أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - في صدد الرواية والواقعية الأدبية















المزيد.....

في صدد الرواية والواقعية الأدبية


ابراهيم زهوري

الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 17 - 20:47
المحور: الادب والفن
    



إلى من ينتظر موعدا للراحة الأبدية
مبتسماً،
اذهب مطمئنا،
سأبقى إلى ما تبقى لي أنا الآخر،
أستأنس بمواعيدك... أحترمك وأنتظر.
تحية إلى "حنا مينا"
أصبح في استطاعتنا القول أن الرواية العربية في أقل من قرن ونيف تمكنت من ترسيخ مقولاتها الأدبية في ثقافة منطقتنا العربية من جهة وتمكين عناصر أهم أدوات عملها الداخلي من قص وتخييل وبناء صور الشخصيات المتعددة منسوجة بين حبكة ماكرة ودهاء السرد وقدرتها من جهة أخرى على قول كل شيء مكتسبة أعداداً متنامية من الكتاب والقراء على حد سواء، هذا حصل رغم كل المعوقات التي رافقت ميلاد هذا النوع من الإنتاج الفني محلياً. فعلى سبيل المثال كانت الترجمة وسيلة القارئ الحديث المهجوس بصدمة الحداثة إثر احتكاكه بالغرب الصناعي المتحول حينها للتعرف إلى هذا الوافد الجديد، حيث يمكن القول أن معظم تلك الترجمات كانت محرفة ومشغول فيها غايتها التلاؤم مع البيئة المحلية، ولم يكن هناك أيضا ثمة مقاييس مطلقة عن الفن الروائي والدليل على ذلك تاريخ الرواية المصرية الحديثة كله واحتجاج كل من طه حسين والمازني والحكيم - من الناحية النظرية البحتة – حول عدم حتمية النسق الأوروبي للرواية المصرية في إشارة واضحة حينذاك على بيان مستوى التفاوت الحضاري بين طرفين غير متكافئين في الإمكانات وهو أيضاً دلالة على علاقة التبعية المنفعلة وسلبية انكفائها سواء في ارتدادها من ناحية الوعي أم في لهاثها للتقليد الأعمى وإن بدا ضرورياً حينها لأسس التيارات الفكرية والأدبية التي شهدتها هذه العلاقة الملتبسة التي وضعت الرواية المصرية على مسار تطورها الخاص بما اقتضته كل مرحلة على حدة في إنتاج واقعها الفني، جورجي زيدان وأعماله مثلاً مقابل رواية "الرغيف" 1939 لتوفيق يوسف عواد وحضورها الخاص في الرواية العربية ودليل إنجازاتها الفنية والموضوعية مما يجعلها من الروايات الرائدة في مسيرة الرواية العربية.

إن الرواية كعمل فني موضوعي عند تأسيس عالمها الداخلي الخاص ينبغي أن تزحزح وتلغي العالم المحيط بها، يتوجب على الكاتب أن يمتع قارئه ويخلبه بعالم روايته المستقل، فعلى الرواية أن تحررنا من عالمنا وتسمح لنا بالولوج إلى العالم التخييلي الذي تشيده - في حين يحذو الكاتب إلى المحاكاة الجمالية لمستقبل أكثر تفتحا قد لا يبدو بعيد المنال-، ثم تبقينا بفعل تأثير سحرها هناك وتمنعنا من الرجوع، وذلك لا علاقة له بالمكان الذي يعيش فيه الكاتب بقدر أهمية الواقع الفني الذي يهيمن ويستحوذ على رؤى الوعي النقدي الجمالية عند المؤلف، فالرواية كما هو معروف ارتبطت تاريخياً بالتجمعات البشرية الحضرية المعقدة التي تتجه نحو التشكل في وحدات مدينية منفعلة وفاعلة بالإجتماع وتحديداً من خلالها آليات تقدمها المشروط بأسبابه الحضارية، أي ارتباط الرواية بالمدينة وبالحداثة والمجتمع المدني الحديث، وبالعودة إلى جوزيه أورتيغا، جورج لوكاش، فيكتور شكلوفسكي، رونالد بارث، جورج بولييه، ألان روب غرييه، نجد أن واقع الرواية العربية وجودة قرائة طبيعة تطور سياقها التكويني يكون أساساً في تاريخ التطور للأنساق المعرفية والإيديولوجية للعالم العربي في توقهما لتأسيس نص يتمتع بعلاقة جدلية مع واقعه لكنه يصطدم بنقيض ما يطمح لتأسيسه، واقع مفتت هزيل وغير جدلي محكوم بالفشل والثبات وفي محاولة محاورة بنيات متخلفة على صعيد الوعي المفهومي الذي يمكن أن يحتضن الشكل الروائي وينمي نزعاته الإنشائية السردية، من هنا كان وقوع النصوص العربية على فرادتها أحياناً في المباشرة الواقعية إذ لم تأسس لعلاقات رؤيوية صريحة تميز شخصيتها الجمالية كعنصر أدبي متميز يفيض برحابة الشكل ويحقق نضج المضمون، أي أننا وقعنا في شرك التقريرية المباشرة في البناء الداخلي لعناصر الرواية فلم نعتد النفاذ إلى ما هو جوهري - على حد تعبير الناقد فيصل درّاج - في تفاصيل القول أو الخطاب الروائي العميق من ناحية الدلالات الإنسانية وعلاقاتها الداخلية تجريبة كانت أم تجريدية في استنطاق المكان والزمان السردي وتأثيرهما على شخوص العمل في صياغة مفتوحة لتعدد الأقوال التخييلية حيث تأخذ مسارات مختلفة لسردية الأنا الحميمية (حنا مينة) في بعض رواياته التي تستأنس بالأثر الإيديولوجي الإرادوي على حساب متعة الخيال وفتنة السيرورة الأدبية وفي ارتباك الكتابة التحريضية في بعض أعمال غسان كنفاني. ومع ذلك يبقى قول بريان غلانفيل "أن النظرية أبغض شيء للرواية".

إن المغامرة الروائية قد مرت بمراحل بارزة في تطورها التقني ضمن إطارها التاريخي الإجتماعي العام، منذ نشأتها التقليدية في كنف الإقطاع، مروراً بإنجاز المذاهب الأدبية الحديثة من رومانسية، وطبيعية، وواقعية... الخ. ومع أن هذه المذاهب الأدبية قد أحدثت تطويرات جزئية في الشكل والمضمون الروائي، فإن الرواية ظلت تحمل هويتها التقليدية، حتى جاء جيمس جويس في (صورة فنان شاب) و (يوليسيس)، ومارسيل بروست في (البحث عن الزمن الضائع) فألغيا بعدي الزمان والمكان، ودمرا الحواجز بين الشعر والرواية، ونزعا القيود عن اللاوعي فتدفق المونولوج. ثم استكمل آلان روب غرييه وميشال بوتور، وناتالي ساروت المغامرة الروائية في أبعادها الجديدة فكانت نهاية الرواية التقليدية برفع شعارات ناقضة للشكل السكولاتي للفعل الروائي نفسه مفسحين المجال أمام التجريب الذي دعمته المناخات الإجتماعية الحاضنة للتجديد والتجاوز إلى مرحلة الإبداع الذاتي الحر الذي يبحث عن دروب جديدة للكشف على صعيدي الشكل والمضمون.

إن مبادئ الواقعية المتجلية في طريقة النمذجة الفنية، أي التصوير الصادق للشخصيات النموذجية في الظروف النموذجية لحيواتهم، قد حددت سمة الشكل الفني للواقعية في تعميمها ظاهرات الواقع؛ الواقعية هي التجسيد الفني لحقيقة الحياة في أشكال الحياة الواقعية ذاتها حيث لا يمكن للكاتب أن يكون واقعياً دون كشف عالم الإنسان الداخلي من كل الجوانب وفي علاقاته السببية بالعالم الخارجي، دون تصوير أفعال وعلاقات الناس من خلال الشروط الإجتماعية والنفسية، ودون تجسيد الحياة بناسها الفاعلين المنفعلين في صورتها الملموسة تاريخياً وفي نبض تطورها (نجيب محفوظ) في الثلاثية يمكن أن يكون هنا مثالاً واضحاً، لكن ليس مطلوباً من الأعمال الفنية أن تكون انعكاساً ميكانيكياً فجاً وشكلاً تبسيطياً للواقع، أي لا يمكن للفن أن يكون نسخة بسيطة وتبسيطية عن الواقع.

التفاصيل المصورة بأمانة للشكل الخارجي لوحده لا يقرر مسألة واقعية العمل الفني، قال بلزاك مرة "لا يبدو كل ما يجري في صميم الواقع صحيحاً في الأدب، وليس كل ما هو صحيح في الأدب صحيحاً في الواقع" فالتصوير الواقعي هو ما تتميز به الطبيعة الإنسانية من ولع بنقل تفاصيل عالم الأشياء، حركة المشاعر والشكل الخارجي للإنسان يتفق، من حيث المبدأ، ومتطلبات التصوير الواقعي في شغفه لإلتقاط حسي وفني لجوهر وأعماق الظاهرة الحياتية باعتبارها تجربة غنية للكشف والدلالة ومن هنا فضل بعض النقاد والكتاب التحدث عن حقيقة الحياة في جوهرها الحميمي العميق والوصول إلى ما يمكن أن نسميه أسرارها الكامنة والكاملة ضمن إتجاهاتها النسبية فمهما كان خيال الفنان بعيداً عن الواقع فكل ما يعكسه، حتى وإن صور أشكالاً خيالية صرفة كالشياطين والجن والأشباح والعالم الآخر بعض أعمال (شكسبير) و (سرفانتس) في دون كيخوته، لن يخرج مع ذلك عن إطار العالم الواقعي الذي سيضفي سماته وملامحه على عالم الخيال، فكل تصوير فني للحياة يحمل طابعاً نسبياً نابعاً من طبيعة الفن ذاتها كانعكاس فني وغني للواقع، وبدون هذه النسبية يفقد الفن سمته المميزة، حتى الفانتازيا في جوانب تجلياتها المغرقة في الرمزية لم تفقد مغزاها الحياتي العام، فشخصية مفيستيفوليس الفاوستية لا تدل على أن غوته الشاعر والفيلسوف يبشر بالعالم الآخر وباللامعقول كمصدر حقيقي للحقيقة الوجودية، فمثل هذه الصور استخدمها الكتاب دون أن يخلقوا أوهاماً حول طابع الرمز وغرضه واتجاهات أبعاده الفنية، في (الجلد المسحور) لبلزاك تغدو الظروف الموضوعية والذاتية لتحولات شخصية البطل الدراماتيكية قطعة جلد مرقطة هبطت عليه من فوق بواسطة عجوز مجهول.

لم تلق الرواية في بداية عهدها اهتماماً من قبل الكلاسيكية، كما كان صعباً على الرومانتيكية أن تنسجم مع طبيعة الرواية في تصويرها التحليلي الموضوعي للحياة ومع ذلك حققت انتشاراً واسعاً مقارنة مع الأشكال الفنية الأخرى. عرَّف هيغل الرواية على أنها ملحمة البرجوازية وتختلف عن الملحمة القديمة (هومر) بأن مصير البطل وهنا الشخصية يجسد بؤرة الحدث في تشابكه مع علاقات المجتمع المختلفة، ومن ثم جاء بيلينسكي ليرفع قصور التعريف الهيغلي بإضافته أن الرواية هي ملحمة الزمن الجديد كنتاج للتطور الاجتماعي المعقد المتشابك، في حين ربط إميل زولا مصير الرواية بالتغيرات الجارية في الأدب مع تطور الواقعية حيث ترقى الرواية إلى مرتبة الملحمة لأنها لا تعكس فقط في مضمونها مصائر إنسانية بل ومصائر شعبية مرتبطة بأحداث ذات مغزى تاريخي (مدن الملح) لعبد الرحمن منيف، والياس خوري في (باب الشمس) على سبيل المثال.

إن تطور العالم الداخلي للإنسان ومختلف التناقضات التي تنشأ في سيرورة الحياة الاجتماعية وفي علاقات الفرد بالمجتمع هي في أساس اهتمامات الأعمال الواقعية، الحياة والتاريخ يطرحان الموضوع وهو بدوره يصبح نتاج المخبر الإبداعي للكاتب إلى نموذج مجسداً في صور فنية ديالكتيكية تتخذ أشكالاً متخيلة تماماً، توماس مان، غوستاف فلوبير، تشيخوف،، الغيطاني، الطاهر وطار وغائب طعمة فرمان، ولأن الفن كأحد الأشكال الروحية الراقية للنشاط الإنساني يرتبط بتطور النزعة الإنسانية والفكر الاجتماعي الأخلاقي بمدلولاته الجمالية يدفعنا ذلك إلى القول بأن محدودية أفق الحياة يعني في المقام الأول محدودية مضمون الفن حسب بيلينسكي، وحيثما تكون الحياة يكون الأدب، ولا أدب بلا حياة.



#ابراهيم_زهوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا ما قاله محمود خليل في لحظة غفلة
- السؤال عن واقع الحال قبل ربيع الثورات
- فراشة الكائنات سحر واختصار الأرض همس أرنبة, رفات قوس الماضي ...
- جرار نبيذ , لحم القطط وفتوى آخر الزمان
- أرواح تتراقص , مثوى قرى الجليل وحارس يقطع الماء
- في العلاقة بين الدولة والطائفة
- خيمة تضاريس,أشعار مبعثرة وحمّام نبع المنحدر
- بصدد المشروع الوطني الفلسطيني
- في الطائفية السياسية
- سراب فراش أبيض , سلك معدني وحشرات تراب ندي
- هذه الأفواه , والإنجيل المطرز ووشايات الأكياس المغلفة
- حقبة تفريخ الصهيونية
- في الصنم .... ما يشبه صورتي عطر تلك الأغنية وعلى الخارطة صلص ...
- في العناوين الجديدة موّال غياب ميلاد أقنعة والصدى شوق ألف أل ...


المزيد.....




- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - في صدد الرواية والواقعية الأدبية