|
مساهمة في ملف تركيبة الطبقة العاملة في عيد الأول من ماي 2012
زيني محمد الأمين عبّاس
الحوار المتمدن-العدد: 3709 - 2012 / 4 / 26 - 21:13
المحور:
ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012
رمزيّة الأول من ماي كل سنة هي رمزية مركزية بالنسبة لكل عمال العالم سواء منهم أولئك الذين يخلدون ذكرى النضال العمالي المطالب بالحقوق وتحسين ظروف العمل أو أولئك الذين يحيون ذكرى أحداث 1886 المأساوية في أمريكا والتي ذهب ضحيتها عمال أبرياء غير أنها بالنسبة لكل ذوي الخلفية اليسارية إضافة إلى كل ذلك تعتبر مركزية لما لها من صلة محورية بالفكر وبالإيديولوجيا. شخصيا لست من العمال وأنا على هذه الحال منذ مدّة ليست بالقصيرة وكل أيام الأشهر والسنين عطلة بالنسبة لي ولا يختلف عندي الأول من ماي عن غيره من الأيام لذا سيكون اهتمامي بالمناسبة من زاوية ما عهدت عليه نفسي من نزعة جامحة للنقد وللتحليل طلبا لندرة ولأصالة الأفكار. وأبدا في النقد من البداية بالتساؤل عن ما إذا كان اليساريون عموما والشيوعيون منهم بشكل خاص ينفذون لمخاطر الخطاب الذي ما يزال يروّج لفكرة الطبقية – وكل أسئلة الموضوع المطروح للنقاش في هذا الملف تدلل على ذلك - للصراعات الطبقية والهيمنة الإمبريالية وتضارب مصالح أرباب العمل ومصالح العمال ونحو هذه اللغة التي ما تزال بصفة الثابت في الخطاب اليساري رغم كل التحولات الهيكلية التي مر بها المعسكر الشرقي عموما ومجال انتشار الفكر الشيوعي بشريا وجغرافيا ورغم طيّ آخر صفحة في سجلّ الحرب الباردة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي بانهيار الإتحاد السوفيتي وقيّام روسيا الاتحادية على أنقاضه جغرافيا وابتعادها عن منهجه سياسيا واقتصاديا؟ ألا يرى معي اليساريون عامة والشيوعيون منهم بشكل خاص أن الحاجة ملحة لتغير جذري في الفكر وفي الخطاب؟ أنا من موقعي كمفكر مستقل إيديولوجيا، رغم ما بي من رواسب الميول اليساري بحكم تجربة مبكرة زمن الطفولة في أحضان الفكر القومي العربي بخلفياته اليسارية أجد نفسي ميّالا لنقد الإيديولوجيات عموما وأعتبر بقاء محوريتها في الفكر وفي الممارسة السياسية دليل تزمّت مخلّ بالجدوائية التي يجب أن تتطلّع إليها السياسة بالتنظير وبالممارسة وأدعّم مواقفي من نقد الأطروحات الإديولوجية التاريخية بملاحظة واقع أن أهداف الطرح الشيوعي المتمحور حول فكرة العدالة الاجتماعية والمساواة والدفاع عن حقوق العمال... تتحقق بكل ثبات في المجتمعات الرأسمالية من خلال الشبكات الخدمية المتطورة والفعالة والبنية التحتية وجمعيات التكافل الاجتماعي المساعدة على تحقيق الرفاهية والقوانين المنظمة لعلاقات العمل والتقليص المستمر لعدد ساعاته وتحسين ظروفه..... وأن الأهداف النظرية للرأسمالية كالهيمنة الاقتصادية وتنمية رأس المال واحتكار وسائل الإنتاج والسيطرة على الأسواق والاستفراد بالملكية تتحقق بشكل جلي في كل التجارب الشيوعية للحد الذي أصبحت فيه كل محاولات الإدارة والتنظيم الشيوعي بالممارسة تفضي دائما إلى رأسمالية الدولة وهيمنتها على الملكية وما يصحب ذلك من استشراء الفساد المالي والإداري والتغول السلطوي والعدالة في إشاعة الفقر والخصاصة والحرمان في أوساط الشعب والعمال بشكل خاص وتدني مستوى المعيشة والخدمات والحد من الحريات الفردية والجماعية. هذا الطرح وهذه القراءة النقدية للإيديولوجيا عموما والفكر اليساري بشكل خاص ضمنتها في تعليق على حوار أجراه موقع الحوار المتمدن (العدد 3538) مع الجيلاني الهمامي رئيس المؤتمر الوطني لحزب العمال الشيوعِي التونسي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: "إن عالما آخر أفضل ممكن ...عالم خال من استغلال الانسان للإنسان" ولم أتلق منه مع أسفي الشديد أي تعقيب على هذه الأفكار التي عرضتها تعقيبا على حواره وأرى فيها إرادة جادة للتحرر من القيود الإيديولوجية المكبلة لكل الجهود ومنهج توخي السياسيين أهلية تبصر مصالح الناس وطلبها بعيدا عن كل المحاذير في الخطاب والطرح الإيديولوجي والمواقف المسبقة من مناهج وأساليب العمل السياسي؟ وأسجل إضافة إلى ما تقدّم ملاحظتي بأن بنية اقتصاد عالم القرن الواحد والعشرين لم تعد تتيح بداهة علاقة الصراع التقابلية بين أرباب العمل والعمال ومصالحهم المتضاربة أو بين الطبقات ولا حتى معادلة المكننة والجهد العضلي...... كل ذلك في نظري يندرج ضمن السجل الأدبي للمراحل الأولى لتطور كثافة وفاعلية النشاط الاقتصادي البشري مع بروز التصنيع ويتناقض مع ما آل إليه الاقتصاد الإنساني من تراكم ولّد التعقيد والتشابك في المصالح مما يستوجب تكاتف جهود كل الأطراف في مواجهة تعقيدات الحياة بشكل عام وضيق الآفاق الاقتصادية بشكل خاص لرفع تحديات المرحلة التي تطرحها ثنائية الهيكلية الاقتصادية المتمثلة في الاقتصاد الحقيقي الذي تمثله الأنشطة واليد العاملة والإنتاج أو الاقتصاد المادي والاقتصاد الافتراضي الذي تمثله المعاملات المالية المعقدة في البورصات والأسواق المالية وما تفضي إليه من وقت لأخر من هلع في الأسواق والاقتصاديات وما يصاحبه من أزمات تؤدي في بعض الأحيان لإفلاس الدول ناهيك عن الشركات والمشاريع الصغرى والمتوسطة إضافة إلى التحديات التي يفرضها التفاوت في ظروف المجتمعات البشرية ودرجات اندماجها المختلفة في الاقتصاد النقدي وما ينجر عنه من اختلاف في تكاليف الانتاج وضرورة تغيير مواقع الاستثمارات وبعث المشاريع طلبا لمزيد الربح وتفاديا لتبعات العجز عن المنافسة في الأسواق كل هذه العوامل مجتمعة تشكل مقومات ظروف التأزم الاقتصادي العصري ونتائجه المعروفة التي تشكل البطالة أبرزها إضافة إلى الهشاشة البنيوية لاقتصاديات بلدان العالم الثالث التي ظلت منذ الاستقلال وحتى قبل أحداث الربيع العربي والثورات تجمع ما بين تناقض الخطاب السياسي المزايد بالاستقلال والتحرر ومناهضة الامبريالية والاستغلال...... والاعتماد على الاقتراض والاستدانة وما تعنيه من رهن الشعوب لمؤسسات النقد الدولية وشروطها المعهودة الموجهة لتقليص دور الدولة في الاقتصاد وتفويتها في شركاتها الانتاجية بحجة السعي للتخفيف من تأثير البيروقراطية الحاضنة للفساد الذي يكاد يكون سمة لصيقة بالقطاع العام في كل دول العالم الثالث. ومن أبرز نتائج هذه السياسات تعثر المساعي الأولى للتصنيع والتفويت في المواد الأول بأرخص الأثمان وبقاء تسويقها مرهونا بأعباء مصاريف النقل الباهظة ومصاريف التخزين في الأسواق العالمية إضافة إلى البقاء تحت رحمة المساومين من الحرفاء الذين يسعون لابتزاز كل الأطراف المتنافسة في السوق وهي عوامل كلها جعلت من سياسة التعويل على تسويق المواد الأولية خيارا اقتصاديا فاشلا مما دفع ببعض بلدان العالم الثالث عموما والبلدان العربية بشكل خاص لتشجيع المستثمرين استغلالا لمواقعها الجغرافية ووضعيات مجتمعاتها الصعبة وما تتيحه من يد عاملة زهيدة نسبيا وحاجة البلدان المتقدمة للإنتاج بظروف تسمح بتنافسية أفضل وهي سياسات برزت خلال العقدين الماضيين وصاحبها تسويق إعلامي لا يخلو من منطق المزايدة والكذب والتسويف للتغطية على حقيقة تمويل الفساد والابتزاز الذي كانت تقوم به الحواشي والمتنفذين على حساب البنية الاقتصادية الهشة مما ولد استغلالا فظيعا لليد العاملة وأداء اقتصاديا ظاهره بريق تدعمه مؤشرات تنموية جيدة في الاحصائيات والنشريات الرسمية والدولية وباطنه هشاشة اقتصادية وحرمان اجتماعي تتكفل سطوة الأجهزة الأمنية المسخرة لخدمة الحكام على إرغام الناس على تحمل لظى لهيبه مهللين ومطبلين للزعماء المصلحين المستشرفين....... هذه الظروف هي التي أدت بكثير من نتائجها إلى ما يعرف بالربيع العربي أو انفلات الأوضاع من أيدي المتنفذين وبقاء الشعوب في تيه ركام البلدان فريسة لهواة السياسة من كل الأشكال والأصناف يبيعونها الأحلام الوردية وجنان الدنيا والآخرة في الوقت الذي يبدو فيه عجزهم عن مجرّد تقديم برامج دالة على سلامة تشخيصهم للواقع مفضوحا ناهيك عن أن انكشاف حقيقة عدم أهليتهم لتبصر المصالح وطلبها بالإنابة والتطوع بات باديا للعيان في ظل ما شاب بعض التجارب التي توصلت فيها الشعوب لإعادة لملمة وضعها السياسي من دلائل الفشل البين للأداء الاقتصادي مثل ما هو الحال في تونس مثلا. ولعل ما يستوجب التركيز في هذا المقام بشأن تونس – التزاما بالموضوع – هو أداء القوى والأحزاب اليسارية ومصداقيتها الاجتماعية في الوقت الذي تمتاز فيه نظريا بأصالة الفكر وأسبقية الحضور النسبي بالساحة السياسية في العهود السابقة. ذلك الحضور الذي يوفّر مختصر نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي فرصة تقييمه كميا من زوايا متعددة: فمن وجهة نظر المنفردين دون غيرهم بثمار "ثورات الربيع العربي" من الإسلامويين وساسة حاضر الشعوب يعبّر التوصيف بجماعة الصفر فاصل عن غرور نشوة النصر الزائف وعن نوايا الإقصاء الدفين في خلفية الفكر والممارسة وعن عدم النفاذ إلى حقيقة الأمور، تلك الحقيقة التي يمكن تلمسها من خلال قراءة ما وراء شكلية آلية التفويض المنبثقة عن صناديق الاقتراع، إذ دخول قوى الحداثة بصفة عامة وقوى اليسار التقدمي بصفة خاصة لانتخابات 23 أكتوبر 2011 بأكثر من مائة حزب وما يفوق الألف وخمس مائة قائمة شتّت أصوات الناخبين للحد الذي أصبحت معه في المحصلة حركة النهضة بوزنها الذي يفوق المليون ناخب بقليل أبرز كتلة برلمانية وقرأت هواية قادتها في تلك النتيجة تفويضا شعبيا واسعا إن لم نقل أنها اعتبرته التفويض المطلق بعناوين الهوية والدين وتمترست خلفه بأساليب المزايدة والتندر على كل خصومها وانشغلت عن واجب التطلع بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها في هذه الفترة الحرجة متناسية الطابع النسبي للعملية الذي بموجبه تبخرت أصوات غالبية الشعب التونسي (حوالي 2.5 مليون ناخب) وذهبت نتفا على قدر أحلام تطلعات الزعامات الوهمية لبعض الشخصيات الوسطية واليسارية. فالقراءة من هذه الزاوية تبرز تناقض ادعاء الوعي وعمق الفكر السياسي لليسار التونسي في الوقت الذي يضيع فيه وزنه الانتخابي ولا يحسب للمرحلة حسابها بشكل دقيق ويجد نفسه في مثل هذه الوضعية مجبرا على الانتقال من صراع النضال والمعاناة في وجه أساليب القمع والإقصاء التي كانت تمارسها الأنظمة الدكتاتورية إلى النضال عبر مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والنقابات العمالية التي كانت حاضنته المنيعة على مرّ العقود الماضية من عمر الدولة في وجه مساعي السلطة الشرعية التي أفرزتها صناديق الاقتراع. وقوى الحداثة واليسار في مثل هذه الوضعية محققة أفضل ما يكون التحقيق لمضمون المثل التونسي الشهير الواصف لمعاناة من يتقاعس عن جمع البيض ويرهق نفسه في جمع الكتاكيت بعد التفقيس. هذه مختصرا قراءة نقدية تقييمية لدور قوى اليسار عموما واليسار التونسي بشكل خاص أقدمها إسهاما في هذا الملف بمناسبة الأول من ماي لسنة 2012 وأتطلّع إلى أن يكون تنزلها وفق المقصد على الأقل منزلة الرغبة في الحث على استخلاص العبر من مجريات المخاض السياسي الذي طبع فترة ما بعد أحداث الربيع بكل نجاحاته وإخفاقاته بغية الإعداد الجيد للاستحقاقات القادمة بما يحقق مقاصد العمل السياسي المركزية والمتمثلة في تبصّر مصالح الشعوب وطلبها بالكفاءة وبالإنابة والتطوع والتأهيل.
زيني محمد الأمين عبّاس 21 أفريل 2012
#زيني_محمد_الأمين_عبّاس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإسلامويون ومتاريس القانون
-
ربيع -التشاؤل- أو -التفاؤم- العربي
-
جدل السذاجة حول الشريعة والدستور
-
ربيع يزهر أم ريع غاية؟
-
وقعت فأس الإسلام السياسي في رأس الجميع
-
ردا على دعوة الحوار المتمدن للإسهام في الحوار أقول:
-
عدد اليهود في فلسطين حسب تقدير العرب
-
إلى أين تأخذنا يا زمن؟
-
-العالم العربي- بين الأمس واليوم
-
الإرهاب في خليّة طبّية وماذا بعد؟؟
-
الاستعمار كان ولا يزال خير من يحمل الأوزار
-
نزاع الصحراء الغربية: مشروع الحل
-
المجتمعات الثائرة وسبل استيعاب الإسلام السياسي
-
الأمم المتحدة : مشروع الإصلاح
-
ثمن الرضوخ للدكتاتورية
-
القضية الفلسطينية: مقترح عملي لإقامة الدولة الفلسطينية المست
...
-
تونس الثورة : من دكتاتورية إلى أخرى
-
الدّين والسياسة : زواج بعقد طلاق
-
العلمانية : ما لها وما عليها
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
هكذا تكلم محمد ابراهيم نقد
/ عادل الامين
المزيد.....
|