محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3713 - 2012 / 4 / 30 - 18:00
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
اليوم يوم العمال العالمي
محمود فنون 1|أيار|2012م
ما هي الظروف التي يأتي فيها يوم العمال هذا العام؟
لقد بهتت الاحتفالات بيوم العمال العالمي عما كان عليه الحال في العقود السابقة ,فما هو الحال اليوم:
يقف العالم اليوم في مرحلة حرجة ورجراجة ,بعد مضي عقدين من الزمن على اختفاء الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية,التي كانت تشكل قطبا مقابلا للقطب الرأسمالي المكون من الدول الاوروبية الرأسمالية وأمريكا واليابان .
خلال هذه الفترة والتي سميت فترة القطب الواحد ,تفردت امريكا بل تغولت وعمقت سيطرتها وقبضتها على العالم الرأسمالي وكل أرجاء الأرض.
وأخذت تعود بالتاريخ الى مرحلة الاستعمار (الامبريالزم) التي قضت عليها حركات التحرر الوطني في العالم وانتهت في سبعينات القرن الماضي بانتصار فيتنام ودول جنوب شرق آسيا وما تبقى من دول افريقيا, ولم يبق من هذا النمط تحت الاحتلال الامبريالي الاستيطاني سوى فلسطين,وذلك بعد ان نهضت حركات التحرر الوطني في كل من آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية في نهاية القرن التاسع عشر ثم أخذت بعدا جديدا منذ الحرب العالمية الاولى(1914-1918) وحتي عام 1975م.في تلك المرحلة كانت بريطانيا وفرنسا تسيطران على معظم بقاع آسيا وأفريقيا .
بعد الحرب العالمية الثانية ,تبوأت امريكا زعامة العالم الرأسمالي وظهر حلف شمال الأطلسي (الناتو),وظهرت منظومة الدول الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي وتشكل حلف وارسو مقابل الناتو.
وظهرت ما تعرف بالحرب الباردة بين القطبين .
في سياق ذلك تم الإجهاز على مرحلة الاستعمار الذي كان يعرف بالاستعمار الحديث(الامبرياليزم)بدعم وإسناد نزيهين لحركات التحرر الوطني من قبل الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية .كما كان هذا القطب يدعم الحركات العمالية والثورات الاجتماعية والتحررية ضد حكم الرجعيات المحلية التابعة للدول الرأسمالية بأشكال متعددة والتي كانت تشكل مناطق نفوذ ومواقع استغلال للدول الرأسمالية .
فكانت اللوحة العالمية واضحة ومتبلورة كما يلي :
--منظومة الدول الاشتراكية ,والدول المستقلة حديثا والراغبة في الانفصال عن والتحرر من التبعية للدول الامبريالية وبناء اقتصاد وطني مستقل مثل مصر الناصرية والهند ويوغسلافيا وغيرها والتي تزعمت منظمة عدم الانحياز التي تشكلت عام 1955 م (أي الاستقلال عن النفوذ الغربي)وحركات التحرر الوطني في العالم والقوى اليسارية المناضلة ضد الاستغلال الرأسمالي والنظام الرأسمالي ومن أجل بناء النظام الاشتراكي .
في تلك المرحلة كان الاحتفال بيوم العمال العالمي يأتي عبر حالة كفاحية عميقة وواسعة ضد الرأسمال والطغم الحاكمة وكانت الطبقة العاملة مدعومة بعموم الكادحين والفقراء تعبر عن قوتها كجيش عظيم يمتلك المستقبل ويشكل خطرا على الوجود الراسمالي برمته.
--مجموعة حلف شمال الأطلسي واليابان وكندا ,ويتبع لها الدول الرجعية في العالم والخاضعة لنفوذ الدول الاستعمارية المذكورة مثل دول الخليج والمغرب وتركيا وايران(قبل الثورة)والكثير من دول العالم في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي استقلت وخرج الاستعمار من الباب وعاد من الشباك.
وخلال العشرين عام الماضية تفرق شمل القطب الاول وتفرد القطب الثاني وسميت المرحلة بمرحلة "أحادية القطبية"هنا تزعمت أمريكا وتغولت على الجميع ووقفت بالمرصاد لكل محاولة تحرر أو إفلات من هذا النفوذ وعادت لاستخدام الطرق الاستعمارية بما فيها الاحتلال المباشر الذي حرمته الشرائع الدولية ,بل وشرعت الكفاح الوطني للتحرر منه بكل السبل بما فيها الكفاح المسلح.
هنا شرعت أمريكا لمحورها باستخدام القوة لضرب كل من يحاول الخروج على طاعتها كما حصل كولومبيا والصومال و في مناطق البلقان وكوسوفو وافغانستان والعراق أولا وثانيا وكما حصل في ليبيا وكما هي المحاولات الجارية لضرب ايران وسوريا وحزب الله بالقوة العسكرية والعقوبات متعددة الاشكال من أجل الاخضاع بكل السبل .
ان محاولة خرق هذا التوازن هي عملية موضوعية جارية ولكنها لا تزال ارهاصات تؤشر على :
-ضرورة خرق هذا التوازن الدولي الحالي المتمثل بأحادية القطبية
-سعي امريكا وقطبها للحفاظ على هذا التوازن مهما كلف الثمن حتى لو لزم استخدام القوة العسكرية للناتو .
-ان العوامل الموضوعية الفاعلة في البنى الاقتصادية الاجتماعي ,لا تتوقف بفعل الارادة الامريكية وان التناقضات الاجتماعية والازمة العميقة للنظام الرأسمالي مستمرة ,بل انها في ازدياد وأمريكا في تغول وتفرد ,
-ان صيغة (كل العالم فداء لأمريكا ),وكل اقتصاديات العالم ,جندي للدفاع عن الاقتصاد الامريكي هي من مظاهر ازمة هذا القطب والتي أخذت بعدا جديدا من عام 2008م .
-ان الحراك الاقتصادي الاجتماعي عاد ليأخذ فرصته مرة أخرى في امريكا ذاتها حصن العالم الرأسمالي ,وهذا الحراك الذي شعاراته الرئيسية ضد قبضة المال انما يوجهه ضد جوهر الاستغلال الراسمالي ,والطغمة المالية وكل مظاهر الاستغلال الرأسمالي .
هنا تعود ارهاصات الفعل المباشر لتناقضات العالم الرأسمالي الى التكثف والظهور على شكل:
- تناقضات الدول رالرأسمالية ذاتها والآن تتزعم روسيا الاتحادية مثل هذا المظهر وتقف الى جانبها الصين ,كما تظهر تباينات عديدة بين الدول الر أسمالية في المناسبات المختلفة .
-التناقض بين المركز الرأسمالي وشعوب الدول التابعة الذي أخذ اوائل تعبيراته في الحراك الشعبي العربي الذي تحاول الامبريالية والرجعية المحلية لجمه (قد تلجمه مؤقتا ولكنه انطلق وانتهى الامر)
-حركات التحرر الوطني في العراق وافغانستان في مواجهة الحلف الامبريالي كله وهو في طريقه الى الخسران.
-انتشار حركات الشعوب الاوروبية في مناهضة سياسات الدول الرأسمالية في انحاء متعددة في اوروبا .
-تعمق التناقضات الاجتماعية في الدول الأوروبية التي تقع على الاطراف كما في اليونان واسبانيا نتيجة لأزماتها العميقة.
ان اللحظة التاريخية الحالية هي لحظة رجراجة ,حيث وفي ظل فترة احادية القطبية ,تظهر قوى اقتصادية جديدة مناقضة للغرب الاستعماري كالصين والهند وايران ,وتظهر قوى ممانعة جديدة كروسيا والصين ,وتظهر نتائج التسلط الرأسمالي الاستعماري على شعوب الارض من خلال الانتفاضات الواسعة في البلدان العربية ,وتتكشف جملة التناقضات الداخلية في الغرب الرأسمالي اثرغلاء المعيشة وتراجع الاجور ونكوص النظام الرأسمالي الغربي المتدرج عن الصفقة التاريخية مع الطبقة العاملة في اربعينات القرن الماضي في مواجهة الاصلاحات وامتيازات العمال في الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية .
كل هذه مجرد مؤشرات وربما ارهاصات تأتي تعبيرا عن جملة تناقضات العالم الرأسمالي والتي تعيد انتاج ازماته هذه المرة بشكل أخطر ويبدأ من مركز الرأسمالية والأطراف معا .
ان الحرب العالمية لم تعد وسيلة لانعاش النظام الرأسمالي كما حصل في القرن الماضي ,بل ان الحروب قد أصبحت حقيقة عبئا على الامبريالية مع انها تقبض ثمنها نقدا ,ذلك ان المال ليس العامل الحاسم ,كما انها خطيرة جدا وحروب فناء للبشرية بحكم امتلاك اسلحة الدمار الشامل .
ان التناقضات سوف تفعل فعلها مما سوف يؤدي الى ظهور قوى سياسية شعبية وطبقية جديدة وتجديد جوهري للقوى اليسارية التي لم تنخرها الامتيازات بعد ,لتقف في وجه الرأسمال في كل بقاع الارض.
وان موقف امريكا والرجعيات العربية ومعها الرجعية التركية ,في لجم الفعل الثوري في البلدان العربية وتحويله الى نقيضه قد ساهم وسوف يساهم في كشف السياسة الامبريالية الامريكية وحلفائها اكثر فأكثر وتحديدها في صف الاعداء ,وتأجيج الحراك الشعبي العربي بوصفه حركة تحرر وطني وديموقراطي واجتماعي.
وسوف يأتي الوقت الذي يعود فيه يوم العمال يوما كفاحيا في العديد من البلدان كما سيتحول الى يوم احتفالي بعد انتصار الطبقة العاملة .واليوم يحتفل به معتقلي اليسار الفلسطيني في السجون وهم يخوضون اضرابا مفتوحا عن الطعام دفاعا عن وطنهم وحريتهم وحقوقهم مع اخوانهم من المناضلين الفلسطينيين على طريق الحرية والانتصار.
#محمود_فنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
