أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - نساء ورجال نتاج الفساد














المزيد.....

نساء ورجال نتاج الفساد


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 3770 - 2012 / 6 / 26 - 09:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جلس تحت الشمسية يشرب القهوة ويقرأ الجورنال، تشمم رائحة الحبهان والبن المحوج فاسترخى قليلا، خلع نظارة القراءة، سئم متابعة الأخبار، لم يعد جزءاً من القوى المتصارعة، خرج من مولد السياسة بلا حمص، امتدت نظراته الواهنة إلى البحر والسماء، فى المياه الزرقاء رآهما، الرأسان السوداوان، يرتفعان وينخفضان مع الأمواج، أحدهما مربع حليق، رأس حفيده الطبيب، الرأس الآخر شعره ناعم طويل، مربوط كذيل الحصان.

الحفيد جسده نحيف ممشوق كالرمح، يشق الموج كسمكة القرش، هى مثل السمكة البياض، ذراعاها قصيرتان ممتلئتان، تسبحان بنعومة تحت الماء.

لم يكن لعينيه الكليلتين اختراق سطح البحر، ورؤية التلامس فى العمق.

فى ميدان التحرير بعد سقوط مبارك، كان يمشى فى المظاهرة حين سقط من الإعياء، حمله الشباب إلى المستشفى، تناول أدوية الضغط والقلب، وثلاثة ممنوعات لا يقربها بأمر الطبيب : السجائر، الملح فى الطعام، والفياجرا قبل النوم، قال حفيده : السن لا يمكن مقاومتها يا جدى تنهد: السن والحب أيضا، جفونه تغضنت سقطت رموشهما، انطفأت عيناه واصفر بياضهما، عروق متعرجة زرقاء نفرت فى يديه، شفتاه لم يعد فيهما لحم، كأنما مصنوعتان من السلك

قال الحفيد: أنا قاومت الحب يا جدى: لم يكن الحب يا ابن ابنى -: وكيف عرفت يا جدى؟ - أنت من عائلة، وهى لم تكن شيئا، رد الحفيد: كانت خريجة الجامعة بتفوق، الرعاع دخلوا الجامعات بعد هوجة العسكر فى يوليو ٥٢ - اندهش الحفيد: ألم تؤيد ثورة ٥٢ يا جدى؟ وأصبحت وزيرا؟ ورئيس مؤسسة؟ ثم أسست شركتك الخاصة؟

الشرفة تطل على البحر، يجلس جده يشرب القهوة ويقرأ الصحف، شيئان يدمنهما لا يقاومهما: القهوة والصحف، لم يتذكر الفياجرا.

أصبح يصنع القهوة لنفسه، فطورهما أيضا يصنعه، ثم يوقظ زوجته العروس، كانت تصحو قبله، تصنع له القهوة، والأومليت، والباتيه فى الفرن، تطبخ ما يحبه، صينية البطاطس فى الفرن بفخدة الخروف، تهمس فى أذنه، أنت حبى الأول والأخير، تقرأ مقالاته بشهية وتشهق: أنت كاتب عظيم، تكتبها على الكمبيوتر ثم ترسلها بالإيميل للنشر.

تخرج فى كلية الصيدلة وتخصص فى الكيماويات، ينشر مقالاته فى الصحف، كما رأى زملاءه فى السياسة يفعلون، أحب فتاة فقيرة فى شبابه، ثم تركها، كما رآهم يفعلون، تزوج ابنة رئيس المؤسسة، وأنجب الأولاد والأحفاد، كما رآهم يفعلون.

هى من العشوائيات الجديدة، ماتت أمها بعد أن طلقها أبوها، طردتها زوجة أبيها من البيت، اشتغلت خادمة، وعاملة نظافة، تعلمت الكمبيوتر

اتخذها مسؤول كبير سكرتيرة وعشيقة ستة شهور ثم مات بسكتة قلبية، تعرفت على ممثل مسرح، عاشت معه ثلاث سنوات ثم تزوج المخرجة، عادت تشتغل عاملة نظافة ثم ممثلة كومبارس، أصبحت عشيقة لممثل بالسينما حتى هاجر إلى كندا، تدربت على العشق عدة سنوات، بدت العشيقات فى نظرها أعلى شأنا من الزوجات، تخصصت فى اصطياد الفنانين الأثرياء، وكبار رجال السياسة، المتحمسين لتحرير النساء والفقراء، أصبحت فى النهار سكرتيرة مكتب، وفى الليل خادمة سرير، بلغت الأربعين من العمر، طاردتها كلمة عانس، قررت أن يكون لها زوج مثل الأخريات، وقع فى شركها طبيب معروف، كاد يتزوجها، لولا أن ضبطته زوجته وهددته بالخلع، خاف من الفضيحة فقطع علاقته بها، التقت أخيرا بالزوج المثالى، رئيس مؤسسة بالمعاش، لديه رصيد فى البنك، وشركة خاصة، أبناؤه وأحفاده تخرجوا وتزوجوا، تسلمت زوجته وسام الأم المثالية، أفنت عمرها تخدم الأسرة والزوج، ذهبت للحج مرتين، ولفت رأسها بالحجاب عيناه الكليلتان تتابعان الفتيات من تحت الشمسية، أجسادهن لدنة، سيقاهن ممشوقة، يتملكه الحنين للحب المشبوب فى عهد الشباب، كانت ترتدى بنطلون جينز ضيقاً، فخذاها مشدودتان تهبطان إلى ساقين ممشوقتين، عيناها ناعستان يقظتان، أنوثة خانعة متحفزة صعبة المنال، يتصور الرجل أنها قلعة حصينة، إن غزاها يصبح البطل الأول والأخير.

كان يحلم بالبطولة منذ الطفولة، يحملونه على الأعناق يهتفون للزعيم، مثل النحاس باشا وسعد زغلول، خيبت السياسة آماله، لم يحظ إلا بمنصب رئيس مؤسسة الكيماويات، وبضع مقالات، جمعها فى كتاب.

أصبحت تتمشى إلى جواره على الساحل، يظن الناس أنها حفيدته، يقول لهم إنها زوجته، رافعا رأسه بزهو، وتطرق هى فى خزى. عاد الحفيد من البحر ذات يوم، رأى جده عاريا فى الفراش، ملامح وجهه رمادية متجمدة، عيناه مفتوحتان جاحظتان فى دهشة، هى واقفة إلى جواره تلف جسمها بالبشكير. مد الحفيد يده وأغلق جفون جده، غطاه بالملاءة البيضاء من الرأس إلى القدمين، همس فى أذنها : السن والحب ليس لهما دواء؟

انكفأت فوق صدره العريض تكتم الضحك، تنشج ببكاء عالى الصوت، تدفن نهديها بين ضلوعه القوية، تشم رائحة البحر، كانت الأم المثالية الحائزة على الوسام قد ماتت، وصلتها ورقة طلاقها بالبريد فرقدت ولم تنهض، لم تأخذ إلا الكفن الأبيض، أما الزوجة العروس فقد أخذت الشاليه على البحر، ونصيبها الشرعى من رصيد البنك وشركة الكيماويات.

الأرملة الشابة أصبحت ترتدى المايوه الأسود، حدادا على زوجها الميت، تلف شعرها بحجاب من الترتر، تتمشى على الساحل تتمايل، يمسك يدها الحفيد الطبيب، يسير منتشيا منفوشا كالديك، تبربش بعينيها الناعستين من بين الرموش، تفحص العجائز الجالسين تحت الشماسى.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البرادعى.. زويل.. المنقذ والتبعية
- الرئيس القادم.. الروحانية الصوفية والتحرش الجنسى
- تحت غطاء الصندوق العدالة عمياء!
- النساء والفقراء.. هل ينتخبون أعداءهم؟
- النيل يتدفق فى السويد رغم ظلم العالم
- علاقة الأخلاق بقطع أجزاء من الجسم؟
- أنتخب رئيساً يفتقد شجاعة التعبير؟
- ثغرة الدستور لتسريب «العدل» والنزاهة
- صوت المرأة ثورة
- رغم أنف «أبوالهول» وخطر الحماية
- الرجل خلف الرجل على المسرح
- وكلمات الثورة يسرقونها أيضاً
- فن المستحيل «حوارات نوال ومنى»
- الخلع البائس.. ومجلس المرأة القومى
- المرأة ورفع الحجاب عن العقل
- النساء والدولة وفضيلة الركوع
- فتاة ثائرة فى ميدان التحرير
- نوال السعداوي - كاتبة و مفكرة و ناشطة نسوية - في حوار مفتوح ...
- كرامة المرأة وكرامة الوطن فى الدستور الجديد
- الطاعة مقابل الإنفاق فى الزواج والعلاقات الدولية


المزيد.....




- مبنى قديم تجمّد بالزمن خلال ترميمه يكشف عن تقنية البناء الرو ...
- خبير يشرح كيف حدثت كارثة جسر بالتيمور بجهاز محاكاة من داخل س ...
- بيان من الخارجية السعودية ردا على تدابير محكمة العدل الدولية ...
- شاهد: الاحتفال بخميس العهد بموكب -الفيلق الإسباني- في ملقة ...
- فيديو: مقتل شخص على الأقل في أول قصف روسي لخاركيف منذ 2022
- شريحة بلاكويل الإلكترونية -ثورة- في الذكاء الاصطناعي
- بايدن يرد على سخرية ترامب بفيديو
- بعد أكثر من 10 سنوات من الغياب.. -سباق المقاهي- يعود إلى بار ...
- بافل دوروف يعلن حظر -تلغرام- آلاف الحسابات الداعية للإرهاب و ...
- مصر.. أنباء عن تعيين نائب أو أكثر للسيسي بعد أداء اليمين الد ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - نساء ورجال نتاج الفساد