أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوى - تحت غطاء الصندوق العدالة عمياء!














المزيد.....

تحت غطاء الصندوق العدالة عمياء!


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3749 - 2012 / 6 / 5 - 14:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



سأقول لكم، دون النظر لمؤيدى الدولة الدينية أو مؤيدى الدولة المدنية، أو ما بينهما نعم، غابت الحقيقة الساطعة كالشمس، تحت دخان المباخر وتعاويذ الملائكة والشياطين، وأوراق رجال القانون والدين والسياسة والائتلافات، ونظريات الأحزاب.

محاكمة القرن (فى مصر يونيو ٢٠١٢) تشبه محاكمة «فرانز كافكا» فى القرن الماضى، لا ترى وجه القاتل من شدة الضباب فى القصر، وينتهى الأمر بأن يصبح المقتول فى الشارع هو القاتل داخل القصر، باعتبار أن العدالة عمياء لا ترى الحقيقة، والقانون هو الحكم العادل حسب الدستور.

هل هناك حقيقة أكثر وضوحاً من دم الشعب المسفوح فى الشوارع والميادين، والأنوف المخلوعة والعيون المفقوءة بالآلاف، والأمهات الثكالى بأبنائهن القتلى والمفقودين، والأطفال الجوعى فى الشوارع بالملايين؟

الحقيقة هى الدم والأجساد فى الشوارع، وليس الحبر على الورق فى حقائب المحامين ودوسيهات القضاة ودواليب المحكمة وسراديب القانون

فى كل عهد هناك المقدس والمدنس

القوة الحاكمة السياسية هى التى تحدد للشعب ما هو المقدس وما هو المدنس، ما هو القانونى وغير القانونى، ما هو الشرعى وغير الشرعى، أما الحقيقة فهى تدفن فى التاريخ، حتى يملك الشعب كتابة التاريخ بنفسه حتى تملك الأم المنكوبة القلم، وتكتب تاريخ حياتها بنفسها، لكن الأمهات المنكوبات أو الشعوب، لا تملك كتابة التاريخ دون أن تتعلم الكتابة، وكم من شعوب تدفن فى التاريخ لأنها لم تعلم نفسها، واعتمدت فى تعليمها على القوى الحاكمة، تندثر بعض الشعوب كما انقرضت الديناصورات لأنها لم تكتب تاريخها، لأنها لم تتعلم الحرية والعدالة والكرامة منذ الولادة،

إن التعليم هو الجهاز البوليسى لإخضاع العقول للحكم القائم، وقبول الظلم باعتباره العدل، تتحول التناقضات إلى مقدسات، تصبح الطاعة فضيلة والعبودية قمة الأخلاق، والعدالة تصبح عمياء تحت اسم القانون الحاكم.

يقول الحاكم أنا الإله الذى يحكم بالعدل، أنا الحقيقة ومن لا يرانى فهو كافر أو خائن للوطن، غابت الأدلة المادية والبراهين الموضوعية، غاب المنطق والبديهيات، وأصدرت المحكمة حكمها بقوة القانون المزدوج منذ نشوء العبودية حتى اليوم، تحكمنا قوانين مزدوجة، مروراً بالعصور الملكية والجمهورية، حتى عهد مبارك والمجلس العسكرى، الحاكم من بعده ومعه القوى السياسية الطافية فوق السطح، الوجوه المزدوجة، تدربوا على التناقض باسم الحكمة أو القانون أو الدين أو السياسة، العلماء والفقهاء والحكماء، الأساتذة فى الجامعات والمدارس، يعلمون الأطفال الطاعة لرب العائلة فى الدولة والبيت، من علمك حرفاً صرت له عبداً، اليد التى تطعمك الثمها وقبلها، يتعلم الأطفال المهانة والذل والنفاق للسلطة، وأنا أقول لك أيها الإنسان المصرى المولود بعد الثورة، الطفل أو الشاب أو الشابة فى أى عمر، لا تصبح عبداً لأى معلم أو حاكم أو رب عائلة، لا تنحن لتقبيل أى يد، اليد التى تطعمك (لو أهانتك) اضربها، نعم اضرب اليد التى تطعمك لو فرضت عليك الطاعة أو العبودية، هذا أول درس فى الكرامة، لا تنكسر عينك لمن يعطيك المصروف. رأيت فى طفولتى الفلاحين يقبلون يد العمدة الذى يسرقهم، ورأيت الطفل يقبل يد الأب الذى يجلده، لكنى سمعت أبى يقول لنا ولغيرنا من الأطفال: طاعة الحاكم رذيلة وليست فضيلة، وتقبيل اليد التى تطعمك فى البيت أو الدولة عبودية.

بعد الثورة المصرية التى أسقطت رأس النظام (وبقى جسد النظام قائماً نشطاً فى جميع المؤسسات) يطالبنا الحكام الجدد فى الحكومة والمعارضة، بالتسليم بنتائج الصندوق ومحكمة القرن، ويتهمون من يقاطع الانتخابات بأنه كافر بالديمقراطية، ومن يرفض حكم المحكمة (محاكمة مبارك وأعوانه) بأنه ضد العدالة والقانون.

فى الخامسة من عمرى سمعت العمدة، القابض بيديه على كتاب الله يقول للفلاحين الثائرين ضد الملك والإنجليز: يا كفرة، لا تعرفون الله، يا جهلة يا أميين، لم تقرأوا كتاب الله قال له الفلاح الفصيح: يا عمدة، الله هو العدل عرفناه بالعقل وليس الله كتاباً يخرج من المطبعة.

الشلل السياسية والدينية والأدبية الجاهزة فى كل عهد، التقليدية والحديثة، من الطبقات المستريحة فى بيوتهم المتينة، الصامدة فى وجه الرياح والعواصف، يقطفون ثمار أشجار لا يزرعونها، وثمار ثورات لا يذرفون فيها دمعة عين أو قطرة دم، يملكون الثقافة والتعليم والإعلام والأدب والدين والطب والكتب (منها كتب الله)، بسرعة يجعلون أنفسهم بعد الثورة، وسطاء بين الحاكم الجديد والشعب الثائر، يعينون أبناءهم وبناتهم فى المناصب المعروضة، والتكتلات المتاحة والأحزاب الجديدة، المفصلة عليهم والمطيعين والمريدين والأتباع، يجتمعون من وراء الأبواب المغلقة فى القاعات النظيفة، بعيداً عن زبالة الشارع وميدان التحرير، بعيداً عن رائحة عرق الجوعى والأطفال، والأمهات الراقدات فوق الأسفلت، المقتولات فى الحر والبرد، دم أبنائهن شربه التراب والطين، عيونهن نزفت وجفت وتقيحت، والعيون النضرة تلمع بالنجاح والأمان، تتلصص من وراء نوافذ سياراتهم المغلقة بأحكام، يصدرون ما يكتبون من وثائق أو بيانات إلى أبواق الإعلام، باعتبارهم مندوبى الشعب والثورة، يقولون الثورة المجيدة، والانتخابات التاريخية غير المسبوقة، الصندوق مقدس، والقضاء شامخ مستقل، ثم يتمطع الجبل فيلد فأراً، وتتمخض المحكمة عن حرباية، صفراء رمادية بلا لون، تبدو الإدانة كالبراءة أو نصف البراءة، والسجن المؤبد كالإفراج المؤقت أو نصف الدائم، كل شىء زائل إلا وجه ربك، تغيب الحقيقة الساطعة كالشمس، تنطلق الأبخرة والتعاويذ من المؤمنين وغير المؤمنين، يتمشى الحكام الجدد بأروابهم القشيبة، مختالين بالحكمة الإلهية وقداسة القانون، العدالة عمياء، لا ترى الحقيقة.



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النساء والفقراء.. هل ينتخبون أعداءهم؟
- النيل يتدفق فى السويد رغم ظلم العالم
- علاقة الأخلاق بقطع أجزاء من الجسم؟
- أنتخب رئيساً يفتقد شجاعة التعبير؟
- ثغرة الدستور لتسريب «العدل» والنزاهة
- صوت المرأة ثورة
- رغم أنف «أبوالهول» وخطر الحماية
- الرجل خلف الرجل على المسرح
- وكلمات الثورة يسرقونها أيضاً
- فن المستحيل «حوارات نوال ومنى»
- الخلع البائس.. ومجلس المرأة القومى
- المرأة ورفع الحجاب عن العقل
- النساء والدولة وفضيلة الركوع
- فتاة ثائرة فى ميدان التحرير
- نوال السعداوي - كاتبة و مفكرة و ناشطة نسوية - في حوار مفتوح ...
- كرامة المرأة وكرامة الوطن فى الدستور الجديد
- الطاعة مقابل الإنفاق فى الزواج والعلاقات الدولية
- نحو حركة «الإبداع والثورة»
- مجلس ثورى رئاسى يتسلم السلطة
- لا يحق لكائن من كان الكشف عن العذرية


المزيد.....




- مصممة على غرار لعبة الأطفال الكلاسيكية.. سيارة تلفت الأنظار ...
- مشهد تاريخي لبحيرات تتشكل وسط كثبان رملية في الإمارات بعد حا ...
- حماس وبايدن وقلب أحمر.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار ...
- السيسي يحذر من الآثار الكارثية للعمليات الإسرائيلية في رفح
- الخصاونة: موقف مصر والأردن الرافض لتهجير الفلسطينيين ثابت
- بعد 12 يوما من زواجهما.. إندونيسي يكتشف أن زوجته مزورة!
- منتجات غذائية غير متوقعة تحتوي على الكحول!
- السنغال.. إصابة 11 شخصا إثر انحراف طائرة ركاب عن المدرج قبل ...
- نائب أوكراني: الحكومة الأوكرانية تعاني نقصا حادا في الكوادر ...
- السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق لمشروع ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوى - تحت غطاء الصندوق العدالة عمياء!