحتمالاتٌ عديدةٌ لإصابةِ أشخاصٍ متساويِّ الذكاءِ ومخـتـلفيِّ الشخصية . في الحقيقةِ ، لم تُـظْهِـرْ البحوثُ التي أُجْـرِيتْ مدةَ أطولَ مـن خمسيـنَ عاماً علاقةً واضحةً بيـن الشخصيةِ والتديـنِ إنما أظهـرتْ وجودَ ميولٍ مؤثــرة . لكـن يـبدو أن تلك البحوثَ قد أخطأتْ في تحديدِ مـراميها . إذ مـن الممكـنِ أن تكـونَ إصابـةُ الـمـرءِ أقـلَّ إرتباطاً بشخصيتِه وأكثـرَ علاقةً بما قد تعــرَّضَ له في نشأتِه . دعنا نأخذُ مثالاً توضيحياً: إذا نشأ شخصٌ في محيطٍ عـربيٍ فسيـجـيـدُ تكلمُ اللغةَ العـربـيةَ مهما كانت طبـيعةُ شخصيتِه . إذن لا علاقةٌ لشخصيةِ المـرءِ بأكتسابِه اللغة . وعلى الغـرارِ نفسِه ، الشخصُ الذي ينشأُ في عائـلةٍ متدينةٍ سيصابُ ــ على الأغلبَ ــ بديـنِ عائـلتِه . إذن ليست شخصيةُ المـرءِ هي العامـلَ المهمَ في الإصابةِ إنما المهمُ هو نوعُ الفيـروسِ الذي تعـرَّضَ اليهِ المـرءُ أثناءَ سـني نشأتِه وبلوغِه ونضوجِه . لا ينـفي هذا الكلامُ مساهمةَ القلقِ والشعور بالذنبِ في تدينِه ، مـن المحتمـلِ أنهما يساهمان مماسياً فقط .
ينبغي أن لا تدورَ البحوثُ حولَ تحديدِ تلك السماتِ الشخصيةِ التي تجعـلُ المـرءَ متديناً . إنما يجبُ التـركيـزُ على كيفيةِ تفاعـلِ أنواعِ الفيـروساتِ الموجودةِ في البيئةِ مع الـسماتِ الشخصيةِ للناسِ الموجوديـنَ فيها . إذ لا يمكـنُ إصابةُ إنسانٍ بفيـروس شهـودِ يهـوا مثلاً إذا لم يتعـرضْ اليه مطلقاً أو أنه يمتلكُ الأدواتِ الفكـريةِ لمقاومتِه . في الواقعِ أغلبيةُ البشـرِ ــ حتى ولو تعــرَّضوا في حياتِهم الى فيـروسات أديانٍ متـنوعةٍ ــ تُصابُ بواحدٍ منها فـقط وهو ذلك الذي لُـقِّـنوا به عند نشأتِهم ويـبقى أغلبُهم مصابـيـنَ به طوالَ حياتِهم .
**
وكي نفهمَ سلطةَ الديـن ، مـن الأفضـلَ وضْعُ السؤالِ بالصيغةِ الآتيةِ : " ما هي المفاتيحُ التي تستعملُـها فيـروساتِ الأديان لفكِّ إنغلاقِ شخصٍ ؟ "
هذا ما سنـتـناولُه فيما يلي مستلهميـنَ إساليبَ مـن الفيـروساتِ البـيولوجية :
لقد طوَّرتْ هذه الفيـروساتُ مفاتيحَ لفكِّ إنغلاقِ الخلايا وإصابتِها . إن التعـرفَ على سبـلِ الإصابةِ بفيـروسِ وباءٍ ما (كالجُدريِ مثلاً) ساعدنا فعلاً على وضْعِ طـرائـقَ لمكافحةِ الإصابةِ به وعلى وسائـلِ المعالجةِ منه حيـن حدوثِها . كذلك الأديانُ تستعمـلُ ــ بطـريقةٍ مشابهةٍ ــ مفاتيحَ عاطفيةً لفكِّ إنغلاقِ الناسِ وإصابتِهم . فالتعـرفُ على سبـلِ الإصابةِ بفيـروسِ ديـنٍ يساعدُعلى وضْعِ طـرائـقَ لمنعِ الإصابةِ بـه .
ينقـلُ النموذجُ الفيـروسي للديـنِ الـتـركـيـزَ مـن دورِ الشخصيةِ في الـتديـنِ الى دورِ إستـراتيجياتِ الديـنِ في الإصابة .
توجدُ عند الإنسانِ نـزعةٌ قويةُ في إتِّباعِ وإطاعةِ زعيم . نشأتْ مـن الحاجةِ الى الأمانِ والشعورِ بالطمأنينة . فالتعاونُ تحت سلطةِ زعيمٍ يضمـنُ للإنسانِ أماناً أكثـرَ مـن مواجهتِه المواقفَ الصعبةَ لوحدِه . وقـد خدمتْ هذه النـزعةُ الإنسانَ البدائيَ لآلافِ السنيـن . فساعدتْه على تـنـظيمِ حملاتِ الصيدِ وبناءِ دفاعاتٍ جماعيةٍ ووضْعِ إستـراتـيـجـياتٍ هجوميةٍ وخلقٍ مؤسـساتٍ تعاونيةٍ وحكومات .
نـقـلةُ فيـروسِ الديـنِ خبـراءٌ في التـظاهـرِ بشخصيةٍ زعيمٍ سلطوي . فهم يـزَوِّقونَ أنفسَهم بجميعِ بهارجِ السلطةِ ويتـفوهونَ بتصـريحاتِهم بـيقيـنٍ ثابتٍ وثـقةٍ راسخة . وبهـرجةُ تناقـلِ الفيـروسِ ( سواءً كان كاهناً كاثوليكياً يحـرقُ بخوراً ومـرتدياً رداءً كهنوتياً مـزيناً بـرموزٍ دينيةٍ أم كان واعظاً إنجيلياً في كنيسةٍ ضخمةٍ تـزجُّ بآلافِ المصليـنَ وتـنبعثُ منها تـراتيـلٌ صاخبةُ التلحيـنِ ومثيـرةٌ للعواطفِ أم كان إماماً مسلماً معمماً بعمامةٍ سوداءَ أو بـيضاءَ أو خضـراء ) ما هي إلا التأكيدَ على إظهارِ إمتلاكَه نفوذاً وسلطة .
مهما تكـنْ سماتُ الإنسانِ الشخصية ، فإن الخوفَ والحاجةَ الى الأمانِ يشكِّـلان مفاتيحَ يستعملُها فيـروسُ الديـنِ لغـرضِ الإصابة . ولهذا يستغِـلُ النـقـلةُ ــ بدرجاتٍ متفاوتةٍ ــ التخويفَ مـن جهنمَ والشيطانَ والشـرَّ. وعندما يستولي خوفٌ كافٍ على شخصٍ تـتعطـلُ عنده حججُ العقـلِ والمنطقِ وتدفعُه حاجتُه للأمانِ الى طلبِ ما يوفَّـرُ الواعظُ له مـن راحةٍ وطمأنينة . لا يعي معظمُ الناسِ الى إستجابتِهم الى هذا النوعِ مـن الدولبةِ والإستدراجِ بـل يشعـرونَ فقط بالتـزعـزعِ والخوفِ والذعـرِالذي يثيـرُه الواعظ . لكـن عندما يبلِّغُهم بأن يسوعَ أواللهَ يمكـنُ أن ينـقـذَهم عندئـذٍ يشعـرونَ بالـرحة . دعنا نـراقبُ موعظةَ أيِّ واعظٍ إنجـيليٍ شائـعِ الصيت . سنجدُه يستحضـرُ السلطةَ الإلهيةَ مـراراً وتكـراراً وبطـريقةٍ تـنبضُ بالحياةِ وكأنه يمتلكُ خطاً هاتـفياً خاصاً ومباشـراً مع الله . فيثيـرُ الخوفَ والذعـرَعند المصليـن . وفي نهايةِ موعظتِه يمنحُهم طمأنينةَ الخلاص . لـــــكــــــنـَّـه يحـرصُ بالتأكيدِ على أن يكونَ الخلاصُ ضمـنَ فيـروسِ ديـنه .
تستعمـلُ معظمُ فيـروساتِ الأديانِ الأخـرى سواءً كانت إسلاميةً أم مورمونيةً أم معمدانيةً أم كاثوليكيةَ الصيغةَ نفسَها .
تـتمكـنُ الفيـروساتُ البـيولوجيةُ والطفيلياتُ ــ كما ذكـرنا سابقاً ــ مـن تحويـرِ بـرمجةِ دماغِ مضيّفِِها فـتوجِّهُ سلوكَه نحو منـفعةِ الفيـروس . كذلك فيـروساتِ الأديانِ فهي أيضاً تمتلكُ إمكانياتٍ مماثلة . إذ مهما كانت سماتُ شخصيةِ المـرءِ المصابِ فالفيـروس يهيِئُ عقـلَ مضيِّفِه بتـرتيـباتٍ كي يكونَ مكاناً ودِّياُ ومـريحاً للديـنِ المعيَّـن . فيعـززُ الأفكارَ والسلوكاتِ الداعـمةَ لـذلك الديـنِ ويغـلقُ في الوقتِ نفسِه كـلَّ مكامـنِ التهديداتِ له . فيـتكونُ عند المضيِّفِ سلوكاً روتينياً يتضمـنُ ممارساتٍ طقوسٍ معينةٍ وتـراتيـلَ وقـراءاتٍ دينيةٍ وصلواتٍ وإنصاتاتٍ الى موسيقى دينيةٍ وحـركاتٍ جسميةٍ كـركوعِ أثـناءَ الصلاةِ وغيـرَها . يستـنبتُ هذا الـروتيـنُ شعوراً حسناً عند المضيِّفِ المصابِ ويخلقُ موقعاً آمناً للفيـروس .
كي نفهمَ هذه الأمورَ بصورةٍ أفضـلَ لنـتصورَ أن يطلبَ أحدُنا :
* مـن كاثوليكيٍ تلاوةَ صلاتِه على الطـريقةِ الإسلاميةِ فوق سجادَّةٍ وجبـينَه ملامسٌ الأرضَ وبإتجاهِ قبلةِ الكعبة .
* مـن مسلمٍ تلاوةَ الصلاةِ الـربانيةَ " أبانا الذي …" وهو راكعٌ أمامَ صليب .
َ * مـن معمدانيٍ رسمَ إشارةِ الصليبِ على صد رِه عند دخولِه الكنيسة .
* مـن أنجيـليٍ الصلاةَ وهو يقـرعُ حائطَ المبكى بجـبـينِه .
* مـن يهوديٍ الطوافَ حول الكعبةِ وتـقبـيـلَ الحجـرِ الأسود .
ويمكـن إذا شـئـنا الإستمـرارَ في إعطاءِ مـزيدٍ مـن أمثلةٍ مشابهة . إن النقطةَ التي نحاولُ توضيحَها هي أن كلاً مـن تلك الطقوسِ قد صُمِمَ لدعمِ فيـروسٍ معيـن . مـن المـرَّجح أن يـرفضَ بعضُ إولئك الناسُ تـنـفـيذَ هذه الطلبات . ومـن المؤكدِ لـن يكونَ أيٌّ مـنهم مـرتاحاً إذا نـفَّـذها فعلاً لسببٍ بديهيٍ هو أن دياناتِهم لا تستعمـلُ تلك الطقوس .

❊ تَـفـهـمٌ وتـعـايـشٌ مـع فـيـروسِ الـديـن ❊ *32*

في أغلبَ الأحيانِ عندما نخـتـلفُ في الـرأيِ مع شخصٍ ما ، تـنحو أساليبُ نـقاشاتِنا نحو محاولةِ تحويـلِ رأيِ الشخصِ الآخـرِ الى إتجاهِ أفكارِنا . هذا لا بأسَ به ما دامَ موضوعُ الـنقاشِ في منآىً عـن الأُمورِ العقائـدية والدينية . لكـن عندما يمسُّ موضوعُ الخلافِ الديـنَ فينبغي الإنـتباهَ وأخذَ الحيطةِ والحذر . إذ يلقى أُسلوبُ محاولةِ التحويـلِ المتبادلِ ردودَ مقاومةٍ عنيفةٍ مـن كلا الطـرفيـن . ففي الوقتِ الذي يندفعُ الشخصُ اللادينيُ بحماسٍ الى محأولةِ إقناعِ زميلِه المؤمـنِ بأن معتـقـداتِه ليست سوى مجـرّدََ مجموعةَ خـرافات ، فالشخصُ الآخـر بدورِه لا يستطيعُ سوى الإستجابةَ الى إيعازاتِ فيـروسِه الجاثمِ على تفكيـرِه بالدفاعِ عنه فيحاولُ إقـناعَـكَ بـرصانةِ ومتانةِ إعتـقـاداتِه .
مـن شبهِ المؤكدِ أنكَ أجـريتَ نـقـاشاً حاداً مع مؤمنيـنَ أصدقاءٍ أو مقـربـيـن اليكَ، وحاولتَ فيه البـرهنةَ على سذاجةِ آرائـهم الدينية . وليس مـن المستبعدِ أن عانتْ علاقاتُك بهم على أثـرِ نـقـاشِكَ معاناةً متسمةً بشيءٍ مـن التوتـر . ومـن المحتمـلِ أنكَ أيضاً ساهمتَ بأساليـبِـكَ النـقـاشيةِ والـتـناقشيةِ في تـفاقمِ شدةِ التوتـرات .
ما الفائدةُ الممكـنُ أن تُـجنى مـن أمثالِ تلك الطـرائـق التـنـقـاشية ؟ أتعـززتْ علاقاتُـكَ مع الشخصِ الآخـر ؟ أتحوًّلَ عـن معتـقـداتِه ؟ مـن المـرجَّحِ أن يكونَ الجوابُ عـن السؤاليـنِ بالنـفي . إنه سلوكٌ يفضَّـلُ تجنبُه قدرَ الإمكان . فسلوكُـكَ أنت إمَّا إن يكونَ مدفوعاً بغــرورٍ ذاتيٍ يُعـزى الى إعتـقـادِكَ بسلطويةِ علاقاتِـكَ على الشخصِ الآخـر، وإمّا أن يكمـنَ فيكَ شعورٌ باطنيٌ بإهتـزازٍ في معتـقـداتِـكَ أنتَ بالذات.
ينبغي أن تـتـذكـرَ بإستمـرارٍ أن فيـروسَ الديـنِ عندما ينـفَذُ الى عقليةِ شخصٍ ما فإنه يستحوذُ على تفكيـرِه إستحواذاً تاما . إذ يخشى الفيـروسُ ــ وهو كعفـريتٍ يـركبُ ذلك الشخصَ ــ مـن فـقـدانِ السيادةِ المطلقةِ على عقـلِ الشخصِ المصابِ فلا يتيحُ له التـفكيـرَ المنطقيَ السليم . ويحاولُ في أغلبَ الأحوالِ أن يُبْقيَ صاحبَه على الأُسلوبِ الهجوميِ في مناقـشاتِه للمواضيعِ الدينية . كـنْ على ثقةٍ أنه سوف لـن يتحولَ بالنـقـاشِ أحدٌ عـن رأيِه ومعتـقـداتِه. وبناءً عليه فمـن المفضَّـلِ أن تضعَ حدوداً للنـقـاشِ وأن تجعـلَ مـن أولوياتِـك الحفاظَ على علاقا تٍ طيـبةٍ مع أقاربِـك وأصدقائِـك .
ويجب أن لا تـنسى أيضاً بإن المصابـيـنَ بفيـروسِ الديـنِ لا يـرونَ ولا يسمعونَ إلا ما يسمحُ به فيـروسُهم مـن رؤيتِه وسماعِه . كما أنهم ليسوا قادريـنَ على تفهُمِ مشاعـرَ وأحاسيسَ آخـريـنَ مصابيـنَ مثلِهم بفيـروسِ دينيٍ آخـر . إذ لو إستطاعوا التـفـكيـرَ والتأمـلَ بها لتمكنوا مـن التخلصِ مـن هيمنِةِ فيـروسِهم عليهم . وليس بغــريبٍ أنهم غيـرُ واعيـنَ أيضاً الى مقدارِ التـشابهِ في الغيـبـيات التي يؤمنونَ بها والأحاسيسِ التي يحسِّون بها مع مثيلاتِها التي يؤمـنُ بها آخـرونَ متدينون بأديانٍ أُخـرى .
إذا لم تكـنْ الهدايةُ أولويةَ الهدف مـن تـناقـشاتِك مع شخصٍ مؤمـنٍ فينبغي العمـلُ على إبقاءِ الودِّ وصيانةِ علاقاتِك معه (أو معها) . إذن فـليكـنْ نقاشُك متسماً بإحتـرامِ الآخـر . أما إذا كان الـهدفُ الـهدايةَ فـتوقعاتُـك تـكادُ دوماً أن تُـصابَ بخيـبةِ أمـلٍ كبـيـرة . عليك الإدراكُ أن المؤمنيـنَ واقعونَ في شَـرَكٍ نصبوه هم لأنفسِهم . لذلك لا تٌجدي العظاتُ والمحاضـراتُ والجدالاتُ والإنـتـقـاداتُ نفعاً. إذ يحاكي حالُهم الى حدٍ ما حالَ المدمنيـنَ على الكحول . مـن المعلومِ أن العظاتِ العنيفةِ لـن تساعدَ المدمنيـن على التوقـفِ عـن الشـرب . بـل بالعكسِ تـزعجُهم وتغضبُهم الجدالاتُ المباشـرة . ولـنْ يؤدَّيَ إنـتـقـادُ موضوعِ الإدمانِ ــ إلا ما ندرَــ الى نـتيجةٍ سوى الى دفـعِ المدمـنِ نحـو إدمانٍ أشدّ . عندما تـتـناقـشُ مع مؤمنيـنَ دعْهم يتكلمونَ اليكَ عـن إيمانِهم وأصغِ اليهم بتعاطفٍ وإنـفـتاح . ولا تجادلْهم بمواضيعَ تمسُّ إيمانَهم إذ أنهم ليسوا بقادريـنَ على مساءلةِ فيـروسِهم مثلما ليس بمقدورِ المدمـنِ على مساءلةِ قنينةَ الخمـر . وتجنَّبْ في الوقتِ نفسِه الإنـفـتـاحَ الـفكـريَ أكـثـرَ مما ينبغي بحيث تدعُهم يتصورون أنهم يحولونَكَ الى معتـقداتِهم ، إذ أن مثـلَ هذا التصـرفِ غيـرُ ملائـمٍ وينطوي على تضليـل . تجاوبْ معهم دون إصدارِ أحكامٍ مـن عندكَ . وإذا غضبوا إنصتْ الى غضبِهم لكـن لا تنجـرْ اليه . ويجبُ أن لا تـنسى أن لا مكانَ للملاحظاتِ الساخـرةِ والتهكميةِ في هذه النقاشات . تذكـرْ أن لا مصلحةَ لكَ في العمـلِ على إهتدائِهم الى أيِ جهةٍ كانت . هم المصابون بالفيـروس، وهم وحدُهم فقط القادرون على القضاءِ عليه . وأعلمْ أن أيَّ بادرةِ سلوكٍ تصدرُ مـن جانبِـك لتحويلِهم عـن معتـقـداتِهم سوف تبدو حتماً أنها مناورةُ تستدعي رداً فيـروسياً عنيفاً. ولعـلَ أسوأَ ما يمكـنُكَ القيامُ به أثـناءَ حديثِـكَ مع مؤمنيـن أن تُـلَـمِّـحَ لهم بأنهم مصابونَ بفيـروسِ الديـن .
عند الحديثِ مع شخصٍ مؤمـنٍ حاولْ تجاهُـلَ تلك الأجـزاءَ المتعلقةَ بما يدورُ مـن أُمورٍ دينيةٍ بأُسلوبٍ لبق . عندئذٍ ستـتحاشى المواجهةَ المباشـرةَ مع " الفيـروس" . كما يساعدُكَ التجاهـلُ على البقاءِ في منآىً مـن نـقاشاتِ ومحادثاتٍ بغيضة . ويجعـلُ ــ في الوقتِ نفسِه ــ الشخصَ الذي تـتحدثُ اليه يشعـرُ أنكَ حقاً مصغٍ اليه. وهكذا يمكْنُـكَ أن تُـظْهِـرَ إهتمامَك بالشخصِ دونَ إثارةِ الفيـروس المهيمـنِ عليه .
واليكَ أمثلةُ توضيحيةٌ على ذلك:
إذا قـالَ أحدُهـم إن فلاناً قد نجى بمعـجـزةٍ إلاهـية في سقوطِ طائـرةٍ، فلا تقعْ في شـركِ الإغـراءِ الـمنطقيِ بالـتساؤلِ : " لماذا لم يُـنجِ إلهُاك الـركابَ الباقيـنَ بمعجـزةٍ أيضاً ؟ ". فـيثارُعلى أثـرِه نقاشٌ ثيولوجيٌ لا جدوى منه. ليكـن تعليقُـكَ مثلاً بالقولِ: " لابد أن عائلتَه سعيدةٌ جداً. أتـعلمْ عددَ الناجـيـن؟ " وإذا أبـلغَكَ مثلاً أن الـمطـرانَ قد كـلَّفَه بِجمعِ تبـرعاتٍ لبناءِ كنيسةٍ جديدةٍ فليكـنْ تعليقُـكَ على شاكلةِ : " أنتَ ذو شهـرةٍ واسعةٍ في قدرتِك البارعةِ في جمعِ التبـرعاتِ، إني ما زلتُ أذكـرُ أنكَ في السنةِ الماضيةِ إستطعتَ جمعَ تبـرعاتٍ للمشـروعِ الفلاني الخيـري بمقدارِ كذا ألفِ دولار خلالَ فتـرةِ يوميـن فـقـط " . بـدلاً مـن قـولِـكَ العقلاني : " لماذا كنيسة ؟ ألسنا بحاجةٍ الى مدرسة؟ " *33*

❊ رحــلــةُ حــيــاةٍ مــن دون فــيــروسِ ديــنٍ ❊

يصعبُ على معظمِ المؤمنيـيـنَ تصورَ حياةٍ خاليةٍ مـن فيـروسِ الديـن . لذلك يحتاجُ الإنسانُ اللادينيُ الى شجاعةٍ ليعلـنَ على المـلإ قائلاَ:
" إني قد خُـدِعـتُ بالديـنِ طوالَ حياتي . وقـراري نتاجٌ تـفكـيـرٍ منطقيٍ وتأملٍ عـقلاني " .
إن في إعلانِ المـرءِ عـن إلحادِه يشكِّـلُ تحدياً لجميع فيـروسات الأديان على الإطلاق . لا يقـفُ مَنْ يعلـنُ إلحادَه بمفـردِه . إذ تـشيـرُ الإحصائـياتُ الـراهنةُ الى أن اللادينيـيـنََ يشكَّـلـونَ قـرابـةَ 15٪ مـن سكَّانِِ العالَـمِ وحوالي 7٪ مـن عددِ نفـوسِ الولاياتِ المتحدةِ، ويكوِّنونَ نسبةً عاليةً مـن القادةِ العالميـيـنَ للفكـر .
نشأ معظمُ اللادينيـيـنَ ــ إن لم يكـنْ جميعُهم ــ في عالَمٍ يهيمـنُ عليه الديـن . فمـن غيـرِ المتوقعِ أبداً زوالُ كـلِّ ما لُقـِّنَ به شخصٌ بمجـرَّدِ إقـرارِه بالإلحادِ وبأن الديـنَ ما هو إلا وسيلةُ تلاعبٍ بالعقولِ وعلى قدرٍ كبـيـرٍ مـن الإيذاءٍ للجنسِ البشـري . ولهذا فعيشٌ حياةٍ خاليةٍ مـن فيـروسِ الديـنِ هو أقـربُ أن يكون رحلةَ حياةٍ مـن أن يكونَ هدفاً مقصوداً ينـتهي العمـلُ بمجـرَّدِ الوصولِ اليه . إذ غالباً ما زالَ اللادينيون يحملرنَ رواسبَ آراءٍ وأفكارٍ وعقائـدَ بُـرمجتْ فيهم عند نشأتِهم . يستـغـلُ فيـروسُ الديـنِ الإحتياجاتِ العاطفيةِ الطبـيعيةِ مثـل الطمأنينةِ والإنتماءِ كقـنواتٍ للإصابة ، ولهذا يُشكِّـلُ العمـلُ المستمـرُ على إكتـشافِ تلك الــرواسب وعلى تـغـيـرِها جـزءاً مهماً مـن الـرحلة . كما أن إدراكَ الوسائـلِ التي يستعملُها الفيـروسُ يساعدُهم على إلإنعتاقِ مـن التأثيـراتِ العميقةِ للتلقيـنِ الدينيِ الذي تلقَـوه أثناءَ سنيِّ العمـرِ المبكـرة .
يميـلُ المتدينونَ الى التصورِ أنهم يفهمونَ الأمورَ بوضوحٍ أكثـرَ مما يفهمُه اللادينيون . ويـبدو أن المتـدينونَ يشاهدونَ ويشعـرونَ بأشياءَ متـنوعةٍ لا يشاهدُها الآخـرونَ ، فيتخيلونَ أنهم يشعـرونَ بقوةِ اللهِ في دواخلِهم وأنهم يـرونَ يدَه تصنعُ المعجـزات .
الشيءُ الـرئيسيُ الذي يميِّـزُ اللادينيـيـنَ عـن غيـرِهم هو أنهم ليسوا مصابيـنَ بفيـروسِ الديـن . لكـن مـن المـرجَّحِ أنهم يمتلكونَ قابليةَ ملاحظةِ دولباتِ الديـنِ وما فيه مـن تـناقـضات . مما قد تؤدِّي الى نـزعةِ عدمَ تحمُّـلِ عندَ كثيـرٍ مـن اللادينيـيـنَ لمعتـقـداتِ المؤمنيـنَ وسلوكِهم . ويصعبُ على الإنسانِ الملحدِ أحياناً تمالكَ أعصابِه والبقاءَ ساكتاً .
لكـن النـقـاشَ مع مؤمنيـنَ أو إلفاتَ أنظارِهم الى سذاجةِ آرائـِهم والتـناقـضات فيها لا يخلقُ عندهم سوى مواقـفَ دفاعية . وعندما يكونُ أمـرؤٌ في موقـفٍ دفاعيٍ يتعطـلُ عنده الحوارُ الهادئ . والناسُ بصورةٍ عامةٍ لا يتعـلمونَ شيئاً ولا تـتـبدلُ آراؤهم عندما يكونونَ في مثـلِ تلك المواقفِ لأنهم لا يتمكنونَ مـن الإنصات .
إذن خـلـقُ مواقـفَ دفاعيةٍ عند مؤمنيـنَ عند نقاشٍ معهم لا يساعدُ على خدمةِ القضايا العقلانية . ومـن الملاحظِ أنه إذا وُضعَ المصابونَ في مواقـفَ دفاعيةِ فإنهم يـزدادونَ تـخـنـدقاً في دفاعاتِهم . إذن مـن المفيدِ والمهمِ جداً بالنسبةِ الى الإنسانِ اللاديني أن :
* يكتـشفَ ويتعـرفَ بنفسِه هو على أساليبِ دفاعاتِه الشخصية مثلاً : ما هي أزرارُ الضغطِ المثيـرةُ لأعصابِه ؟ وما هي الأمورُ المثيـرةُ لغضبِه أو التي تحـرفُه عـن التصـرفِ العقلاني ؟ ماذا يُـسيِّـرُ سلوكَه الذاتيَ بالحقِ والعدل ؟
* يدركَ تمامَ الإدراكِ أنه لـن يُـقضى على الأديانِ في أيِّ زمـنٍ منظور .
* يتعلمَ طرائقَ التواصـلِ بكفاءةٍ مع المصابـيـنَ مـن دونِ إثارةِ دوافعِهم الدفاعيةِ والتـخـنـدقية .
* يحاولَ ــ عند نـقاشِه مع مؤمنيـنَ ــ خلقَ جوٍ مـن الثـقـة والإنـفـتـاحِ وأن يتذكـرَ دائماً أن ليس في مقدورِ المصابيـنَ فهْمَ أو الإحساسَ بإصابتهم لأن الفيـروسَ قد أفـقـدَهم رؤيةَ كـلِّ ما يهددُ وجودَه .
* يحافظَ عند النقاش على هـدوئِه وأن يـرَّكـزَ على إستجاباتِ الشخصِ الآخـرَ ويتجنبَ التحدياتِ التي تخلقُ مواقـفَ دفاعية . أما محاولةُ إقناعِ الشخصَ المقابـلَ بأنه مصابٌ فيكادُ أن يكونَ مـن المؤكَّـدِ أن يكونَ لها تأثيـرٌ مضادُ ومعاكس .
**
اللادينيون ــ على عكسِ كثيـرٍ مـن المؤمنيـن ــ لا شأنَ لهم في محاولةِ هدايةِ أيِّ إنسانٍ الى أيِّ شيء . إذ ليس هم بمبشـريـنَ ، لكنهم فقط ناسٌ يسعونَ الى عيشِ حياةٍ خاليةٍ مـن الفيـروسات ويهتمونَ بتعـريفِ الآخـريـنَ على أنفسِهم وبمواقـفِهم المبدئيةِ في تأيـيـدِ ومناصـرةِ النظـرةَ العقلانيةَ نحو العالَم .
لعـلَ أثمـنَ هديةٍ يمكـنُهم تـقديمَها للأجيالِ القادمةِ وللعالَمِ هي عيشُ حياتِهم بصدقٍ وأمانةٍ مع أنفسِهم كي يُقـتـدى بهم ، الأمـرُ الذي قد يتيحُ للمؤمنيـن فـرصةً لتفهُّم ِمواقـفِ اللادينيـيـن ولـرؤيةِ اللاإيـمانِ كخيارٍ لحياةٍ قابلةٍ للديمومةِ والبقاء .

❊ الـعِــلْــمُ و فــيـروسُ الـدِيـن ❊

يَدَّعي كثيـرٌ مـن الأُصوليـيـنَ أن المعتـقـداتِ العلميةَ ليست بأفضـلَ مـن المعتـقـداتِ الدينيةِ ويهدفون مـن وراءِ إدعائهمِ وجوبَ وضعِ الديـن على قدمِ المساواةِ مع العلمِ. وبناءً على هذا الإدعاءِ يسعى دعاةُ " التصميم الذكي" *34* بجهدٍ ومثابـرةٍ الى شقِّ طـريقٍ للإقـرارِ والإعـتـرافِ بنظـرةٍ دينيةٍ عـن الكونِ مستخدميـنَ مصطلحاتٍ وحـجـجٍ شبهِ عـلمية .
مـن أهمَّ أولوياتِ إهتماماتِ فيـروسِ الديـن ــ كما ذكـرنا سابقاً ــ هو الإنـتـشار . فهو يصيبُ دماغَ شخصٍ وينـتـقــلُ مـن الأبِ أو الأُمِ الى الطفـلِ ومـن الناقـلِ الى المضيِّـفِ دون أن يُخضَعَ الى مـرجعٍ في الواقعٍ الموضوعي . فمثلاً إذا أبلغـتْـك إبنـتُك أنها حُبلى مـن ملاكٍ وأنها لا تـزالُ عذراءَ فمـن دون أيِّ شكٍ أنك ستطالبُها بأدلةٍ دامغةٍ قبـل التـفكيـر بأن تُصدِّقَها . لكـن إذا إنبثـقَتْ مثـلُ هذه الحكايةِ مـن فيـروسِ ديـنٍ فتُصَدَّقُ حالاً دون مطالبةٍ بإثباتٍ ولا بأخضاعٍ الى أيِّ منطق .
صحيحٌ أن الآراءَ العلميةَ تصيبُ العقولَ البشـريةَ مثلما تُصيـبُها الآراءُ الدينية ، لكـن توجدُ فـروقٌ شاسعةٌ تميـزُهما . ينبغى أن يتوافـرَ شـرطانِ في رأيٍ ما كي يمكـنَ وصْـفُه بأنه علمي . أولُهما يجبُ أن يكونَ قابلاً للدحض *35*. وثانيهُما أنه قد أُخضِعَ الى إخـتبارٍ بتجاربَ قابلةٍ للإعادة ، مما يـربطُ الـرأيَ بالواقعِ الموضوعي . وبعد إجتيازِه هذا الإختبار يُقالُ إنه عُـزِّزَ مخـتبـرياً فـيـنـشـرُ في دورياتٍ علميةٍ مُحَكَّمةٍ مـن قِبَل علميـيـنَ معـروفيـنَ كي يطلَّعَ عليها الوسطُ العلميُ ويستطيعُ كـلُّ مَـنْ يـرغبُ مـن العلميـيـنَ إعادةَ التجاربَ نفسَها أو تحويـراتٍ منها لإستحداثِ صلاتٍ أقوى مع الواقع . إذن تـتطلبُ ديمومةُ وإنـتـشارُ الآراءِ العلميةِ وجودَ روابطٍ متعددةٍ تشدُّها مع الواقعِ بوسائـلَ ممكـنُ توضيحُها موضوعياً لمجتمعِ العلميـيـنَ الواسع .
إضافةً الى هذا هنالك آليةٌ في صميمِ العلْمِ لمعالجةِ الأخطاءِ التي قد يقعُ فيها . لا يمكـنُ بفضـلِها لـرأيٍ علميٍ إستدامةَ بقائِه طويلاً إذا تعذَّرَ إختبارُه أو تكـررَ فشـلُه في إجتيازِها . مثلاً لا يناقشُ اليومَ أحدٌ (سوى المهتمون بتاريخِ العلومِ ) نظـريةَ الأخلاطِ الأربعةِ لأبقـراط ، ولا نظـريةَ الأثيـرِ التي كانت سائدةً في نهايةِ القـرنِ التاسعِ عشـر وبدايةِ القـرنِ العشـريـن ، وغيـرَهما مـن نظـرياتٍ لم تستطعْ إجتيازَ مما أُسستُحدِثَ مـن إختباراتٍ تجـريـبـيةٍمعاصـرةٍ فأُهمِـلتْ . لكـن مـن الجهةِ الأُخـرى لا يحوي فيـروسُ الديـنِ وسيلةً عمادُها مبدأ الإستـنادِ على الواقعِ والإحتكامِ اليه هدفُها السيطـرةُ على الأخطاءِ وثم محاولةُ إزالتِها .
يتبـيـنُ مـن خلالِ مجـرَّدِ إطلاعٍ بسيطٍ على تاريخِ الأديانِ أن الإجاباتِ المعاصـرةِ عـن مشاكـلِ الديـنِ ليست بأحسـنَ مـن إجاباتِ مثيلاتِها في أزمنةِ القـرنِ السادسِ قبـلَ الميلاد . فما زال الناسُ الى الآنَ لا يستطيعونَ التـقـريـرَ أيَّ إلهٍ هو الإلهُ الصحيحُ، وأيَّ بابا هوالمـرشدُ الحقيقيُ للكنيسة ، وأيَّ كتابٍ هو الكتابُ المقدَّسُ الحقيقي ، وأيَّ عقيدةٍ هي الـعقيدةُ الحقيقية . لكـن مـن الجهةِ الثانيةِ يستطيعُ معظمُ الناسِ في كـلِّ أنحاءِ العالَمِ الإقـرارَ بدورانِ الأرضِ حولَ الشمسِ ويأن الجـراثيمَ والفيـروساتَ تسببُ معظمَ الأمـراضِ وبأن الميكانيكيَ يحسِـنُ العمـلَ على تصليحِ سيارتِك أفضـلَ بكثيـرٍ مـن إعتمادِك في تصليحِها على الصلوات . بعبارةٍ أُخـرى ، أن تقدُّمَ العلومِ واضحٌ وضوحاً تاماً لا يحتاجُ الى تأكيد ، في حيـن لا وجودَ لأيِ تقدمٍ في الديـن . هـل أن فيـروسَ اللوثـريةِ أفضـلَ مـن فيـروسِ الكاثوليكيةِ ؟ هـل أن المسيحيَ القبطيَ أحسـنُ مـن السنّيِِ المسلم ؟
كـلُ ديـنٍ يدَّعي بـيقيـنٍ ثابتٍ أنه أرفعُ منـزلةً مـن جميعِ الأديان الأُخـرى لكـنه لا يقدِّمُ مطلقاً أيَّ دليـلٍ موضوعيٍ يدعمُ إدعاءَه .
في الحقيقةِ أنه لو توافـرتْ في صميمِ ديـنٍ ما آليةٌ مستـندةً على الإحتكامِ الى الواقعِ لإصلاح أخطائِه لآلَ ذلك الديـنُ الى زوالٍ سـريع . وبالعكس يغدو العلمُ أكثـرَ قوةً وفائدةً عند تصليح الأخطاء فيه ، فكلما إكتشفنا أخطاءً أكثـرَ نكونُ أكثـرَ قدرة ًعلى وضعِ فـرضياتٍ أعمقَ وعلى إختبارِ آراءٍ جديدة .
نجدُ الديـنَ ــ عند كـلِ إنعطافةٍ تاريخيةٍ خلالَ الـ 500 سنةِ الأخيـرة ــ متـراجعاً أمامَ العلمِ. ولهذا بدأتْ بعضُ الفيـروساتِ الدينيةِ تحسُّ بوطأةِ تلك التـراجعاتِ، فأخذتْ تـحـاولُ إسـتعـارةَ مـسمـياتِ ومـصطـلحاتِ العِلْم (لكـن ليس أساليب الطـريقةِ العلميةِ ) فـي وصـفِ نـفـسها. مـثلاً العـلمولوجيا ( Scientology ) *36* وكذلك الحـركةُ المناصـرةُ لـِ" التصميم الذكي" المولعةَُبإستعمالِ لغةٍ علميةٍ كي يـبـررَ أتباعُها رأيَهم بوجودِ يدٍ خفيةٍ توجِّهُ تطورَ الإنسان . عجبا ، كيف يمكـنُ إخضاعَ فكـرةِ " يدٍ خفيةٍ " الى إخـتبار ؟
عارضتْ معظمُ فيـروساتِ الأديانِ ــ بدرجاتٍ متـفاوتةٍ ــ العِـلْمَ بوسائـلَ مختلفةٍ بدءاً مـن حـرقِ كتبٍ علميةٍ وحظـرٍ عليها والى حظـرِعلى علميـيـن وحـرقِهم ، وقد إعتبـرتْ الكنيسةُ في أغلبِ الأوقاتِ العِلْمَ تهديداً لها . إذ وُضِعَ غاليليو وهو شيخٌ في أواخـرِ عمـرِه تحت الإقامةِ الإجـباريةِ بسببِ إدعاءاتِه العلميةِ التي مـن بـينِها وجودُ أقمارٍ تدورُ حولَ كوكبِ المشتـري ، ولم تعتذرْ الكنيسةُ الكاثوليكيةُ إلا بعد مضيِ 395 سنةً مـن إدانـتِه ، كما منعتْ الكنيسةُ كتابَ كوپـرنيكس بسببِ تأكيدِه أن الشمسَ مـركـزُ المنظومةِ الشمسيةِ وليست الأرضُ، وشوهًّتْ الكنيسةُ الأنگليكانيةُ سمعةَ دارون في نهاياتِ القـرنِ التاسعِ عشـر ولم تعتذرْ رسمياً إلا سنةَ 2008 . وحتى في هذه الأيامِ يديـنُ مـن فوقِ المنابـرِ كثيـرٌ مـن الوعَّاظِ الپـروتستانت نظـريةً التطورِ ومعظمُهم لا يبدو أنهم قـرؤوا شارلس دارون .
قاومتْ فيـروساتُ الديـنِ عبـرَ العصورِ ولا تـزالُ تقاومُ التطوراتِ في العلومِ الطبـيةِ والحياتيةِ والفلكِ والجيولوجيا والوراثةِ والتطورِ وغيـرِها .
لماذا ؟ لعـلَ السببَ الخوفُ والتخويف .
في الحقيقةِ أن التخويفَ إستـراتيجيةٌ أساسيةٌ تعتمدُها معظمُ الأديان . فـقـد إعتـقـدَ معظمُ المتدينيـنَ خلالَ أغلبِ الأزمنةِ التاريخيةِ المنصـرمةِ ( والحاليةِ الى حدٍّ ما ) بدرجاتٍ متـفاوتةٍ أن سببَ الإصابةِ بمـرضٍ هو نتيجةُ عقابٍ مُـنـزَلٍ مـن اللِه لخطيئةٍ أُقـتـرفتْ أو نـتيجةُ عمـلِ الشيطان . فيجبُ ــ حسبَ هذا الإعتـقـاد ــ إستـرضاءَ الآلهةِ بدفعِ أموالٍ الى رجالِ الديـنِ والمؤسـساتِ الديـنيةِ للصلاةِ مـن أجـلِ تجنُبِ المـرضِ أو الشفاءِ منه . هكذا إستطاعَ الفيـروسُ إستحداثَ حلقةٍ مغلقةٍ تـربطُ الديـنَ بالخطيئةِ والخطيئةُ بالمـرضِ والمـرضُ بالديـن .
لكـن عندما إكـتـشفَ العلماءُ أن الـمسبـباتِ الـحـقـيقـيةَ للأمراضِ هي الجـراثيمُ والفيـروساتُ والطفيلياتُ والمخاطـرُ البـيـئـيةُ وليـستْ عـقوباتٍ تـنـزلُها الآلهةُ، أخـذتْ تـضعـفُ تلك الحـلقـةَُ المغلقةُ " الديـنُ ـ الخطيئةُ- المـرضُ - الديـن" التخويفية . فبدأ الناسُ تدريجـياً بِتعلُّمِ وسائـلَ التحفـظِ مـن الإصابةِ بالجـراثيمِ والفيـروساتِ عوضاً عـن التخوفِ مـن عقابِ الله . وتعوَّدَ الناسُ على غسـلِ أياديهم عوضاً عـن الإعتمادِ على الصلاةِ، وعلى شـراءِ الأدويةِ ودفعِ أُجورِ الطبـيبِ بدلاًمـن الدفعِ الى الكاهـن . هكذا يجدُ فيـروسُ الديـنِ العِـلْمَ تهديداً كبيـراً لوجودِه .
أما في هذه الأيامِ فأصبحَ أكثـرُ الناسِ إيغالاً في التديـنِ يـراجعونَ الإطباءَ ويشتـرونَ الأدويةَ ولكنهم يعولِّونَ في الوقتِ نفسِه على الصلاة .

❊ مــســتــقــبــلُ وهْــمٍ ❊

أحاطَنا فـرويد سنةَ 1927 بدراستِه التحليليةِ عـن الديـنِ بفهمِ الوظائـفِ الثلاث التي يخدمُها الديـن . فهو أولاً يقدِّمُ للبشـريةِ الحاجاتِ شبهَ الطفوليةِ مـن عنايةٍ وإهتمامٍ أبويٍ. وثانياً يفسِّـرُ المخاوفَ الناتجةَ مـن الطبـيعةِ والمجتمعِ ويَعِـدُ بمكافأةٍ للتعاونِ بأسلوبٍ مدني . وثالثاً يزوِّدُ المـرءَ تـفسيـراً للأجـلِ المحتَّـمِ ومواساةً بخلودٍ أبدي .
خدمَ الديـنُ في الأزمنةِ الماضيةِ الوظيفـتيـنِ الاوليتيـنِ في مجتمعاتٍ كان أغلبُ سكَّانِها أمييـن . فساعدتْ فيـروساتُ الديـنِ الـزعماءَ السياسيـيـنَ على الإحتـفاظِ بسيطـرتِهم على الشعوبِ وعلى منعِها مـن التمـرُّدِ والإنـتـفاض . كما أن الوعودَ بمكافآتٍ في الحياةِ الآخـرةِ وتهديداتٍ بالعقابِ فيها أرضختْ ملايـيـنَ البشـرِ تحت مظالمِ الملوكِ والباباواتِ والحكـَّامِ المستبديـن . ولعـلَ مقولةَ كارل ماركس المشهورةَ
" إن الـديـنَ أفـيـونُ الـشـعـوبِ"
جاءتْ بهذا المعنى .
أما بالنسبةِ الى الوظيفةِ الثالثةِ فـقـد آنَ الأوانُ كي نـتـخلى عـن أُمورِ الطفولةِ لأننا راشدونَ ونعيشُ في مجتمعٍ متعلِّمٍ ومتطورٍعلمياً ذي إمكانياتٍ متوافـرةٍ لطمأنةِ أنفسِنا وتهدِئَـتِها بحقيقةِ حتميةِ الموتِ دونَ اللجوءِ الى غيـبـياتِ حياةٍ أخـرى بعد الممات . لنـنـصتَ الى صدى قولِ بولص الـرسول في (كورنـثـوس الأول 11،13):
" لما كنتُ طفلاً، كـطفـلٍ كنتُ أتكلم، وكـطفـلٍ كـنتُ أُدرِك،
وكطفـلٍ كنتُ أُفكِّـر ولما صـرتُ رجلاً، تـركتُ ما هو للطفل."
يستعيـنُ العاملونَ في الأوساطِ الديـنيةِ بحقيقةِ وجودِ إشـتيا قٍ ساذجٍ عند البشـرِ الى الإستـثـناءِ مـن الأجـلِ المحتَّـمِ فيستـزرعـونَ في عقليا تِ الناسِ أوهامَ حياةٍ أزليةٍ وهي أوهامٌ تعيقُ العيشَ المكتمـلَ في هذه الحياة . في الواقعِ أن إمتلاكَنا غـريـزةً فطـريةً لتـفادي الموتَ أمـرٌ مقبولٌ ومعقولٌ جداً . لكـن الخوفَ اللاعقلانيَ مـن الموتِ يؤدِّي بملايـيـنَ البشـرِ الى إضاعةِ جهودٍ كبيـرةٍ سعياً وراءَ حياةٍ أزليةٍ التي حتى كتبُهم الدينيةُ تبـيـنُ أنها غيـرُ مؤكدة .
تدَّعي كـلُّ الأديانِ التـنـبؤيةِ بأن هنالك يومٌ ما في المستـقبـلِ سيكونُ يومَ المجيءِ الثاني لإلهٍ مخَلِّصٍ ليحاسبَ جميعَ البشـر . هذه الإدعاءاتُ تُدخِـلُ رعباً مطلقاً في قلوبِ وعقولِ كثيـرٍ مـن البشـرِ وتـبـقـيـِهم حبـيسي الأفكارِ الدينية .
أما اللادينيونُ فقد شطبوا مـن تصوراتِهم مجـيـئـاً ثانياً للمسيحَ أو لغيـرِه . في الحقيقةِ يـزودُنا التاريخُ العالميُ بقصصٍ كثيـرةٍ عـن مخلِّصيـنَ صُلِبوا ، كان بعضُهم مَـنْ وُلِدَ مـن عذراء ، وبعضُهم مَـنْ نُسبَ الى نسبٍ ملكيٍ لكنه وضِيعُ المَوْلد ، وبعضُهم مَـنْ بُعِثَ حياً بعد موتِه ، وطار آخـرون الى السماء . وكـلٌ منهم قد إدَّعى أنه سيعودُ يوماً لكـن لم يعُـد أيٍّ منهم الى يومِنا هذا .
أصبحتْ هذه الوسيلةُ القصصيةُ خدعةً ناجحةً نجاحاً مدهشاً لدى كثيـرٍ مـن الأديان . إذ تـنصحُ بعضُ النصوصِ الدينيةِ الناسَ بالعيشِ وإحدى العينيـن موجَّهَةً نحو المجيءِ الثاني وتـشجعُهم على العيشِ بأسلوبٍ يجنِّبُهم تولي حقيقةَ الحياةِ بجديةٍ لأن مهما حدثَ فهي ليست الحياةَ الحقيقية .
أما اللادينيون فلا يتأثـرونَ بهذه البؤرةِ المشتِتَة للجهود ، لكـنهم يـلاحظونَ مدى تأثيـرِها على الآخـريـنَ الذيـن تُضيِّعُ تلك القصصُ حياتَهم الدنيويةَ الثمينةَ وتستـنـزفُ ثـرواتِهم وتبقيَـهم مقيديـنَ بشدةٍ الى فيـروسِ الديـن .
كما أن التـركيـزَ على نهايةِ العالًمِ يُحوِّلُ أفكارَ بعضِ المسؤوليـنَ ذوي مناصبَ حكوميةٍعليا وحسَّاسة *37* نحو إهمالِ و تجاهـلِ الإهتمامِ بالحفاظِ على البـيـئـةِ لأن المجيءَ الثاني على الأبواب . وهنالك مئاتٌ مـن أمثالَ هذه الآراءِ والأفكارِ في مواقعِ الشبكاتِ الألكتـرونيةِ للإنجيليـيـن .
إن الإبقاءَ على سلامةِ الغلافِ الحيويِ للأرضِ ذخـراً للأجيالِ القادمةِ مهمٌ أهميةً حيوية . لكـن فيـروسَ الديـنِ يشوِّهُ بسذاجةٍ تلك الأهميةَ القصوى بالإدعاءِ أن بالإمكانِ التضحيةُ بكوكبِ الأرضِ إذ سيتولى الإلهُ المخَـلِّصُ العنايةَ بكـلِّ شيءٍ حيـن يأتي . اللادينيونَ مدينونَ للأجيال القادمة َبوجوبِ الإعتراضِ على أمثالِ هذه الآراءِ الجنونيةِ وبضـرورةِ العمـلِ على جعْـلِ العالَمَ بعد تـركِهم إياه مكاناً أكثـرَعقلانيةً مما كان حيـن ولدوا فيه .
مـن المـرجِّحِ أن عَـرضَ النموذجِ الفيـروسيِ كـتـفسيـرٍ للديـنِ يجعـلُ عدداً لا بأسَ به مـن الناسِ مدركيـنَ الى تلاعبِ ودولبةِ الديـنِ في حياتِهم ، ويجعلُهم قادريـنَ على فهمِ الكيفيةِ التي يُستغَـلُ الديـنُ مـن قِبَلِ مـرشحٍ لمنصبٍ سياسيٍ للتأثيـرِعلى التصويتِ لصالحِه . كما يُكسبُهم قابليةً على إكتـشافِ أنـشطةٍ لفيـروسِ الديـنِ متلاعبةً في عديدٍ مـن جوانبَ حياتِهم ويعطيهم قابليةً على إدراكِ المناورةِ الفيـروسيةِ في منحِ حصانةٍ لكهنةٍ غُلمانيـيـن حمايةً لهم مـن العقابِ المدني . إضافة الى كـلِّ هذا يتمكَّـنَ الناسُ بالإستعانةِ بالعـرضِ الفيـروسيِ للديـنِ مـن تـفهمِ دواخـل أنفسِهم ومـن إكـتـشافِ إمتصاصاتٍ مواردَ مـن جـيوبِ الـفـقـراءِ تـتمُ مـن خلالِ أساليبَ فيـروسيةٍ لوضعِها في أيادٍ لكهنةِ كنيسةٍ ضخمةٍ موَّفِـرةً لهم نمطَ عيشٍ رغيد . وبالـرغمِ مـن كـلِّ ذلك لا نـتوقعُ مـن العـرضِ الفيـروسي للديـن -ـ بطبـيعةِ الحالِ ــ تحسناً مفاجئاً للحياة بـل بالتأكيدِ نـتوقعُ حياةً أقلَّ تشوشاً .
**
كان معظمُ الأوروبـيـيـنَ متدينيـنَ الى نهايةِ الحـربِ العالميةِ الثانية . فكان الحضورُ الكنائسيُ للأوروبـيـيـنَ عالياً في كـلِّ الدولِ الأوربـيةِ تـقـريـباً كما كان الأوروبـيونَ يساهمونَ في جميعِ أنواعِ المنظماتِ الدينيةِ مساهماتٍ كبـيـرة . صحيحْ ، أنه كان للعلمانيةِ وجودٌ لا بأسَ به في أوربا منذ القـرنِ الثامـنِ عشـر، لكـن كان أغلبُ سكَّانِها باقيـنَ على إيمانِهم العميقِ في الغيـبـيات .
ثم جاءتْ الحـربُ العالميةُ الثانيةُ ، فكانت حدثاً فاصلاً في التاريخِ الأوربيِ للديـن . إذ أنجـزتْ الحـربُ ما لم يستطعْ أيُّ حدثٍ آخـرَ مـن إنجازِه . هبطَ فجأةً الحضورُ الكنائسيُ ولم يستـردْ وضعَه السابقَ أبداً . الطوائـفُ الدينيةُ المخـتلفةُ في أوربا التي كان كـلٌّ طائـفةٍ منها تـنأى بنـفسِها عـن الأُخَـرياتِ طوالَ قـرونٍ مضتّ ، بدأتْ الآن بالتمازجِ والتـزاوجِ فيما بـينها مـن دونِ عواقب . وتـقلصتْ الهباتُ المقدَّمةُ الى الكنيسةِ كنسبٍ مئويةٍ مـن الدخـلِ الى جـزءٍ ضـئـيـلٍ مما هو متبعٌ الآن في الولاياتِ المتحدة .
يبدو أن فيـروسَ الديـنِ ــ الذي أصابَ ملايـيـنَ مـن الناسِ في كـلِّ أنحاءِ أوروبا لقـرونٍ طويلة ــ بدأ بالإخـتـفاءِ تـقـريـباً. وكأن الأوربـيـيـن قد صحَوا مـن سباتِ غيـبوبةٍ ذهنيةٍ مستحثةٍ فيـروسياً فنسوا كـلَّ العواطفِ والغضبِ والإدعاءاتِ الذاتيةِ بالصلاحِ والإستـقامة ، وباتوا لا يستوعبونَ مكنوناتِ العقليةِ الإنجـيليةِ السائدةِ هذه الأيامَ في الولاياتِ المتحدة .
**
إذا كان هنالك أمـلٌ لمستـقبـلٍ بـيـئيٍ وسياسيٍ لحضارتِنا ولكوكبِنا الأرضي فسوف يتأتى مـن فكِّ - تقارنِ الديـنِ عـن الثقافةِ الإجتماعية والحضارية . إذ أن إجتـثاتَ الشبحِ المقدَّسِ للديـنِ مـن مؤسـساتِ الدولةِ سيخلقُ جواً مناسباً لمناقشةٍ عقلانيةٍ لمواجهةِ مشاكـلَنا الحقيقية . إذ لا يُحْسِـنُ أولئـك الذيـنَ ينـتـظـرونَ الجنةَ بَوْءَرةَ أبصارِهم على مشاكـلِ اليومِ فيحـرفُ بإستمـرارٍ طاقاتِهم وإهتماماتِهم الكهنةُ والوعَّاظُ بعملِهم على إبقاءِ أولئـك مسلوبيِ العقولِ بعالَمٍ وهميٍ مـن آلهةٍ وملائكةٍ وشياطيـنَ ومخَـلَّـصيـنَ ويفـرِّغونَ جـيوبَهم لنـشـرِ وإنـتـ شارِ فكـرةِ هذا الوهم .
إسـتطاعتْ الـقارةُ الأوربـيةُ الـى حـدٍّ كبـيـرٍ فـكَّ ِثـقافاتِها مـن قيودِ الـديـن. وآنَ الأوانُ الآن على الولاياتِ المتحدةِ الأمـريـكيةِ أن تحذوَ حذوَ أوربا بإتخاذِ الخطوةَ التاليةَ التي مـن المؤمَّـلِ أن تـتمَّ مـن دونِ حـربٍ واسعة . أما في باقي أنحاءِ العالمِ فـقـد تـتمكـنُ الهندُ بمسيـرتِها الديمقـراطيةِ مـن فـكِّ ـ تقارنِ الهندوسيةِ وأصوليتِها الخطيـرة . وتبدو الصيـنُ في طـريقِها الى إنعتاقٍ مـن فـيـروسِ الماركـسية ، لكـن مَـنْ يدري ما ستؤولُ اليه النتيجة ؟ وتبقى في الأخيـرِ البلدانُ الإسلامية . وهي بلدانٌ يمتلكُ فيها فيـروسُ الديـنِ أكثـرَ الصيغِ الفيـروسيةِ تـقـدماً وأكثـرَها إرتباطآً بحضاراتِها المصابةِ منذُ البدايةِ بأشدِّ نوعٍ مـن الإصابة .
مـن المهمِ إدراكُ أن فكَّ ــ التقارنِ في دولِ الغـربِ سيكونُ عاملاً مؤثـراً ذا تأثيـرٍ أقوى مـن أيِ عامـلٍ مؤثـرٍ آخـر في فكِّ ــ تـقارنِ الإسلامِ، ذلك لأن الأُصوليةَ المسيحيةَ تساهمُ مساهمةً كبيـرةً في تنميةِ الأصوليةِ الإسلامية . فعندما عبَّـرَ فيـروسُ الأُصوليةِ المسيحيةِ عـن نفسِه على لسانِ رئيسِ الولاياتِ المتحدةِ الأمـريكيةِ السابقِ جورج دبليو بـوش بقولِه بعد الحاديَ عشـرَ مـن سبتمبـر:
" نحـن في جهادٍ صليـبي We are on a crusade
كان هنالك ردٌ إسلاميٌ عنيفً على هذه العبارةِالتحـريضية .
لا يمكـن أن يتـفـتحَ التـفكيـرُ بذهـنٍ صافٍ وعقـلٍ راجحٍ حولَ كيفيةِ التعامـلِ مع فيـروساتٍ في دولٍ أُخـرى (كالعـراقِ ودول الشـرقِ الأوسطِ مثلاً) ما لم تـتضحْ لساستِنا الكيفيةَ التي يحرِّكُ فيـروس الديـنِ ويدولبُ نظمَـنا السياسية .
**
توجدُ اليومَ عوامـلٌ فعالةٌ كثيـرةٌ تعمـلُ على إضعافِ فيـروس الديـن . مـن بيـن تلك العوامـل :
* الإهتمامُ الكبيـرُ والمتـزايدُ الذي يـبديه كثيـرٌ مـن الناسِ هذه الأيام بقـراءةِ كتبٍ مثـل هذا الكتاب .
* الإفـراطُ في المواعظِ الدينيةِ للمحافظيـنَ اليمينيـيـنَ الذي أيقظَ كثيـريـنَ مـن سباتِهم الذهني وجعلَهم يُـلقونَ نظـراتٍ صارمةٍ وفاحصةٍ على معتـقداتِهم .
* الإنتـرنت الذي أتاحَ لذوي الآراءِ المتـشابهةِ الفـرصَ والمناخاتِ المناسبةَ في إيجادِ وتعارفِ الواحد منهم على الآخـر وفي نـشـرِ معلوماتٍ خارجَ تأثيـرِ أو سيطـرةِ الديـن .
* التـقـدمُ المستمـرُ لمسيـرةِ العلومِ البـيولوجيةِ والوراثيةِ والجـيولوجيةِ والفلكيةِ والعصبـيةِ والنـفسيةِ والأنـثـربولوجيةِ وغيـرِها التي يقوِّضُ كـلٌّ منها إدعاءاتِ فيـروسِ الديـنِ حولَ جميعِِ المواضيع مـن الخلقِ الى العلاقاتِ البشـرية.
**
رغمَ وقوفِ الديـنِ طوالَ جميعِ الحقبِ التاريخيةِ عائـقاً أمامَ مسيـرةِ العِلْمِ ، لكـننا الآن نعيشُ في بُـهْـرةِ إنفجارٍ معـرفيٍ وتــقـني . ففي الوقتِ الذي يدَّعي المؤمنونَ أن العِلْمَ مـن دونِ ديـنٍ يشكـَّـلُ خطـراً إلا أننا نـقـولُ العكسَ تماماً . إن الديـنَ ــ بسببِ إستعمالِه نـتاجَ العِلمِ ــ يجعـلُ العالَمَ أكثـرَ خطـراً بكثيـر . إذ يشعـلُ المؤمنونَ نيـرانَ الحـروبِ بإستعمالِ الأسلحةَ المطوَّرةَ علمياً وتكنولوجياً وينشـروا فيـروساتِ أديانِهم بإستـثمارِ وسائـلَ الإتصالاتِ الألكتـرونيةِ . وفي الوقتِ نفسه الذي يستـغـلونَ الأدواتِ التي يمنحُها لهم العِـلمُ لا يتـرددونَ مطلقاً بمهاجمةِ العِـلْمَ بألفاظٍ جارحة .
صحيـحٌ ، هنالـك حاجةٌ الى مناقـشةٍ مـفـتوحةٍ حول أخلاقيةِ العِلمِ وتطبـيقـاتِة التـقـنية .
لكـن ماذا يمكـنُ أن يساهمَ الديـنُ في مناقشةٍ كهذه؟
إذ أن مساهمةَ أيِّ ديـنٍ في موضوعِ الأخلاقِ لا يحددُها سوى تَوجُّهُ إستـراتيجيةِ فيـرويسِه للإنـتـشار . فمثلاً تـتجاهـلُ الكنيسةُ الكاثوليكيةُ إنـتـشارَ مـرضِ الإيدز في أفـريقيا وذلك بإصـرارِها على منْعِ الإجهاضِ ومنْعِ إستعمالِ الواقياتِ وممارسةِ تحديدِ النسـل . أما الأُسلوبُ العقلانيُ لمعالجةِ هذه المشكلةِ الذي يتبعه أيُّ شخصٍ ذي نـزعةٍ إنسانيةٍ يـبدأ بالبحثِ عـن أفضـلَ وسيلةٍ وأكثـرَها فعاليةً وإنسانيةً في منعِ إنـتـشار الأيدز، في حيـن عندما يـباشـرُمعالجتَها شخصٌ كاثوليكيُ النـزعةِ ينـظـرُ الى المصلحةِ ذات الفائدةِ الأكبـر لفيـروسِ الديـن . وكمثالٍ ثانٍ: يعتـقـدُ شهودُ يهوا أن نـقـلَ الدمِّ منافٍ للأخلاقِ فيفضلونَ موتَ إنسانٍ بدلاً مـن قبولِ نـقـلِ دمٍّ اليه ، أما إتخاذُ القـرارَ مـن المنظورِ الإنسانيِ فيكونُ في غايةِ البساطةِ، ألا وهو: أنـقـلْ الدمَ إذا كان لنـقـلِه فائدةٌ أو إنـقاذٌ للحياة .
إضافةً الى كـلِّ هذا فـقـد زوَّدتْ مخـتـلفُ فيـروساتُ الدياناتِ المسيحيةِ المبـرراتِ الضـروريةَ لعملياتِ الإباداتِ الجماعيةِ للسكانِ الأصليـيـن في النصفِ الغـربيِ مـن الكـرةِ الأرضية . كما ساندتْ جميعُ الكنائسِ في المانيا هتلـر . كما لم تأتِ مـن الكنائسِ أيُّ معارضةٍ فعَّالةٍ للإباداتِ الجماعيةِ التي حدثتْ في راوندا والبوسنا ، بـل بالعكسِ كان غالبـيةُ المحـرضيـنَ على جـرائـمِ الإبادةِ في الدولتيـنِ كهنة ً يعظونَ الكـراهيةَ العِـرقية . ولم توجدْ إلا أعدادٌ هـزيلةٌ في الصِغـرِ مـن كهنةٍ كاثوليك في راوندا وكهنةٍ أورثودوكس في صـربـيا الذيـن وضعوا حياتَهم في خطـرٍ لإيقافِ عملياتِ الإبادة . وفي الواقعِ ساهمَ فعلاً في التعذيبِ عديدٌ مـن المسؤوليـن الدينيـيـن .
كيف يكتسبُ رجالُ الديـنِ إحاسيسَهم بمساوئِ التميـيـزِ العنصـريِ وبنـتائجِ الفـقـرِ والتسلطِ العسكـريِ ومناهجَ دراسةِ المبادئِ الأخلاقيةِ في المدارسِ اللاهوتيةِ التي درسوا وتدربوا فيها لا تـتضمـنُ إلا القليـلَ ــ إن تضمنتْ شيئاً ــ حولَ تلك الأمور. إذ أن المناهجَ مصمةٌ بصورة رئـيسيةٍ لضمانِ إنـتـشارِ الفيـروس ؟
غالباً ما يدَّعي بعضُ الناسِ بأن الديـنَ قد أحدثَ تغيـيـراتٍ ذات فوائدَ عظيمةٍ، مشيـريـنَ الى ما حقـقَه أشخاصٌ أمثالُ مارتـن لوثـر كنگ جونيـر . لكـن في الحقيقةِ كان الدكتور كنگ إنساناً بـراغماتيَ النـزعةِ يستعمـلُ الديـنَ وسيلةً للتواصـل . وكان أكثـرَ إقـتـداءً في قيَّمِه الأخلاقيةِ بغاندي الهندوسيِ مـن الإقـتـداءِ بـيسوعَ الناصـري . وكانت قـراءاتُه مـن " الكتابِ المقدَّسِ " إنـتـقـائيةً جداً وفي تعارضٍ شديدٍ مع كثيـرٍِمــن المسيحيـيـنَ الآخـريـنَ ذوي الإخـتصاصِ الديني . كما كانت إقـتباساتُه مـن " الكتابِ المقدَّسِ " أقـلَّ بكثيـرٍ مـن إقـتباساتِ العنصـريـيـن المتـشدديـن . فإستطاعَ بذلك تسليطَ الأضواءِ مـن خلالِ خطبِه وأعمالِه على الكيفيةِ التي ساعدَ الديـنُ على إستدامةِ الظلمِ والإضطهاد . إضافةً الى هذا فـقـد كان أتباعُه ومؤيدوه مـن طوائـفَ دينيةٍ متـنوعةٍ ومـن ملحديـنَ وغيـرِ مؤمنيـن بأعدادٍ مدهشة .
إن العلومَ تـتـقـدمُ بخطىً متسارعةٍ الى الأمامِ بحيث سوف لـن تـتمكـنَ مقاومةُ الأصوليـيـنَ في ولايةِ ميـزوري مثلاً مـن إيقافِ البحوثِ في موضوعِ الخلايا الجذعيةِ الجاريةِ في كوريا أوالصيـن أو حتى في كاليفورنيا أوماساشوست .
مـن الواضحِ أن إيقافَ الإنـتـشارِ النوويِ على المستوى العالميِ أبعدُ مـن أن يكونَ في متـناولِ قـابلياتِ الديـن . إذ لا يمكـنُ السيطـرةُ على تـزايدِ إنـتـشارِه بالصلواتِ في الكنائس . ولم يكـنْ للديـنِ سوى دورٌ صغيـرٌ ــ إن كان له أيُّ دورٍ ــ في منعِ نشوبِ حـربٍ نوويةٍ أثـناءَ سنواتِ الحـربِ الباردة . في الحقيقةِ ، إن الذي جنَّبَ العالمَ حدوثَ كارثةٍ نـوويةٍ كـبـرى هو ما أجـراه الـطـرفانِ المتخاصمانِ مـن حساباتٍ جيوسياسيةٍ عقلانية .
مـن الجديـرِ بالتأكيدِ هو أنه لا توجدُ علاقةٌ للديـنِ بالإكتـشافاتِ الـرئـيسية في الفيـزياءِ والطبِ وعلومِ الحياةِ والوراثةِ والحقـولِ العلميةِ الأخـرى . لكنه أعاقَ في كثيـرٍ مـن الحقبِ الـزمنيةِ تقدمَها ومنعَ أيضاً الإستـفادةَ منها *38* . كما أنه لا يـزا لُ يحاولُ إعاقةَ مسيـرةَ العلومِ الحديثة بدءاً مـن معارضةٍ للتخصيبِ بالإنابـيـبِ الى تحـريمٍ إستعمالِ وسائـلَ منعِ الحمـل ، ومـن محاكمةِ سكوپ المشهورةِ حولَ نظـريةِ التطوِّرِ التي جـرتْ سنة 1925 ، الى المحاكماتِ الحاليةِ في دنـفـر وپنسلفانيا حولَ موضوعِ التصميمِ الذكي . إضافةً الى كـلِّ ذلك لا يـبدو أن في الأفـقِ أيُّ مؤشـرٍعلى توقـفِه عــن مـزيدٍ مـن الإعاقة .
وبالـرغم مـن أن الديـنَ قد خسـرَ في كـلِّ مواجهاتِه مع العلم ، لكـن ما دام الأطفالُ يتعـرضونَ تعـرضاً عميقاً الى فيـروسِ الديـنِ وتُـبتـرُ مناهجُ دراسةِ العلومِ فسيستمـرُ الجهـلُ في بقائـه.
أما على المستوى الفـرديِ فالديـنُ لا يُـزوِّدُ المـرءَ العقلانيَ بإرشاداتٍ ليست بوسِعِ الإنسانِ نفسِه تعيـيـنَها دون هدايةٍ مـن ديـن .
بإختصار:
لا تسمحُ هـزالةُ سجِّـلِ ممارساتِ الديـنِ الأخلاقِيةِ والمعنويةِ الى قيادةِ الديـنِ لحياتِنا في عالَـمِ اليوم .
**
مـن المؤكَّدِ أن اللادينيـيـنَ في الولاياتِ المتحدةِ يمتلكونَ تأثيـراً أكبـرَ مـن الدينيـيـنَ على الإستعمالِ الأخلاقيِ للعِلْمِ والتكنولوجيا . إذ تُشيـرُ الدراساتُ الإحصائـيةُ التي بُدِئَ إجـراؤها منذ سنةَ 1914 الى تـناقصٍ مطَّـردٍ في عددِ العلماءِ المعتـقديـنَ بخوارقٍ ما فوقَ الطبيعةِ، ففي سنة 1914 كانت نسبةُ المؤمنيـنَ منهم بوجودِ الله 27.7٪ وأصبحتْ 15٪ سـنةَ 1933 وثـم 7٪ سنةَ 1998 وكانت نسبُ المؤمنيـن منهم بالخلودِ بعد الموتِ 35.2٪ و 18٪ و 7.9٪ علي التوالي في السنواتِ نفسِها . كما أن الأغلبـيةَ الساحقةَ مـن الحاصليـنَ على جوائــزَ نوبـل في العشـريـنَ سنةٍ الماضيةِ عبَّـروا عـن نوعٍ مـن اللاإيمان .
وبطبـيعةِ الحالِ لا زالتْ هنالك حاجةٌ الى مناظـراتٍ حولَ الأخلاقِ في العلومِ والتكنلوجـيا . نعتـقـدُ أن اللادينيـيـنَ في موقعٍ يمكِّنُهم مـن التأثيـرِ عليها بحكمةٍ تضمـنُ حواراً مبنياً على تحليـلٍ عقلانيٍ للوصولِ الى أهدافٍ ذات توجهٍ إنساني . ويمكنُ اللادينيون تعـريةَ ما تصبو اليه الأهدافُ الحقيقيةُ لفيـروساتِ الديـنِ في إستغلالِ كـلِّ الوسائـلِ المتاحةِ أمامها سواءً كانت علميةً أو إجتماعيةً أو سياسيةً سعياً الى إنتشارِها وهي لا تـرمي مطلقاً الى ما هو الأفضـلَ لخدمةِ المصالحِ الإنسانية .
**
ويالـرغمِ مـن أن الدستورَ الأمـريكيَ يمنعُ أن يكونَ الديـنُ محكَّ إخـتبارٍ لوظيفةٍ رسميةٍ، لكـن منذ سنة 1976 بدأ المـرشحونَ لـرئاسةِ الجمهوريةِ يجـاهـرونَ بأديانِهم . فمثلاً مـن المعـروفِ عـن رونالد ريگان أنه لم يكـنْ يمارسُ الشعائـرَ الدينية . لكنه فجأةً غدا مهتماً بالحضورِ الى الكنيسةِ عند خوضِه معـركةَ الإنـتخاباتِ الى منصبِ حاكمِ ولايةِ كاليفورنيا . وفي سنة 2008 أعلـن المـرشحونَ خلالَ المناظـراتِ الإنـتخاباتِ الـرئـاسية عـن مواقـفِهم الدينيةِ بأساليبَ لو أُستُعمِـلتْ في القـرنِ التاسعِ عشـر لبدتْ مخـزيةً.
في الحقيقةِ سيكونُ فيـروسُ الديـن مسـروراً بجـرِّ الحضارةِ الى العصـرِ الحديديِ ِوحتى الى العصـرِ الحجـريِ إذا كان في ذلك ضمانٌ لتعـزيـزِ إنتشاره . أُنظـرْ الى ركودِ الحضارةِ الإسلامية خلالَ السنواتِ ال 800 الأخـيـرةِ وهي حضارةٌ كانت في يومٍ ما منارةً للعلومِ والـرياضياتِ والمنطقِ والفلسفة *39*. واليومَ ينحو الأُصوليونَ المسيحيونَ الى الهدفِ نفسِه . إذ يعظُ نـقلةُ فيـروسِ الإنجيليـيـنَ أيامَ الأحدِ أُسبوعياً حولَ العودةِ الى العصـرِ الحديديِ في أُمورِالتعليمِ والعلومِ والـزواجِ والسياسة والخ.
وفيما يلي مثالان مـن عديدٍ مـن الأمثلةِ على تصوراتِهم عـن مستقبلِـنا :
هـذه هـي أرضُـنـا، هـذا هـو عـالـمُنا، هـذا هـو تـراثُـنـا .
وبـمساعدةِ اللهِ سـوف تـستـردُ هـذه الأُمةُ يسوعَ الـمسيح .
ولا تــوجـــدُ قـوةٌ عــلـى الأرضِ تـسـتـطــيـعُ إيـقـافـَــنا .
جـيـمـس كـنـدي، أمـةٌ تـبـحـثُ عــن روحـِهـا
*
الـذيـن يدرسونَ الجهادَســوف يـفهمون الإسبابَ لماذا يـريدُ
المسلمونَ فتْحَ الـعالُـمِ بـكـامـلِه. كـلُ البلادِ التي فـتحَها
الإسـلامُ وكـلُّ البـلدانِ التي سيفــتحُها الإسـلامُ مستــقـبلاً
ستـنالُ الخلاصَ الأببديَ لأنها ستكـونُ تحـت قـانـونِ الله .
آيةُ الله روحُ الله خميني، الإسلامُ ليس أمةً مـن مسالميـن
**
الديـنُ باقٍ ما دامَ :
هنلك بشـرٌ يبحثونَ عـن أجوبةٍ سهلة .
هنالك نقلةُ فيـروسٍ مهـرةٌ يهدِؤونَ الناسَ على تجنبِ مجابهةِ مشاكـلِ الحياةِ الصعبة .
هنالك مصابون بالفيـروس يتـركونَ التفكيـرَ بدلاً عنهم الى الباباواتِ والأئمةِ والوعِّـاظ .
هنالك مـن يموِّلُ الفضائـياتِ التلفـزينيةِ الدينيةِ المسيحية .
هنالك نـفـطٌ سعوديٌ وإيـرانيٌ يموُلُ الفضائياتِالدينيةِ الإسلامية .
لكـن على اللادينيـيـنَ مسؤوليةَ السعيِ الى العمـلِ على جعـلِ هذه البـيئة الدينية أقـلَّ سُميِّةً لحضارتِنا ولأنفسِنا وذلك :
بمساندةِ الثقافةَِالعلمية .
وبتحدي تجاوزاتِ الأُصوليـيـن على نظمِنا العامة .
وبتعيـيـنِ وثم محاولةِ تصحيحِ ما في أنفسِهم مـن روسابَ فيـروسية .
وبالتعلمِ العيش خالياً مـن فيـروسِ الديـن .
وبمساندةِ أساتذةِ الـجامعاتِ الـمطارديـنَ بسبـبِ مكافحتِهم فيـروساتِ الديـن .
وبالمشاركةَ في الندواتِ وبإلقاءَ محاضـراتٍ عـن " قيمٍ أخلاقيةٍ محـرَرةٍ مـن الديـن "، وعـن كيفيةِ التمكـنِ بعقلانيةٍ مـن إتخاذِ قـراراتٍ أخلاقيةٍ دون الإستـنادِ على إلهٍ أو شيطان .
* *
الحقيقةُ الوحيدةُ التي نعـرفُها جميعاً ــ أنت وأنا ــ حقَّ المعـرفةِ هو أننا نعيشُ يومَنا هذا . ونعـرفُ أن كلاً مـنا ليس سوى نـتيـجةُ سيـرورةِ عمليةٍ بـيولوجيةٍ مدهشةٍ حدثتْ مـن لقاءِ حيمـنٍ واحدٍ مـن بيـنِ ملايـيـنَ الحيامـنِ لبويضةٍ واحدة . هذا الحدثُ لـن يتكـررَ أبداً. فلندعَه يكونَ أفضـلَ ما يمكـن .

*1* لا يدلّ بالضـرورةِ أن تلخيصي الكتاب على إتفاقي مع كلِ صغيـرةٍ وكبيـرةٍ مـن آراءِ المؤلف. ـــ ريمون
*2* أُفضِّـلُ تـرجمةَGod Virus بالتعبيـرِ " فيـروسُ الديـن ". - ريمون
*3*كتبٌ من أمثال: The God Delusion تأليف Richard Dawkins و god is not Great تأليف Chritopher Hitchens و Breaking the Spell تأليف Daniel Dennett و Atheistic Universe تأليف David Mills وغيـرها. ــ ريمون
*4* وضعَ ريتشارد دوكنـز مـن جامعةِ أوكسفورد المصطلحَ كإستعارةٍ مجازيةٍ للديـنِِ كفيـروس له شبهٌ بالفـيـروسات البـيولوجية.
*5*يُـستعمل في أدبياتِ علم الأوبئةِ مصطلحُ "مُضَيِّف host " للمصابِ بالفيـروس أو الطفيلي.
*6*بار متسفا هو حفـلٌ دينيٌ يهوديً يُجـرى للشاب عند بلوغِه سِـنَّ الثالثةِ عشـر ويكونُ مكلفآ بجميع الفـرائضِ اليهوديةِ وتحفـتـلُ العائلةُ إحتفالاً كبـيـراً بهذه المناسبة . أما البات متسفا فهو حفـلٌ مشابهٌ يُقامُ للشابات في سِـنِْ الثانيةِ عشـر . ـــ ريمون
*7*زودَني الصديقُ يحي طالب بالمعلومةِ بأن حدثتْ في فيـروسِ الإسلامِ طفراتٌ أدَّتْ الى ظهورِ الإنـقسامات الطائـفية : المالكيةُ والحنبليةُ والشافعيةُ والشيعة ُالإثني عشـريةِ . ـــ ريمون
*8*أُعيدَ تسميةُ "محاكم الـتـفـتـيش" سنة 1965 . فسُميتْ " المجمعُ لتعاليمِ الإيمان " . وهو المجمعُ الذي تـرأسَه سابقاَ البابا الحالي بندكت السادسُ عشـر .
*9*ثُور إلهٌ قديمٌ عند الشعوبِ الجـرمانيةِ وهو محاربٌ عظيم يحمـلُ مطـرقةً وهو إلهُ الـرعدِ والبـرقِ والـزوابع. ـــ ريمون
*10*مـن الطـريفِ أن كيم أيـل سونغ ديكتاتورُ كوريا الشمالية السابق قد توفى سنة 1994 لا زالَ رسمياً حتى الى يومِنا هذا "رئيس كوريا الأزلي".
*11*كذلك يُـزارُ ضـريحُ جورجي ديميتـروف في بلغاريا. ـــ ريمون
*12*وضعَ جان جاك روسو هذا المصطلحَ في كتابِه " العقدُ الإجتماعي" في القـرنِ الثامـنِ عشـر . ــ ريمون
*13*كان هنالك خلافٌ مـن النمطِ نفسِه في" ديـنِ " الماركسيةِ بيـن ستاليـن وتـروتسكي. ـــ ريمون
*14*الأغلبية ُالأخلاقيةُ منظمةٌ أمـريكيةٌ أسسها القسُ جيـري فالويـل سنة 1979. وهي ذات توجهٍ سياسيٍ- دينيٍ مضادٍ الى فصـلِ الديـنِ عـن الدولةِ وتهدفُ الى تشجيعِ إنتخابِ المحافظيـنَ المتطـرفيـن وحظـرٍ على الإجهاضِ وعلى تشـريعِ تلاوةٍ صلواتٍ مسيحيةٍ في المدارسِ الرسميةِ الأمـريكيةِ وعلى مهاجمةِ الأديانِ غيـرِ المسيحية وبصورةٍ خاصةٍ الإسلام. ـــ ريمون
*15*منها الإنجيليةِ والمعمدانيةِ والكاثوليكيةِ والكالفينيةِ وحتى المورمونية. ـــ ريمون
*16* كمثالٍ علئ ذلك: تناقلتْ الأنباءُ الصحفيةُ مؤخـراً نبأً مـن العـراق عـن شابةٍ إغتصبَها إبـنُ عمِها . فطـردَها والدُها مـن العائلةِ شـرَّ طـردة ٍ وذلك بأخذِها الى الحدودِ السوريةِ وتـركِها لوحدِها هناك ، مما إضطـرَها الى إمتهانِ البغاء في سورية .
*17*أو حفظُ آياتٍ قـرآنيةٍ ومسابقاتٍ في هذا المجال، أوالإنتسابِ الى منظماتٍ شبابية . وبالنسبةِ الى اليهودِ قضا ءُ العطلةِ المدرسيةِ في إسـرائيـل . -ـ ريمون
*18* توماس دي توركيماندا راهبٌ إسپانيٌ عاشَ في القـرنِ الخامسِ عشـر . كان المحققَ الأولَ في محاكمِ التـفـتيش . إشتهـرَ بحملتِه ضدَّ اليهود والمسلميـن في إسپانيا. ـــ ريمون
*19*أودُّ إضافة : ظاهـرة جديدة وهي إغتيال أفرادٍ (مثـل إنور العولقي وغيـره ) مـن دون محاكمةٍ بناءً على أوامـرَ حكوميةٍ لمجـردِ الإشـتباهِ بهم أنهم إرهابـيون . وإغتيالاتٍ بالجملةِ في أفغانستان وباكسنان واليمـن والصومال بإستعمالِ طائـراتٍ مـن دون طيار . ـــ ريمون
*20* لستُ أدري لماذا لم يشـرْ المؤلفُ الى قصفِ مدينتي هيـروشيما ونكازاكي اليابانيتيـن بالقنابـلِ الذريةِ أثناءَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ .أن هذا القصفَ جريمةُ قتـلٍ جماعي. ـــ ريمون
*21*ينطبقُ القولُ نفسُه على القـرآن. -ـ ريمون
*22*سُجِنَ ديتـريش بونهويفـر لدورِه في محاولةٍ لإغتيالِ هتلـر وأُعدِمَ أسابيعَ قبلَ سقوطِ ألمانيا .
*23*التـنويمُ الإيحائيُ معـروف أيضآُ بالمصطلح ِ " التـنويمُ المغـناطيسي " . ــ ريمون
*24*"أورشليم جديدة " مـن تـنبواتِ العهدِ القديم . إخـتـلفَ الثيولوجيونَ في تفسيـرِها . وتـتضمـنُ بناءَ مدينةٍ روحيةٍ يسكنُها الصالحون . ـــ ريمون
*25*الكاريـزما Charisma وصفٌ يُطلقُ على الجاذبيةِ الكبيـرةِ الطاغيةِ التي يتمتعُ بها بعضُ الأشخاصِ ذوي القدرةِ على التأثيـِرالإيجابيِ على الآخـريـنَ بالإرتباطِ بهم عاطفياً وثقافياً وجسدياً . ـــ ريمون
*26*أودُّ أن أشكـرَالصديق السيدَ يحى طالب لـرفدِه الملخصَ بالمعلومةِ الآتية : في الإسلام شَبَهٌ كبـيـرٌ بالتجمعاتِ الإنجـيـليةِ ووعَّاظِها . تكونُ تلك التجمعاتُ بمناسبةِ ميلادِ محمداً أو بالنسبةِ الى الشيعةِ بمناسباتٍ متعددةٍ أمثالِ ميلادِ علي إبـن أبي طالب أو أبنائِه أو أحفادِه أو بذكـرى مقـتـلِ الحسيـن . يُـحْيِ هذه التجمعاتِ خطباءٌ بليغون في الخطابةِ ويتـقـاضون أُجوراً حسبَ قدرتِهم وبـراعتِهم في إجتـذابِ الناسِ وفي إبكائِهم عندما يـرونَ قصةَ مقـتـلِ الحسيـن بلحـنٍ موسيقيٍ خاصٍ شبّيهاً بالمقامِ العـراقي . يَـؤمُّ تلك التجمعاتِ آلافُ الناسِ معظمُهم مـن طبقاتٍ فـقيـرةِ تأتي أيضاً لتـناولِ عشاءٍ دسمٍ بعد الحفـلِ المأتمي . ــ ريمون
*27*إن المقصودَ بالخبـرةِ الـروحيةِ لشخصٍ هي حالةُ وعيٍ غيـرِ إعتياديٍ يدَّعي الشخصُ أنه على إتصالٍ بواقعٍ متسامٍ في تلاقٍ مع الله . ـــ ريمون
*28*يُـرجى مـراجعةَ الهامشَ 25 . ـــ ريمون
*29*دَوْلَـبَ Manipulate . دَوْلَـبات Manipulation . الكلمة ( في هذا السياق ) تعني التأثيـر والتلاعب علي أفكار ومشاعـر الناس بدهاء وبطـريقة لا يعي اليها المُتلاعب بهم . ـــ ريمون
*30*مجموعةُ كتاباتٍ مسيحييةٍ خارجَ " الكتابِ المقدّسِِ " كتبَها الآباءُ الأولونَ للكنيسةِ قبــلَ سنة 325 حيـن عُـقِـدَ المؤتمـرُ الكنسي الأول في مدينةِ نيقية . ـــ ريمون
*31*إن المقصودَ بـِ " إلهٍ شخصي " أن له صفاتٌ بشـرية . فهو مثـلُ البشـرُِيفـرحُ ويحـزن ، يكافئُ ويعاقب ، يحبُ ويغضب ، يسمعُ ويتكلم ، وفي بعضِ الأحيانِ يلغي قوانيـنَ الكونِ مثـلما يلغي الحكامُ المستبدونَ دساتيـرَهم . ـــ ريمون
*32*يتناولُ المؤلفُ في هذه الفـقـرةِ موضوعَ النقاشاتِ التي غالباً ما تحدثُ بيـن شخصٍ لادينيـي مع مؤمـنٍ . فيوَّجِهُ معظمَ حديثِه الى شخصٍ غيـرِ مؤمـنِ محاولاً وضعَه في إطارٍ فكـريٍ يستطيعُ مـن خلالِـه رؤيةَ وتحليـلَ المعتقداتِ الدينيةِ وتفهُّمَ نفسيةَ ودوافعَ الشخصِ الآخـر كي يتمكـنَ تجنبَ مطباتِ نقاشٍ غـيـرِ مثمـر.
نُشـرتْ هذه الفـقـرةُ كجـزءٍ مـن مقالٍ لي في " الحوار المتمدن " . ـــ ريمون
*33*بعبارةٍ أُخـرى: كـنْ لبقاً في إجاباتِك مثلَ رشاقةِ حـركاتِ مصارعِ الثيـرانِ في تجنبِه قـرونَ الثور . ــــ ريمون
*34* يـشيـرُ" الـتصميم الـذكي " الـى أنـه لا يـمكـنُ تـفسيـرَ بـعضِ الـظواهـرِ فـي الكائـناتِ الحيةِ وفي الكونِ بمسببٍ غيـرِ موَجِّهٍ كالإصطفاءِ الطبـيعيِ الذي تدعـو اليه نظـرية ُ التطور .مما يستوجبُ مسببٍ يتمتعُ بقسطٍ كبيـرٍ مـن الذكاءِ. ـــ ريمون.
*35*يكون رأيٌ قابلاً للدحضِ إذا كانت هنالك مـن ناحيةِ المبدأ تجـربةً أو مشاهدةً تظهِـرُ أن الـرأيَ قد يكونُ خاطئاً حتى ولو لم تجـرَ التجـربة. أما العبارةُ ذاتُ البنيةِ التي تجعلُها غيـرَ قابلةٍ للدحضِ تكونُ غيـرَ علمية. مثلاً العبارةُ " سأكونُ سعيداً جداً إذا كنتُ عشـرَ سنواتِ أصغـر " غيـرُ قابلةٍ للدحض . ــ ريمون
*36* العلمولوجيا ( Scientology ) مجموعة ٌمـن تعاليم دينيةٍ مـن وضْعِ كاتبِ رواياتِ الخيالِ العلميِْ Hubbard سنةَ 1952. مـن معتقداتِها أن البشـرَ بالدرجةِ الأُولى كائناتٌ روحيةٌ يعيشون مـراتٍ عديدة.
*37*هذه مقولةُ جيمس واط وزيـرُ داخليةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمـريكيةِ في عهدِ رئاسةِ رولاند ريگان.
*38*عارضَ متدينونَ إنشاءَ مانعاتِ الصواعقِ بحجةِ أنها تدَّخـلٌ بشؤونِ اللِه في عقابِ مَنْ يـريدُ إنزالَ عقوبةٍ عليه. ــ ريمون
*39* ذكِّـرُني الصديقُ د. ثائـر البياتي بالمواقـفِ ذات الطابعِ المنطقيِ والفلسفيِ لفـرقةِ المعتـزلة في العـراق أبان الحُـكمِ العباسيِ للدفاعِ عـن الإسلامِ بأساليبَ عقلانيةٍ بحتة . ــ ريمون



#ريمون_نجيب_شكُّوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة ُ الصفر ِ عبر َ الزمكان
- ماذا بعد الموت ؟
- مقترحاتُ مختصٍ في الإزشادِ النفسي
- الإرهاب ُ والسياسة ُ الدوليةُ
- هل حمل المسيح سيفاً ً ؟
- مكانة المرأة في الأديان الختلفة
- يسوع الناصري
- إلتواءاتٌ لغويةٌ في النصوص الدينية
- ضرورة إعتماد الموضوعية عند الإنتقادات الدينية


المزيد.....




- قيمتها تفوق مليوني دولار..رجل يخبئ 5 صناديق كنز بأنحاء أمريك ...
- بدعم روسي.. الجيش السوري يكشف عن تحركاته لصد هجمات المعارضة ...
- كيف سيطرت قوات المعارضة السورية على حلب؟ شاهد ما كشفته مقاطع ...
- سحب منظومات -هيماريس- من منطقة العمليات العسكرية في أوكرانيا ...
- الطيران الحربي السوري يدمر مركز قيادة لإرهابيي -تحرير الشام- ...
- تقارير: واشنطن تضغط على إسرائيل للحد من ردها على هجوم حزب ال ...
- دراسة: مساحة الأراضي القاحلة في العالم تجاوزت مساحة القارة ا ...
- تجارب سريرية تظهر فعالية عالية جدا لعقار واق من فيروس نقص ال ...
- صحيفة تؤكد أن جيل بايدن دفعت زوجها لإصدار قرار العفو عن هانت ...
- سيلغيه ترامب حال توليه منصبه..-فرانس برس- توضح الموقف الأمري ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ريمون نجيب شكُّوري - الأديان : كيف تصيب حياتنا وثقافاتنا