طفولة الإنسان الطويلة

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3721 - 2012 / 5 / 8 - 17:48
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    

الغريب في الموضوع أن الإنسان كلما تقدم به العمر أكثر كلما كان تعليمه وتثقيفه صعباً جدا,وهو المخلوق الوحيد الذي يدعي بأنه أكثر مخلوق أو أكثر حيوان لديه كثيرا من الخبرة والدراية بالحياة ومشاكلها وكلما تقدم الإنسان في عمره أكثر كلما ازدادت فترة الطفولة التي يعيشها أو فترة الحضانة اللازمة له كي يبلغ سن الرُشد والبلوغ وذلك بخلاف كل المخلوقات حيث لا تتعدى فترة الطفولة لأكثر من شهرين لبعض المخلوقات ولسنة كاملة لبعضها الآخر ونقصد بهذا حاجة الإنسان إلى أمه وأبيه من أجل رعايته حيث لا يستطيع الاستغناء عن تقديم خدماتهم له, وهنالك عند الإنسان مرض نفسي نُسميه(نقص الطفولة)أو نقص في الحنان فمن الناس من يعيش خمسين سنة وأكثر وهو ما زال يعاني من نقص طفولة حاد فيظهر ذلك على سلوكه دون أن يشعر بذلك في مرحلة متأخرة من مراحل العمر,وتحتاج بعض المخلوقات لساعات حيث تفقص من البيضة مباشرة وتذهب إلى البحر لتمارس حياتها الطبيعية على نهج أسلافها دون أن يتدخل أحد بتعليمها وبتربيتها وتنشئتها وعلى الأغلب تحتاج بعض الحيوانات اللبانة إلى رعاية الأم فقط لا غير بعكس الإنسان الذي يبقى بحاجة إلى الرعاية من كلا الطرفين وربما أن ذكور الحيوانات اللبانة وغير اللبانة لا تعرف بأنها آباء ولديها عائلة كالثيران والكلاب والأسود والنمور فكل أولئك من جهة الذكور لا يعرفون ما هي الأبوة ولا يعرفون بأنهم آباء عليهم كثيرا من الواجبات,ولا تحتاج تلك المخلوقات إلى دروس دينية ووعظ وإرشاد من أحد بل هي تتولى المسئولية لوحدها,ما عدى الإنسان حيث يخضع للرعاية الصحية الكاملة لعدة سنوات بل لعشرة ولثمانية عشر عاما حتى يبلغ أشده فإذا بلغ أشده انفصل عن أمه وأغلب الناس يعيشون لثلاثين سنة أخرى وهم ما زالوا في طور النشأة والتربية وتتكفل مدارس رياض الأطفال ومراحل التعليم الإلزامية بتربية الإنسان حتى يقف على قدميه وعلى الطريق الصحيح والغريب في هذا الكائن المدعو إنسان بأنه كلما تقدم به العمر كلما اكتشف بأنه جاهل وما زال بحاجة إلى التربية المستفادة من خطط التعليم والإرشاد النفسي والصحي وإلى معالج نفسي خاص يزوره مرة أو مرتين على مدار السنة,لذلك فترة الطفولة عند الإنسان هي أكثر منها عند باقي جميع المخلوقات على وجه الأرض,وأنا شخصيا لا أستطيع الدخول إلى المطبخ وحدي لكي أأكل أو اشرب وما زلتُ بحاجة ماسة إلى شخصٍ آخر لكي يطعمني ويحضر الطعام أمامي وفي بعض الأوقات أكون مكتئبا وحزينا وغير قادر على البلع وقبل شهرٍ من هذا التاريخ كانت أمي تتوسل لي بأن أأكل كما كانت تتوسل لي وأنا طفل صغير,وأنا على علم بأن هنالك الملايين من البشر أمثالي حتى هذه اللحظة ما زالوا أطفالا وهم في مقتبل الثلاثين أو الأربعين أو حتى العشرين.

فأشبال الأسود تكبر وتنضج في سن مبكرة وتتدرب على الصيد وتصبح أمام الطبيعة قادرة بسليقتها على درأ الخطر عن نفسها بوسائلها الدفاعية أما نحن البشر فما زلنا بحاجة لمن يدافع عنا وما زلنا بحاجة إلى متخصصين بالقانون لكي يحاموا عنا وعن حقوقنا المدنية ,وكذلك المخلوقات الرئيسة مثل بعض... أو غالبية أنواع القرود والغوريلا لديها فترة طفولة أقل من الفترة التي يعيشها الإنسان رغم أن وزن دماغها أقل من وزن دماغ الإنسان ومع ذلك فترة الطفولة لديها قصيرة جدا,ولم يكن الإنسان قديما يعيش فترة طويلة من الطفولة إلا فترة قصيرة حيث كان ينضج أشبال الإنسان وأفراخه في سنٍ مبكرة مثله في ذلك مثل المخلوقات الأدنى منه ولكن هنا نقع في ملاحظة غريبة وعجيبة وهي أن الإنسان باعتباره أفضل المخلوقات هو المخلوق الوحيد الذي تزداد عنده مراحل نموه ومراحل الرعاية الطفولية كلما ادعى بأنه متطور أكثر من أسلافه, وتأخذ الطفولة منه ومن والديه فترة أطول حتى يصبح محل ثقةٍ ومسئولٍ أمام القانون عن تصرفاته وسلوكياته, وحتى في سن الأربعين أو الثلاثين يتعرض أو يرتكب الإنسان بعضا من الحماقات ألتي تؤدي به إلى السجن ليعيش فترة أخرى من الإصلاح والتأهيل لكي يكون بعد ذلك قادرا على الانخراط في المجتمع المحلي ,ويخضع الإنسان من طفل صغير حتى يصبح إنسانا كامل الوعي إلى كثيرٍ من الدروس التي يتعلمها ويحفظها لكي يصبح واحداً من بين الملايين, وقديما على حسب زعم أولياء أمورنا كان الولد في سن الرابعة عشر يعتبر في نظر ولي أمره عاقلا ومسئولا عن تصرفاته وقادرا على قيادة الجيوش ويتحمل المسئولية وهذا من الملاحظ على أسلافنا أنهم على حد تعبيرهم كانوا رجالا أشداء وهم في سن مبكرة من العمر والتي يقدر لها بأربع عشر سنة للبنات وللأولاد,أما اليوم فالموضوع مختلفٌ تمام الاختلاف إذ أنه من الملاحظ أننا ونحن في مقتبل الأربعين أو الثلاثين نشعرُ بأننا ما زلنا بحاجة إلى الرعاية الصحية والاجتماعية.

ومن نصفهم بأنهم بهائم كالحمير وما شابه ذلك يعيشون فترة قصيرة من الطفولة لا تتعدى الأشهر وبعد ذلك يعيش الحيوان منفردا عن أمه ومسئولا عن تصرفاته إلا الإنسان لا يمشي بشكل مستقيم إلا إذا عاقبته أو أخفته أو حذرته أو نخشته بعصا كما تنخش الحمار أو البغل.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل