|
قصة قصيرة :عجيبة هي الحياة
بديع الآلوسي
الحوار المتمدن-العدد: 3768 - 2012 / 6 / 24 - 22:24
المحور:
الادب والفن
لم تفعل خرافة الشكولاته فعلها ، أيقظني باكرا ً . ألم في صدري كاد يخنقني ، نهضت من سريري، تملكني احساس ان روح السمكة تركب وعي ، خذلتني ساقايِِ إثر دوار مباغت . قلت : ـ عجيب ،إنهما ترتجفان ، قطعا ُ إن ذلك يرتبط بأنخفاض الضغط . ارتميت على الكرسي ، رافق كل ذلك إرتباك او التباس في ادراكي بما حولي . إحساسات الليلة المنصرمة بعدها تجثم على روحي وتفقدني التوازن ، كلما تفحصتها يقشعر بدني ، إنها مزيج مِن دهشتي بالعالم الأرضي والخوف من ما يتربص بي في العالم السماوي . اللعنة ، الحياة تعاكسني وتثنيني بإزعاجاتها ؟ . لم يخطر ببالي ان ضحكي ، رغباتي ، أحلامي كلها ستؤول وتنتهي الى التساؤل : ـ ماذا أنا فاعل ؟ . إزداد تعكر مزاجي حال تذكري للسنين السبعة من عمري التي دفنت في السجن ، إنها لم تهبني سوى القرف و اللاجوى، الأشهر الثلاث الأولى من الإعتقال عمقت شرودي وحقدي اللاواعي تجاه كل شيء . لم أفز من الحياة إلا بتجارب تزيد تجهمي ، كان الأحرى بي ان لا ألتحق بالحرب ، لكني خطوت اليها كأي ابله ، انها أورثتني السذاجة ، رويدا ً ..رويدا ً. بدى لي للوهلة الاولى أن الكرسي يتحرك نحو النافذة ، لكن ما يثير عجبي أن الهواء تحول الى كتلة هلامية تستفزني بسطوتها . رغم ذلك التوتر ، لا أدري لماذا تعاضمت لهفتي للركض الى المستنقع. اشتبك الزمن وتعقد حين تعذر علي تحريك ساقي ، وقتها قلت : هيا ، لا يقتلك التخاذل . لم اعد افهم ما يجري ، ولماذا صار مستحيلا ًتحقيق رغبتي الصغيرة بالمشي . حاولت ان افلسف الأمر ، قلت في خلدي : ـ ربما الأمر لا يتعدى كابوسا ً اخرق ، من السخف الركون الى هذه العذابات . أيعقل ان يكون كل ذلك بسبب إنبهار ذاكرتي حد الهوس بالمستنقع ، مع إن تلك المشاعر لا تتعدى سوى مغامرات طائشة ، لتتحمل حواسي وجع الحياة . الإرباك الذي يداهمني زاد حالتي سوءا ً . المحاولة العاشرة كانت غير مجدية . ولم تسعفني ساقاي على النهوض ، صدمت الفوضى وعيي ، ، بدأت تنبعث رائحة لا إفهمها ، شعرت بالتقزز ، إنتبهت حينها الى هول ما انا به ، قلت مندهشا َ : عجيبة هذه الحياة ، لماذا تغيرت احوالها على هذا النحو السيء دون سابق إنذار. ياه ، لحضتها شلني القنوط لكن خاطري تمادى محاولا ً أن يظل مسكونا ً بالتمرد . تجاوزت الأزمة حدود شجاعتي حين التبس في مخيلتي الواقع والحلم ، الوهم بالحقيقة . عجائزالمستنقع كسرن السكون بالصراخ ، إنحسر الصراخ في فمي ، متيقنا ً إن هذا الفعل سيكثر الضجيج المشؤوم ويلطمني بالخذلان . توقفت عن مطاردت الأفكار ، بعد لحظات ، بدأت ارى من خلال النافذة تساقط الأوراق شجرة البلوط الذهبية ،هذه الالتفاته جعلتني اتحفز ، بدت لي الطبيعة وكأنها تتجاوز حدودها الغرائبية ،كأنها تصرخ عوضا ً عني ، وبعيدا ً عن الكراهية التي تملأ ذاكرتي . لم يبق لي سوى تأمل الأوراق المتراقصة ، انها حتما ً تنتظر لقائي . ما زال فكري يتساءل : ـ كيف لي ان أتدبر امري الأن ! ؟ . ليس محض صدفة اذن أن يتوقف قلبي عن مزاولة مهامه بعد ساعات هو الاخر . لم أحتمل بعد رتابة اللعبة ، التي هي اكثر من مجرد وهم او حلم ، إكتشافي الآخر كان محموما ً، سأفارق بهرج الحياة المدهشة ، يا للشيطان ، سأدفن ، سأفارق الأضواء والموسيقى ووردة فريسيا * والمستنقع ، أيعقل أن صديقي العدم سيقضمني كما اقضم تينة برية ، سأتحلل وسيتلاشى طعم الشوكلاته ، أبهذه السهولة ستنتهبي القضية اذن !؟ . آه ، هل ثمة أشياء يمكنني ان أ ُصدقها ، عقلي صار كل شيء يتطفل عليه ، لكن سطوة الأوراق الذهبية ذكرتني بعشوائية الموت ، الحقيقة الوحيدة التي لا تبارجني هي مرارة الغدر المفاجىء الذي لا يخلو من لؤم . لا أذكر لماذا قلت : هل روحي بدأت رحلتها ؟ . طارت روح ابي منذ خمس سنوات ، مر الزمن سريعا ً كانه البارحة ، لو عرف الان ان روحي تطير نحوه ، ربما إختل عقله من الفرح . في المقبرة التقيت بصديقي العدم الذي كان بإنتظاري ، قال لي : جاء دورك يا ... ، حينها اللاجدوى خسفت روحي ، ان امي اكثر الناس معرفة بي ، لكنها لم تقل لي لماذا انت بلا إمرأة او موهبه ، تعرف اني جبان ونتهى الأمر ، عالجت الموقف في المقبرة بإعطائي قطعة الشكولاته ، وردد جملتها الخرافية : قطعة منها تمكنك من العيش مرتاح البال شهرا ً كاملا ً . ياه ، اني اغطس في دبق حسرات تنهكني كذباب لجوج . أشتهي ترطيب مزاجي بسمفونية الوداع ** والتي ربما تغريني بتفحص الموقف وتحد من تذمري ، حسنا ً ، لنفترض جدلا ً اننا نؤمن بتلك الحقيقة التي تحتضننا بسؤالها المدهش : ماذا لو ..؟ . اللعنه ، لم أعد قادرا ً على ترتيب سلسلة أفكاري ، من يعطيني الشكولاته الأن ؟ ، اريد ان اتشبث بالحياة شهرا ً اخر . إني أتأرجح ، افكاري تتأرجح ، الورق يتأرجح ، تعصرني افكاري بلا شفقه ، اردت ان اتطاول و ابصق بوجه الحياة ، لكني شعرت بالذعر مخافة أن يسلخ الله فروة رأسي . ياللموقف الصعب والمخجل ، ان يقهرنا الخواء ، نشوة الغرائز قد بدأت تتفتت ، كل ذلك دفعني الى ان اقول : ـ سخافات ، كل ما يراودني ليس سوى افكارا ً بلهاء . عبثا ً التفكيير بأمي الان ، ربما سيتعكر مزاجها بعد موتي ، لكنها ستقضم الشكولاته ، وتنسنى ، كما نست ابي ، إنها بحق متصابية ، إختارت بعلا ً آخر في عامها السبعين ، ابي لم يعود وهي لا تروم اللحاق به . في الحقيقة اني أخترع التبريرات لأتذكر وجودي ، وجودي الحي والميت ، ما يزيد من شكوكي اني لم اعد اسمع ضحكة الحياة الغنجة ، هل مخيلتي فقدت جلال الإندهاش ايضا ً، انتبهت من وخزة العدم التي بدأت تلفحني بدفقات عدائية ، بدأت الحقيقة والوهم في رأسي يختلطان ، لكن هل حقا تنزهت البارحة عصرا ً ؟ ، ألم أر تلك السمكة الكبيرة الطافية على جرف المستنقع ؟ ، نعم نظرتها ببلادة باردة ، لكنها اربكتني فيما بعد ، اني في شك من كل ذلك الان ، لكني اذكر جيدا ً ان الأضواء إنطفأت وصارت المستنقع اكثر وحشة لكنه اكثر ضجيجا ً . هل كان كل ذلك ايضا ً حلما ً ؟ ، تعثرت ، استدرت على اعقابي هاربا ً من نداءات العجائز ، ليس ذلك وهما ً حتماً ، لأن السمكة التي جلبتها لأراقب عيونها الميته هي امامي الآن، في هذه اللحظة إقتنعت أن ما أصابني قريب من الوهم لكنه حقيقة يمكننا التوثق منها ، رجعت الى البيت متعبا ً ، محملا ً ومبهورا ً بالقمر السابح في المستنقع ، والعجائز الجائعات الى الثرثرة ، الواتي كن يصرخن ساخرات : ـ ماذا تفعل هنا يا ...... حقا ً الحياة عجيبة . كإنها فاصل بين حلمين ، فاصل بين زمنين . خيالي بدأ يتجمد ، أنطفأت امام عيني لذة الأمس تماما ً ، صدق ام أكذوبة ما جرى لم يعد يعنيني ، على هذا الكرسي صار كل شيء تخيلات بلا معرفة ، توقف الورق وتوقف نظري عن متابعته ، هل يعقل أن يكون ذلك أيضا ً كذبة او خداع بصري . يا ويلاه ، يا حسرتي ، سأنتهي واعود الى صيرورتي المبهمة . طفح ذهني بتساؤل أخير لوث دمي : هل حقا ً عشت كما يجب ؟. ياله من سؤال بليد ، اغلقت جفوني ، صار النور يجرحها ، الأحساس بالضلمة جارح هو الأخر ، استغثت ، قلت للرب : ارجوك لا تسلخ فروة رأسي . لزوجة الموت ادمعت عيني بمطر مهدار .... قلبي تسارعت ضرباته ،هواجسي الخالية من الشوكلاته أفسدها خيالي المنطقي . لذت بالصمت ... نعم كانت إحتياطاتي غير كافية لمجارات ما هو قادم . يوم غد سأختفي عن المشهد ،لأني سألج عوالم أخرى ..... نعم سيكون وجودي مصادفة ً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وردة فريسيا : (fressia ) تعني البراءة . 15 /12 / 2011 ** سمفونية الوداع : السمفونية 45 للموسيقار هايدن
#بديع_الآلوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرأس
-
صباح أسمر
-
هواجس : اللومانتية 2011
-
الأركان الضرورية للإبداع
-
طريق التغييرالى(( اين))
-
وجهات نظر عن ......
-
مرايا الإبداع وترويض اللوحة
-
عاشقة الفلامنكو
-
قصة قصيرة / الروزنامة الملعونة
-
قصص قصيرة جدا ً/ إعتراف
-
رسائل اليبرالي الجميل
-
وكان ماكان ..وقصص أ ٌخرى قصيرة جدا ً
-
قصة قصيرة جدا ً : من يصمت يحصد .....
-
قصة قصيرة : مسيرة راجلة
-
قصة قصيرة : ما قاله لها عن ....
-
قصص قصيرة جدا ً : اين / يوم ليس كباقي الأيام
-
سيدة الدوائر
-
احذروا الحب وقصص اخرى قصيرة جدا ً
-
قصة قصيرة :نحن من قتلنا الرفاعي
-
قصص قصيرة جدا ً / بلا ميعاد / ماعاد كما
المزيد.....
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|