أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كافي علي - تداعيات امرأة منفية














المزيد.....

تداعيات امرأة منفية


كافي علي

الحوار المتمدن-العدد: 3707 - 2012 / 4 / 24 - 10:46
المحور: الادب والفن
    


أنكش رمادي باحثة عن جمرة المنتهى، لكن هذا الرماد يحمل أثقاله وقسوة الأيام وخز إبرة في ضمير الذكريات. كيف لنا أن نتعلم من الخطأ ونحن الخطأ الأكبر في هذا الوجود. مدينة الجهل سيدها القادر المقتدر على هلاك أهلها بيسر دون عسر، خوفها نغل يتناسل، والعتمة تجثو على صدرها تشد عليه وتكتم أنفاسه. بلا صواب أهرول من ركن إلى ركن ومن زقاق لآخر، أبحث عنك متلفعة بسواد الليل وعباءتي، متحاشية رصاص القتلة المبعثرين على امتداد الطريق. ألمح من بعيد ظل رجل أعرفه جيداً، يغويه اللهو مع الموت ويعشق التسكع في طرقاته. أستوقفه وأسأله عنك فيشير بسبابته إلى حشد من الملثمين يطوفون حول جثة أجهضها الرصيف كوثنيين يطوفون حول قربان للرب. ألملم خوفي وأطلق صرخة الرحمة بأن لا تكون أنت ذلك القربان.
يبللني العرق فأفتح عينيُّ لأبصر ضوء النهار وقد اخترق نافذة الشرفة تاركاّ خلفه المصباح المعلق بسقفها يهتز بانتظام وكأنه بندول تدلى من السماء ليختصر بتأرجحه زمن البقاء. تقودني سياط الكابوس والذاكرة لساعات حب سرقناها من لب الخراب...عمق الألم ...ومن ضجيج الصرخات. لم يكن يفصل بيني وبينك غير طبق تلتقط ما فيه من طعام، تعمده بقبلة وتدسه في فمي لأنك تريد لطفلك العائم في احشائي ان يكون قوياً. كانت الكلمات تنزلق من شفتيك ناعمة كحبات المطر، صادقة كضحكات الأطفال قبل أن تغتالها أستغاثات جارنا الذي هجم عليه الملثمون. لم تكن تنتمي لغير فطرتك عندما رميت ما بيدك وانطلقت مسرعاً تلبي نداء استغاثته.
يفر صوت الرصاص من الذاكرة ويتداخل مع صوت الموسيقى القادمة من الطابق السفلي. العجوز السويدية الشقراء أعتادت شرب قهوتها الصباحية وهي تصغي لسمفونية بحيرة البجع لتشايكافسكي. هذا ما قالته لي وهي تمسح بيديها على رأس كلبتها الراقدة في حضنها وتجرني بغنج خلفها لتريني اجزاء الشقة التي أنوي استئجارها . طلبت منها أن لا تغير شيئاّ في المكان حتى يصدر القرار بأمر لجوئي وحصولي على الاقامة.
كنت أرتعد خوفاً عندما خرجت خلفك أتوسل اليك أن تعود وتتركهم وشأنهم، ما لنا والمروءة في مدينة رحمها مشوه لا ينجب سوى العنف. قبضت علي بكل ما لديك من قوة وقذفتني إلى الداخل، أمرتني بأن اظل مكاني ولا اغادر المنزل. توترت ساقاي واعتلتني رعشة بددت حر آب، وكأن يد الشيطان هزتني، لطخت ثوبي بالدم وأسقطتني في هاوية الانتظار. في المستشفى أخبرتني إحداهن مازحة بأن بيتنا تضمخ برائحة كريهة سببها اختلاط الطعام بالدم وعندما سألتها عنك، تموجت سحنتها وقالت أن عملية البحث عنك وعن جارنا الذي اختفى هو الآخر مازالت مستمرة. و كما أختلطت رائحة الطعام الفاسد بالدم، اختلطت رغبتي في الحياة مع الموت ولم يبق سوى الخواء فكان لا مفر من الرحيل.
هنا في زمهرير غربتي أستدعيك...أكرر توجيه الدعوات اليك... أعد لك مائدة العشق التي ألفناها، ودونما خجل أقف بزهو أمام المرآة. البس أجمل ما عندي من ثياب وأقرر أن أكون ملكة جمال اللحظات. ولا يفوتني أن اكحل عينيّ بنفس الجنون الذي عشقته فيهما وأنتظر...أنتظر...أنتظر. سألني المهرب وهو يقبض من جسدي ما تبقى من ثمن صفقة التهريب عن الحب. غرقت في صمتي وعبارة تقفز في رأسي كطفل مشاكس يرفض الإنصياع لوالديه. مالي وللحب! لي رجل يتعبد جسدي كل يوم مرة او مرتين. الحب نشوة تفوح برائحة الوطن والدم المُراق. اعود وادور في مساحة وحدة قياسها الزمن المستلقي على تقاطيع وجهي بين المرآة والمائدة..المائدة والمرآة حتى أسمع خطاك خلف الباب . ها انت تدنو من باب روحي شيئا فشيئا، أهم بلقائك وبلهفة الجياع لرغيف الخبز أفتح الباب فيدفعني هواء بارد يجتاح المكان. يسخر يومي مني من جديد، أغلق الباب خلفي وأعود أسحل خيبتي إلى المائدة، ألتهم ما عليها من طعام ثم أحمل حقيبتي وأغادر الى العمل.



#كافي_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجمهورية الوطنية
- وقفة مع انشتاين
- كوميديا عروس السيد
- قتلي بأسم الله
- بنت الشوارع
- موتٌ مؤجل


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كافي علي - تداعيات امرأة منفية